Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all 1343 articles
Browse latest View live

لماذا نهتم بصحة وسلامة غذائنا؟

$
0
0
لماذا نهتم بصحة وسلامة غذائنا؟





زين ربحي حمد






صحة وسلامة الغذاء تعنيان خلو الغذاء من أي ملوث كيميائي أو ميكروبي ضار بالصحة عند استهلاكه. وتبدأ مسؤولية المستهلك عند شراء الطعام، ومن ثم تخزينه وتحضيره وطبخه وتقديمه وتناوله والتعامل مع ما يتبقى منه. وفي حالة عدم التعامل بكل ما سبق بالطريقة الصحيحة، فإن ذلك سيؤدي إلى انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق الطعام.
وعلى المستهلك التأكد من صحة وسلامة المواد الغذائية وذلك عبر الخطوات التالية:
أولاً: الشراء:
• عند شراء منتجات اللحوم والدجاج والمواد الغذائية المجمدة، يجب أن يكون ذلك في آخر مطاف التسوق.
• يجب عزل أو فصل أكياس اللحم والدجاج عن المشتريات الأخرى، وخصوصاً أنواع المأكولات الجاهزة للأكل ومواد التنظيف.
• تأكد من أن منتجات اللحوم والدجاج الطازجة مبردة قبل الشراء.
• تجنب شراء المعلبات التي بها عيوب بارزة في الشكل، مثل الانتفاخ أو الاعوجاج. وإذا كانت العودة إلى البيت تحتاج لأكثر من ساعة على الطريق، يجب وضع المأكولات السريعة التلف داخل السيارة (وتشغيل المكيف) وذلك للمحافظة على سلامتها وجودتها.
ثانياً: التخزين في البيت:
• تأكد من درجة الحرارة في البراد والمجمد (الفريزر) باستخدام ميزان حراري.
• يجب أن تكون درجة حرارة البراد أقل من أربع درجات مئوية، والمجمد (الفريزر) 18 درجة مئوية تحت الصفر. حيث يقل تكاثر معظم أنواع البكتيريا التي تنتقل بواسطة الطعام عند درجة حرارة أربع درجات مئوية، ويتوقف تكاثر البكتيريا عند 18 درجة مئوية تحت الصفر.
• عند الوصول إلى البيت، يجب وضع اللحوم والدجاج والمواد الغذائية المجمدة في البراد أو المجمد (الفريزر) فوراً.
• استخدم الأكياس البلاستيكية لحفظ اللحوم والدجاج، أو ضعها في طبق لمنع تسرب السوائل منها إلى المأكولات الأخرى. ويجب تخزين معلبات اللحوم والدجاج في مكان بارد ونظيف وجاف، وتجنب تخزين المعلبات عند درجات الحرارة العالية، التي يمكن أن تضر بالمأكولات المعلبة.
• يجب عدم تخزين أي نوع من المواد الغذائية الجافة تحت حوض الغسيل في المطبخ، كما يجب تخزين المأكولات في مكان مرتفع عن الأرض ومنفصل عن مواد التنظيف.
ثالثاً: مرحلة ما قبل التحضير:
• إن أهمية غسل الأيدي كبيرة جداً. وهذه العملية البسيطة هي من أرخص الوسائل التي يمكن استخدامها لمنع انتقال الأمراض والعدوى، ويجب أن تغسل اليدين (حتى مع استعمال القفازات) بالصابون والماء لمدة 20 ثانية قبل مباشرة تحضير الطعام.
• يجب غسل اليدين بعد تحضير اللحوم النيئة والدجاج والمأكولات البحرية والبيض، وبعد لمس الحيوانات، وبعد استخدام الحمام، وبعد تنظيف الأنف.
• يجب منع امتزاج السوائل الناتجة عن اللحوم والدجاج والمأكولات البحرية النيئة مع الطعام المطبوخ، أو الذي لا يحتاج إلى طبخ مثل الخضار والفاكهة والسلطات.
• تنظيف طاولة التحضير والأدوات والأطباق ولوحة التقطيع بالصابون والماء، فور الانتهاء من استخدامها. ويمكن تعقيم طاولة التحضير ولوحة التقطيع والأدوات الأخرى باستخدام محلول الكلورين ومزج ملعقة واحدة من المطهر المنزلي مع جالون من الماء.
• إذابة اللحوم او الدواجن او السمك بعد اخراجها من علبة التجميد بالبراد، ويجب ان تتم بوضعها على رف البراد، لئلا تتساقط قطرات من سوائلها على الطعام. وتجنب اذابتها بوضعها على سطوح المجلى لأن درجات الحرارة الدافئة تشجع الجراثيم على التكاثر والنمو
رابعاً: الطبخ:
• يجب دوماً طبخ الطعام جيداً.. وفي حالة وجود بكتيريا ضارة، فإنه لا يمكن التخلص منها إلا بواسطة الطبخ الجيد. والتجميد أو غسل الطعام بالماء البارد لا يكفي لقتل البكتيريا.
• يجب عدم تجميد الطعام المطبوخ جزئياً ليتم تكملة طبخه لاحقاً. ويجب طبخ منتجات اللحوم والدجاج بالكامل وبصورة جيدة وكاملة، وبعدها يمكن إعادة تجميد الطعام ليتم تسخينه لاحقاً.
خامساً: تقديم الطعام:
• يجب غسل اليدين بالماء والصابون قبل تقديم أو تناول الطعام. ويجب تقديم الطعام المطبوخ في أطباق نظيفة واستخدام أدوات المائدة النظيفة.
• تجنب استخدام الأطباق المستخدمة للحوم النيئة لتقديم الطعام المطبوخ، إلا بعد غسلها بالماء الساخن والصابون.
• يجب المحافظة على حرارة المأكولات الساخنة عند 64 درجة مئوية وما فوق، والمأكولات الباردة عند أربع درجات مئوية أو دون ذلك.
• لا تترك الطعام المطبوخ في درجة حرارة الغرفة لأكثر من ساعتين. وفي الأيام الحارة (32 درجة وأكثر) تقل هذه الفترة إلى ساعة واحدة.
سادساً: كيفية التعامل مع الأطعمة المتبقية:
• يجب غسل اليدين قبل وبعد تناول الكميات المتبقية من الطعام. كما يجب استخدام أدوات وأطباق نظيفة.
• يفضل تقسيم الأطعمة المتبقية إلى كميات صغيرة، ووضعها في أطباق ضحلة لتبرد بسرعة. ويجب وضعها في البراد خلال ساعتين من طبخها. وتخلص من كافة الأطعمة المتبقية التي بقيت لفترة طويلة بدون تبريد.
• تجنب تذوق الطعام للتأكد من أنه غير صالح. وعند إعادة تسخين الأطعمة المتبقية، يجب تسخينها جيداً لتصل حرارتها إلى أعلى من 63 درجة مئوية، كما يجب غلي الحساء.
سابعاً: إجراء صحة وسلامة الغذاء في المطاعم والمستشفيات:
• يجب على العمال ارتداء زي موحد نظيف وقت العمل مع غطاء للرأس، ويفضل أن يكون الزي من اللون الأبيض، مع حفظه في دواليب خاصة.
• إبعاد أي عامل عن المحل تظهر عليه أعراض مرضية، أو تظهر في يديه بثور أو جروح أو تقرحات جلدية، أو يتضح مخالطته لمريض مصاب بمرض معد.
• على العمال ارتداء القفازات الصحية التي تستخدم مرة واحدة عند العمل في تحضير الوجبات الغذائية والسلطات، ويجوز للجهات المختصة إبعاد أي عامل عن العمل إذا رأت أن عمله يشكل خطرا على الصحة العامة.
• عدم إرتداء المجوهرات وضرورة قص الأظافر.
• ضرورة العناية بالنظافة العامة والتخلص من النفايات في أوعية بلاستيكية مع إغلاقها جيدا ووضعها في الأماكن المخصصة لها.
لماذا نهتم بصحة وسلامة الغذاء؟
وجواباً عن هذا السؤال، يجب علينا ان نهتم بمبادئ صحة وسلامة الغذاء، سواء أكان هذا داخل منازلنا أو مطاعمنا أو مستشفياتنا وداخل مقاصفنا المدرسية، أي داخل كل غرفة يطلق عليها مطبخ، وذلك للوقاية مما يعرف بالتسمم الغذائي.
ويعرف التسمم الغذائي بأنه حالة مرضية مفاجئة تظهر أعراضها في مدة تتراوح ما بين ساعة واحدة وثلاثة ايام على شخص أو عدة أشخاص، عقب تناولهم أغذية ملوثة بالبكتيريا، أو السموم التي تنتجها هذه الكائنات، وايضا الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والطفيليات ومواد كيماوية سامة، مثل التسمم الناتج عن تناول الفطر.
وتشمل الأعراض: قيئاً واسهالاً ومغصاً وارتفاع حرارة.
وأكثر الأطعمة التي تسبب التسمم الغذائي هي:
• اللحوم الحمراء والبيضاء النيئة بأنواعها.
• البيض النيء او قليل النضج.
• الحليب والجبن غير المبسترين.
• الفواكه والخضر النيئة وغير المغسولة.
• الاطعمة المحفوظة منزلياً.
• الحبوب المخزنة والأغذية المجففة.
• المعلبات بأنواعها: لحوم أو خضراوات.
• الماء.
وتذكر دائماً أنك تعيش حياة واحدة وتملك جسماً واحداً، فإذا لم تهتم بنفسك فمن يهتم بك؟


كيف يتوازن الجسم؟

$
0
0
كيف يتوازن الجسم؟





الدكتور عبد الحي عباس






الدوار واضطراب التوازن مرض كثير الحدوث، وبخاصة لدى كبار السن، وله تداعيات شديدة الخطورة، كالسقوط والارتطام بالأرض. وعليه يجب أخذ هذا الأمر على محمل الجد والمسارعة لعلاجه.

ومعروف أن أعضاء الجسم تضعف مع التقدم بالسن، أو يصاب جزء منها، فتحدث صعوبة في حفظ التوازن عند السير أو القيام ببعض الحركات، ويصبح الحفاظ على التوازن أمراً يتطلب جهداً، وربما بعكاز أو شخص يستند عليه، وتكثر حوادث السقوط. ويساهم وهن العظام لدى الكبار في سهولة حدوث الكسور، وبخاصة كسر عنق عظم الفخذ، وهو من الأسباب الشائعة لوفاة كبار السن، وذلك رغم التطور الحاصل في جراحة العظام.
ولفهم الدوار واضطراب التوازن لا بد من فهم الآلية التي يحفظ بها الجسم توازنه. ويتم ذلك بتأمين أمرين:
1- منع السقوط: وذلك بإبقاء مركز ثقل الجسم ضمن قاعدة ارتكازه على الأرض، وهو مبدأ فيزيائي معروف، فيميل الشخص إلى اليمين أو الشمال، أو إلى الأمام أو الخلف، وربما يوسع بين القدمين، ليؤمن ذلك الهدف. ولا بد أن يتم ذلك بسرعة كبيرة ، وبشكل مستمر، في مختلف الحركات اليومية.
2- المحافظة على خيال الأشياء المرئية على شبكية العين ثابتاً، بالرغم من تحرك هذه الأشياء، أو تحرك الرأس. وهو أمر ضروري للمحافظة على وضوح الأشياء المرئية، وإلا أصبحت كمن ينظر إلى صورة فيديو تتحرك خلال أخذها آلة التصوير، تختلط الرؤية وُيفقد التوازن.

كيف يتوازن الجسم؟

يتم ذلك بعملية تُشارك فيها أجهزة مختلفة في الجسم.
• هنالك أولاً مركزٌ للقيادة في أسفل الدماغ يتألف من بنيات عصبية مترابطة فيما بينها، تتلقى معلومات دقيقة عن أية حركة في الجسم من مصادر عدًه، ُتقارنها وُتقاطعها وتَخرج بنتيجةٍ تُرسل على أساسها أوامر تناسب تلك النتيجة.
• مراكز محيطية مهمتها إخبار المركز العصبي بكل تغيّر يطرأ على وضعية الجسم، وبكل حركة يتحركها، ليستطيع المركز معرفة الوضعية الجديدة بدقة، ويتصرف حسبها. ومراكز الاستخبارات المحيطية هذه هي بشكل رئيسي ثلاثة:
1. العينان: وهي بالرؤية المباشرة ترى الوضع الجديد وتُخبر به مركز القيادة.
2. ما يسمى بالإحساس العميق، وهو إحساسٌ موجود في أربطة المفاصل وأوتار العضلات، كونها مزودة بنهايات عصبية تشعر بتقلص أو ارتخاء العضلات، كما تشعر بتغير الشد الواقع على أربطة المفاصل. وعندما تتغير وضعية الجسم يتغير الشد الواقع على الأربطة والأوتار، فيزداد في جهة وينقص في الجهة المقابلة. تنقل النهايات العصبية الخاصة هناك هذا التغير بأعصاب خاصة، إلى مركز القيادة، بإشارة سبق التعارف عليها، فيفهم منها المركز الوضعيةَ الجديدة ويتصرف حسبها.

مفصل عنق القدم:

ربما كان أهم مفصل في هذه الوظيفة مفصل عنق القدم، حيث إن تغير وضعية هذا المفصل عند السير على أرض وعرة هي التي تخبر المركز عن ميلان الأرض التي يسير عليها الشخص، فيأمر المركز الجسم بالميل إلى الأمام أو الخلف ليمنع السقوط. وتثبيت عنق القدم (لحدوث كسر أو تمزق في رباط) يسبب صعوبة في حفظ التوازن أثناء السير على أرض غير مستوية.
3. الأذن بقسمها الباطن: للأذن ثلاثة أقسام هي الخارجي والأوسط والباطن. في الأذن الباطنية قسمان: قسم يدعى الحلزون وهو القسم المختص بالسمع، وقسم يدعى الدهليز وهو مختص بحفظ التوازن.

وفي الدهليز نوعان من التراكيب التشريحية:
الأول، يتألف من ثلاث قنوات متعامدة على بعضها، وهي مملوءة بسائل خاص بها. في هذه القنوات نهايات عصبية تتنبه بتحرك هذا السائل. ولا يتحرك هذا السائل أثناء الحركات المختلفة إلا عندما يدور الرأس، وذلك بفعل عطالة هذا السائل، كما يتحرك الماء في كأس عند تدويرها. ونتيجة لذلك، فإن النهايات العصبية في هذه القنوات تتنبه عندما يدور الشخص، وباتصالاتها العصبية ترسل المعلومات الخاصة بهذا الدوران إلى مركز القيادة. وكل تنبّه فيها يعني بالنسبة إلى المركز دورانا في الرأس باتجاه وسرعة محددتين.
أما الجزء الآخر من الدهليز فيتألف من جوفين مملوءين أيضاً بسائل، وفيها نهايات عصبية تتوضع عليها بلورات حجرية تضع وزناً عليها. ويتغير هذا الوزن الضاغط بتغير وضعية الرأس، أو عند التحرك بشكل خطي كما في الصعود في مصعد. وتغير هذا الوزن الضاغط ينبه النهايات العصبية، وهي بدورها ترسل إشارات إلى المركز تدل على صفات الحركة الخطية التي قام بها الجسم.
مركز القيادة إذن يعرف أية حركة نقوم بها سواء كانت مستقيمة أو دورانية من الإشارات التي تأتيه من دهليز الأذن الباطنية.
والخلاصة أن مركز القيادة يتلقى معلومات من العينين، ومن الأذنين، ومن النهايات العصبية للحس العميق. ويحلل ويقاطع هذه المعلومات ليخرج بتصور للوضعية الجديدة، فهو بذلك يرسم وضعية للجسم متغيرة باستمرار، ويرسل بناء على هذه الصورة الأوامر اللازمة، عن طريق أعصاب خاصة، إلى العضلات في الأطراف والجذع، لتأخذ وضعية معينة تضمن عدم السقوط. كما يرسل أوامر لكرة العين، لتتحرك بشكل ناعم حركة تثبّت بها أخيلة المرئيات على الشبكية بالرغم من حركة الرأس، محافظة بذلك على وضوح الصورة. هذه بتبسيط شديد آلية حفظ التوازن.

ينتج عن ذلك أنه إذا ضعفت الإشارات الواردة، كما في ضعف الرؤية، أو ضعف أعصاب الحس العميق، كما في الإصابة بالسكري، نقصت الإشارات الواردة، والتي تحمل للمركز المعلومات اللازمة عن أي تحرك، ونقصت القدرة على حفظ التوازن. كما أنه إذا وردت إشارات خاطئة نتيجة لإصابة في دهليز الأذن الداخلية، كالتهاب، أو ازدياد في ضغط السائل، أو سقوط البلورات المذكورة سابقاً من مكانها، فإن المركز وبفعل عمله الانعكاسي وبرمجته السابقة، لا يميز للوهلة الأولى بين الإشارات الصادقة والإشارات الخاطئة الناتجة عن المرض، فيرسل أوامر لا لزوم لها إلى العينين، تحركهما بلا لزوم، وتبدو الدنيا وكأنها تدور. كما يرسل أوامر إلى العضلات في الجذع والأطراف، فتأخذ وضعية لا لزوم لها تـُخرج مركز الثقل عن دائرة الارتكاز، ويسقط الشخص.

آلية التوازن

1- آلية التوازن هي آلية فضفاضة، لديها قدرة على حفظ التوازن أكثر مما تتطّلبه الحركات الضرورية للحياة العادية، وهذا أمر طبيعي في الجسم في الأمور الحيوية المهمة. إذا َدرّب الإنسان آلية التوازن بقدراتها الواسعة، أمكنه القيام بأعمال تحتاج إلى قدر كبير من التوازن غير ضروري في الحياة العادية، كما في السير على الحبل وفي الحركات البهلوانية.
2- هذه الآلية، والتي تمت برمجتها في الطفولة، قابلة لإعادة البرمجة. ثبت ذلك في تدريب رواد الفضاء الذين أمكنهم اكتساب القدرة على حفظ التوازن في أحوال انعدمت فيها الجاذبية الأرضية.
3- وربما كان من أهم مميزات آلية التوازن قدرتها على التأقلم والتعويض. مركز القيادة يصحح معلوماته بالتدريب، ويتأقلم مع نقص المعلومات الواردة، فيحفظ التوازن بما بقي من عناصرها، الأمر الذي سيتم التركيز عليه في العلاج والوقاية.
لننتقل الآن إلى الحالة المرضية، وهي حدوث خلل في هذه الآلية. وهذا الخلل في التوازن يحدث من أحد الأسباب التالية:
1- ضعف أو مرض في أحد الأجهزة المحيطية المسؤولة عن إخبار المركز بتغير الوضعية.
2- وصول تقارير متضاربة من هذه المراكز، بالرغم من سلامتها، كما في دوار البحر ضمن غرفة، حيث تراها العين ثابتة، وتخبر الأذن بوجود حركة.
3- إصابة في المركز نفسه نتيجة نقص في الإرواء الدموي، أو ورم، أو تنكّس (التصلب اللويحي وباركنسون) أو غيره.
ولا يهمنا هنا الدخول في تفصيل الأمراض المختلفة.
مظاهر الضعف العام

تزداد إصابات جهاز التوازن بتقدم العمر لأكثر من سبب، فالأعضاء المسؤولة عنه تضعف قدرتها كمظهر من مظاهر الضعف العام في الشيخوخة، فالبصر يضعف، والمفاصل تفقد طراوتها، والمركز في الدماغ تتناقص قدرته مع تناقص قدرات الدماغ الأخرى، والعضلات المسؤولة عن تنفيذ الأوامر تضعف هي أيضاً. وقد يضاف إلى ذلك ويساهم في خلل التوازن أمراض أخرى كالسكري وتصلب الشرايين.
ومما يزيد الطين بلّة في الكبار، قلة النشاط، ونقص الحركة وهنا بيت القصيد من كل ما ذكر.
وجهاز التوازن، مثلُ كثير من الأجهزة، يضعف إذا ضعف استعماله. لذلك كان لابد للمحافظة على وظيفته أو لاستعادة ما فقد منها، من استعماله وتدريبه، وذلك للاستفادة من قدرته على التعويض وعلى إعادة البرمجة. إن خير ما يقوم به المصاب بالدوار أو باضطراب في التوازن، هو الحركة، الباكرة حالما تسمح حالته (إن كانت حادة) بذلك وإن الراحة التي توصف لكثير من الأمراض هي مضرة في حالات الدوار واضطراب التوازن .
وإنه من الضروري، وفي الكبار خاصة، وهم يميلون عادة للراحة والسكون، أن يكون لهم برنامج يومي لحركات تهدف المحافظة على آلية التوازن وتقويتها، وهي تشمل نوعين من الحركات:
1 - حركات للرأس: وذلك بتحريكه في كل الاتجاهات مرات متكررة، وبالسرعة المريحة، بقصد تقوية عمل الأذن التوازني.
2 - حركات للجذع والأطراف تتطلب جهداً توازنياً متزايداً كما في الأمثلة التالية: وهي مأخوذة من نشرة صحية لجامعة هارفارد.

عطف القدم:

1. قف بشكل مستقيم، ممسكاً بطاولة أو بكرسي لتحفظ توازنك.
2.قف ببطء على رؤوس الأصابع بقدر ما تستطيع، وابق لثوان.
3. اخفض العقب ببطء إلى الأرض. كرر الحركة 8 - 15 مرة.
4. استرح دقيقة واحدة، كرر الحركة 8 - 15 مرة. وأضف بعض التعديلات حسب تطورك (أمسك الكرسي بيد واحدة، ثم برأس إصبع واحدة، ثم من دون استناد، ثم إذا وجدت لديك القدرة أعد التمرين مع إغلاق العينين).

عطف الركبة:

1. قف مستقيماً، ممسكاً بطاولة أو بكرسي لتحفظ توازنك.اعطف الركبة بقدر المستطاع بحيث تصبح القدم خلفك، وابق لثوان.
2. اخفض القدم ببطء إلى الأرض. كرر 8 - 15 مرة لكل رجل.
3. استرح دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك.

رفع الرجل جانباً:

1. قف مستقيماً والقدمين متباعدتين قليلاً، ممسكاً بطاولة أو بكرسي لتحفظ توازنك.
2. ارفع احدى الرجلين إلى الجانب ببطء (15 - 30 سم) (حافظ على استقامة الظهر والركبتين طيلة التمرين). ابق لثوان. اخفض الرجل ببطء. كرر الحركة 8 - 15 مرة لكل رجل.
3. استرح دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك.

عطف مفصل الفخذ:

1. قف مستقيماً، ممسكاً بطاولة أو كرسي لتحفظ توازنك.
2. اعطف ببطء إحدى الركبتين نحو الصدر، من دون ثني الخصر أو الظهر. ابق لثوان.
3. اخفض الرجل ببطء إلى الأرض. أعد المحاولة 8 - 15 مرة لكل رجل.
4. استرح دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك.

بسط مفصل الفخذ:

1. قف على بعد 30 - 45 سم من الطاولة أو الكرسي.
2. انحن عند مفصل الفخذ وتمسك بالكرسي وارفع ببطء إحدى الرجلين خلفك وهي مستقيمة. ابق لثوان، ثم اخفض الرجل ببطء إلى الأرض.
3. كرر الحركة 8 -15 مرة لكل رجل.
4. استرح مدة دقيقة واحدة، ثم كرر الحركة 8 - 15 مرة. أضف التعديلات حسب تطورك.

في أي وقت وفي أي مكان:

التمارين التالية تحسّن قدرتك على التوازن. باستطاعتك أن تقوم بها تقريباً في أي وقت وفي أي مكان، وبالتكرار الذي تريد، ما دام هنالك بقربك شيء ثابت يمكن الاستناد إليه إذا فقدت توازنك.
1. امش بحيث تكون عقب القدم بتماس أصابع القدم الثانية كلما خطوت خطوة.
2. قف على قدم واحدة (عندما تقف في الصف مثلاً انتظاراً لدورك في محل تجاري، أو لتركب باصاً). بدّل القدمين، قف واجلس دون أن تستعمل يديك.



متلازمة داون (المنغولية)

$
0
0
متلازمة داون (المنغولية)





الدكتور جابي كيفوركيان







تنتمي متلازمة داون Down Syndrome الى مجموعة من الإضطرابات الجينية (المورثات) Genetic، المصحوبة بتخلف عقلي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (إضافة الى متلازمة داون)، المتلازمات والاضطرابات التالية:
متلازمة الكروموسوم "X" الهش Fragile "X" Syndrome.
متلازمة بريدير – ويلي Prader – Willi Syndrome.
متلازمة بكاء القط (الهر) Cat's Cry Syndrome.
بيلة فنيل كيتونية Phenylketonuria.
اضطراب رت Rett's Disorder.
مرض التصلب المعجر Tuberous Sclerosis.

ونرى من المناسب، قبل أن نبدأ بشرح متلازمة داون، أن نعطي لمحة موجزة عن التخلف العقلي:
يعرف التخلف العقلي، حسب التصنيف الأمريكي للأمراض DSM-IV-TR، بأنه عبارة عن ضعف الوظيفة الذهنية العامة، بحيث تكون تحت المعدل الطبيعي بشكل ملحوظ، ويؤدي ذلك، أو يكون مصحوباً بضعف التكيف السلوكي. ويلاحظ كل ذلك خلال مرحلة تطور الطفل، وتحديداً قبل سن 18 عاماً.
وتحدد الوظيفة الذهنية العامة من خلال معايير معينة لفحص الذكاء Intelligence. ونعني بمصطلح "تحت المعدل الطبيعي بشكل ملحوظ"، أن يكون حاصل ذكاء Intelligence Quotient (ويرمز لهبالحرفين IQ) الطفل أقل من 70.
وأما "التكيف السلوكي" فيحدد من خلال معايير معينة لفحص مهارات التواصل والأداء اليومي والعلاقات الاجتماعية والمهارات الحركية، حسب سن الطفل. وحاصل الذكاء (إضافة الى النشاط و الأداء اليومي) هو الذي يحدد وجود أو عدم وجود التخلف العقلي عند الطفل. كذلك هو الذي يصنف درجات التخلف العقلي في حال وجودها.
وعادة يجب أن يتوافق السن العقلي (الذهني) Mental Age، ويرمز له بالحرفين MA للطفل، مع سنه الزمني (العضوي) Chronological Age ويرمز له بالحرفين CA.
وأما حاصل الذكاء IQ فيساوي النسبة بين السن العقلي والسن الزمني مضروب بمئة.
وبتعبير آخر نستطيع القول إن حاصل الذكاء (ح ذ) هو رقم يمثل ذكاء الإنسان، كما تحدده قسمة سنه العقلي (س ع) على سنه الزمني (س ز) وضرب حاصل القسمة بمئة.
ويتمثل حاصل الذكاء بالمعادلة التالية:
ح ذ = س ع × 100
ـــــ
س ز
إذاً نستطيع أن نقول إنه عندما يكون السن العقلي مساوياً للسن الزمني، تكون نتيجة المعادلة تساوي 100، وهو المعدل الطبيعي لحاصل الذكاء (علماً أن المعدل الطبيعي للطفل السليم عقلياً يتراوح بين 90 و 110، في حين يكون حاصل الذكاء عند الطفل المتخلف عقلياً تحت معدل 70). كذلك الأمر عندما يكون سن الطفل العقلي أقل من سنه الزمني بشكل ملحوظ، يعتبر الطفل متخلفاً عقلياً، وعندما يكون حاصل الذكاء أعلى من 110 يعتبر الطفل فائق الذكاء.
واعتماداً على حاصل الذكاء هذا نستطيع أن نصنف أو نقسم التخلف العقلي الى أربع درجات، هي:
تخلف عقلي بسيط: حاصل ذكاء من 50 – 69.
تخلف عقلي متوسط: حاصل ذكاء من 35 – 49.
تخلف عقلي شديد: حاصل ذكاء من 20 – 34.
تخلف عقلي عميق: حاصل ذكاء أقل من 20.
وبصورة مبسطة، نستطيع أن نعرف التخلف العقلي بأنه حالة صحية – عقلية، يصاب بها الإنسان قبل أن يصل سن 18 عاماً، وتتميز بحاصل ذكاء تحت المعدل الطبيعي، وعوز في المهارات الضروريةللعيش اليومي.
متلازمة داون

تعرف متلازمة داون بأنها اضطراب جيني (مورثي)، يؤدي الى ضعف دائم للمقدرة الذهنية (تخلف عقلي)، مصحوباً بتشوهات جسدية مختلفة. وبتعبير آخر نقول إن متلازمة داون عبارة عن خلل جيني يؤثر سلباً على التطور العقلي والجسدي، يتراوح من خلل تطوري متوسط، الى خلل تطوري شديد. ويعتبر السبب المورثي الأكثر شيوعاً لإصابة الطفل بعدم المقدرة الصارمة على التعلم. كذلك فإن متلازمة داون تشكل 11 في المئة من حالات التخلف العقلي.
وتبلغ النسبة الانتشارية لمتلازمة داون في الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من كل 750 ولادة. أما في المملكة المتحدة فتبلغ هذه النسبة نحو واحدة من كل 1000 ولادة. في حين تبلغ في فلسطين واحدة من كل 871 ولادة.
وسميت متلازمة "داون" بهذا الاسم نسبة الى الطبيب الإنجليزي John Langdon Down الذي قام بوصف هذه الحالة لأول مرة في مقال صدر له عام 1866، والتي اعتمد فيها على الميزات والخواص الجسدية المصحوبة بتخلف عقلي.
وقد سمى داون الأطفال المصابين بهذه الحالة "منغوليين" Mongoloids، حيث اعتمد في هذه التسمية غير الموفقة، على أن هؤلاء الأطفال يشبهون الشعب المنغولي بملامح وجوههم (امتداد و انحراف فتحة العين الى أعلى، وأنف مسطح).
وقد هوجمت هذه التسمية من قبل العديد من علماء الجينات (المورثات) الآسيويين في بداية الستينات من القرن الماضي، وذلك بسبب الوصمة والإهانة العرقية التي أصابت شعوب آسيا الشرقية. ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الحالة تعرف باسم "متلازمة داون" بدلاً من "المنغولية".
وأول من خمّن وافترض أن السبب الذي يقف وراء هذه المتلازمة هو خلل صبغي (كروموسومي)، هما العالمان Waardenburg و Bleyer في الثلاثينيات من القرن الماضي. وفي عام 1959 حدد العالم الفرنسي Jerome Lejeune السبب الذي يقف وراء متلازمة داون، وهو "التثلث الصبغي 21" (Trisomy 21). وبعد ثلاث سنوات من هذا الحدث تم تحديد حالات قليلة جداً من متلازمة داونتعود الى "الانتقال الصبغي" Trans******** و "الفسيفسائية" Mosaicism (سيأتي شرحه لاحقاً).
أسباب متلازمة داون

بعد اطلاعنا على العديد من المراجع والمصادر العلمية، وبعد مناقشتنا لمتلازمة داون مع العديد من الزملاء الاختصاصيين في الطب النفسي والعصبي والولادة، نستطيع وبكل ثقة أن نقول إن هنالك عدة نظريات وفرضيات تحاول شرح وتفسير الأسباب التي تقف وراء متلازمة داون. وحتى بعد اعتماد الأسباب الصبغية – الكروموسومية – فإن سبب متلازمة داون يبقى غير معروف ومعقد. ولا يمكن محاربة الأسباب أو الوقاية منها لعدم وضوح أسباب الخلل الكروموسومي (غير أنه من الممكن إجراء بعض الفحوصات الخاصة بجنين المرأة الحامل للتحري إن كان هنالك خلل جيني –سيأتي شرح ذلك لاحقاً-).
وقبل الدخول في شرح التغيرات الصبغية التي تؤدي الى إصابة الجنين بمتلازمة داون، نود أن نعطي لمحة موجزة عن الكروموسومات في خلايا الجسم السليم، أي في الحالات الطبيعية: تحتوي خلية الحيوان المنوي عند الرجل على 23 كروموسوماً. كذلك الأمر بالنسبة للبويضة عند المرأة، حيث تحتوي أيضاً على 23 كوموسوماً. بينما تحتوي باقي خلايا الجسم على 23 زوجاً من الكروموسومات (واحد من الرجل وآخر من المرأة).
وبعبارة أخرى يمكن القول إنه في الحالات السليمة تحتوي كل خلية طبيعية على 46 فرداً من الكروموسومات، منها 23 كروموسوماً من خلية الحيوان المنوي و 23 آخر من خلية البويضة.
وبالنسبة لإصابة الجنين بمتلازمة داون فإن النظرية الكروموسومية تستند على أن الكروموسوم رقم 21 يتعرض لتغيرات مختلفة، تؤدي الى إصابة الطفل بالخواص والمميزات الجسدية والذهنية المميزة لمتلازمة داون.
وتتمثل التغيرات الكروموسومية بثلاث صور مختلفة، هي:
تثلث الكروموسوم 21 (Trisomy 21): في هذه الحالة تحتوي كل خلايا الجسم على ثلاث نسخ من الكروموسوم 21، بدلاً من نسختين (زوج)، وبهذا يصبح مجموع الكروموسومات في الخلية 47 كروموسوماً بدلاً من 46. ويمثل هذا النوع 94 في المئة من حالات متلازمة داون.
الانتقال الكروموسومي (Trans********): في هذه الحالة ينتقل الكروموسوم 21 الإضافي (الثالث) ليلتصق أو يندمج مع أحد الكروموسومات الأخرى. وغالباً يحصل ذلك بين الكروموسوم 21 الإضافي وكروموسوم 14 أو 15. وبهذا يبقى مجموع الكروموسومات في الخلية الواحدة 46 كروموسوماً، إذ أن الكروموسوم الإضافي تم دمجه مع كروموسوم آخر. ويمثل هذا النوع 3,3 في المئة من الحالات.
الفسيفسائية (Mosaicism): في هذه الحالة تحتوي بعض الخلايا على ثلاث نسخ من الكروموسوم 21 (Trisomy 21)، في حين تكون الخلايا المتبقية طبيعية. أي أن جسم الطفل يحتوي على خلايا طبيعية وأخرى مصابة بتثلث الكروموسوم، بحيث يشبه النسيج (مجموع الخلايا) قطعة من الفن الفسيفسائي. بمعنى أن بعض الخلايا يحتوي على 46 كروموسوماً، والبعض الآخر يحتوي على 47. فمثلاً مجموعة من الخلايا (على سبيل المثال خلايا الدم) قد تحتوي على كروموسومات طبيعية، في حين خلايا أخرى (على سبيل المثال خلايا الجلد) قد تحتوي على تثلث الكروموسوم 21 (Trisomy 21) وهكذا.. ويمثل هذا النوع 2,4 في المئة من حالات متلازمة داون.
الوراثة:

وهنا نشدد على أن معظم حالات متلازمة داون ليست وراثية (ليست موروثة). وهي تحدث بسبب خطأ في انقسام الخلية خلال تطور الحيوان المنوي أو البويضة أو المضغة (الجنين). والنوع الوحيد من متلازمة داون الذي من الممكن أن ينتقل من الأب أو الأم الى الجنين، هو النوع الانتقالي Trans********، علماً أن الوالدين المصابين بهذا النوع من الاضطراب لا تظهر عليهما علامات وأعراض متلازمة داون. كذلك نود أن نلفت الانتباه الى أنه في حال إصابة الأم بهذا النوع من الاضطراب فإن احتمالية التورث تبلغ نحو 13 في المئة، أما في حال إصابة الأب فإن الاحتمالية تبلغ نحو3 في المئة فقط.
عوامل الخطر:

هنالك عدة عوامل (عدا الوراثة) تساعد على ولادة طفل مصاب بمتلازمة داون، هي:
سن الأم: كلما زاد عمر المرأة كلما زادت احتمالية حملها بطفل مصاب بمتلازمة داون. وذلك لأن البويضات المسنة معرضة للإصابة بانقسام كروموسومي غير طبيعي. فمثلاً احتمالية إصابة الجنين بمتلازمة داون لأم تبلغ 35 عاماً من العمر تساوي واحد في الـ 400 بينما في سن 45 تبلغ هذه النسبة واحد في الـ 35.
الإصابة السابقة: في حال ولادة أم لطفل مصاب بمتلازمة داون، فإن احتمالية ولادتها لطفل آخر مصاب بهذه المتلازمة تبلغ واحد في المئة.
الكروموسوم الانتقالي: وكما ذكر سابقاً، ففي حال كون المرأة أو الرجل حاملين لكروموسوم انتقال Translocated فمن الممكن أن يورثا الجنين بهذا النوع من الإصابة بمتلازمة داون.
عدم العلاقة بالإصابة:

لا توجد أي علاقة للإصابة بمتلازمة داون بالنسبة للعرق، أعني إن كان الإنسان أسمر اللون أو أصفر أو قمحي.. كذلك لا علاقة للتوزيع الجغرافي والثقافة والبيئة بذلك.
وأما بالنسبة لجنس الجنين (ذكر أم أنثى) فبعض العلماء والباحثين يولون أهمية لذلك، والبعض الآخر لا يعطي أي أهمية. ومع ذلك نستطيع القول إن الذكور أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة داون منالإناث بنسبة 1,15: 1.
الصورة السريرية

هنالك أكثر من مئة علامة وصفة يتميز بها الشخص المصاب بمتلازمة داون، غير أنه من النادر جداً أن نجدها كلها عند شخص واحد. ويعتبر التخلف العقلي الميزة المهيمنة والسائدة عند جميع الأشخاص المصابين بهذه المتلازمة. ويلاحظ أن أغلب الأشخاص المصابين بمتلازمة داون يتراوح تخلفهم العقلي بين متوسط وشديد، ونسبة قليلة فقط تعاني من تخلف عقلي بسيط.
ومن المهم أن نذكر أن التطور الذهني (العقلي) عند الطفل المصاب بمتلازمة داون يحدث ويتطور بشكل طبيعي في الأشهر الستة الأولى، ويبقى طبيعياً حتى نهاية السنة الأولى من عمره. ثم ما يلبث أن يبدأ حاصل ذكائه بالتدهور (ويبلغ حاصل ذكاء الشخص البالغ المصاب بمتلازمة داون ما يقارب الـ 30).
ويتميز الطفل المصاب بهذه المتلازمة بالهدوء والابتهاج (طفل سعيد) والتعاون (طفل مطيع) ويتكيف (يسلك) في البيت بسهولة. غير أنه في سن الرشد قد يعاني من مشاكل عاطفية وسلوكية، ونادراً ما يصاب باضطراب ذهاني Psychotic. كذلك فإن المهارات اللغوية عند الطفل المصاب بمتلازمة داون تكون ضعيفة، غير أن المهارات الاجتماعية تتطور وتقوى بشكل جيد، فيوصف الطفل بالاجتماعي، حيث نلاحظ تطور وتعزز تعاونه مع الأشخاص من حوله، كذلك يتعزز انسجامه مع العادات والتقاليد الاجتماعية، غير أنه يتحلى بشعور وعاطفة متدنيين، وقد يعاني الطفل المصاب بمتلازمة داون من التوحد Autism.

وقد يكون من الصعب تشخيص متلازمة داون عند الأطفال حديثي الولادة، (عكس الأطفال الأكبر سناً). ومن أبرز العلامات عند حديثي الولادة، هي:
نقص التوتر العضلي Hypotonia، انحراف أوميلان شق جفن العينين الى أعلى، كثافة جلد الرقبة، جمجمة صغيرة ومسطحة من الخلف ومن الأمام، ارتفاع عظم الوجنة (الخد)، لسان بارز (متدلي) الى الخارج، ويلاحظ أيضاً أن كلتا اليدين عريضتان وسميكتان، وثنية واحدة مستعرضة على الكف (راحة اليد)، والأصابع صغيرة ومنحنية الى الداخل. كذلك يلاحظ ضعف أو غياب منعكس مورو Moro Reflex (وضعفه أو غيابه يدل على تلف الدماغ أو النخاع الشوكي).

وكي يكون من السهل على القارئ، فهم واستيعاب الأعراض والعلامات والمضاعفات التي تلاحظ عند الطفل المصاب بمتلازمة داون (وكما ذكر سابقاً ليس شرطاً أن نجدها جميعاً عند شخص واحد)، ونستطيع أن نرتبها كما يلي:
النمو: يعاني الشخص في مرحلة اليفع من قصر القامة والبدانة.
الجهاز العصبي المركزي: تخلف عقلي (متوسط وشديد)، خرف Dementia قبل سن الأربعين، ضعف توتر العضلات الهيكلية (تتحسن كلما كبر سن الطفل)، صعوبة في تلفظ ونطق الكلام، انقطاع النفس أثناء النوم Sleep Apnea.
السلوك: السعادة، واللطف والصبر والتحمل، كلها من صفات الشخص المصاب بمتلازمة داون. وقد يعاني بعض الأشخاص من القلق Anxiety والعناد.
التشنجات: ما يقارب 7 في المئة من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون يعانون من نوبات الصرع. فمثلاً في سن الطفولة يعاني المريض من تشنجات (تقلصات) الطفولة Infantile Spasm، أما فيسن البلوغ فقد يعاني من نوبات صرع كبرى Tonic-clonic.
الشيخوخة المبكرة: نقص توتر الجلد، الصلع أو الشيب المبكر، قصور المبيض أو الخصية Hypogonadism (مما ينتج عنه ضعف المقدرة الإنجابية وتأخر النمو والتطور الجنسي)، الساد (ماء أزرق فيالعين) Cataract، فقدان السمع، قصور الغدة الدرقية Hypothyroidism الشيخوخي، نوبات صرع، أورام، ضمور الأوعية الدموية، خرف الشيخوخة المبكرة من نوع الزهايمر Dementia of Alzheimer Type.
الجمجمة: صغر حجم الرأس Microcephaly، جبهة مائلة، تسطح العظم القفوي (القذالي) Occipital (خلف الرأس). توسع اليافوخ Fontanel وتأخر إغلاقه، غياب الجيوب الجبهية Frontal والوتديSphenoid ونقص في تكوين الجيب الفكي Maxillary.
العينان: انحراف شق الجفنين لأعلى، مع تكون ثنية Epicanthal Fold من الجهتين، وجود بقع على القزحية Iris، خلل في انكسار الضوء، حول Strabismus، رأرأة Nystagmus (حركة سريعة لاإرادية لبؤبؤ العين بجميع الاتجاهات)، التهاب الجفن Blepharitis، التهاب الملتحمة Conjunctivitis، ساد خلقي، وأمراض أخرى لا مجال لذكرها هنا.
الأنف: نقص نمو عظم الأنف، وتسطح جسر الأنف.
الفم والأسنان: يكون الفم مفتوحاً مع بروز اللسان الى الخارج، سيلان اللعاب في الفم، انشقاق الشفة السفلى، تأخر بروز الأسنان، ضعف نمو وتكون الأسنان، صغر حجم الأسنان، التهاب الشفتين، غياب بعض الأسنان، تشوه الأسنان.
الأذنان: صغر حجم صوان الأذنين مع انثناء حلزونة الأذن، التهاب مزمن للأذن الوسطى، فقدان السمع.
الرقبة: يعاني اثنان في المئة من المصابين بمتلازمة داون من انضغاط النخاع الشوكي في منطقة الرقبة، وذلك بسبب ضعف الرباط الذي يربط الفقرة الأولى والثانية من الرقبة Atlantoaxial Instability.
الصدر: قصر المسافة بين الحلمة اليسرى واليمنى.
القلب: شيوع العيوب الخلقية التي تصيب قلب الطفل المصاب بمتلازمة داون. وهي سبب شائع لموت الطفل في السنتين الأولين من عمره.
وأكثر هذه العيوب حدوثاً هي: عيب في وسادة الشغاف (بطانة القلب) Endocardial Cushion Defect، عيب في الحاجز بين البطينين Ventricular Septal Defect، عيب في الحاجز بين الأذينين Atrial Septal Defect، رباعية فالو Tetralogy of Fallot، قناة شريانية مفتوحة Patent Ductus Arteriosus، ضيق رئوي Pulmonary Stenosis.
البطن: فتق سُري Umbilical Hernia، انفصال العضلة البطنية المستقيمة Diastasis Recti.
الجهاز الهضمي: انسداد أو تضيق الإثنا عشري Duodenal Atresia or Stenosis، مرض Hirschsprung (توسع القولون الخلقي)، وجود عدة ردوب في القولون Mickel Diverticulum، شرج أرتق(الانسداد الخلقي لفتحة الشرج) Imperforated Anus، فتق سُري خلقي Omphalocele.
المسالك البولية: تشوه الكلى، إحليل تحتاني Hypospadias، صغر حجم القضيب، اختفاء الخصية Cryptorchidism.
الهيكل العظمي: يدان عريضتان وأصابع قصيرة، اعوجاج الأصابع، ثنية واحدة مستعرضة على كف اليد، زيادة المساحة بين إبهام القدم (الأبخس الكبير) والأبخس الذي يقع بجانبه.
جهاز الغدد الصماء: قصور الغدة الدرقية Hypothyroidism، عادة ما يبدأ قصور الغدة في سن الذهاب إلى المدرسة، غير أنه قد يبدأ في سن الطفولة المبكرة. ونادراً ما يصاب الشخص بزيادة نشاطالغدة الدرقية Hyperthyroidism.
قد يصاب الشخص بالعقم وداء السكري.
الدم: للأطفال المصابين بمتلازمة داون القابلية للإصابة باللوكيميا Leukemia (سرطان الدم).
المناعة: تكون مناعة الطفل المصاب بداون ضعيفة، ما يجعله عرضة للإصابة بالتهاب الرئة، وأمراض معدية أخرى.
الجلد: الطفل معرض للإصابة بالأمراض الجلدية التالية: التهاب الجلد Dermatitis جفاف الجلد Xerosis، فرط التعرق Hyperkeratotic الموضعي، تنكس النسيج المرن مموجة الحواف Elastosis Serpiginosa، مرط (صلع) بقعي Alopecia Areata، بهق Vitiligo وخراج Abscess.
وأما بالنسبة لبصمات الأصابع ومرتسم جلد الكف، فنلاحظ ما يلي: ثنية مستعرضة واحدة، وثنية واحدة على الأصبع الخامس.
علامات ظاهرة

بعد استعراض الأعراض والعلامات المذكورة سابقاً، نستطيع أن نوجز أكثر الميزات الظاهرة للعيان بما يلي:
وجه الطفل المصاب بمتلازمة داون يكون مسطحاً ولسانه بارز الى خارج الفم، صغير الرأس ويكون شق الجفنين منحرفاً الى أعلى. ويكون صوان الأذن صغير الحجم وأيدي الطفل عريضة وأصابعه قصيرة. وقد يكون حجم الجسم طبيعياً، غير أن معظم الأطفال المصابين بهذه المتلازمة ينمون ببطء، ويكونون أقصر قامة، مقارنة مع الأطفال الطبيعيين من نفس العمر.
معدل المرضية ومعدل الوفيات

معدل الإصابة بالأمراض المختلفة مرتفع جداً عند الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، وذلك بسبب نقص المناعة الطبيعية، من جهة، وبسبب وجود تشوهات خلقية، من جهة أخرى.
فمثلاً نقص المناعة يؤدي الى الإصابة بأمراض معدية مختلفة، وأهمها التهاب الرئة. بينما التشوهات الخلقية في الجهاز التنفسي العلوي (تضخم اللوزتين والغدانيات Adenoids وتضيق المنخرالداخلي Choanal Stenosis وتدلي اللسان) قد تؤدي الى انسداد المجرى التنفسي العلوي، وهذا بدوره يؤدي الى التهاب الأذن الوسطي ونقص التهوئة في أسناخ الرئة Alveolar Hypoventilation، ونقص أكسجين الدم في الشرايين Arterial Hypoxemia، ونقص الأكسجين في الدماغ Cerebral Hypoxia وارتفاع ضغط الدم الشرياني في الرئتين ما يؤدي الى حالة مرضية تسمى قلب رئوي Cor Pulmonale وفشل القلب Heart Failure.
قد يؤدي التأخر في تشخيص ضعف الرباط بين الفقرة الأولى والثانية من الرقبة والفقرة الأولى وأسفل الجمجمة Atlantoaxial + Atlanto-occipital Instability الى تلف النخاع الشوكي غير القابل للعلاج.
ويؤدي الاضطراب والضعف في السمع والنظر، إضافة الى التخلف العقلي، الى خلل في الأداء اليومي للطفل ويمنعه من المشاركة في العملية التعليمية واكتساب المهارات اللغوية والاجتماعية.
وكذلك الأمر بالنسبة للغدة الدرقية، إذ أن التأخر في تشخيص الخلل في وظيفتها يؤدي الى تعزيز الخلل في وظيفة الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي).
لقد زاد مدى (معدل) العمر بشكل ملحوظ لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة داون. فمثلاً الطفل المولود في عام 1929 لم يكن يعيش حتى سن عشر سنوات. أما في يومنا هذا فقد يعيش الطفل المصاب بمتلازمة داون حتى سن 50 – 51 سنة. ويرجع ذلك الفضل لتقدم علم الجراحة في علاج العاهات الخلقية المختلفة، وإلى اكتشاف المضادات الحيوية Antibiotics في محاربة الأمراض الجرثومية المعدية.
وأشارت الدراسات الى أن نحو 75 في المئة من الحمل بمتلازمة داون من النوع تثلث الكروموسوم 21 يموتون في مرحلة تكون المضغة أو تكون الجنين. أما في حال الولادة الطبيعية فإن 85 فيا لمئة من الأطفال المصابين بهذه المتلازمة يعيشون حتى عام واحد من العمر، بينما 49 – 50 في المئة يتوقع أن يعيشوا حتى سن 50 – 52 من العمر.
ومن أبرز الأمراض والعاهات التي تؤدي الى وفاة الطفل المصاب بمتلازمة داون هي: أمراض القلب الخلقية، والانسداد الخلقي للمريء Esophageal Atresia والذي قد يكون مصحوباً بتكون فتحة أوممر Fistula بين المريء وبين القصبة الهوائية. ومرضى Hirschsprung (توسع القولون الخلقيوالانسداد الخلقي للإثنا عشر، واللوكيميا (سرطان الدم). أما في المراحل المتقدمة من العمر(29 – 39 سنة) فقد يكون سبب الوفاة الشيخوخة والخرف المبكران.
عواقب المرض

لقد تحسن مستقبل الأشخاص المصابين بمتلازمة داون تحسناً ملحوظاً ومثيراً، لأن الصحة العامة للعديد منهم أصبحت أحسن من ما كانت عليه في القرن الماضي، وأصبح من الممكن دمجهم في المجتمع، وزاد معدل عمرهم، غير أنهم ما زالوا يعيشون أقل من المعدل الطبيعي لبني البشر.
تعتبر التشوهات والعاهات الخلقية التي تصيب القلب من أبرز وأكثر الأسباب للموت المبكر عند الأشخاص المصابين بمتلازمة داون.
ومن الأمراض والاضطرابات الشائعة التي تصيب الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، هي: اللوكيميا، أمراض الغدة الدرقية، أمراض ذاتية المناعة Autoimmune والقابلية للإصابة بالعدوى المرتبطة بمستوى غير طبيعي لـ IgG- في بلازما الدم.
العديد من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون يصابون بالخرف المبكر، الشبيه بالزهايمر في الأربعين من عمرهم، بينما 75 في المئة من المرضى المصابين بمتلازمة داون يصابون بخرف الزهايمر.
يؤدي الحفاظ النسبي على المقدرة المعرفية (الإدراكية) Cognitive والذهنية Intellectual والوظيفية (الأداء) الى مستوى معيشي أفضل عند الأشخاص المصابين بمتلازمة داون في سنهمالمتقدمة. ومن أبرز الأمراض التي تؤدي الى الموت في هذه السن، هي: الخرف، تقيد الحركة، ضعف حاسة البصر والصرع Epilepsy.
فحوصات ما قبل الولادة

في السابق كانت الفحوصات للكشف عن إصابة الجنين (أو عدمها) بمتلازمة داون، تجرى للنساء الحوامل المتقدمات في السن فقط (31 فما فوق)، غير أنه الآن تجرى هذه الفحوصات للحوامل في جميع الفئات العمرية بشكل روتيني.
وتنقسم هذه الفحوصات الى قسمين:
فحوصات كشفية Screening وفحوصات تشخيصية Diagnostic.
الفحوصات الكشفية

تقسم الفحوصات الكشفية الى قسمين:
فحوصات مبكرة، وفحوصات متأخرة.
والهدف من هذه الفحوصات الكشف عن احتمالية اصابة الجنين بمتلازمة داون، والوقوف على ضرورة اجراء الفحوصات التشخيصية، أو عدم اجرائها.
وتعطى نتائج الفحوصات الكشفية بواسطة نسبة حسابية، حيث اتفق الأطباء على أنه إذا كانت النسبة أعلى من 1/380 فإنه يجب تحويل المرأة الحامل لإجراءالفحوصات التشخيصية.

الفحوصات الكشفية المبكرة:
يُجرى في الثلث الأول من الحمل فحصان مشتركان للكشف عن احتمال حمل المرأة جنيناً مصاباً بمتلازمة داون، هما:
فحص دم الأم الحامل وفحص الصوت فوق سمعي Ultrasound.
وتجرى هذه الفحوصات عادة ابتداء من الأسبوع العاشر حتى الأسبوع 14 من الحمل.
ومن حسنات الفحوصات الكشفية (مقارنة مع الفحوصات التشخيصية) أنها لا تعرض المرأة الحامل لخطر الإجهاض.
فحوصات الدم:
خلال الثلاثة شهور الأولى من الحمل يظهر في دم المرأة الحامل مادتان، هما:
هرمون بيتا المنشط المنسلي الطليق Free Beta HcG وزلال A في بلازما الدم المصاحب للحملPAPP-A.
وتقدر إمكانية إصابة الجنين بمتلازمة داون بناء على العوامل التالية:
مستوى هاتين المادتين في بلازما دم الأم، سن الأم ووزنها ومدة الحمل.
وكما ذكرنا سابقاً فإن فحص الدم هذا يجرى خلال الفترة من 10-14 أسبوعاً من الحمل. وتكون نتيجة فحص الدم، إما "سلبية" أو "إيجابية". فالنتيجة السلبية تدل على أن إمكانية حمل جنين مصاب بمتلازمة داون منخفضة، ولا حاجة لإجراءالفحوصات التشخيصية لمتلازمة داون. ولكن يجب عمل فحص كشفي آخر في الثلث الثاني من الحمل للكشف عن مادة تدعى Alpha-Fetoprotein والتي تشير الى إصابة الجنين (أو عدمها)بتشوهات في الجهاز العصبي المركزي.
وأما النتيجة الإيجابية فتدل على أن إمكانية إصابة الجنين بمتلازمة داون أعلى من المعتاد، وأنه يجب إجراء الفحوصات التشخيصية لمتلازمة داون (والتي سيأتي ذكرها لاحقاً).
ومن المهم أن نذكر أن الفحص الكشفي للدم يكشف فقط عن نحو 80-81 في المئة من حالات متلازمة داون، وبذلك سيخطئ في نحو 19-20 في المئة من حالات متلازمة داون.
التراساوند:
وبما أن فحوصات الدم قد تخطئ بنحو 19-20 في المئة من حالات الحمل بمتلازمة داون، لذا يجب تعزيز هذه النتائج بإجراء فحص "التراساوند" (وهو أيضاً فحص كشفي وليستشخيصياً).
ويدعى هذا الفحص "الفحص الكشفي للشفافية القفوية (خلف الرقبة) للجنين" Nuchal Translucency Screening Test.
الفحوصات الكشفية المتأخرة:
يجرى في الثلث الثاني من الحمل فحصان أيضاً، هما:
فحص دم الأم الحامل، وفحص التراساوند.
فحوصات الدم: وتنقسم فحوصات الدم الى نوعين:
النوع الأول يدعى "فحص الدم الثلاثي" Triple Test، حيث يتم فحص دم المرأة الحامل للكشف عن المواد الكيميائية التالية: HcG, Estriol, Alpha-Fetoprotein.
وأما النوع الثاني فيدعى "فحص الدم الرباعي" Quad Test حيث إضافة للمواد الكيميائية الثلاث المذكورة سابقاً، يتم ايضاً فحص مادة Inhibin “A” . وتبلغ دقة هذه الفحوصات 71 في المئة.
التراساوند:
وبما أن فحوصات الدم قد تخطئ بنحو 71 في المئة من حالات الحمل بمتلازمة داون، لذا يجب تعزيز هذه النتائج بإجراء فحص التراساوند لأعضاء الجنين (وهو أيضاً فحص كشفيوليس تشخيصياً)، حيث قد تظهر عند الجنين المصاب بمتلازمة داون العلامات التالية:
توسع حوض الكلية، وجود تكلسات في عضلة القلب، تشوهات في المعدة وأعضاء أخرى.
وفي حال وجود واحدة من هذه المشاكل العضوية، يجب إحالة الأم للفحوصات التشخيصية (استشارة وراثية).
الفحوصات التشخيصية

وفي حال تبين أن الفحوصات الكشفية ايجابية، أو في حال كون المرأة معرضة لحمل جنين مصاب بمتلازمة داون (وذلك من السيرة المرضية والسن..) يجب إخضاعها لفحوصات تشخيصية أكثر دقة، وهي:
سحب سائل السلى Amniocentesis:
تُسحب عينة من سائل السلى (الأمنيوني) Amniotic Fluid المحيط بالجنين بواسطة ابرة طويلة تخترق جدار الرحم، ومن ثم يتم فحص هذا السائل للتحري عن وجود كروموسومات غير طبيعية.
ويجرى هذا الفحص بعد الأسبوع 15 من الحمل، علماً أن واحدة من كل 200 (مئتي) حامل قد تتعرض للإجهاض نتيجة هذا التدخل التشخيصي.
فحص المشيمة:
ويدعى هذا الفحص "عينة زغابية مشيمية" Chorionic Villus Sampling ويرمز لها بالأحرف CVS.
وفي هذا الفحص تؤخذ عينات من مشيمة الأم، ويتم فحص خلاياها لمعرفة إن كانت تحتوي على كروموسومات غير طبيعية. ويجرى هذا الفحص بين الأسبوع التاسع والرابع عشر من الحمل. علماً أن واحدة من كل مئة حامل قد تتعرض للإجهاض نتيجة هذا التدخل التشخيصي.
فحص دم سُّرة الجنين:
تؤخذ عينة من الدم الوريدي لحبل السرة Umbilical Cord ويتم فحصها للتحري عن وجود خلل صبغي (كروموسومي).
وعادة يجرى هذا الفحص في الأسبوع 18 من الحمل، علماً أن هذا الفحص يحمل معه خطورة الإجهاض أكثر من الفحصين السابقين. لذلك يجب إجراء هذا الفحص في الحالات الطارئة فقط. وبهذا القول نعني أن تكون سرعة التشخيص ضرورية ومهمة جداً لحسم الأمور.
ويجب أن نشدد هنا على أن كلاً من الفحوصات التشخيصية الثلاثة المذكورة سابقاً دقيقة جداً في تشخيص متلازمة داون عند الجنين وذلك بنسبة 98 في المئة. غير أنه (كما ذكر سابقاً) فإنها تكون مصحوبة بخطر الإجهاض. لذلك هنالك الآن محاولات لفصل خلايا معينة تتكون في الجنين المصاب بمتلازمة داون، وذلك عن طريق فحص دم الأم، إذ أنه تبين أن بعض هذه الخلايا تدخل الدورة الدموية للأم عن طريق المشيمة.
فحص الوليد

يعتمد الفحص الأولي على المظهر الخارجي للطفل حديث الولادة، إذ أنه في حال وجود أي علامة على الوليد تعطي أي شك بأنه قد يعاني من متلازمة داون، يجب إجراء فحوصات كروموسومية تدعى "نمط النواة الصبغي" Chromosomal Karyotype للتحري عن وجود الكروموسوم الإضافي 21 في بعض أو جميع خلايا الوليد.
العلاج والوقاية من الأمراض

ما زال الأطباء والعلماء حتى يومنا هذا، يبذلون جهوداً جبارة لإيجاد علاج للتخلف العقلي المصاحب لمتلازمة داون، ومع كل ذلك لا يوجد حتى الآن بصيص أمل في إيجاد مثل هذا العلاج. علماً أن التطور الملحوظ في العناية الصحية (التي سيأتي شرحها لاحقاً) أدت الى تحسن كبير في نوعية الحياة التي يعيشها المصابون بمتلازمة داون وأطالت من عمرهم.
يجب أن يحصل الطفل على جميع أنواع التطعيم ضد الأمراض المعدية.
يجب إعطاء الطفل هرمون الغدة الدرقية Thyroxin في حال إصابته بفشل هذه الغدة، وذلك للوقاية من تدهور ذكائه أكثر مما هو عليه، وتحسين أدائه الأكاديمي والمهني.
يجب إعطاء الشخص المصاب بتشوهات قلبية غطاءاً وقائياً من المضادات الحيوية لحمايته من الإصابة بالتهاب بطانة القلب البكتيري Endocarditis في حال خضوعه لتدخل جراحي أو علاج عند طبيب الأسنان.
قد يلزم إعطاء الأدوية المدرة للبول Diuretics والـ Digoxin لعلاج أمراض القلب.
في حالة إصابة الطفل بالتهاب الجهاز التنفسي والأذن الوسطى، يجب علاجها في أسرع وقت ممكن.
يجب تطعيم الشخص المصاب بمتلازمة داون (وتحديداً المصابين بأمراض تنفسية وقلبية مزمنة) بلقاح ضد فيروسات الإنفلونزا وبكتيريا التهاب الجهاز التنفسي Pneumococcal Infection.
في حال معاناة الطفل من الصرع يجب إعطائه الأدوية المضادة للتشنجات.
يجب معالجة الأمراض الجلدية بالمضادات الحيوية (على شكل مراهم أو بواسطة الفم). إضافة الى محاربة البدانة واتباع قواعد النظافة العامة.
يجب إخضاع الطفل للفحص الوقائي الدوري الخاص بالأسنان والفم والسمع والبصر.
في حال معاناة الطفل من تشوهات خلقية يجب علاجه بالتدخل الجراحي إن أمكن







قام بكتابة الجزء التشخيصي

الدكتوروليدالجعبة
القدس




صور لشهداء المجزرة الرهيبة التي ارتكبها طيران النظام الإرهابي القذر في حي صلاح الدين بحلب المحاصرة

$
0
0








صور لشهداء المجزرة الرهيبة التي ارتكبها طيران النظام الإرهابي القذر في حي صلاح الدين بحلب المحاصرة بصاروخ فراغي.














منقول

في الذكرى الـ 34 لمجزرة صبرا وشاتيلا : جرائم الاحتلال ستتواصل طالما بقي الفاعلون بدون محاسبة

$
0
0
في الذكرى الـ 34 لمجزرة صبرا وشاتيلا : جرائم الاحتلال ستتواصل طالما بقي الفاعلون بدون محاسبة


{مجموعة القدس لنا}

قال طلال أبو ظريفة القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين خلال تصريحات لوسائل الإعلام في الذكرى الـ 34 لمجزرة صبرا وشاتيلا إن السادس عشر من أيلول من عام 1982 ما زال ماثلاً في ذاكرة الشعب الفلسطيني عامة واللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان بشكل خاص فهذه الجريمة البشعة اقترفت على يد عصابات الغدر والخيانة الصهيونية والمجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي , مؤكداً أن العالم استفاق على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية راح ضحيتها أكثر من 3000 من أبناء شعبنا الفلسطيني وكذلك اللبناني ما بين طفل وامرأة وشيخ من المدنيين العزل، مضيفاً أن المجزرة نفذت انتقاماً من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية طيلة ثلاثة أشهر من الحصار , الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت , لكن الدول الضامنة لم تف بالتزاماتها وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم قتلاً وذبحاً وبقراً للبطون على يد عصابات الإجرام الصهيونية والمتواطئين معهم .


وأشار أبو ظريفة أن بشاعة هذه المجزرة دفعت الحكومة الصهيونية آنذاك برئاسة مناحيم بيغن للتقليل من تداعياتها وانعكاساتها على دولة الاحتلال بفعل الاستنكار الشعبي والعربي والأمريكي والدولي الواسع الأمر الذي دفع المحكمة العليا لتشكيل لجنة تحقيق خاصة برئاسة رئيسها إسحاق كاهن حيث سميت لجنة كاهن فكل ما خرجت به من نتائج أن وزير الحرب الإسرائيلي أنداك ارئيل شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة وانتقدت وزير الخارجية الصهيوني إسحاق شامير ورئيس الأركان رفائيل اتيان وقادة المخابرات قائلة أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت , مضيفاً أن هذه هي محاولة الكيان الصهيوني الذي يحاول دائماً أن يخادع العالم وان يبقي ردود الفعل على جرائمه بتشكيل لجان نتائجها لا ترتقي إلى أدنى مستويات تحمل المسؤولية.

وأوضح أبو ظريفة إلى أن مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن أول المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق شعبنا الفلسطيني ولن تكون أخرها , فقد سبقها مجازر قبيه ودير ياسين وتلتها مجزرة مخيم جنين ومجزرة عائلة السموني والدلو وأبو جامع وغيرها من مجازر حروبها الثلاثة على غزة , فلن تتوقف هذه الجرائم طالما بقي الاحتلال وقادة الاحتلال دون محاكمات عادلة أمام محكمة الجنايات .

وأكد أبو ظريفة في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا أن الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال هو التسريع بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة طريق الوصول لإستراتيجية وطنية قادرة على عزل ومحاسبة دولة الاحتلال ورفع كلفتها الاحتلالية .




إخواني الأغنياء لا تبخلوا على إخوانكم الفقراء!!

$
0
0
إخواني الأغنياء لا تبخلوا على إخوانكم الفقراء!!


د. زيد بن محمد الرماني







المال ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة من وسائل تبادل المنافع وقضاء الحوائج، فمن استعمل المال في هذا السبيل، كان المال في يده خيراً له ولأمته. ومن استعمل المال على أنه غاية ولذة، انقلب إلى شهوة تورث صاحبه المهالك وتفتح على الناس أبواباً من الفساد.

إن الناس مستخلفون على المال وقوام عليه، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ.. ﴾ [الحديد: 7]، وقال عز وجل ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33].

وإذا كان المال على اختلاف أنواعه وأشكاله مال الله والناس مستخلفين فيه ووكلاء عليه، فليس لأحدهم أن يحبس ما في يده من هذا المال عن غيره، إذا كان الناس في حاجة ماسة إلى المال، وليس له أن يحبسه عن المصالح العامة، وليس له أن يستأثر به دون الآخرين وليس له أن يكنزه.

فالإسلام يحرم على المسلم أن يكنز المال ويعطله فلا ينتفع به ولا يستفاد منه. قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34].

وهكذا يمنع الإسلام الثروات والأموال أن تتضخم وينقلها من يد واحدة إلى أيدٍ كثيرة. ويجعل المال في يد الفقراء والأغنياء، كل يستفيد في حقه، ولا يتركه في يد الأغنياء كي لا يكون دُولة بين الأغنياء.

وهذا ما رآه عمر رضي الله عنه قبيل وفاته، فقد أثر عنه أنه قال: ((لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فرددتها على الفقراء)). فخشي رضي الله عنه من تضخم ثروات الأغنياء والترف والبطر، فخاف عليهم وخشي على الفقراء الحسد والفتنة.

وهذا هو منطق الرسول القدوة الأسوة عليه الصلاة والسلام حيث قال: ((مَنْ كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومَنْ كان له زاد فضل من زاد، فليعد به على مَنْ لا زاد له)).

ولما هاجر رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة آخى بين المهاجرين والأنصار. فأنزل المهاجرين على إخوانهم الأنصار، يشاركونهم في كل ما يملكون ويقاسمونهم القليل والكثير. وآثروهم على أنفسهم وهم في أشد الحاجة.

وفي عهد الفاروق رضي الله عنه حدثت مجاعة في سنة ثماني عشرة من الهجرة واشتد الجوع فآلى عمر على نفسه أن لا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتى يحيى الناس.

وكان يقول رضي الله عنه ((لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على كل أهل بيت عدتهم، فيقاسمونهم أنصاف بطونهم فعلت، فانهم لا يهلكون على أنصاف بطونهم)).


وفي سفر كان أبو عبيدة رضي الله عنه ومعه ثلاثمائة نفر ففنيت أزواد بعضهم، فأمرهم فجمعوا له أزواد مَنْ بقي وجعل يقوتهم إياها على السواء.

وهكذا أقام الإسلام المجتمع على فعل البر والخير والتراحم والتعاطف، وحث القوى والضعيف والغني والفقير على أن يكون كل واحد منهم باراً بأخيه، رحوماً عطوفاً شفوقاً.

وختاماً أقول إخواني الأغنياء إن المال الذي بأيديكم هو مال الله، وهبه الله سبحانه إليكم من فضله وكرمه، وجعله أمانة في أيديكم، وهو قادر إن شاء أن ينزعه منكم أو يدمره تدميراً، فلا تبخلوا على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم الفقراء والمحتاجين...





من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الزهد في الدنيا والاحتراف لكسب القوت )

$
0
0
من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الزهد في الدنيا والاحتراف لكسب القوت )
محمد محمود صقر





عن سهل بن سعد الساعديِّ - رضى الله عنه - أنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! دُلَّنِي على عمل إذا عملته أحبَّني اللهُ وأحبني الناسُ؛ فقال: "ازهد في الدنيا يحبَّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"[1].

أ- معنى الزهد في الدنيا:
قال الحافظ ابنُ رجب: ومعنى الزهد في الشيء الإعراض عنه لاستقلاله واحتقاره وارتفاع الهمّة عنه، يقال: شيءٌ زهيدٌ أي قليل حقير، وقد تكلّم السلف ومن بعدهم في تفسير الزهد في الدنيا وتنوّعت عباراتهم عنه، وفي الحديث "والزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال؛ ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أُصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك"[2]، وقال أبو مسلمٍ الخولاني -رضى الله عنه-: ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، إنما الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يديك، وإذا أُصِبت مصيبةً كنت أشد رجاءً لأجرها وذخرها من إيّاها لو بقيت لك [3]، وأن يكون مادحُك وذامُّك في الحق سواءً[4].

وقال المناوي:
ومعنى الزهد أن يملِك العبدُ شهوتَه وغضبه، وبذلك يصير العبد حرّا، وباستيلاء الشهوة يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه؛ فيكون مسخَّرا كالبهيمة يجرُّه زمام الشهوة إلى حيث يريد، فما أعظم اغترار الإنسان! أيظن أنه ينال المال بمصيره مملوكًا، وينال الربوبية بأن يصير عبدا، ومثله هل يكون إلا معكوسًا في الدنيا منكوسا في الآخرة! ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهَّاد: هل لك حاجة؟ قال: كيف أطلب منك حاجتي وملكي أعظم من ملكك؟! قال: كيف؟ قال: من أنت عبدُه فهو عبدي، أنت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وأنا ملكتُهم فهم عبيدي، فهذا هو المُلك في الدنيا وهو الجارُّ إلى ملك الآخرة، فالمخدوعون بالغرور خسروا الدنيا والآخرة [5].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وصار المتأخِّرون كثيرا ما يقرنون بالفقر معنى الزهد، والزهد قد يكون مع الغنى وقد يكون مع الفقر؛ ففي الأنبياء والسابقين الأوَّلين ممن هو زاهد مع غناه كثير، والزهد المشروع ترك ما لا ينفع في الدار الآخرة، وأما كل ما يستعين به العبد على طاعة الله فليس تركُه من الزهد المشروع[6].

ب- أقسامُ الزهدِ وأشكالُه:
قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -:
ففسّر الزهد في الدنيا بثلاثة أشياء كلها من أعمال القلوب لا من أعمال الجوارح، ولهذا كان أبو سليمان يقول: لا تشهد لأحدٍ بالزهد؛ فإن الزهد في القلب...

أحدها: أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يد نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقُوِّته؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - ضمن أرزاق عباده وتكفَّل بها كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ﴾ [العنكبوت: 17]. وقال الحسن: إن مِن ضَعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله - عز وجل -، وعن عليٍّ وابن مسعود قالا: إن أرجى ما يكون الرزق إذا قالوا ليس في الدنيا دقيق، وقال مسروق: إن أحسن ما أكون ظنًّا حين يقول الخادم ليس في البيت قَفِيزٌ من قمحٍ ولا درهم، وقال الإمام أحمد: أسرُّ أيامي إليَّ يوم أُصْبِح وليس عندي شيءٌ، وقيل لأبي حازمٍ الزاهد: ما مالُك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر.. الثقة بالله واليأس مما في أيدي الناس، وقيل له: أما تخافُ الفقر؟ فقال: أنا أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟! ودفع إلى عليِّ بن الموفق ورقة فقرأها فإذا فيها: يا عليّ بن الموفق أتخاف الفقر وأنا ربُّك؟ وقال الفضيل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله - عز وجل -، وقال: القنوع هو الزاهد وهو الغنيّ؛ فمن حقق اليقين وثِقَ بالله في أموره كلها ورضي بتدبيره له، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاءً وخوفًا، ومنعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة، ومن كان كذلك كان زاهدًا في الدنيا حقيقةً وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له شيء من الدنيا؛ كما قال عمار -رضى الله عنه-: كفى بالموت واعظًا، وكفى باليقين غنىً، وكفى بالعبادة شغلا، وقال ابن مسعود -رضى الله عنه-: اليقين أن لا تُرضي الناس بسخط الله ولا تحسد أحدًا على رزق الله ولا تلوم أحدًا على ما لم يؤتِك الله؛ فإنَّ رزق الله لا يسوقه حرصُ حريص ولا يرده كراهِيَة كاره؛ فإن الله تعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن في السخط والشك، وفي حديثٍ مرسل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم إني أسألك إيمانًا يباشر قلبي، ولسانًا صادقا حتى أعلم أنه لا يمنعني رزقا قسمته لي، ورضِّني من العيش بما قسمته لي"[7]، وكان عطاءٌ الخُراساني -رحمه الله تعالى- لا يقوم من مجلسه حتى يقول: اللهم هب لنا يقينا منك حتى تهوّن علينا مصائب الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت علينا، ولا يصيبنا من الرزق إلا ما قسمت لنا، وروينا من حديث ابن عباس مرفوعًا قال: "من سرَّه أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يدَيْ اللهِ أوثق منه بما في يده"[8].

والثاني: أن يكونَ العبدُ إذا أصيب بمصيبة في دنياه من ذَهاب مالٍ أو ولد أو غير ذلك أرغبَ في ثواب ذلك مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له، وهذا أيضًا ينشأ من كمال اليقين، وقد رُوي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغُنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا"[9]. وهو من علامات الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها؛ كما قال علي بن أبي طالب -رضى الله عنه-: من زهد الدنيا هانَت عليه المصيبات.

والثالث: أن يستوي عند العبد حامِدُه وذامُّه في الحق، وهذه من علامات الزهد في الدنيا واحتقارها وقلة الرغبة فيها؛ فإنَّ من عظمت الدنيا عنده اختار المدح وكره الذم، فربما حمله ذلك على ترك كثيرٍ من الحق خشية الذم، وعلى فعل كثير من الباطل رجاءَ المدح؛ فمن استوى عنده حامده وذامه في الحق دل على سقوط منـزلة المخلوقين من قلبه، وامتلائه من محبَّة الحق وما فيه رضا مولاه؛ كما قال ابن مسعود - رضى الله عنه -: اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله، وقد مدح الله الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم[10].

جـ- درجات الزهد:
ومن الزهد أيضًا الزهد في الرئاسة والمحاسنة والمحادثة والمعاشرة، وأول الزهد الزهد في الحرام، ثم الزهد في المباح، وأعلى مراتب الزهد أن تزهَد في الفضول، والفضول كلُّ ما لك عنه غنى، فكأنك تزهد في كل شيء إلا فيما أمرك الله أو فيما ندبك إليه مما يقربك إليه أو ما لابد منه، وكل ما كان سوى ذلك فهو من الفضول، وهو ترك ما لا يُغني. وقال قومٌ: النار كهذه الأشياء وإن كان يحبها ويريدها إذا تركها مجاهدًا لنفسه صابرًا عنها إنه زاهد، وقال آخرون: لا يسمى زاهدا حتى يكون مع تركه لها غير مريدٍ لها، وذلك خروج قدْرها من القلب. واختلفوا إذا خرج قدرها من القلب ولم تحبّها النفس فتتناول منها شيئًا على جهة المباح؛ فقال قومٌ: قد تم زهده بخروج قدرها من قلبه وإن تناول منها، وقال آخرون: إذا خرج قدرها فتناول منها شيئًا فهو ناقص إلا أن يكون المتناول منها يعين على طاعة أو ما لابد منه مما لو تركه لم يأمن نفسه الخروج إلى غيره؛ مثل من يكف به طبعه وبشريته من الغذاء والنوم واللباس والنساء، إذ كانت البشرية مطبوعةً على ذلك، وإنما المذموم أن يتعاطى الإنسانُ الزيادة على ما يحتاج إليه من ذلك بعد تسكين البشرية متلذِّذًا متمتعًا وإن كان مباحا، وقال آخرون: لا يكون خارجًا من الزهد من يتناول مباحًا كما لا يكون زاهدًا من تناول محظورًا، وقال آخرون: كل ما يتناوله أو يدخل فيه لابد من أن يكون محرَّما منهيًّا عنه أو محلَّلا مأمورا به أو مباحًا مسكوتًا عنه، فأما الحرام فلا معنى للكلام فيه، وأما الحلال والمباح فلا يدخل فيه إلا بنيَّة، ولا تخلو النية من أن تكون محصورةً يراد بها الطاعة أو مذمومة تؤول إلى المعصية أو مسكوتًا عنها، فمن دخل الأشياء بلا نية لم يطلق عليه اسم حمدٍ ولا ذم، وما دخل فيها بنية رد إلى نيته، وقد قال قوم: إذا دخل بلا نية فهو ناقص لأنه عبد مأمور منهيٌّ، فكل ما دخل فيه مما لا يوافق أمرًا ولا نهيا فهو فضول لا يغني وتركه أفضل، وإن كان تركه أفضل فتناوله أنقص[11].

د- من أقوال السلَف في الزهد:
قال ابنُ رجب:
وقد رُوي عن السلف عباراتٌ أخر في تفسير الزهد في الدنيا، وكلها ترجع إلى ما تقدَّم؛ كقول الحسن: الزاهد الذي إذا رأى أحدًا قال هو أفضل مني، وهذا يرجع إلى أن الزاهد حقيقة هو الزاهد في مدح نفسه وتعظيمها؛ ولهذا يقال: الزاهد في الرياسة أشدّ منه في الذهب والفضة؛ فمن أخرج من قلبه حبَّ الرياسة في الدنيا والترفُّع فيها على الناس فهو الزاهد حقًّا، وهذا هو الذي يستوي عنده حامدُه وذامه في الحق.

وكقول وهب بن الورد - رحمه الله تعالى -:
والزهد في الدنيا أن لا تأسى على ما فات منها ولا تفرح بما آتاك منها. قال ابن السماك - رحمه الله تعالى -: هذا هو الزاهد المبرز في زهده، وهذا يرجع إلى أنه يستوي عند العبد إقبالها وإدبارها وزيادتها ونقصها، وهو مثل استواء حال المصيبة وعدمها كما سبق.

وسئل بعضُهم - أظنه الإمام أحمد - عمن معه مالٌ هل يكون زاهدًا؟ قال: إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه فهو زاهد، أو كما قال.

وسئل الزهريُّ عن الزاهد:
فقال من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شكره، وهذا قريب مما قبله؛ فإن معناه أن الزاهد في الدنيا إذا قدَر منها على حرام صبر عنه فلم يأخذه، وإذا حصل له منها حلال لم يشغله عن الشكر بل قام بشكر الله عليه.

وقال أحمد بن الحواري - رحمه الله تعالى -:
قلت لسفيان بن عيينة: من الزاهد في الدنيا؟ قال: من إذا أُنْعِم عليه شكر وإذا ابتُلِي صبر، فقلت: يا أبا محمد الذي قد أنعم عليه فشكر وإذا ابتلي فصبر وحبس النعمة كيف يكون زاهدا؟ فقال: اسكت، من لم تمنعه النعماء من الشكر ولا البلوى من الصبر فذلك الزاهد.

وقال ربيعة:
رأس الزهادة جمع الأشياء بحقّها ووضعها في حقها.

وقال سفيان الثوري - رحمه الله تعالى -:
الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء. وقال: وكان من دعائهم "اللهم زهِّدنا في الدنيا ووسع علينا منها ولا تردها عنا فترغبنا فيها".

ولهذا قال الإمامُ أحمد:
الزهد في الدنيا قصر الأمل. وقال مرة: قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس. ووجه هذا أن قصر الأمل يوجب محبَّة الله -سبحانه وتعالى-[12] ولقائه والخروج من الدنيا، وطول الأمل يقتضي محبة البقاء فيها؛ فمن قصُر أمله فقد كره البقاء في الدنيا، وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض عنها، واستدل ابن عيينة لهذا بقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 94] إلى قوله ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ [البقرة: 96] الآية[13].

أولاً: الزهد في الدنيا سبب لمحبَّة الله تعالى عبدَه:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ازهد في الدنيا يحبّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"[14].

قال الإمام النووي: اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حثَّ على التقلُّل من الدنيا والزهد فيها، وقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"[15]... وفي حديث آخر "إن الزاهد في الدنيا يريح قلبه في الدنيا والآخرة، والراغب في الدنيا يتعب قلبه في الدنيا والآخرة"[16]. واعلم أن من في الدنيا ضيفٌ وما في يده عاريَّة، وأن الضيف مرتحل والعارية مردودة والدنيا عرَض حاضرٌ يأكل منها البرُّ والفاجر، وهي مُبغضة لأولياء الله محببة لأهلها؛ فمن شاركهم في محبوبهم أبغضوه. وقد أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السائل إلى تركها بالزهد فيها، ووعد على ذلك حبَّ الله تعالى، وهو رضاه عنه؛ فإن حب الله تعالى لعباده رضاه عنهم[17]، وأرشده إلى الزهد فيما في أيدي الناس إن أراد محبّة الناس له، وترك حب الدنيا؛ فإنه ليس في أيدي الناس شيءٌ يتباغضون عليه ويتنافسون فيه إلا الدنيا. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغِمة، ومن كانت الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له"[18]، السعيد من اختار باقيةً يدوم نعيمها على باليةٍ لا ينفد عذابه[19].

ثانيًا: الاحتراف لكسب القوت:
عن المقدام بن معدي كرب -رضى الله عنه- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما أكل أحد منكم طعامًا أحبَّ إلى الله - عز وجل - من عمل يديه"[20].

قال الحافظ - رحمه الله تعالى -:
قوله: "ما أكل أحد" زاد الإسماعيلي "من بني آدم". قوله: "طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده" في رواية الإسماعيلي "خير" بالرفع وهو جائز، وفي رواية له من "كد يديه"، والمراد بالخيرية ما يستلزم العمل باليد من الغنى عن الناس، ولابن ماجة من طريق عمر بن سعد عن خالد بن معدان عنه "ما كسب الرجل أطيب من عمل يديه"، ولابن المنذر من هذا الوجه "ما أكل رجل طعامًا قط أحل من عمل يديه"، وفي فوائد هشام بن عمار عن بقية حدثني عمر بن سعد بهذا الإسناد مثل حديث الباب، وزاد "من بات كالاًّ من عمله بات مغفورًا له"، وللنسائي من حديث عائشة أن "أطيب ما أكل الرجل من كسبه"، وفي الباب من حديث سعيد بن عمير عن عمه عند الحاكم ومن حديث رافع بن خديج عند أحمد ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود. قوله "وأن داود.. الخ" في رواية الإسماعيلي بحذف الواو، وفي روايته "من كسب يده". قوله "لا يأكل إلا من عمل يده"، وهو صريح في الحصر بخلاف الذي قبله، وحديث أبي هريرة هذا طرف من حديث سيأتي في ترجمة داود من أحاديث الأنبياء... وفي الحديث فضل العمل باليد وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل؛ ولهذا أورد النبي - صلى الله عليه وسلم - قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا، ولاسيما إذا ورد في شرعنا مدحه وتحسينه، مع عموم قوله تعالى: ﴿ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90]، وفي الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل، وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه[21].

وقد ورد في أحاديث أن الله تعالى يحب عبده المحترف إلا أنها ضعيفة، وهذا الذي معنا في نفس المعنى، والمحترف هو مَن يعتاش مِن حرفةٍ أي من عمل يده، وهو أشرف الكسب وأحله؛ غير أن كثيرين من أهل زماننا يحتقرانه وهو جهلٌ بهم، وتراهم يُحَبِّذون الجلوس إلى المكاتب ويصدرون الأوامر للمحترفين والعمال بما يحمل نبرة التعالي عليهم، ولو فقهوا في دينهم لعلموا أن المحترف خير وأحب إلى الله تعالى من غير المحترف.

خلاصة هذا السبب:
أن الزهد في الدنيا على الطريقة السنيّة السلفيّة، وهي طريقة الأنبياء - عليهم السلام - والصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم جميعا - مما يحبِّب الله في عباده؛ إذ من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، ومحبة الله خير من الدنيا وما فيها، والزاهدون على هذه الطريقة الصحيحة تركوا دنياهم كلّها لله، فنسأله تعالى أن يعوِّضنا وإياهم خيرا منها.

ومن تمام الزهد في الدنيا الاحتراف لكسب القوت؛ لأن الزاهد غير العالة الذي يتكفف الناس، وليس المتعالي عليهم بالمنصب والجاه والمال، فإذا كان لابد للزاهد من المأكل والمشرب والملبس وما شابه فخير ما يكسب منه ذلك عمل يده.



[1] [حسن] أخرجه ابن ماجه (4102)، والعقيلي في "الضعفاء" (2/11)، والطبراني في "الكبير" (5972)، وابن عدي في "الكامل" (3/458)، والحاكم (4/313)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/252-253 و7/36)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (643)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (10523) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي - رضى الله عنه -، فذكره مرفوعًا. قال النووي في "الأربعين" (ح31): "حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة". لكن تعقبه ابن رجب في "شرحه للأربعين" وقال: وفيه نظر، ثم بين ما في الحديث من نقد إسنادي معتبر وإن كان المعني حسنا.

[2] [صحيح موقوف] أخرجه الترمذي في الزهد (ح2340)، وابن ماجه في الزهد (ح4100)، من رواية عمرو بن واقد عن يونس بن حليس عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعمرو بن واقد منكر الحديث، قال ابن رجب: "قلت الصحيح وقفُه كما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد". يعني الصحيح أنه من كلام أبي إدريس الخولاني.

[3] أخرجه أحمد في "الزهد" (96). وانظر "جامع العلوم والحكم" (ص289) بتصرف.

[4] انظر: "جامع العلوم والحكم" (ص289) بتصرف، ط1 دار المعرفة - بيروت 1408.

[5] انظر: "فيض القدير" (ج5 ص3-4).

[6] انظر: "مجموع الفتاوى" (ج11 ص28).

[7] أخرجه ابن أبي الدنيا في "اليقين" (ص112).

[8] [مرسل] هو جزء من حديث طويل أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/218-219)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (367 و368) من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-.

[9] [حسن] أخرجه الترمذي (ح3502)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ح402)، والحاكم (1/528)، من حديث عبد الله بن عمر، به، وقال الترمذي: "حسن غريب". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه".

[10] [صحيح موقوف] أخرجه هناد بن السري في "الزهد" (ح530)، والبيهقي في "الأربعين الصغري" (ح47)، وابن الأعرابي في "معجمه" (1448) جميعًا عن عبد الله بن مسعود موقوفًا عليه، وانظر: "جامع العلوم والحكم" (ص289-291).

[11] انظر: "الزهد وصفة الزاهدين" لابن الأعرابي تحقيق مجدي فتحي السيد ط1 دار الصحابة للتراث - طنطا.

[12] ليس فيما حصرنا من نصوص الشرع ما يدل لذلك؛ إلا أن يكون مستنبطًا من بعضها كحديث "من أحب لقاء الله".

[13] انظر: "جامع العلوم والحكم" (ص291).

[14] [صحيح] سبق تخريجه.

[15] أخرجه البخاري في الرقاق (ح6053)، والترمذي (2333)، وابن ماجه (4114) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[16] لم أقف عليه.

[17] هذا تأويل لصفة المحبة، وليست كما قال.

[18] [رجاله ثقات] أخرجه ابن ماجه (4105)، وأحمد في "المسند" (5/183)، والطبراني في "الكبير" (11/266). قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/56): "رواه ابن ماجه ورواته ثقات، والطبراني". وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (4/212 ح3541): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة بنحوه، ورواه الطبراني بإسناد لا بأس به، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه، ورواه أبو يعلى الموصلي من طريق أبان بن عثمان عن زيد بن ثابت، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه الترمذي في الجامع وابن ماجه".


[19] انظر: "شرح الأربعين النووية" (ص80)، وحذفنا الحديث الموضوع "حب الدنيا رأس كل خطيئة".

[20] أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب/ كسب الرجل وعمله بيده (ح1966)، بلفظ "خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده"، وأخرجه أحمد في "المسند" (ح17220)، والطبراني في "مسند الشاميين" (2/168 ح1123)، بلفظ "أحب إلى الله"، وقال شعيب الأرناؤوط في حديث أحمد: "حديث صحيح".

[21] انظر: "فتح الباري" (ج4 ص306).






خلاصة الجولات في آيات سورة التحريم

$
0
0
خلاصة الجولات في آيات سورة التحريم


أ. د. مصطفى مسلم






كانت هذه الجولات خلال المقالات السابقة؛ في آيات سورة التحريم، لنستشف منها هدايات الذكر الحكيم، ولنبرز جوانب من الأساليب التربوية التي تضمنتها لهداية البشرية على جميع مستويات أفرادها.

فمن أسلوب عتاب لصفوة عباده وسيدهم وأفضلهم، إلى أسلوب مؤاخذة وتهديد ووعيد إلى المقربين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن أزواجه وأهل بيته، إلى فتح باب التوبة والرجاء لهن ولغيرهن إذا بدرت منهم ما يحتاج إلى أوبة إلى ربهم الرحيم إلى الدعوة إلى التوبة النصوح للحظوة بالتكريم وإتمام النور يوم القيامة إلى بيان سنة الله سبحانه وتعالى في المسؤولية الفردية فلا ينفع القرب من الصالحين ما لم تختلط القلوب بشاشةُ الإيمان، ولا يضر القرب من الطالحين ما دام القلب عامرًا بحب الله ورسوله واليوم الآخر، وما دام صاحبه يتطلع إلى جوار ربه ويترفع عن سفاسف الدنيا وزينتها التي تلهيه عن درجات المجد والخلود في جنات عرضها السماوات والأرض.

إن الأساليب التربوية التي وردت في هذه السورة العظيمة تصريحًا وتلميحًا بين وعد ووعيد وخوف ورجاء لا نكاد نحيط بها - وقد أشرنا إلى جملة منها خلال البحث - تكشف لنا عن جانب هام وهو العناية القصوى بتربية الأسرة الإسلامية تربية ربانية على منهج القرآن الكريم.

وهذه العناية بالأسرة معهودة في القرآن الكريم وذلك لأن الأسرة هي اللبنة الأولى التي يتكون منها صرح المجتمع الإسلامي، فمنها يستمد المجتمع قوته، وضعفها يسبب ضعف المجتمع وتآكله وانهياره.

فلا غرابة أن نرى آيات القرآن الكريم تساير تكوين الأسرة من يوم الاختيار والخطبة إلى توثيق عرى النكاح وشروطه ثم بيان حقوق الزوجين، ثم التعرض للعلاقة بينهما وبين ثمرة لقائهما وهم الأولاد، ويضع الحلول المناسبة للمشكلات التي تنشأ بين أفراد العائلة، إلى أن تنتهي العلاقة الزوجية طلاقًا أو وفاةً ثم تصفى هذه العلائق بالحقوق المادية والمعنوية لكل واحد منهما.

لم تظفر مؤسسة اجتماعية في المجتمع الإسلامي بما ظفرت بها الأسرة من تفصيلات في شؤونها وأحكامها وأطوار تكوينها ومراحل أفرادها، وقد ذكرنا السبب في ذلك.

هذا وآمل أن أكون قد وفقت لإبراز جوانب من اهتمامات هذه السورة الكريمة التي دار محورها حول تربية الأسرة، وإن كانت النظرة الأولى تجعل القارئ يظن أنها متعلقة بواقعة خاصة بآل بيت رسول الله ونحن نعلم أن حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارج بيته وداخله، وعلاقته مع أزواجه كحياته العامة مع المؤمنين به وعلاقته معهم سواء. من كل ذلك يستمد التشريع الإسلامي. لذا كانت أمهات المؤمنين يعتبرن أن كتمان شيء من أحواله كتمانًا للعلم يحاسبن عليه، فلم يمتنعن عن الحديث عن كل صغيرة وكبيرة في حياته -صلى الله عليه وسلم-.


وهذه الاستنباطات، من دلالات الآيات الظاهرة، ومن المناسبات بين مقاطع السورة، ومن الإشارات والتلميحات في ضرب الأمثال، فيها ميزة للتفسير الموضوعي حرصنا على إبرازها وتوضيحها.

والله أسأل أن يجعل ما كتبناه في صفحة أعمالنا وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.






البيع الفاسد

$
0
0
البيع الفاسد


سيد ولد عيسى






البيع الفاسد هو ما اختلَّ فيه ركنٌ من أركان البيع المعروفة، وهي: البائع والمشترى، والثمن والمثمن، والصيغة، وهذه الأركان الثابتة للبيع لكل منها شروطٌ لازمة التوفُّر فيه، إذا اختل شرط منها فسَدَ الركن، فيفسد البيع تبعًا لذلك؛ وإذا وُجد الشرط سالمًا، واكتملتْ باقي الأركان صَلَح البيع، وبُحث بعد ذلك عن المحسنات التي تجعل البيع محمودًا أو مذمومًا؛ كالسماحة المدعوِّ بالرحمة لمن باع بها واشترى.

والبيع الفاسد المقصود هنا ليس بيعًا ككل البيع؛ وإنما هو بيع من نوع خاص، وفسادُه من أكبر أنوع الفساد وأعظمها؛ إنه بيع العلم.

يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [البقرة: 174 - 176].

إن هؤلاء المذكورين في هذه الآيات نوعٌ من الناس خاص، أعطاه الله تعالى الحكمة، وبدَلَ أن يعلِّمَها، ويَحكُم بها، ويقضي بها آناء الليل وأطراف النهار، ها هو ينتهج نهجًا آخر، هو نهج الكتمان والجحد والإخفاء.

نهج الكتمان الذي يصور لفظه الجريمة في صورة مَفضوحة مكشوفة رغم الكِتمان، إن الكتمان لا يعني التغييب المطلق لمَكتوم، وإنما تغييب يظن معه صاحبه أنه أخفى ما بقيت آثاره دالةً على نفسه، مبينة مكانها، وكأن صاحبه فضح نفسه من حيث ظن سترها.

وإن الكاتم أيضًا تاجر له تجارة هي الحق، فهو يتاجر بالكتاب، يتاجر بالحق، يبيع الحق، والحقُّ لا يباع إلا بالباطل، إنها عملية معقَّدة متألِّفة من عدة عناصر، يُمكن إبرازها على النحو التالي:
1- المبيع: إنه ليس ملكًا للبائع، ولم يبذل جهدًا في إنتاجه وصناعته، إنه ﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ﴾، وما أنزل الله، تخرجه عن أي جهد بشري مهما كان، ومجال عمل وإنتاج البشر هو ما كان على الأرض، أما أن يبيع الإنسان للناس المطر، فلا يمكن؛ لأنه لا يتحكم فيه، ولا يعرف أماكن نزوله، ولا مقاديره، وكذلك الإنسان مع ما أنزل الله، فهو لا يعلم مقاديره، ولا يُحيط به، فكيف يَحتكِره، ويجعله تجارة؟ إن الله وحده من يُنزِّل الغيث، وكذلك هو وحده من يَعلَم ﴿ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]؛ ولذلك أي جراءة هذه تجعل الإنسان يتطاول على ما لا يملك ليَبيعه، ويأكل ثمنه؟! إنه الظلم والإجرام، والتحدي وتجاوز الحدود!

ولا يقتصر الأمر على هذا، فالمُنزَّل ليس أي مُنزَّل، إنه بعد صفة الإنزال "كتاب"، والكتب لا تصلح للاحتكار، الكتاب يرافق الشيوع والانتشار إذا كان مؤلفه من جنس الآدميين في الغالب، فكيف وهو منزَّل من السماء من علام الغيوب، إنه كالمطر شيوعًا وتفرقًا، واختلافًا في مقدار الأخذ منه، فالناس فيه كالأجاديب والسباخ، وفيها الأرض الطيبة التي تُخرِج نباتها بإذن ربها، فيسقي الناس منها ويزرعون، وكذلك الكتاب المنزل، فكيف يمكن لإنسان أن يَجحده، ويكتمه، ويَحتكره؟ وكيف له أن تَصِل به الحقارة، والمُجاهَرة بالجرم، والافتضاح أن يتقدم إلى الناس به كبائع؟!

2- الثمن: مُنتهى السوء والخزي أن تُرتكَب الجريمة النكراء من أجل غرض تافِه، فكلما عظُمت الجريمة، وكان دافعها حقيرًا تافهًا قليلاً، دل ذلك على حقارة مرتكبها وسفاهتِه، إن هؤلاء الباعة، المتخصِّصين في بَيع ما أنزل الله من الكتاب، من أسوأ الناس وأشر الناس، وأخسرِهم صفقة، وأفسدهم بيعًا، إنهم ناس ساقِطون، ذوو هِمم ساقطة واطئة متدنية، فهم لما أرادوا بيع أثمن شيء، باعوه بأتفه شيء، بثمن قليل كقِلَّة عقولهم، وقليل كقلة حيائهم، وقليل كالخير في نفوسهم، إنه ثمن عقولهم السفيهة، وأفكارهم الدنيئة، وهممهم الواطئة، وليس في الحقيقة ثمنًا لما باعُوه وتخلوا عنه في أخسر صفقة، وأسفه وأفسد بَيع.

3- المشتري: وفي هذه الصفقة السمجة القذرة الدنيئة، يترفع أي إنسان أن يكون طرفَها الثاني؛ لذلك لم تذكر الجهة الثانية جهة المشتري، وكأن المشتري يتبرأ، ويقول: ما اشتريت آيات الله بثمن قليل، لست أنا من يعطي القليل مقابل ما أنزل الله من الكتاب، وهذا التنكير يتناسب مع طبيعة المجهولية في صفقات البائعين دينَهم بدنيا غيرهم، إنهم في الحقيقة لا يَبيعون لأحد، وإنما يبيعون لأوهام، إنهم كالمُرائي يتبرأ منه من كان يرائي من أجلهم، وكعابد الصنم الأصمِّ الذي لا يسمع ولا يُبصِر ولا يُغني عنه شيئًا، ولا يشفع له عند الله، بل لا يعلم به أصلاً، وأي سفه وصلف وحماقة أن يُقدِّم الإنسان خدماته ويتفانى في خدمة من لا يعطيه حق الإحساس به، بل يتبرأ منه أشد التبرُّؤ ﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، وكذلك من يبيع دينه بعرض من الدنيا لا يتجاوز لُعاعة، فهو لا يَبيع لأحد، ولا يشتري منه أحد، ولا يحصل على شرف تقديم خدمة (ولو كانت سيئة) لأحد، إنه يَخسَر البيعة مع الله، ويخسَر الصِّلة بالله، دون أن يجد مُقابِلاً.

إن من يعبدون الأصنام، أو يُستضعَفون من طرف أكابر عبَدة الأوثان - أحسنُ حالاً منه، إن أولئك يجدون يوم القيامة من يحاورهم ويُحدِّثهم، ويتبادل معهم الشتائم والاتهامات، فيتَّهم الضعفاء الذين استكبروا، ويرد الذين كفروا التهمةَ، رغم أن النتيجة النهائية والمحصلة الأخيرة هي أنه ﴿ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ [الزخرف: 39]، إلا أن بائع دينه بعرض من الدنيا، لم يذكر الله من باعه دينه وعِلمه، إنه يأخذ لُعاعة دنيا من غير شخص، ولن يجد من يُحاوره، ولا من يتبادل التُّهم معه في عذاب الحميم، والعياذ بالله.

وأمام هذا المشهد المُفاجئ، الذي يجد فيه البائع عِلمَه نفسَه غير متعامل مع الله، ولا مع الناس، لا يجد الشكر من الناس ولا من الله، وأمام سلاسل الفضائح التي مُني بها، يحق لنا أن نبحث عن حقيقة الثمن الموصوف بأنه قليل، عن حقيقته، وبيان ما هيته، بعيدًا عما تَصوَّره هذا السفيه البائع، وكذا عن جزاء هذه الصفقة الخاسِرة الفاسدة.

أ- حقيقة الثمن: إن هذا الثمن في ظاهره خسارةٌ محضَة؛ لأنه بيع ما لا يُمكن تعويضه، ويغني عن غيره، ولا يغني عنه غيره، بثمن قليل، من بائع مجهول لا يجد الإنسان عنده منة تخفيض الثمن!

ولكنه في حقيقته أسوأ من ظاهرِه، نعم هو أسوأ؛ إن هذا البائع إنما باع عِلمه بثمن قليل من أجل بطنه، من أجل شهوة حيوانية من أتفه الشهوات وأحقرها وأبعدها عن النُّبل والشرف؛ لأنها مما لا يتميز فيه الإنسان عن البهيمة العَجماء؛ لذلك فهذا البائع يُعبَّر له عن خسارة صفقته، وتفاهة قصده، وسوء ما حصل بأنه يأكل النار في بطنه، نعم إنها النار حقيقة لا مجازًا، إنها النار من كل وجه، إنها النار؛ لأنه كاذب سارِق مُعتدٍ، وإنها النار؛ لأن بقية الفِطرة في النفس لن تتركه يَرتاح، وقد باع أقدس شيء بأتفهِ شيء، وإنها النار؛ لأنه كاتم، والكاتم سارق مُفتضَح ينتظر أن يقوم الناس عليه في أي لحظة؛ لذلك فلن يرتاح له بال ولن تطمئن له نفس، وإنها النار؛ لأنه ينتظر نار جهنم وساءت مصيرًا.

ب- جزاء الصفقة: تلك حقيقة الصفقة غير مُلبسة بشيء، حقيقتها الواضحة الجلية، حقيقتها كما تكون الحقائق لا كما تكون الأوهام والتصورات التي تُخالفها تصديقاتها، أما عن جزاء الصفقة، فالعياذ بالله، فقد تقدَّم منه ما يكفي: خزي الدنيا، وعذاب الضمير، والنار المتأجِّجة في البطن، ولكن ذلك ليس كل جزاء البائع علمَه بعرَض زائل، إنهم ينتظرون أن:
1- لا يكلمهم الله: وكيف يكلِّم الله من أتمَّ عليه نعمته بالعلم، فأتمَّ هو الكفران بالكَتم؟ وكيف يكلم الله من أمرَه بالتبليغ، فاشتغل بالبَيع؟ وكيف يكلم الله من يربأ بنفسه عن اتباع الأنبياء وهم يتواتَرون على القول: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ [الشعراء: 109]، فيَبتدع هو طريقًا غير طريق الأنبياء صفوة الله من خلقه، فيقول: أنا أسأل عليه الأجر، وآكُل به، إن تكليم الله التشريفي خاصٌّ بصفوة خلقِه، وبائعو عِلمهم بعرض من الدنيا قليل قد تنكَّبوا تلك الطريق وابتغَوا بها غيرها، وتكليم الله التوبيخي للمُكذِّبين خاص بأكابر المُجرمين، وبائعو دينهم بعرَض من الدنيا من أتفه المُجرمين وأقلهم شأنًا، وأسوئهم حالاً، فالله تعالى لا يكلمهم؛ لا يكلمهم كلام تكريم، وأنَّى لهم التكريم، وقد ارتكبوا أسوأ الجرائم، وقابلوا المنعم بأسوأ الكُفران؟ ولا يكلمهم كلام توبيخ؛ لأنهم أقل شأنًا من أن يُخاطبهم المَلِك الديان، وجريمتهم أسوأ وأحقر من أن تستحق تعليقًا، أو لا يُعطيهم الفرصة ليتكلموا فيُبيِّنوا حُجتهم ويقولوا دعواهم، وفي المحصلة النهائية فإن كلام التشريف محجوب ممنوع عنهم، وإن جاز كلام التوبيخ، رغم أن ظاهر اللفظ يمنعهما، والفرصة لن تعطى لهم، فلا يؤذن لهم ليعتذروا... و:
2- لا يُزكيهم: فلا يَقبل منهم عملاً، ولا يرفع لهم حسنة، ولا يتقبَّل منهم خيرًا؛ وإنما يتقبَّل الله من المتقين، وقد جانفوا التقوى، وضلُّوا السبيل؛ فعُوقِبوا بمَحقِ أعمالهم، وردِّها عليهم، فالله لا يقبل الإيمان الجزئي الذي يتخيَّر صاحبه ما شاء فيؤمن به، ويكفر بما شاء، فمن أراد أن يتخذ بين ذلك سبيلاً، فأولئك هم الكافرون حقًّا، والذي يعطي العلم في مُقابل عرض قليل تافهٍ فانٍ - خاسرٌ بائس؛ لا يُقبل منه عمل، ولا يُقدم تقديم المزكَّى، ومن لم يزكه الله لن يزكوَ أبدًا، ولا يطهر من رِجز أعماله وسوء تصرفاته، ومن ذا الذي يُطهِّر مَن أركسَه الله؟ فالله أعطاه آياته، ولكنه انسلخ منها فأتْبَعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو لم يَخلُد إلى الأرض ومطامعها ومطامِحها وطينتها وحمأتها ووطائتها، ويُتعب هواه في كل فجٍّ، ويَسلك به أية مسلك، لما كان ملعونًا مطرودًا من الله واللاعنين، ولما كان كالكلب بل أحقر وأضل سبيلاً، فحق بذلك أن يُحرَم زكاة الله وتطهيره، وتزكية الله ورفعة مقامه، ورحمة الله ومغفرته... و:
3- لهم عذاب أليم: أي عذاب بعد ما تقدَّم؟ إنه ما لا عين رأت، ولا أذن سَمِعت، ولا خطر على قلب بشر، إن هذا الصِّنف من الناس تلاحقهم اللعنات، وتَجفوهم الرحمات، وتغشاهم الذلة والكآبة والحزن والقَتَرة أنى كانوا، فهم في الدنيا في أشدِّ الخزي والعار، وأمام أنفسهم أخسأ من الكلاب، وأمام الناس أقل قيمة من أن يَقبل أحد بأن يكون طرفًا معهم في بيعة الخاسرين، وأمام الله لا يكلمهم يوم القيامة ذلك اليوم الذي يَحتاجون فيه إلى أن يؤذَن لهم فيعتذرون، فهم لا ينطقون، ولا يُخاطَبون، ولا يُسأل عن ذنوبهم المُجرمون، ولا يطهَّرون من رجزهم وغيِّهم، وكيف يُطهَّر من دنَّس نفسَه بنفسه، من أطفأ المشعل الذي أعطيه، والنور الذي وُهِبه؟ وبعد كل ذلك لهم عذاب أليم، والآلام هنا غير محدَّدة، وغير محدودة، فلا يُعرَف مدى جانبها النفسي، المكمل لما سبق من آلام نفسية، ولا يُعرَف أيضًا مدى جانبها المادي الجديد الذي لا تُعرَف له حدود ولا أبعاد، والله الواقي.

الحقيقة النهائية:
إن حقيقة هؤلاء الساقطين السافلين الخاسِرين تحتاج إلى بيان وتلخيص، تحتاج إلى رجوع إلى ما مضى، وبيانٍ أوضح لحقيقة الجرم، وتعبير مُغاير لما تقدَّم؛ حتى يتضح لكل ذي نفس سوية أنهم لم يُظلَموا، وأنهم لم يُجنَ عليهم، ولم يُعاقَبوا بأكثر من فعلهم، ولم يؤخَذوا بأكبر من جريرتهم، إن حقيقة ما ارتكبوا هي:
1- اشتِراء الضلالة بالهدى: وأيُّ سفه وأي خسران فوق هذا؟ وأي بَيع أفسد من هذا البيع؟ وأي صفقة أتعَس وأشأم مِن صفقةِ مَن باع الضلالة بالهدى، والعَمى بالبصيرة، والظلام بالنور، والشر بالخير، والنار بالجنة؟! إنه الخُسران، والخُسران المبين.

2- اشتراء العذاب بالمَغفِرة: وهو كسابقه، زهدٌ في رفيع، واختيار وضيع، بَيع لآجِل بعاجل، وللذي هو أدنى بالذي هو خير، وعلى نفسها جنَت براقِش، فمن حصَّل العِلم بعد الإيمان فباعهما بمتاع قليل وكتَم ما تُثبِت البراهين أنه عنده، وقلَب الصِّفة، وغيَّر الكَلِم، وكتب الكتاب بيدَيه، ونسَبه إلى خالقه، ولوى لسانه بكلامه ليُحسَب من الكتاب وما هو من الكتاب، وقال: هو من عند الله، وما هو من عند الله، وقال على الله الكذب وهو يعلم، من كان كذلك، فقد اشترى فعلاً العذابَ بالمَغفِرة، والنِّقمةَ بالنِّعمة، والجنة بالنار.

3- تهكُّم يليق بالسخفاء: ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة: 175]، إن من يقدم على الصفقة يعلم نتيجتها، يعلم مكامِن الربح وأماكن الخسارة، يَفرض على أطراف الصفقة وعلى المشاهدين المتفرِّجين ألا يرحموه، وألا يَقبلوا منه صرفًا ولا عدلاً، إنه يختار بنفسه، وبكامل وعيِه، وتمام إرادته - ما يعلم أنه مُهلِكه ومخزيه، يختار الخسارة عمدًا، ويرغب في الشر عالِمًا أنه الشر، ويختار النار على الجنة، وله عينان ولسان وشَفتان، إنه إذًا صبور قادر على الصبر على حرِّ النار، وعلى عذاب النار، وكيف لا وقد اختارَها عن وعي، واتَّجه إليها مع كامل الإرادة؟ إن تصرُّفه مُثير للتعجُّب، داعٍ للغرابة، ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾! إنهم قادِرون على تحمُّلها وعلى الولوج فيها اختيارًا حين يَهابُها الآخَرون، حتى في الضرورة وخارج الطاقة، فيسألون: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، أما هؤلاء، فيَلِجون النار بعيون مفتوحة، فما أصبرهم على النار!

إنه أسلوب تهكُّمي يَليق بمن بلغ به علمُه أن عرَف حقيقة النار، وخطورة النار، وشدَّة النار، وسرمدية عذاب النار، إنه تهكُّم يليق به، وأسلوب كافٍ لتنبيهه إن كان ما زال متردِّدًا في قراره، أما إن كان قد جزم وحزَم أمتعته، فليذهب إلى الجحيم، وليَذُق العذاب الأليم، وليُسدل الستار عليه غير مأسوف عليه، ولا مُستعتب.

الحقائق المغيبة:
وبعد ما يوارى من اختار النار اختياره، ويُترَك ومصيره ويَسقُط في الحفر الذي صنعت يداه، والشراك الذي نصبت إرادته، تتَّجه الآيات بهذا التعليق إلى أولي الأبصار، وذوي الضمائر، ومن تنفعهم الذكرى وتؤثِّر فيهم الموعظة، وكأن السابقين قد تُوُدِّعَ منهم إلى الأبد، فتؤكد الحقائق التالية:
1- الكتاب منزل بالحق: فهو كتاب إذًا، ومُنزِّلُه ربُّ المشرقين ورب المغربين، ورب الكون والثقلين، ولم يُنزِّله بغير الحق، والحق مناقِض للباطل، مُباين للعبَث، مرادف للجد والصدق والخير، وبيعُ الأدنى بالأعلى باطل وشرٌّ وعبث وحمق وكذب ومَيْن، فمن اختار ذاك الباطل، فقد حاد عن هذا الحق، وخرج عن غرض الكتاب من إحقاق الحق، وعن حقيقة الكتاب الحق، وما نزل به الكتاب، وهو الحق، والكتاب الكتاب والحق الحق، فأي كتاب كان (توراةً، إنجيلاً، زبورًا، فرقانًا...)، فهو الحق، وأي تحريف فيه أو استبدال أو تغيير أو بيع، أو مرابحة، أو كراء، أو أي تصرف تجاري مهما كان يخرج عن إطار الحق، فهو منافٍ للحق الذي في الكتاب، فلا يجوز أن يتقرَّب منه، ولا أن يقع فيه العاقل العارف بالكتاب، وحقيقة الكتاب.


2- المختلفون فيه في شقاق: والكتاب جاء موحِّدًا جامعًا، لا مُفرِّقًا مُشتِّتًا، جاء من الواحد ليوحِّد الناس على كلمة سواء، وتعدُّد لا يُبيح الاختلاف؛ إذ الكتب تعدَّدت، وظل بعضُها مُصدقًا لبعض، وظل طابع الحق عامًّا عليها لا تَحيد عنه ولا تَنحرِف؛ لذلك على الناس بتعدُّدهم أن يكون الجامع الموحِّد لهم، والمُلمُّ لشَتاتهم هو الحقَّ، وإذا كان الاختلاف، فإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد، إنهم يُشاقُّون أنفسهم، يُناقِضون ضَمائرهم، يُحارِبون فِطرتهم، يَخرجون عن نسق الكون الذي يعيشون فيه، وعن نسق الكتب التي أُنزلت إليهم، وعن نسق الخير الذي طُلب منهم، إنهم في شقاق مع ذواتهم قبل غيرهم، وأي مُبرِّر لمُشاقة الإنسان نفسَه، ومحاربته ذاتَه؟! إنه الشقاق البعيد، والحمق الأكيد، الذي لا معنى له ولا مبرر.

وبهذه الجولة السريعة مع هذه الآيات الكريمة، يتضح مستوى خسارة البيع وفساده، حين يكون بيع الدنيا بالدين، وبيع الباطل بالحق، وبيع الذي هو أدنى بالذي هو خير...





العلاج بالحب

$
0
0
العلاج بالحب


د. محمد السقا عيد






النفس البشرية خزانة للمشاعر الإيجابية ذات الأثر الفاعل في تغيير حياة الآخرين، وهي زاخرة بما يمكن أن يكون ترياقاً لكثير من العِلل الذاتية وعِلل الآخرين، ومن هنا يمكن اكتشاف العلاج للعديد من معضلاتنا من داخل نفوسنا وقلوبنا ومشاعرنا ومكنوناتنا الداخلية.

نعم، الحب فيه علاج ناجع لكثير من معضلاتنا النفسية والصحية والاجتماعية، وبإمكاننا بنظرة متعمقة للحياة أن نغيِّر مشاعرنا تجاه الآخرين، ونجعلها مشاعر حُبّ وصدق ووفاء وحُبّ للخير لكل الناس، وتمني السعادة لهم جميعاً، بل السعي من أجل تحقيقها؛ لأن النفوس الطيبة والقلوب السليمة ترى سعادتها في سعادة الآخرين، ومن هنا يتحول الحب النابع منها إلى دواء يسري في أوصال الغير، ويعالج ما لديهم من عِلل ومشكلات ومعاناة وآلام.

إن الابتسامة والتسامح والهدوء والراحة النفسية والإيثار والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين وإبداء النصح وحُبّ الخير والصدق في التعامل.. كلها من مظاهر الحب الصادق، وكلها تصنع الفرح، وتحقق الراحة النفسية وسلامة الدواخل لدى الآخرين، وهذا - بلا شك - فيه علاج لهمومهم، ومشاكلهم النفسية والصحية والاجتماعية.

الحُبّ شعور طبيعي للنفس المتوازنة المتصالحة مع ذاتها، وهو ينعكس في راحة البال وراحة الضمير، وصفاء النفس، وحُسْن الظن، والثقة والطمأنينة، وحُسْن العلاقات مع الآخرين، والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين، وهي قيم حث عليها الإسلام وكرسها، وأوصت بها السُّنة النبوية المطهَّرة، ولها تأثيرها في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض القلب، وغيرها من العلل.

يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".


وهذا يعزز قيم الإيثار والحُبّ، وفي ذلك تذويب لمشاعر الحقد والحسد والكراهية.. فأي علاج أفضل من هذا؟ وأي علاج نحتاج إليه في هذا العصر أكثر من هذا؟.

هذا الحُبّ هو الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجع، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ومنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام.

و للحب القدرة على شفاء أي أمراض.. وما تواجدت الأمراض الا بسبب الافتقار للحب.. ولكي نفهم ذلك أولاً علينا ان نفهم علاقة الحب بالحياة.


وأولى الناس بالحب هو أنت، نفسك، فإن لم تحب نفسك فأنت تحرم ذاتك من الحب الذي تستحقه وتحجب محبة الله أن تمر منه إليك.

إن كل الامراض تنشأ من الافتقار للحب بشكل أو بآخر... الافتقار لطاقة الحب... فلتسمح لطاقة الحب أن تسري فيك.

عليك بدايةً أن تتقبل ذاتك وتحب ذاتك لتسمح للحب أن يسري فيك كما هو مقدر له أن يسري في كل الوجود ليبقيه حياً.

لاحظ نفسك.. عندما تفتقد الحب.. انظر ماذا تشعر.. هل تشعر بالنور أم بالظلمة؟؟ هل تشعر بالخير - أم بالشر؟؟ هل تشعر بالراحة أم الانزعاج؟؟ هل بإمكانك أن تسترخي؟؟ هل تشعر حقاً أنك تعيش؟ لاحظ نفسك وأنت في حالة الحب... والحظ الفرق.

إن الحب وحده كفيل بأخذ كل الاسقام بعيداً، لأن المرض أياً كان هو نقص في طاقة الحياة لدى الإنسان وطاقة الحب نفسها هي طاقة الحياة.. الحب هو أنقى صور طاقة الحياة.. فما إن تفتح نفسك للحب إلا وستلاحظ الشفاء في داخلك، ستلاحظه وتشعر به حتى يتجلى ويظهر أثره على جسدك ونفسك.

عندما تشعر أن أحدهم بحاجة لطاقة الحياة... افتح قلبك أولاً للحب، وانفتح على الحب حتى تشعر أنك امتلأت حباً، ثم ابدأ بالسماح لهذا الحب بالتدفق منك إليه، وإن لم تتمكن من فعل ذلك فقط بالنية يمكنك أن تستخدم مخيلتك لتحفز الشعور بالحب لديك...فقط تخيل من تشعر أنه بحاجة لطاقة الحياة.. تخيله أمامك واشعر بالحب الذي في قلبك.. واسمح لهذا الحب أن يمر من خلالك للآخر حتى يشبعه أو حتى تشعر أنه أشبعه.

هرمون الحب:
اكتشف الباحثون أن "الأوكسيتوسين" المعروف باسم هرمون الحب قادر على فعل العجائب في حياة الإنسان على صعيد الصحة العامة والصحة النفسية وعلى تصرفاتنا، بل إنه قادر على علاج العديد من أنواع الصداع أيضاً. لا تقتصر عجائب هذا الهرمون على تعديل المزاج فقط بل إنه يخفض معدلات هرمون التوتر ويخفض ضغط الدم.. ويؤكد العلماء أيضاً أنه يلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار علاقاتنا مع الآخرين لأنه مرتبط بمشاعر الثقة التي نوليها لهم.





ترى ما هذا العلاج المدهش الذى لا يكلف سوى لمسة حانية ينطلق على إثرها هرمون (الاكسيتوسين)؟! ذلك هو الهرمون المعالج الذي سكن أجسامنا طيعاوبقيَ رهنا لأى إشارة حب.


ولأن الزوجين هما أكثر المنتفعين بهذا الدواء، لذا عليهما تفعيل الغدة النخامية فيما يخص جانب (الاكسيتوسين) وذلك باستثارتها دومـا بالمودة والرحمة والأُلفة التي جعلها الله ملكا لهما. وما أجمل دور النظرات التي تعبر عن اللهفةوالتواصل! والقبلات الحارة التي ترغم الغدة على أن تكون أكثر تفاعلاً!


والمرأة الذكية هي التي تتدفق بجمالها ورقتها رويدا في عيني وروح شريك العمر وذلك ليتقاطر الهرمون لدى الزوج نقطة بنقطة ؛ حريصة ألا تسكبه دفعة واحدةكي لا يتوافد الزهد والشبع عقب الصب الكامل.


وعلى الرجل أن يحقق رجولته مع ذكورته، وأن يحقق لطفه مع ولعه، وأن يكونجذابا في هندامـه ومظهره؛ فهذا أدعى لشغف المرأة! وأنشط لإدرار هرمون (الاكسيتوسين) عندها هي الأخرى!


حقا.. بلمسة واحدة تنهض الهرمونات من موضعها؛ راكبة كريات الدم، جائلةفي كل زوايا النفس لتنعشها! وتبث فيها الفرح والمرح حتى تتبعها قطرة أخرى!

ويتوالد مـن ذاك المرح هرمون آخر ألا وهـو (الإنترفيرون)!! ذلك هو الهرمون المتمم لجند الجسم ليقوم بمهمته الكبرى في مهاجمة الأمراض! ومـازال الهرمونمتجها إلى البشرة لينقيها، وإلى الخدود ليحمرها بـ (روج) رباني لم تقدر على صنعهالشركات! ويبقى الهرمون جاهدا حتى يؤخر قدوم الشيب والكبر.!


بعد أن عرف العلماء دور هرمون الأوكسيتوسين إكسير غرام العشاق، والحبل السري الذي يربط الأم بالجنين.

إن السر وراء الأخلاق السامية هو هرمون "الحب" الأوكسيتوسين... هدف العلماء القادم وأملهم الكبير لتصنيع الدواء القادر على تصحيح النفوس البشرية لتضع كل الحروب أوزارها وليعم السلام في الأرض أخيرا فهل يتحقق المراد؟.


المصادر
العلاج بالحب - مبارك الشعلان .
العلاج بالحب - عبدالله عيسى.
العلاج بالحب - إبراهيم المعطش .
الأوكسيتوسين هرمون الحب - أميمة ابراهيم - مجلة نصف الدنيا.





النور المبين في طريق المتقين

$
0
0
النور المبين في طريق المتقين


ناصر بن سعيد السيف







تكثر الفتن في المجتمعات وتخيِّم على سمائها سحب المخالفات فيلتبس الحق بالباطل وتختفي معالم السنن على كثير من الناس ويختلط الهُدى بالضلال فتكون تقوى الله - تعالى - نوراً ساطعاً في طريق الحق والهداية ويبدد نورها ظلمات الجهل والغواية ومن رُزق التُقى والهُدى وفِّق للفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].



والموفق في الحقيقة من وهبه الله - تعالى - التقوى لأن بها يمشي المؤمن بنور من ربه - تعالى - على درب النجاة ويكون سالماً من جميع المؤثرات العقدية والمنهجية، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].



ولا يخفى على كل صاحب عقلٍ رشيد أن الأمة الإسلامية تحتاج في الزمن المعاصر والمستقبل إلى أن تغمر قلوب أفرادها تقوى الله - تعالى - والإيمان الثابت في قلوبهم كثبات الجبال في الأرض، وأن يتيقن الجميع أن الدين منصور وأن العاقبة للمتقين مهما تكالب الأعداء من الداخل والخارج وأن هذا وعد الله - تعالى - كما قال في كتابه العظيم: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6].



ومن تعلق بالوحي الإلهي تيقن أن عز الأمة وسيادتها وفلاحها مرهون بتمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - ومن سبر التاريخ وجد هذه الحقيقة يومَ أن كانت الأمة متمسكة بإسلامها الحق ومهتدية بنور الوحي الإلهي مقتفية بآثار النبوة ومقتدية بسلف الأمة - رحمهم الله تعالى - دانت لها المشارق والمغارب واجتمعت كلمتها ورفرفت رايتها وتوحدت صفوفها ولم تجد البدع والأهواء طريقاً إلى مجتمعاتها وأفرادها.



وكل عاقل له طريق يسلكه في حياته بين جنباته الخير والشر، وينتهي به إلى السعادة والعزة والخير في معاشه ومعاده أو إلى الشقاوة والذلة والشر، وأن الفائز في الحقيقة من سلك الطريق الذي وضعه الخالق للخلق: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].



ومن سلك طريق الحق فله النصر المبين في الدنيا والآخرة، وهذا في الحقيقة ميزان لأهل الإيمان: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وجاءت البشرى من سيد الأولين والآخرين - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل)).



وفي نهاية المطاف فإن من الواجبات المتحتمات على العلماء وطلبة العلم والدعاة في كل مكان وزمان - خاصة في وقت الأزمات والفتن - أن يقودوا الناس للخير والفلاح، وأن يبادروا بالدعوة والانكار على جميع المعاصي والمنكرات التي تصدر من الراعي والرعية، وأن تكون لهم القيادة والكلمة في نوازل الأمة مستضيئين بنور الوحي ومدركين للواقع من مصادره الموثوقة، لأن العلم الشرعي في الحقيقة شرف لحامله وأمانة في الصدع به وتبليغه للناس، ومن حمل رسالة الإسلام فإنه لا يسلم من تهديدات القوى الدنيوية ومن سبر حال الأنبياء والرسل والسلف الصالح وجد ذلك، وينبغي على الجميع أن يكون قول الحق سبحانه وتعالى متمثلاً لهم في كل مواطن الحياة: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].





من الأسباب المعينة على قيام الليل .. التقليل من الأكل والشرب

$
0
0
من الأسباب المعينة على قيام الليل .. التقليل من الأكل والشرب


د. محمد سليمان حمودة








فإن الإكثار من الطعام والشراب من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن العبادات عمومًا كالصلاة، وقراءة القرآن وغيرها، وعن قيام الليل خصوصًا، وتحول بين العبد وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" رواه الترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع 5674.




وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل تجشأ في مجلسه: أقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعًا في الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة". رواه الحاكم، صحيح الجامع 1190.





قال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل، تملكوا قيام الليل.




ورأى معقل بن حبيب قومًا يأكلون كثيرًا فقال: ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلّوا الليلة.




وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأَكُول النوّام.





أحب زميلي في المدرسة

$
0
0
أحب زميلي في المدرسة


الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي



السؤال
أُحِبُّ زميلًا لي في المدرسة، اعترفتُ له بحبي عن طريق رسالة، وبعدها أحس بأنه يحبني، فبدأ ينظر لي، ويلمِّح بأشياء، ثُم اعترف لصديقتي بأنه يحبني، وقال لها: أرجو أن تقولي لها: لا تبعث لي برسالات مرة أخرى! ولا أريد أن يعلم أحدٌ!

فرحتُ، فقد كان في غاية الروعة، ولكنه غامضٌ جدًّا، يعرف كيف يجعلني أحبه بدون أن أشعر!

بعد فترة انتقل الأولاد مِن المدرسة، وأصبحوا يدرسون في نفس المدرسة صباحًا، فأرسلتُ صديقتي لتسأله: هل ما زال يحبني أو لا؟ فأجاب بنعم!

أعطيتُه رقم هاتفي، فلم يتصلْ، وقال: إنه لا يقدر على أن يتصلَ؛ لأن إخوته يُراقبونه!

أنا خائفة من هذا الحبِّ، وهذا يؤثِّر على مستواي الدراسي، فهل أنا مخطئة أو لا؟

أرجو ألا تقولوا لي: إنني صغيرة، أو أن أنساه؛ لأنني أحبه كثيرًا!


الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمرحلةُ المراهقةِ في المجتَمَعات المفتوحة؛ أعني: التي تبيح الاختلاط في التعليم وغيره، تتميَّز بتطلُّع الفتاة إلى مَن تحبه، وتحب الحديثَ معه، وهذه صفةٌ مِن صفات تلك المرحلة، يجبُ تهذيبُها، والتعامُلُ معها بما يُناسب الدينَ، والخُلُقَ، والعاداتِ الاجتماعيةَ الصحيحةَ.

ولكن - يا ابنتي الغالية - احذري كلَّ الحذرِ مِن هذا كُلِّه، فهو مجرد كلامٍ، وتنفيسٍ لا حقيقةَ له، ولا أُنكِرُ أنك صادقةٌ في مشاعرك، وإنما أعني: ماذا ستستفيدين؟ وأي شيء تجنين مِن هذا الكلام؟ اللهم مجرد التعلُّقِ، وزيادة التفكير، وشغل القلب الذي قطعًا سيؤثِّر على دينك، ومستقبلك، وتحصيلك الدراسي، وقد يشغلك عن طاعة ربِّكِ، وكلُّ هذه الخسائر بلا طائل، ولا فائدة!

فاسألي نفسك: ما الهدفُ المنشودُ مِن وراء هذا الحب المبكِّر، فالجوابُ - في ظني -: إما الزواج، وهذا شيءٌ سابقٌ لأوانه جدًّا؛ فحتى لو قلنا: إنكِ تتزوجين بعد خمس سنوات، فالفتى على الأقل أمامه خمس عشرة سنة، فهل يُقِرُّ عاقلٌ هدفًا كهذا؟ ولو قلنا: هو حبٌّ مِن أجل الحُبِّ وحسب، أو لِلَّهو، أو لتشعري أنكِ صرتِ فتاة، أو ما شابه، فهل ترضَيْنَ لنفسك مثلَ هذا المصير؟ وهل المجتمعُ سيرحَمُكِ؟ ألا تعلمي أنَّ ديننا لا يَعْرِفُ ذلك الحب ولا يبيحه - ولو كان في النية الزواج ؟ فليس في الإسلام ما يُعْرَف بالحبِّ والتعارُف والصداقة بين الجنسَيْنِ!

فأشعري نفسك - أيتُها الصغيرةُ - باليأس من هذا الأمر، ولا تتعجَّلي نصيبك؛ فإن النفس متى يئستْ مِن الشيء، استراحتْ منه، ولم تلتفتْ إليه.

واحذري - يا بنيتي - أن تطلبي أو يَطْلُبَ منك هذا الفتى أن يتكلمَ معك، ويخرج معك، فهذا كله - يا ابنتي - حرامٌ شرعًا؛ لأنه لا يجوز للمسلمة الفاضلة أن تُكَلِّمَ رجلًا أجنبيًّا عنها أي كلامٍ خاصٍّ، ومِن ثَم لا يجوز لها أن تجلسَ معه، أو أن يمسك يدها، فهذا كله حرامٌ، والحبُّ الذي يكون في هذه المرحلة وفيما يليها مِن مراحل المراهقة، وما بعدها، وفي الجامعة، وما يترتب عليه من كلامٍ، وسلامٍ، وخلوةٍ - لا يجوزُ مُطْلَقًا، ولا تستفيدُ منه الفتاة إلا تلويثَ سمعتها، ثم إذا أرادَ حبيبُ القَلبِ أن يتزوَّجَ، بَحَثَ عن أخرى لم يرتبطْ بها عاطفيًّا؛ لعدم ثقته بمَن سبق لها أن رافقتْ أجنبيًّا عنها، ولو كان هو، فمَن رافقته يومًا لا يبعد أن ترافقَ غيره!

وأفضلُ ما يعينُك على نسيان الأمر، وأسلمُ طريقةٍ، ألا تعطي نفسك فرصةً للتفكير في أي شابٍّ، وإذا شعرتِ بالضعف أو الميل، فاشغلي نفسك بأيِّ شيء آخر، وأن تُكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، الذي يحرص على أن يُزيِّن لك هذه العلاقة، ويقول لك: كل البنات لهن أصدقاء، ويخرجْن معهم، وهذا ليس فيه شيء، وأنت فقط المُعَقَّدة والمتخلِّفة، وهذا يحبك، وسيكون فارسَ أحلامك، وشريك عُمُرِك، وهذا كله وهْمٌ وكذبٌ، لا أساس له مِن الصحة، يا ابنتي الصغيرة.

يا سبحان الله! كيف لطفلةٍ مثلكِ لم تتجاوز الصف الأول الإعدادي - المتوسط - أن يغلب عليها الوَهْم وتعيش قصة حب!

فتَفَرَّغي لدراستك، ولا تلتفتي لهذه الأكاذيب، واجتهدي في طاعة مولاك، وحاولي أن تضعي لك برنامجًا لحِفْظ القرآن الكريم؛ ليحفظك الله به مِن حالة التمزُّق النفسيِّ التي تصيب الفتيات إذا قاموا بمغامرة عاطفيةٍ، وقد رأيتُ بنفسي؛ ومما علمته علم اليقين أن معظم الشباب ينظرون إلى هذه العلاقات على أنها مجرد تسلية لتضييع الوقت، بخلاف الفتاة - التي بحكم تكوينِها العاطفي الفطري - سُرعانَ ما تُصدِّقُ ذلك، وتتعلقُ بقصص حبٍّ وهميةٍ، وتتألم إذا ابتعد عنها الشابُّ، أو قاطَعَها، ولا تستطيع النوم، وتهمل دراستَها، وعملَها، وتتأثر علاقتها مع الله؛ جرَّاء التفكير المستمر، ثم يلي ذلك الصدمةُ النفسيةُ التي تصيبها عندما تكتشف غدْرَ هذا الإنسان، وخِداعَه لها، وتظل الفتاة تسدِّد ضريبة هذه المغامرة من نفسيتها المدمَّرة، ومن كرامتها، وسُمعتها، وسمعة أهلها، ومن إحساسها الديني بالذنب، ثم إحساسها أنها كانتْ مجرد لُعبةٍ، أو تسليةٍ، في يدِ شخص عديمِ الدينِ، والخلقِ، فاحذَري، بنيتي الصغيرة.

وفي الختام أدعوك لوقفةِ مناقشةٍ علميةٍ ذاتيةٍ مع نفسك؛ مفكرةً فيما كتبتُه لكِ بعيدًا عن العواطف؛ لأن الغالب أن المشاعر والأحاسيس تكون جيَّاشةً في فترة المراهقة، وأنت في المرحلة الأولى منها، ثم ما تلبَثُ أن تزولَ، ويبقى العقلُ، والِاتزانُ، والنظرُ في الأمورِ، وعواقبها، وأنا على يقينٍ أنَّ مَن سَوَّقَ عندك كلمات الحبِّ هي المسلسلاتُ، والأفلامُ العربيةُ التي أفسدتْ كل شيء، والله المستعان.

احرصي على عدم اللقاء به، ولا الكلام عنه، وتخلَّصي مِن التفكير فيه، بإشغال النفس بالتفكير في الأمور المفيدة في الدين والدنيا.

وأكثري مِن الدعاء بصدقٍ؛ فاللهُ - سبحانه - يجيب مَن يدعوه فقولي: "اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي، اللهم طهِّر قلبي، اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سَمْعي، ومِن شر لساني، ومِن شر بصري، ومِن شر قلبي، ومِن شر منيِّي، اللهم طهِّرْ قلبي، وحصِّن فرجي.


هذا، ولا تترددي في مُراسلتنا - في المستقبل - كلما احتجتِ إلينا






كيف أستعيد موهبتي الضائعة؟

$
0
0
كيف أستعيد موهبتي الضائعة؟


أ. شروق الجبوري






السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أعرف مِن أين أبدأ؟ أنا أحبُّ القراءةَ كثيرًا، ولكني لا أعرف ما هي الكتب التي يجب عليَّ قراءتُها لأُصبِح مثقَّفة، كما أنه لا يستهويني أي كتاب بسهولة، بالإضافة إلى ذلك فإنني أشعر بأنني لا أستفيد شيئًا من قراءاتي؛ لأنني - وبعد أن أُنهِي الكتاب - لا أستطيع تذكُّر ما يَحْوِيه! حتى الروايات عندما يتكلَّم أحدٌ عن روايةٍ قد سبَق وقرأتها، أجد نفسي لا أذكُر شيئًا منها، ولا أستطيع أن أناقشَه فيها، وأي شيء أقرؤُه أنساه فورًا؛ فما الحل في ذلك؟



علمًا بأنني في صِغَري كنتُ بارعةً في الكتابة، وكنتُ مشروع أديبة؛ إذ لا يقرأ أحدٌ ما أكتبه إلا ويُعْجَب به، أما الآن فقد فقدتُ هذه الموهبةَ، وأنا حزينة بشأنها؛ لأنها كانتْ وسيلةً لي للتنفيس عمَّا بداخلي، وكنت أشعرُ براحةٍ عندما أفرغ أفكاري على الورق بطريقةٍ أدبيَّةٍ.



أرجو مساعدتي، وجزاكم الله خيرًا.




الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم



أختي الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

نحيِّي أولًا انضمامك إلى شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يُسَدِّدنا في تقديم ما يَنفَعُكِ، وينفع جميع المُستَشيرين.



كما أودُّ أن أحيِّي تعرُّفَكِ على مَواهبكِ، والحِرصَ على إعادتِها وتنميتِها، وأسلوبَكِ في المراجعة والنقد الذاتي، وهي سماتٌ إيجابيةٌ أدعوكِ للحفاظ عليها، واعتماد السبُل المؤدِّية لذلك.



فيما يخص نسيانَكِ لما تقرئينَ: فقد يعودُ سببه لكثرةِ القراءة بشكلٍ كبيرٍ، فقد أشارتْ مقالةٌ أكاديمية إلى أن الأكثر نسيانًا للمعلومة هم الأكثر قراءةً، لكن رأيي الشخصي أنَّ هذا النسيان لا يكون شاملًا، بمعنى أن القارئَ قد يَنسَى التفاصيل الدقيقة؛ كالأسماءِ والأعداد، ولكنه يَبقَى محتفِظًا بالمعنى العامِّ، وأنتِ - يا عزيزتي - قد تكونينَ من ضمن هؤلاء، إن لم تكوني متَّسِمة بالنسيان في شتَّى الأمور بسبب ضعْفِ تركيزكِ، أو عارضٍ بيولوجي؛ مثل فقر الدم أو غيره.



أما عن ضَعْفِ قدرتِكِ على مُناقشة ما تقرئين مع الآخرين: فقد يكون السببُ هو خشيتَكِ من نسيانِ تلك التفصيلات التي تجدين أنَّ غيرَكِ يتذكَّرها، أو حاجتَكِ للتدريبِ على التعبير مشافهةً بعد أن أبدعتِ في التعبير كتابة.



ولذلك، فإني أنصحكِ بالاشتراك في منتدياتٍ أدبيَّة عبر شبكة الإنترنت، والمشاركة في النقاشات التي تدور بين المشاركين مشاركةً منضبطة بضوابط شرعيّة؛ فإنَّ ذلك سيُسَاعِدُكِ على إبداء آرائكِ الشخصية بشأن المواضيع المطروحة، دون أن يجعلَكِ في حرَج المواجهة، كما أنه سيُعِيد تحفيز هُوَايتِكِ في الكتابة، ثم عرْضها ونشرها في تلك المنتديات، والتحاوُر مع القرَّاء بشأنها، وبذلك ستَعُودِين لممارَسةِ تلك الهواية، بل وتنميتها وَفْقَ معطيات العصر.




وبعد قيامك بذلك، قد تجدينَ في نفسك ميلًا نحو قراءةِ الكُتُب المَعْنِيَّة بما تكتبين، لا سيما الكتيبات الصغيرة.



واعلمي - يا عزيزتي - أنَّ الملَل مِن ممارسة الهِواية قد يتسرَّب إلى نفس الإنسان إذا لم يخطِّط لتنميتها وتطويرها واستثمارها في مجالاتٍ معينة مِن حياته، ولذلك يُمكن لكِ أن تضعي في مخيلتِكِ أهدافًا مرحليَّة لهوايتك، بعد عودتك لممارستها؛ مثل المشارَكة في مسابقات، أو نشْر كتيبات خاصَّة بك، أو غير ذلك.



وأخيرًا، أختم بدعاء الله تعالى أن يفتحَ لكِ أبواب الخير، وينفعَ بكِ، وسنسعد بسماع طيب أخباركِ






الطريق إلى تعلم وإتقان اللغة الأجنبية

$
0
0
الطريق إلى تعلم وإتقان اللغة الأجنبية


أ. عائشة الحكمي





السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أشكركم على جوابكم القيِّم مِن قبلُ، والذي التزمتُ به، وسألْتَزِم به دائمًا؛ لأنني وجدتُ فيه راحةً نفسيَّة كبيرةً.



أمَّا بالنسبة لمشكلتي هذه المرة، فهي أنني فقدتُ الأملَ في تعلُّم اللغة الفَرَنسيَّة، والتي تعتبر مادةً أساسية في بلدنا؛ لكونها اللغة المحليَّة؛ حيثُ إنني عندما كنتُ صغيرة لم أهتمَّ بها، نظرًا لجهلي بأهميتها أولًا، ثم لأنَّ عائلتي لم توفِّر لي مُستلزمات تعلُّم هذه اللغة، بما في ذلك القواميس، والقصص، وغيرها، فكنتُ رغم أنني أريدُ أن أتعلَّمها، وكانتْ لديَّ رغبة ملحَّة في تعلمها، فإنني لم أجدْ مَن يمدُّ لي يد العون؛ فبقيتُ على تلك الحالة في المرحلة الابتدائية، والإعدادية، والثانوية التي أدرس بها حاليًّا.



والآن أشعر أنني قد فقدتُ الأمل في تعلُّم هذه اللغة، خاصة أن عمري الآن 17سنة، وأشعر بندمٍ كبيرٍ، خاصة عندما أسمع أن الذي يريد أن يتعلَّم هذه اللغة يجب عليه أن يتواصَل مع الناس، وأنا لا أستطيع ذلك؛ لأنَّ عائلتي لا يتوفر فيها شخصٌ يُتقِن هذه اللغة، فأصبحتُ أسمع بعض الكلمات التي تَجرحُني؛ مثل: أنتِ لا تفهمين هذه اللغة، أو عندما يتكلَّم أحدٌ ما بهذه اللغة معي، ولا أستطيع أن أردَّ عليه؛ فأخجل مِن نفسي!



والآن أنا على وشك التسجيل في الساعات الإضافية، التي تكون في المساء؛ لدعم اللغة الفَرَنسية، بعد أن أكدتُ ذلك لوالديَّ، وفي النهاية وافقَا.



أريد مِن حضراتكم أن تنصحوني بخصوص تعلُّم هذه اللغة، وما الذي يجب عليَّ القيام به؛ للمداومة عليها؟ وهل ما زال هناك أملٌ لكي أُتقِنَها قبل فوات الأوان؟




الجواب

بسم الله الموفِّق للصواب

وهو المستعان



أيتها العزيزة، تشكرُ لكِ شبكةُ "الألوكة" حسنَ ظنك، حين جعلتِها موضعَ ثقتك، وعسى الله أن يوفِّقك لما يحب، ويوفِّقنا لما تحبين، اللهم آمين، وبعدُ:

فإنَّ أول مَن قال من العلماء بارتباط تعلُّم اللغة بصغر السن هو عالم الأحياء "إيريك لينيبرغ" في نظريته الموسومة بالفترة الحرجة Critical Period، والتي طرحها للعالَم عام 1967م، وأشار فيها إلى وجودِ فترةٍ حرجة في حياة كلِّ إنسان لاكتساب المهارات اللغوية؛ حيث يكون استعدادُ المرء لتعلم اللغة خلال هذه الفترة أكبرَ مِن أي وقت آخر من العمر، فإذا انقضتْ هذه الفترة بدون تعلُّم الطفل مهارات اللغة؛ كان تعلُّم اللغة بعدها ضربًا مِن المحال، وقد حدَّد "إيريك" هذه الفترة بسنِّ الثانية عشرة، فانصبَّ التأييدُ والإقبال على نظريته، إلا في تحديد السنِّ نفسها، فقد اختلفوا فيها؛ "فمنهم مَن يقول: إنه السابعة، ومنهم مَن يرى أنه الحادية عشرة، أو الثانية عشرة، وآخرون يَرَوْن أنه مع سن البلوغ، وبعضهم الآخر فضَّل عدم تحديد السن، مُكتفيًا بالقول: إنه مرحلة بين سن السابعة وقبل سن البلوغ"؛ ٍد.خالد الدامغ، مجلة جامعة دمشق، المجلد 27، العددانِ الأول والثاني، 2011م، ومما يؤكِّد هذه النظرية ما ثبت في كتب التاريخ مِن تعلُّم زيد بن ثابت - رضي الله عنه - لغة يهود، وهو غلام في الحادية عشرة؛ ففي "تاريخ الإسلام" للإمام الذهبي ما نصه: (قال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: قَدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنةً، وأَمَرني أن أتعلَّم كتاب يهود، فكنتُ أقرأ إذا كتبوا إليه، ولما قَدِم أبي بي إليه، فقالوا: هذا غلامٌ من بني النجَّار، وقد قرأ مما أنزل عليك بضع عشرة سورة، فقرأتُ عليه فأعجبه ذلك، وقال: ((يا زيدُ، تعلَّم لي كتابَ يهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي))، إلا أنَّ شواهد الواقع تثبت قدرةَ المرء على تعلُّم مختلف المهارات بما فيها مهارة اللغة في أي عمر كان، متى امتلك الدافعية للتعلُّم، من هنا أحبُّ أن أطمئنك بأنَّ في مقدوركِ تعلُّم الفَرَنسية والحذق بها - بمشيئة الله تعالى - إذا اتكأتِ في تعلمها على العوامل الآتية:

1- العزيمة والدافعيَّة.



2- معاجم اللغة.



3- ابتداع طريقة للتعلُّم من ذات نفسك.



4- السؤال والبحث.



5- وجود شخص واحد على الأقل للتراطن معه.



أولًا: العزيمة والدافعية:

مِن أعون الأسباب على تعلُّم اللغة: العزيمة، والانكباب على تعلُّم اللغة، وعلى قدر العزيمة والدافعية يكون الحذق في اللغة، والتمكُّن من إتقانها، أما العجز وضعف الهمة، والتعذُّر بالأسباب الواهية، فمن السموم التي تقتلُ المهارات والملكات على اختلافها.



ثانيًا: معاجم اللغة:

لا بدَّ لكلِّ متعلِّم أن يمتلك معجمًا للرجوع إليه في فَهم معاني الألفاظ، وزيادة محصوله اللغوي من المفردات، والذي لا يجد المعاجم الورقية، ففي إمكانه أن يستعين بالمعاجم المباشرة من الإنترنت؛ مثل: (Google Translate) للراغبين في تعلُّم لغة الأعاجم، وموقع "الباحث العربي" للراغبين في فهم المفردات العربية.



ثالثًا: ابتداع طريقة للتعلُّم:

وجَّهتُ سؤالًا بشأن تعلُّم اللغة الإنجليزية لعدَّة أشخاص على اختلاف ألسنتهم، ولم أجدْ طريقةً واحدةً يمكنُ الاتفاق عليها لتعلم اللغة الإنجليزية، فتوصَّلت إلى نتيجةٍ مفادُها: أن لكلِّ امرئ منهم طريقته الخاصة في تعلم اللغة، فمنهم مَن تعلم اللغة بطريقة سمعيةٍ عن طريق سماع المذياع، أو الموسيقا، أو متابعة الأفلام، ومنهم مَن تعلَّمها بطريقةٍ بصريةٍ عن طريق قراءة الكتب، أو الصحُف، أو تصفُّح المواقع، ومنهم مَن تعلَّم عن طريق المخالطة، والسفر، أو من خلال الدراسة والتخصص الجامعي، أو بعدَّة طرق مختلفة، مِن أجل ذلك أدعوكِ لاقتراح طريقة للتعلم من ذات نفسك والمضي فيها.



رابعًا: السؤال والبحث:

مفتاح العلم حسنُ السؤال، فإذا صادفتِ في كتابك جملةً أو تركيبًا لغويًّا غير مفهوم، فلا تتخطِّيه إلى غيره، بل فتِّشي عن المعنى حتى تَجِدِيه، اسألي معلمتكِ أو شخصًا عارفًا باللغة الفرنسية، أو اكتبي سؤالَك في محرِّك بحث جوجل، وسوف يقودك - إن شاء الله - إلى الإجابة الصحيحة، وفي العادة أكتب في محرك البحث العبارة الآتية:

"What does ……. Mean?"، وأملأ الفراغ بالمفردة أو الجملة التي أُشكِل عليَّ فهمُها، وهذه الطريقة مِن أجودِ الطرق التي انتفعتُ بها لفَهْم التراكيب الإنجليزية.



خامسًا: وجود شخص واحد على الأقل للتراطن معه:

قرأتُ في أحد مواقع تعلم اللغة الإنجليزية العبارة الآتية:

"You can listen to English alone. You can read English alone. You can write English alone. But you cannot speak English alone!"



ومعناه: أن في مقدور أي أحد أن يستمع إلى الحديث باللغة الإنجليزية بمفرده، مثلما في مقدوره أن يقرأه ويكتبه بمفرده، غير أنه مِن الممتنع على الشخص أن يتكلم الإنجليزية بمفرده؛ إذ بدون المحاورة والمحادثة مع الآخرين - سواء كانتْ محادثات بالألسن أم بالتراسل - لن يحذق الشخص اللغة التي يرغب في تعلُّمها، وقد أتاح لنا الإنترنت فرص التعارف بمَن يتكلمون اللغات الأعجمية؛ عن طريق المنتديات الإسلامية باللغات المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي، والغرف الصوتية، ونحوها من طرق التواصل الإلكتروني، فلا عذر لأحدٍ في التنصل من المحادثة، ومن المفضَّل الابتداء بالتواصل الكتابي قبل التواصل الشفهي، جرِّبي - بعد إتقان القواعد وكتابة الجمل الفرنسية - أن تتراسلي إلكترونيًّا باللغة الفَرَنسية مع إحدى الصديقات، ولا تشتغلي بعدد الأسطر، ولا بعدد الساعات التي ستقضينها في الكتابة، فالمهم البَدْء في التواصل الكتابي؛ ليسهلَ عليك بعد ذلك التواصل الشفهي، بمشيئة الله تعالى.



والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وهو العليم الخبير







طفل يسألني عن الله، فبم أجيب؟

$
0
0
طفل يسألني عن الله، فبم أجيب؟


الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعمل محفِّظًا في مركز لتعليم القرآن الكريم، أتاني طالبٌ في المرحلة الابتدائية، لم يكنْ قد صلَّى، فقلتُ له: أصلَّيتَ؟ فقال لي: نعم صليتُ، فقلت له: إنَّ الله يراكَ، فقال لي: أنت تقول لي: إنَّ الله يراك، ولكني لا أراه، فأين هو؟!

فلم أعرفْ ماذا أقول له، ليس لجهلٍ؛ فأنا أعرف الإجابة؛ لأنني درستُ التوحيد، ولكنه صغير، ولن يفهم ما سأقوله له.

المهم أني قلتُ له: في المرة القادمة سوف أقول لك.

ساعدوني؛ كي أجاوبه بطريقةٍ يفهمها، وشكرًا.


الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومَن والاه، أما بعد:
فأولًا - أخي الكريم - عليك أن تُخبِر الولد، وتعرِّفه بأن الله موجود، وأنه خالق كلِّ شيءٍ، وبيِّن له دلائل وجوده، مِن خلال تحديثه عن الآيات الكونية، بطريقةٍ سهلةٍ تُناسب عقله، وقل له: إن الله هو الذي خلقَنا، وأعطانا السمع والبصر، وخلق السماء، والشمس، والأرض، والجبال، وأنبتَ الثِّمار، وذكِّره بما عنده هو مِن النِّعم، واجلسْ معه جلسات تأمُّل في هذا الكون الفسيح، وبيِّن له أنه من المستحيل أن توجد هذه المخلوقات بغير مُوجِد، ولا يستطيع إيجادَها إلا الله تعالى، فالله إذًا موجود.

فإذا أصرَّ على سؤالِه أنه لا يرى الله، فأَخبِره أن الله لا يُرَى في الدنيا، وإنما يُرَى في الجنة، واصرِفْ ذهنه عن التفكير في ذاتِ الله، وحضَّه على التفكُّر في آياته الكونية، وفي نعمه التي أَسبَغها علينا ظاهرةً وباطنةً؛ ففي الحديث: ((تفكَّروا في آلاءِ الله، ولا تفكَّروا في الله))؛ أخرجه أبو الشيخ، والطبراني، وحسَّنه الألباني، وفي رواية لأبي نُعَيم - حسنها الألباني -: ((تفكَّروا في خلْقِ الله، ولا تفكَّروا في الله)).

وقل له: إن الله في السماءِ، ورؤيةُ اللهِ نعمةٌ عظيمة، وجائزة لا يستحقها إلا المؤمنون الصالحون، وهم مَن سيمكِّنهم الله تعالى من رؤيته عندما يدخلون الجنة.

كما يجب أن تعرِّف الطفل أن الله خالقُ كلِّ شيءٍ؛ فهو خالق الأرض، والسماء، والناس، والحيوانات، والأشجار، والأنهار, ويُمكِن أن تستغلَّ بعض المواقف فتسأل الطفل في نزهة عن خالق الماء، والأنهار، وما حوله من مظاهر الطبيعة؛ لتَلفِت نظره إلى عظمة الخالق - سبحانه وتعالى - وأنه يُرَاقِب أعمالنا في كل اللحظات، فيُثِيبنا على الحسنات، ويُعَاقِبنا على السيئات.

قُصَّ عليه حديثَ عمر بن الخطاب قال: "بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثياب، شديدُ سوادِ الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يَعرِفه منا أحدٌ، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتُقِيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، قال: صدقتَ))، قال: فعَجِبنا له؛ يسأله، ويصدِّقه، قال: فأخبِرْني عن الإيمان، قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقتَ))، قال: فأخبِرْني عن الإحسان، قال: ((أن تَعبُد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، قال: فأخبِرْني عن الساعة، قال: ((ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل))، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: ((أن تَلِدَ الأمَّة ربَّتها، وأن تَرَى الحفاة العُرَاة العَالَة رعاء الشَّاءِ يتطاوَلون في البنيان))، قال: ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال لي: ((يا عمرُ، أتدري مَن السائل؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه جبريل؛ أتاكم يعلِّمكم دينكم)).


وكلِّمه عن منزلةِ الإحسان التي ورد ذكرُها في الحديث الشريف، وكيف ينالها العبد.

ويمكنك الاستفادة من مجموعة أشرطة: "أسئلة طفلك الحرجة"؛ لحسن علوان، مع مجموعة مِن الأطفال.






ابني لا يستطيع التركيز

$
0
0
ابني لا يستطيع التركيز


د. ربى شعراني






المشكلة:

يعاني ولدي (7 سنوات) من عدم القدرة على التركيز، مع قلة في الحركة، بخلاف ما يكون عليه الولد عادة في مثل عمره؛ فهو بطبعه هادئ جداً ويميل إلى الوحدة، ويفضل ممارسة هواية الرسم والتلوين. بالمجمل لا أجده قادراً على التفاعل مع محيطه مع كونه سليم العقل والجسم. فكيف أعالج مشكلته؟




الحل تقترحه عليك عميدة كلية التربية في جامعة الجنان د. ربى شعراني:

عزيزتي الأم:

خلقنا الله سبحانه وتعالى كلاَّ منا بقُدُرات متفاوتة وذكاءات متعددة، فلكلٍّ منا بيئته الخاصة التي ترعرع فيها وسماته الوراثية التي لوّنت شخصيته التي يصل تأثيرها في بعض الأحيان إلى ٨٠ بالمائة.



إلا أننا نسعى دوماً باعتبارنا تربويين إلى تهذيب هذه السِّمات وبلورة شخصية أبنائنا.



إن الهدوء طبع جيّد والرسم نشاط فني يَصقُل دماغ ولدك، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من الحركة والتمارين الرياضية لتنشيط الحركة الدموية في الدماغ ورفده بالأوكسيجين غذائه الأساسيّ، فحاولي إلحاق طفلك بنوادٍ رياضية، كشفية، تشجعه على الحركة والنشاط، وأخرى علمية ثقافية تساعده على إعمال ذهنه دوماً، فالذهن إن لم تستعمله دوماً في التفكير والتحليل والنقد والمهارات الأخرى فإنه سيصاب بالتلكؤ والجمود.



ولكلِّ طفلٍ استعدادات إبداعية خاصة، فعليك - أختي الكريمة - معرفة استعداداته وميوله، استثمارها وبلورتها وتسليط الضوء عليها لإكسابه قدراً من الثقة بالنفس.



أما بالنسبة للتركيز، فإن الطفل عادة ما يركز على الأمور التي تستهويه؛ فحاولي أن يكون درسه ممتعاً بأسلوب مثير.




هذا ويمكننا الاستعانة بالألغاز والألعاب والتمارين التي تساعد على التركيز، ولعل الصلاة هي أولاها فهي تساعد العقل على حصر التفكير في موضوعٍ معيّن.



ونذكّر دوماً بأننا نسعى لحسن التربية، ولكن الصلاح والتوفيق من عند رب العالمين..






ابنتي كسول وتملُّ من أي شيء

$
0
0
ابنتي كسول وتملُّ من أي شيء


أ. زينب مصطفى



السؤال
أنا أمٌّ لثلاثِ بناتٍ؛ الكبرى عمرها سبع سنوات، والوسطى خمس سنوات، والصغرى أربع سنوات.

مشكلتي مع ابنتي الكبرى؛ فهي تملُّ من أي شيءٍ، ولا شيءَ يمتِّعها أو يُسعِدها؛ فهي تملُّ حتى مِن اللعب، ولا يمكن أن تستمرَّ في اللعب مع أختيها دون أن تسبِّب شِجارًا معهما.

هي كذلك دائمةُ الاستفزاز لأختَيها، فتبدأ بضربهما، أو السخرية منهما، إلى أن يَصْرُخن بصوت عالٍ، وتصبح هي في قمة السعادة.

كذلك تملُّ مِن الدراسةِ، ومع كونها متفوِّقة إلا أنها لا تحب الدراسة، لكنها تحب أن تبقى الأولى، وألَّا يَسبِقَها أحدٌ في الفصل!

أيضًا تحب أن تتفوقَ دون أن تُتعِب نفسَها، وأنا دائمًا أدعوها للدراسة مائة مرَّة، قبل أن تأتي، ومن كثرةِ مَلَلِها أحيانًا تُجِيب أجوبةً عشوائية، وأنا أعرف أنها على علمٍ بالإجابة، ولكن لا تريد أن تُتعِب نفسها في التفكير!

هل مللُها هذا قد يؤثِّر مستقبلًا على تحصيلها الدراسي، فهذا يُقلِقُني كثيرًا؟ وما سبب ذلك كله؟ وكيف أعالج هذه الأمور؟


الجواب
أختي الحبيبة، أهنِّئكِ على اهتمامكِ بابنتكِ، وسعيكِ للوصول ببناتكِ لأعلى مستوًى، وأجمل تربية وفهم، وفَّقَكِ الله ويسَّر لكِ كل خير.

أُطمئِنكِ بأن ابنتكِ - بفضل الله تعالى - موهوبة وذكية وطَمُوح، كل تلك الصفات التي ذكرتها تنبِّئ عن فتاةٍ متميزةٍ، أتوقَّع لها مُستقبلًا باهرًا، إن أحسنتُم استغلالَها، وتعاملتُم معها بذكاء ونظرةٍ بعيدة.

بداية لا بد لكِ كأمٍّ مِن التيقُّن بأنَّ الطفلَ يُولَد على الفطرةِ السليمةِ، ويُولَد وليس به أي مشاكل مِن أي نوع، وكل ما يظهر منه بعد ذلك مِن أمورٍ تضايقنا، فنحن كوالدَينِ السببُ فيها، أو المجتمع، وفي عمر ابنتكِ هذه البيتُ له كاملُ التأثير؛ فالاعترافُ بأننا السبب في عدم فهمِ الطفل هو أول خطوة في الحلِّ.

ثانيًا من المهم عند ظُهور أي سلوكٍ خاطئ على أي طفلٍ أن تفكِّرَ الأم فورًا في سببِ إقدام الطفل على هذا السلوك، بدلًا مِن تركيزِها على تصحيح السلوك بلا جَدْوَى، فإن عالجتِ السبب يسهل علاج السلوك مِن الطفل تلقائيًّا.

فالآن عليكِ التفكير في ابنتكِ من جانب التعليم؛ فهي طموحٌ، وترغب في التفوق، فكيف أساعدها على أن تستمتع بهذا التفوُّق وتستمر فيه؟ فكِّري حسب ما تحب ابنتُكِ؛ فهي متميِّزة - ما شاء الله - وبحاجةٍ إلى أساليبَ جديدةٍ للتعليمِ، وليس بالطريقةِ التقليدية، درِّسي لها عن طريق اللعب، أو عن طريق التفكير والابتكار، ابحثي عمَّا تحب هي، وابحثي عن أساليبَ تعليميةٍ تجعلها تحبُّ ما تفعلُ، ولا تفعلُه كواجبٍ عليها إنجازُه.

أما مشاجراتها مع أختَيْها، فأيضًا يجب عليكِ البحث عما يجعلُها تفعل ذلك، قد تكون ترغب في قيادتِهما؛ ففي هذه الحالة اجعلِيها مسؤولةً عن لعبهما ، أو قد تكون تشعر بالغَيْرة منهما، أو.. أو..، فعليك أن تَبْحَثِي عن السببِ العميق وتُعالجيه.

أحيانًا يَرْغَب الأطفال في الاندِماج، ويصعب عليهم ذلك؛ فيجب علينا أن نُساعدهم ونعلِّمهم المشاركة في اللعب، خصوصًا وأنها الكبيرة، وعاشتْ فترة مِن عمرها وحيدة، فيجب عليكم تعليمها كيفية الاندماج مع الغير.

وقد تشعر بأنها أصغرُ منهما سنًّا، فيَجِبُ عليكِ ملْء وقتِها بألعاب تحبُّها وهوايات، علِّميها مثلًا الخياطة بالإِبَر البلاستيكية، أو ابحثي لها عنْ مهاراتٍ وهواياتٍ تشغل بها وقتَها، وفي عمرها تتعلَّم السباحة والرياضات المختلفة التي تُناسب الفتيات، فتَشغَل وقتها، وتُفِيدُ صحتَها، وتستمتع بها حينما تكبر، وجرِّبي أن تُشْرِكيها معكِ مثلًا في الطبخِ، جرِّبي كل شيء لتعرفي ما الذي تُحبه.

وقبل هذا كله أنبِّهكِ لنقطة مهمة جدًّا:
يجب عليكِ تغييرُ قناعاتكِ نحوَها بأنها تملُّ سريعًا، وإنما تبحث عمَّا تريدُ فعله ولا تجده، فتَشغَل وقتَها بمُضايقة أخواتِها؛ لأنها تُحِبُّ العملَ والمغامراتِ، فساعديها على الوصول لما تريد وما تحب.

غيِّري قناعتَكِ ونظرتَكِ نحوَها، وستتغيَّر هي تلقائيًّا، وأَخبِريها دائمًا عن ثقتِكِ بها، وبأنها رائعة، ومتميِّزة، وموهوبة، وحذارِ من التقليل مِن شَأْنِها أو العنفِ معها، أي صفة تريدين تغييرها اكتبي عكسها الإيجابي، وركِّزي على أنها تتمتَّع بتلك الصفة، وستكتسبها - إن شاء الله تعالى.

ولا تَنْسَي الدعاء لها خاصة ولبناتكِ عامة ؛ فدعاءُ الأم مستجابٌ - بإذن الله - في كلِّ وقت، وادعي أن يوفِّقكِ الله في تربيتِها بالطريقة الصحيحة.

أقرَّ اللهُ عينَكِ بها






المزي لا المزني (2)

$
0
0
المزي لا المزني (2)


د. عبدالحكيم الأنيس


كنتُ نشرتُ في هذا الموقع في 25/ 8/ 2014م مقالًا بعنوان: (المزي لا المزني) أوردتُ فيه عدة مواضع تحرَّف فيها لفظ (المزي) إلى (المزني).

وقد علق أحدُ الإخوة وهو السيد أبو عمر - أحسن اللهُ إليه - على المقال، وأضافَ موضعًا آخر، ووقفتُ أنا بعدُ على موضعين، ورأيتُ أنْ أسوقها في هذا المقال لتُستفاد، فالخلطُ بين اللفظين قد يؤدِّي إلى اضطرابٍ وأوهامٍ.
♦ ♦ ♦ ♦


1- من المواضع التي تحرف فيها المزي إلى المزني أيضًا ص (20) من الجزء الأول من "إتحاف السادة المتقين" للزبيدي فقد جاء فيه:
"قال الحافظُ عمادُ الدين بنُ كثير في "طبقاته": قرأتُ على شيخنا الحافظ أبي الحجّاج المزني".
قلت: والصواب: أبي الحجّاج المزي. وهو من شيوخ ابن كثير المعروفين، وتزوج ابنُ كثير بنته.
وجاء على الصواب في (1 /21) من الكتاب المذكور: "الإتحاف".
♦ ♦ ♦ ♦


2- وجاء في "روضة الأسماع في أحكام السماع" لأبي الهدى الصيادي ص (49) في كلامٍ على المُحدِّث إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري:
"حكى المزني والخطيبُ عنه أنه كان يحفظ سبعة عشر ألف حديث في الأحكام خاصة".

قلت:
والصوابُ: "وحكى المزي"، والنصُّ في ترجمته في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (2/92):
"وقال البخاري: قال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق نحوٌ مِنْ سبعة عشر ألف حديث في الأحكام، سوى المغازي، وإبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثًا في زمانه".
♦ ♦ ♦ ♦


3- وقال الأستاذ أبو عمر (الرياض):
الدكتور -حفظه الله- مهتم بتصحيح التصحيف والتحريف الذي يقع من بعض محققي الكتب، أو ما يقع في طبعات بعض الكتب؛ لأنه يؤدي إلى تغيير المعنى وتبديله ، ممّا يترتبُ عليه أخطاء في النتائج كما هو واقع. فجزاه الله خيرًا على هذا الصنيع.

ومما لم يذكرْه الدكتور -حفظه الله- من التحريف في كتاب "فيض القدير" (1 /25) قوله:
"قال المزني: كل ما انفرد به ابنُ ماجه عن الخمسة ضعيف".
والصواب: قال المزي.

وهذا ما ذكره الحافظُ ابن حجر -رحمه الله- في "تهذيب التهذيب" (9 /531): "ثم وجدتُ بخط الحافظ شمس الدين محمد بن علي الحسيني ما لفظُه: سمعتُ شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: كل ما انفرد به ابنُ ماجه فهو ضعيف. يعني بذلك ما انفرد به من الحديث عن الأئمة الخمسة".
وذكر الدكتور: "وفي الكلام على حديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (4 /268): "قال المزني: رُوي من طرق تبلغ رتبة الحسن".
والصواب كما ذكر الدكتور: المزي.


ولكنه لم يذكرْ مَنْ سبقَ المناويَّ في النقل عن المزي:
فقد قال الزركشي في "اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة" ص (43): "وقال الحافظُ جمالُ الدين المزي: هذا حديث رُوي من طرق تبلغ رتبة الحسن".
وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص (442): "وقال المزي: إنَّ طرقه تبلغ به رتبة الحسن".
وقال السيوطي في "الدرر المنتثرة" ص (141): "وقال المزي: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن".
والله أعلم.



البيمارستان النوري الكبير

$
0
0
البيمارستان النوري الكبير


عبدالوهاب مصطفى ضاهر










أنشأه السلطان الملك العادل نور الدين محمود عام 549هـ/1154م. وكان يقع في الجانب الغربي من الجامع الكبير بدمشق. واشترط فيه أن يكون مقصوراً على الفقراء والمساكين وإذا لم يوجد بعض الأدوية التي يعز وجودها إلا فيه فلا يمنع منه الأغنياء، ومن جاء إليه مستوصفاً فلا يمنع من شرابه.






أولاً: نبذة تاريخية:
كان السلطان نور الدين محمود قد وقع له في الأسر في إحدى الغزوات ملك من ملوك الفرنج، فاستشار الأمراء فيه: هل يقتله أو يأخذ منه ما يبذله من المال في الفداء؛ فاختلفوا عليه ثم حسن له رأيه بإطلاقه وأخذ الفداء. وابتنى نور الدين من ذلك المال البيمارستان الكبير الذي عرف بإسمه.

ولقد كان البيمارستان يحتوي على أروقة منفصلة خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء. كما كان يحتوي قاعات متخصصة شملت قاعة للطوارئ، وقاعة للكحالة، وقاعة للجراحة، وقاعة للتجبير، وقاعة للأمراض الباطنية. وكانت هذه القاعة أكبر القاعات وهي تنقسم بدورها إلى شعب تخصصية منها شعبة للمحمومين، وشعبة للممرورين، وشعبة للمبرودين، وشعبة للإسهال. هذا بالإضافة إلى قاعة للنقاهة. وكان يتوافر في البيمارستان حمام عام وخزان مياه متصل بإيوانات تجري المياه من خلالها لتصب في الفسافي وتجري إلى قاعات المرضى للتنزيه عنهم وترفيههم.


ويلاحظ الزائر أن قاعة الطيور والحيوانات المحنطة هي تعليمية أكثر من كونها تاريخية، علماً أنها تشير إلى اهتمام العرب بعلم الحيوان وفن البيطرة وكذلك إتقانهم لفنون الصيد والقنص والمؤلفات العربية الزاخرة بهذه المعارف وافرة ومتعددة ويكفي أن يذكر في هذا المجال الجاحظ والقزويني والدميري، وأضيف إلى المتحف بعض المشاهد الجديدة المعبرة ومنها التعليم الطبي في البيمارستان في الإيوان الشرقي الكبير ومشهد الفحص السريري في الطب العربي في قاعة الطب ومشهد الاستشارة الطبية من المعاينة إلى وصف الدواء في قاعة الصيدلة.

كما كان بالبيمارستان قاعة واسعة جعلها نور الدين للاجتماعات التي يجلس فيها كبير الأطباء لمناقشة الحالات المرضية مع معاونيه، وجعل لها مكتبتين كبيرتين جمعت فيهما كتب كثيرة في صدر الديوان، ولقد كان نور الدين محمود يهتم بهاتين المكتبتين كثيراً، وكان كلما زار البيمارستان يجتمع إلى الأطباء وتلامذة الطب، ويجري حوارات طبية معهم مقدار ثلاث ساعات، وفي عام 597هـ/1201م. جاءت زلزلة من مصر امتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاسة والبيمارستان النوري. فقام بتجديده الملك الجواد مظفر الدين ابن الملك العادل الذي حكم دمشق خلفاً لأبيه، وجعل رياسة البيمارستان لبدر الدين ابن قاضي بعلبك عام 635هـ/1238م.


وقد اجتهد القاضي كثيراً في أمر البيمارستان حتى اشترى دوراً كثيرة ملاصقة للبيمارستان، واجتهد بنفسه وماله حتى أضاف هذه الدور المشتراة إليه، وجعلها من جملته، وكبر بها قاعات كانت صغيرة وبناها أحسن البناء وشيدها وجعل الماء فيها جارياً فتكمل بها البيمارستان، وفي عام 728هـ/1328م. جاء سيل عظيم على دمشق خرَّب سوق التجار والبيمارستان وسوق الدباغة وبعض الجامع، ثم أعيد تجديده على مكان وزيد فيه. وفي عام 1020هـ/1611م. وليَّ حسن باشا بن عبد الله الأمين المعروف بشوريزه حسن، أحد صدور دمشق وأعيانها، وقف البيمارستان الكبير النوري فأقام شعائره بعد أن كانت اضمحلت وعمر أوقافه وأتى فيه من حسن التنمية بما لا مزيد عليه.


ولقد ظل البيمارستان الكبير النوري عامراً يعالج فيه المرضى إلى عام 1317هـ/ 1899م وكان أطباؤه وصيادلته لا يقلون عن العشرين حتى قامت بلدية دمشق في عهد ولاية حسين ناظم باشا والي سوريا بإنشاء مستشفى للغرباء في الجانب الغربي من تكية السلطان سليمان، المطلة على المرج الأخضر، وجمعت له الإعانات بأساليب مختلفة، من واردات البلدية وأوقاف البيمارستان النوري لتنفق عليه، وسمي المستشفى الحميدي نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الذي بني المستشفى الجديد في عهده وهكذا خلف المستشفى الحميدي البيمارستان النوري نفسه فقد جعل مدرسة للبنات ولا تزال واجهته على حالها وبها بعض الحجرات والنوافذ من البناء القديم وسطت الأيام على بقية البيمارستان فعفا أثرها.



ثانياً: الإشرافالطبي:
جعل الملك العادل أمر الطب في البيمارستان إلى أبي المجد بن أبي الحكم بن عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي، وأطلق له جامكية و جراية، وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه، وكان أبو المجد ابن أبي الحكم يدور عليهم ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم، وبين يديه المشرفون والقوام لخدمة المرضى، فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك. وكان بعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي يبكّرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية، ثم يحضرون للجلوس بالإيوان.

كانت البيمارستانات تقسم إلى قسمين منفصلين؛ أحدهما للذكور والآخر للإناث. وكان كل قسم مجهزاً بما يحتاج إليه من آلات وخدم ومشرفين من الرجال والنساء. وينقسم كل قسم من هذين القسمين إلى قاعات تخصصية؛ فهناك قاعة للأمراض العقلية، وقاعة للأمراض الباطنية، وقاعة للجراحة، وقاعة للكحالة، وقاعة لتجبير العظام وقاعة للبرص. وكانت كل قاعة مقسمة بدورها لتخصصات أدق؛ فقاعة الأمراض الباطنية، على سبيل المثال، بها قسم للحُمَّيَات، وقسم للمبرودين (المتخومين)، وقسم للإسهال... وهكذا.

وكانت هذه البيمارستانات فسيحة جيدة البناء وباحاتها الداخلية وأبهاؤها واسعة، وكانت تعتمد على الأوقاف في نفقاتها؛ سواء ما ينفق على المرضى أو الأطباء أو الطلاب. وكانوا يسجلون هذه الأوقاف في حجج مكتوبة ينقشونها على حجارة للتأكيد على توثيقها. وكان الماء فيها جاريًا بصورة مستمرة، ولكل بيمارستان رئيس يطلق عليه ساعور البيمارستان، ولكلّ قسم رئيس؛ فهناك رئيس للجرائحية (الجراحين) ورئيس للكحالين ورئيس للأمراض الباطنة، ورئيس للتمريض، وقد كان للبيمارستان الكبير النوري من المكانة بحيث كان النظر عليه لنائب السلطنة بدمشق، فتولى نظر البيمارستان شيخ الإسلام شهاب الدين الغزي كما تولى الشيخ المؤرخ تقي الدين المقريزي كاتب التوقيع في ديوان الإنشاء بمصر، نظر وقف القلانسي والبيمارستان الكبير النوري مع كون شرط نظره لقاضيها الشافعي، وهذا يشبه بالتمام نظر البيمارستان المنصوري الذي بالقاهرة فإنه لقاضيها الشافعي.

ويماثل البيمارستان النوري القصور بترفه ووسائل الراحة المتوفرة وأنواع الطعام التي تقدم للمرضى والمصابين كما أن العلاج كان مجانا للفقراء والأغنياء على حد سواء، بل كانوا يمنحون لدى خروجهم من البيمارستان ثياباً ونقوداً تكفيهم للعيش دونما اضطرار للعمل مدة أسبوعين هي مدة فترة النقاهة، وتقديراً لمكانة هذا البناء الفريد ولدوره الكبير الذي لعبه في تطور العلوم الطبية والصيدلانية وغيرها قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميم البيمارستان النوري وجهزته واعدته ليكون مقراً لمتحف الطب والعلوم عند العرب، حيث تعرض فيه أهم المساهمات والابتكارات والأدوات والكتب التي قدهما العلماء العرب في مجال الطب والصيدلة والفلك والرياضيات والجغرافيا وتبرز دور الأجداد الريادي في حمل مشعل الحضارة الإنسانية وتطور البشرية.

ويضم المتحف أربع قاعات رئيسية الأولى للعلوم والثانية للطب والثالثة للصيدلة والرابعة للطيور والحيوانات المحنطة إضافة إلى غرفة صغيرة تضم مكتبة علمية متخصصة، ولدى زيارة المتحف يلاحظ قاعة العلوم وفيها نماذج وأدوات عربية ولوحات فنية تدل على تطور العلوم عند العرب مثل علم الفلك والضوء والمعادن والوزن النوعي والميكانيك فقد عاشت الأمة العربية والإسلامية في العصور الوسطى أعظم تجربة علمية على مر العصور، هذه العلوم أغنت الحضارة العربية والإسلامية.

والسمة الثقافية لهذه العصور كانت سمة عربية إسلامية بصرف النظر عن الانتماءات القومية أو العرقية أو الدينية للأعلام المساهمين الذين هم من ثمرات النهضة العلمية آنذاك لقد كانت اللغة العربية لغة العلم وتناسب التعبير العلمي أكثر من أية لغة أخرى، وهكذا كانت هذه اللغة هي بمثابة العمود الفقري الذي يوحد الناس كافة من مختلف الأجناس والمذاهب والأوطان ويعرض في قاعة الطب مجموعة الأدوات والنماذج الطبية العربية ومخطوطات طبية قديمة بالإضافة إلى صور مأخوذة من مخطوطات قديمة تمثل عملية الفصد وحساب كمية الدم المسحوبة من المريض وتشريح العين وجهاز الدوران والهضم والجهاز العصبي ويوجد في وسط القاعة مشهد يمثل الفحص السريري في الطب العربي وطبيب يجس نبض المريض.

وقد كان الطب عند العرب في العصور الوسطى صناعة نبيلة لا يسمح بتعاطيها إلا لمن حصل على خبرة واسعة عالما بالتشريح ملما بعلم وظائف الأعضاء خبيرا بالنبض محيطا بجميع العلوم التي لها صلة قريبة أو بعيدة بالطب، ويعرض بقاعة الصيدلة نماذج تمثل بعض الأدوات والأجهزة التي كان يقوم العلماء العرب بواسطتها بمزج ودق وتركيب الأدوية المستخرجة من الأعشاب الطبية مثل الواوين والمدقات والملاعق والقوارير إضافة إلى الميزان لتحديد العبارات الدقيقة للمزاد قبل مزجها وإجراء التجارب عليها وكذلك جهاز التقطير.

ومن المعروف أن العرب هم المؤسسون الحقيقيون للصيدلة وهم الذين انشئوا المدارس لتعليمها والحوانيت لبيع الأدوية وصرفها، كما أنهم أول من وضعوا كتباً خاصة بتركيب الأدوية أطلقوا عليها الأقرباذين و أخضعوا هذه الصناعة لرقابة المحتسب.

ثالثاً: الرعاية الطبية:
لما أنشأ الملك العادل نور الدين محمود البيمارستان الكبير جعل جرايته في اليوم نحو الخمسة عشر ديناراً، وله قومة وبأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك حسبما يليق بكل إنسان منهم. وكان هناك من يقوم بتنظيف غرف المرضى وقاعات البيمارستان، وغرف المعالجة، بالإضافة إلى الحمّامات وكان هناك خدم يساعدون المرضى في الاستحمام ويزودونهم بثياب نظيفة. وترسل ثيابهم القديمة إلى الغسيل ثم تحفظ في مخزن خاص حتى الشفاء التام.

وكان الطبيب المختص يمر لتفقد أحوال مرضاه مع المعاونين من الأطباء والممرضين والآسيات في أقسام النساء، حيث يصف الداء على سجل خاص، ويصف الدواء ويأمر للمريض من صيدلية البيمارستان، ولم تكن أساليب العلاج قاصرة على العقاقير فقط، فقد عمد الأطباء إلى المعالجة بصوت الماء وضوء الشمس، وكان القائمون على البيمارستان يجلبون القصاص إلى قاعات المرضى للترويح عنهم كما كان مقرئو القرآن يطوفون بالمرضى ويتلون عليهم من كتاب الله، ويذكرونهم بالله تعالى، كما رتب على المؤذنين أن ينشدوا في المآذن بأنغام وتواشيح شجية قبل الفجر بساعتين للتسرية عن المرضى المؤرقين، ولقد وصل أمر العناية بهذا البيمارستان أنه صادف في عام 831هـ/1427م أن رجل أعجمياً من أهل الفضل والذوق واللطافة كان يقصد الحج في تلك السنة فلما دخل البيمارستان ونظر ما فيه من المآكل والتحف واللطائف التي لا تحصى، أراد اختبار رجال البيمارستان فتمارض وأقام به ثلاثة أيام، ورئيس الطب يتردد إليه ليختبر ضعفه فلما جس نبضه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والدجاج المسمنة والحلوى والأشربة والفواكه المتنوعة. ثم بعد ثلاثة أيام كتب له ورقة من معناها: أن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام.

رابعاً: التعليم الطبي:
ألحق بالبيمارستان النوري مدارس طبية متخصصة، أنشأها أطباء من العاملين في البيمارستان. وكانت هذه المدارس تعد المرحلة الأولى في التعليم الطبي وهي مرحلة الدراسة النظرية لكتب الأطباء الأقدمين التي تبحث في العلوم الأساسية والعلوم السريرية. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة والتي كانت تستغرق في العادة قرابة ثلاث سنوات، ينتقل الطالب إلى مرحلة التدريب العملي وكانت تتم في البيمارستانات تدعمها الدراسة النظرية والمذاكرة في المدرسة، وبعد أن يكتسب الطالب الخبرة بطول التمرس والمران، ينتقل بعدها إلى المرحلة العملية في البيمارستان تحت إشراف أساتذته.

ومن تلك المدارس الطبية التي اشتهرت، كانت المدرسة الدخوارية التي أوقفها مهذب الدين عبد الرحيم علي بن حامد المعروف بالدخوار عام 621هـ/1224م. وكان موقعها عند الصناعة العتيقة شرقي سوق المناخليين بدرب العجل قبلي الجامع الأموي الموجود بدمشق.

وكان قد وقف لها ضياعاً وعدة أماكن يستغل منها ويتصرف في مصالحها من المدرسين والمشتغلين بها. وهو أول من درس فيها، كما درس فيها من العلماء بدر الدين محمد ابن قاضي بعلبك، وشيخ الأطباء ابن النفيس، ونجم الدين بن المنفاخ، وموفق الدين البغدادي. وعند وفاته أوصى الشيخ الدخوار أن يكون المدرس فيها الحكيم شرف الدين علي بن الرحبي، وكان الشيخ الدخوار يقوم بالإشراف العملي في البيمارستان الكبير النوري، فإذا تفرغ منه، يأتي داره ثم يشرع في القراءة والدرس والمطالعة، فإذا فرغ منه أذن للجماعة فيدخلون إليه، ويأتي قوم بعد قوم من الأطباء والمشتغلين. وكان يقرأ كل واحد منهم درسه، ويبحث معه فيه، ويفهمه إيّاه بقدر طاقته، ويبحث في ذلك مع المتميزين منهم إن كان الموضع يحتاج إلى فضل بحث. وكان لا يقرئ أحداً إلا وبيده نسخة من ذلك الكتاب يقرأه ذلك التلميذ، ينظر فيه ويقابل به، فإن كان في نسخه الذي يقرأ غلط أمره بإصلاحه، وكانت نسخ الشيخ الدخوار التي تقرأ عليه في غاية الصحة، وكان أكثرها بخطه.

أما الكتب الدراسية التي كان يتدارسها طلاب الطب في مدرسة الدخوار فقد كانت على ثلاث فئات: الكتب الموسوعية وهي الكتب التي تغطي جميع فروع الطب النظري من أمراض ومدواة ومن أمثلتها كتاب القانون في الطب للشيخ الرئيس ابن سينا. والفئة الثانية الكتب العملية التي تناقش الملاحظات السريرية أو جميع فروع الطب التطبيقي ومن أمثلتها كتاب الحاوي في الطب للطبيب الرازي. والفئة الثالثة هي الكتب المتخصصة في فرع من فروع الطب ومن أمثلتها كتاب العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق. وقد كانت تدرس جميع هذه الكتب تباعاً وفق المراحل الدراسية المختلفة، كما كان هناك من الكتب المساعدة ومعظمها في اللغة، فكان الشيخ الدخوار إلى جانبه أبداً لا يفارقه ما يحتاج إليه من كتب اللغة، فكان هناك كتاب الصحاح للجوهري، والجمل لابن فارس، وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري فكان إذا جاءت في الدرس كلمة لغة يحتاج إلى كشفها وتحقيقها، نظرها في تلك الكتب، وكانت هناك من المدارس الطبية أيضاً المدرسة الدنيسرية التي أنشأها عماد الدين أبو عبد الله محمد بن عباس بن أحمد الربعي المعروف بالدنيسري عام 680هـ/1282م. وقد أقامها غربي باب البيمارستان الكبير النوري والصلاحية بآخر الطريق من قبلة بدمشق. كما كان هناك المدرسة اللبودية النجمية التي أنشأها نجم الدين يحيى بن محمد اللبودي عام 664هـ/1266م. وكان موقعها خارج البلد لبستان الفلك المشيري بدمشق. وكان كلاً من الدنيسيري واللبودي من الأطباء العاملين في البيمارستان الكبير النوري. وكانا يجلسان للعلم بعد قضاء عملهما في البيمارستان.

وقد كانت جميع هذه المدارس إيوانات خاصة معدة ومجهزة بالآلات والكتب أحسن تجهيز، فيقعدون بين يدي معلمهم بعد أن يتفقدوا المرضى وينتهوا من علاجهم فيقرؤون عليهم من كتبهم. ولم تكن دروس الطب قاصرة على التلاميذ وحدهم، بل يدخلها أيضاً الأطباء الممارسون ليستزيدوا من خبرة الشيخ الذي يدير الحلقة. وكانت المناقشات التي تعقد في الحلقات التعليمية مفيدة لكلا الطرفين إذ من المألوف أن الطلاب ينتقلون بين شيوخ مختلفين يقرءون عليهم كتبهم. وكان لهذا الخليط من المستمعين فائدة كبيرة جداً.

خامساً: أطباء البيمارستان:
خدم في البيمارستان النوري نفر كبير من مشاهير الأطباء، من أشهرهم مهذب الدين النقاش وهو عالم بعلم العربية والأدب واشتغل بصناعة الطب، وموفق الدين بن المطران وكان أبوه أيضاً طبيباً، وخدم السلطان صلاح الدين وأسلم في أيامه. وابن حمدان الجرائحي وكان معاصراً لموفق الدين بن المطران وعمل معه بالبيمارستان، وأبو الفضل بن عبد الكريم وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب، وكانت له جامكية لطبه في البيمارستان الكبير النوري، وموفق الدين عبد العزيز السلمي وكان كثير الخير شديد الشفقة على المرضى وكان في أول الأمر فقيها ثم اشتغل بعد ذلك بصناعة الطب، وكمال الدين الحمصي واشتغل بصناعة الطب والأدب وكان محباً للتجارة وأكثر معيشته منها ويكره التكسب بصناعة الطب، وبقي سنين يتردد إلى البيمارستان الكبير النوري ويعالج المرضى فيه احتساباً. ورشيد الدين بن علي اشتغل بصناعة الطب، وباشر المرضى في البيمارستان وجعل له مجلساً لتدريس صناعة الطب. أما أشهر من خدموا بالبيمارستان فكان مهذب الدين عبد الرحيم بن علي الدخوار وكان أبوه كحالاً مشهوراً. وعمل هو كحالاً بالبيمارستان ثم اشتغل بصناعة الطب وتولى العلاج فيه، ثم شرع في تدريس الطب واجتمع إليه كثير من أعيان الأطباء ووقف داره وجعلها مدرسة للطب. وشمس الدين بن اللبودي وكان قد أتقن الحكمة وصناعة الطب وكان له مجلس لتدريس هذه الصناعة وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر. وأقام عنده بحلب، ثم أتى إلى دمشق وأقام بها يدرس الطب. وسديد الدين بن رقيقة وكانت له معرفة بصناعة الكحل والجراحة، وحول كثيراً من أعمال الحديد في مداواة أمراض العين وقدح الماء وكان القدح الذي يعانيه مجوفاً وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء. والجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي اشتغل بالفقه وبرع فيه وكان فاضلاً في الطب وقد ولي الدخوارية وعاد المرضى بالبيمارستان على قاعدة الأطباء، وكان مدرساً للشافعية بالفرخشاهية ومعيداً بعدة مدارس. وشرف الدين بن الرحبي واشتغل بصناعة الطب وخدم مدة في البيمارستان ودرس بالمدرسة الدخوارية، وعماد الدين الدنيسري واشتغل بصناعة الطب وتميز في الأدب والفقه، ثم أنشأ المدرسة الدنيسيرية في الطب وعمل فيها. وبدر الدين بن قاضي بعلبك اشتغل بصناعة الطب وخدم في البيمارستان الذي بالرقة. ثم أتى وولي رياسة جميع الأطباء والكحالين والجرائحيين والبيمارستان الكبير النوري وقرأ الفقه والتفسر.






Viewing all 1343 articles
Browse latest View live