September 17, 2016, 2:29 am
الأندلس
اسم لا يطير إلى مسامعنا إلَّا ويجري معه إلى عيوننا بريقُ الدِّين والعلم والجهاد.
اسم تمتلئ معه نفوسنا بالعزَّة والكرامة.
اسم ما إن ننطِق به إلَّا وتكتحِل عيناك بأفانينِ العمارة والزخارف والحدائق الغنَّاء، ورائحةِ الزَّهر والورد وعطاء الزَّيتون!
• الأندلس!
إن حاول العقل استجداءَ صورة للجنَّة، فلا تعدو أن تكون أندلسُنا هي تلك الصورة!
اسمٌ عَلا فأرهب أعداءَ الدِّين علُوُّه، فاستخدموا سَيْفَهم بطيءَ الوَقْعِ ناقِعَ الفعل والبَتْر، استخدموه ليسلبونا عطاءَ ربِّنا عندما كنا أهلَه، سَيْفُهم هو (الدنيا)، وما إن يتغلغَل حبُّها في النفوس إلا ويدبُّ الوهَن في الدِّين والمُلك، وتُنزع محبَّةُ الجهاد من النفس؛ فنخضع ونرضى لاستبقائها، ويا حسرةً عليها وعلينا، فما هي بباقية!
نعم، هذا سلاحهم الذي حاربونا به ولا زالوا، ونحن ما زلنا في غفوَتنا بين متَّهَم في دينه، أو ضالٍّ أو مضلٍّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهم كذلك ما زالوا ينفِّذون خطَّتهم؛ ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 32].
يجاهدون من أجل الباطِل، ويَهَبُون أعمارَهم وأموالهم في عزيمة ورضا، ونحن نعجز عن تَقليدهم في سبيل الحقِّ لا الباطل، حقًّا كما قال عمر أرضاه الله: (اللهمَّ إنِّي أشكو إليك عجزَ الثِّقة وجَلَد الفاجر).
تبًّا لنا إن لم نَستيقظ ونُفيق من غَفْوتنا، إنَّ الكفَّار والمشركين يمكرون لنا بالليل والنهار، ونحن نتَّبعُهم شبرًا بشبر وكأنَّنا مغيَّبون.
وأهل الكتاب كاللَّغَم، لا يمنحوننا فرصة الوجود إلا إن ضغَطنا عليهم بأحذيتنا، فإن وجدوا منَّا تهاونًا ثاروا وكانوا أشدَّ فتْكًا بنا!
لن أتحدَّث عن الأندلس من الزاوية التاريخية؛ فقد أُميتتْ بحثًا، فقط سأنقل مشهدين إليكم، يعبِّران عن مصيرنا إن لم ننفض غبار الدنيا عن أكتافنا، ونهُبَّ للدِّين الحقِّ الذي أتى به رسولُ الإنسانية صلى الله عليه وسلم، وعلى بصيرة من هَدْيِه.
المشهد الأول: من كتاب العبرات للمنفلوطي: مجرَّد شاب، صَعَقت قلبَه ذكرى طفولته، فقرَّر العودة لغرناطة سرًّا ليتلصَّص على قصر أبيه؛ علَّه يجد ريحًا منه يسكن معها قلبُه وينير بصيرته، فانظروا ماذا حدث له وكل جريمته حياة قلبه!
وقف الأمير أمام قضاة مَحكمة التَّفتيش، فسأله الرئيس عن تهمته، فأنكرها.
فلم يحفل بإنكاره وقال له: لا يدلُّ على براءتك إلَّا أمر واحد؛ وهو أن تترك دينَك وتأخذ بدين المسيح.
فطار الغضب في دماغه، وصرخ صرخةً دوَّت بها أرجاء القاعة قائلًا: في أيِّ كتاب من كتبكم وفي أيِّ عهد من عهود أنبيائكم ورسلكم أنَّ سفك الدَّم عقاب الذين لا يؤمنون بإيمانكم ولا يدينون بدينكم؟!
• من أيِّ عالَم من عوالم الأرض أو السماء أتيتم بهذه العقول التي تصوِّر لكم أنَّ الشعوب تُساق إلى الإيمان سوقًا، وأن العقائد تسقى للناس كما يسقى الماء والخمر؟
• أين العهد الذي اتَّخذتموه على أنفسكم يوم وطِئت أقدامكم هذه البلاد أن تتركونا أحرارًا في عقائدنا ومذاهبنا، وألَّا تؤذونا في عاطفة من عواطف قلوبنا ولا في شعيرةٍ من شعائر ديننا؟ أهذا الذي تَصنعون اليوم والذي صنعتم بالأمس هو كل ما عندكم من الوفاء بالعهود؟!
ثمَّ حاول الاستمرار في حديثه، فقاطعه الرئيسُ، وأمر أن يُساق لساحة الموت التي هلَك فيها من قبله عشرة آلاف من المسلمين قتلًا أو حرقًا.
فسِيق إليها، واجتمع الناس حول مصرعه رجالًا ونساء، وما جرَّد الجلَّاد سيفَه فوق رأسه حتى سمع الناس صرخةَ امرأة بين الصفوف، فالتفتوا فلم يعرفوا مصدرَها، وما هي إلَّا غمضة وانتباهة أن سقط ذلك الرأس الذي ليس له مثيل!
يرى المارُّ اليومَ بجانب مقبرة بني الأحمر في ظاهر غرناطة قبرًا جميلًا مزخرفًا؛ وهو قطعة من الرُّخام الأزرق الصافي، قد نُحتتْ في سطحها حفرة جوفاء تمتلئ بماء المطر، فيهوي إليها الطير ويَشرب منها، ونقشت على ضلع منه:
• هذا قبر آخر بني الأحمر! انتهى.
المشهد الثاني:(لسُليمة) إحدى أبطال قصَّة "ثلاثية غرناطة"؛ لرضوى عاشور.
امرأة أذهلها موتُ أخيها وجدِّها، فوهبت حياتها لدِراسة الطبِّ ومعالجة الناس، ومجرد ما اكتشف القشتاليون وجودَ أعشاب وكتب في بيتها إلَّا واتَّهموها بالسِّحر، ولاقت من العذاب ما لا يَحتمله بشر، وإليكم نهايتها:
في يوم النُّطق بالحكم ساقوا سليمة مقيَّدة إلى ساحة باب الرملة، وشقَّ لها الحرَّاسُ الطريقَ وسط الجموع المحتشدة لمتابعة المحاكمة، ثم التنفيذ، وكانت سليمة تجتهد في تحمُّل مشقَّة السَّير على قدمين متورمتين ملتهبتين من جراء التعذيب، وتحاول أن تتحاشى احتكاك يديها المقيدتين من الرسغ خلف الظهر بعضهما ببعض أو بثوبها، كانت يداها ما زالتا تؤلمانها من أثَر القبض على قضيب الحديد المحميِّ بالنار.
لم تكن تتطلَّع لِمن حولها؛ بل شغلتها أفكارها، سيحكمون عليها بالموت، فلماذا لا تتزعزع أحشاؤها خوفًا ولا تصيح فزعًا أو ثورة؟
هل لأنها تمنَّت الموتَ وتضرَّعتْ إلى الله تطلبه حتى بدا الموت خلاصًا من عذاب لا تطيقه النَّفس ولا البدن؟
أم لأنها سلَّمتْ أمرها لله ككبار المؤمنين الذين تضيء السَّكينة والقبول قلوبهم، حتى وإن لم يكن قضاء الله مفهومًا؟!
أم أنَّ الأمر بعيد عن ذلك، وأنَّها قرَّرت بلا تفكير ولا تَدبير أنَّها لن تهين نفسَها بالصُّراخ والتضرُّع أو حتى بلا ارتياع؟!
فلن تضيف على المهانة مَهانة، والعقل في الإنسان زينة، والكبر في النفس جلال!
نطق القاضي:
• حكمنا عليك وأنت واقفة أمامنا هنا في ميدان باب الرَّملة أنَّك كافرة لا تَوبة لها، عقابها الموت حرقًا!
وصخبت الأصوات، وحُكم عليها بالحرق حيَّة، وهي لا تزال تغض النَّظر حتى لا ترى ضحكات القشتاليين ونظرات الظفر في عيونهم!
أو ترى عيون المسلمين تفيض دمًا بدل الدمع... انتهى.
كل ما قرأت ليس عنك ببعيد إن لم تَعُد لدينك على منهج نبيِّك؛ فقد كانت الأندلس أولى بلاد زمَنها في كلِّ مجال، ونحن الآن في آخِر الصفوف؛ إذًا سقوطنا أسهل إلَّا أن يَبعث الله الدِّين على أيدي رجال منكم صدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، وهذا رجاؤنا.
↧
September 17, 2016, 9:41 am
من السمع إلى القلب .. وبدأ التغير !
الشيخ عبد المحسن الأحمد حفظه الله
رابـــ التحميل ـــط
↧
↧
September 17, 2016, 10:04 am
↧
September 17, 2016, 10:07 am
↧
September 17, 2016, 12:29 pm
↧
↧
September 17, 2016, 1:50 pm
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بُح صوت الشيخ الدكتور سعد البريك فى قناة وصال فى برنامج ماتع ساخن اسمه ساعة وصال مع المحاور أسامة خضر
صرخ الشيخ فى الأمة الإسلامية أنه قد تم إغلاق قناة وصال باللغة الإنجليزية والألمانية والروسية ثلاث قنوات بسبب قلة الدعم
ثم جاء اتصال هام من مدير قناة وصال اوردوا وقال أنه يخاطب المسلمين باللغة الأردية بنحو من 500 مليون مسلم
قال شيعة باكستان عملوا اعتصام واضراب ومشوا على أقدامهم أكثر من 500 كيلوا متر لأجل أن تستجيب الحكومة الباكستانية لغلق القناة واستجابت الحكومة ولكن أصر الإخوة العاملين فى القناة على المثابرة حتى عملوا مقاطع موثقة عن خطر إيران ومخططها ففتحت الحكومة القناة بحمد الله وحجم النفع للقناة
ثم اتصل مدير قناة وصال فارسى الأستاذ محمد الأنصارى
وقال سجلنا 40 ألف مهتدى اتصل بنا بالتليفون والشات وغيره فكبر الشيخ البريك (هؤلاء غير ما لا يُعرف من المهتدين )
قال رغم أن الإتصال بالقناة مجرم فى إيران
قالوا رغم الإمكانات الضعيفة جداً والتشويه الذى تتعرض له القناة حتى غيروا التردد أربع مرات
قال وأحدثنا حرج شديد للمعممين فى دولة الشرك فى إيران بسبب طرح طلبة العلم الشيعى لأسئلتنا على المعممين وعجز المعممين عن الرد حتى بدأ الناس تشك فى المعممين ومصداقيتهم
ثم عرضوا فيديوا للدكتور الحبيب الفاضل محمد العريفى وهو يقول اتصل بى عراقى وقال لى خذ ما تريد وامنع برنامج الرصد والمتابعة فى قناة وصال يظن أننى امتلك القناة
فضحك الشيخ البريك وقال كان على الشيخ العريفى يأخذ منه المال ونساعد به القناة
طرح الشيخ البريك معاناة القائمين عليها بأنهم لا يأخذون راتب بل عُرضت عليهم العمل فى قنوات أخرى بمبالغ طائلة من قبل الشيعة ليبعدوهم عن القناة
ثم عرضوا مداخلة ناشط سنى عراقى عن حجم الإهمية لدى استمرار قناة وصال
ومدى متابعة العراقيين لها والشيعة وحدث عن فضلها فى بيان الحق
ثم عرضوا مداخلات للكثيرين منهم الشيخ عدنان العرعور ومفتى المملكة وهو يدعوا لدعم القناة
برنامج متحف ماتع يستحق المشاهدة
أخى يمكنك رؤية البرنامج كامل على اليو تيوب ونشره لتؤجر
ولو لم تستطع الجهاد بمالك فجاهد بنشر طلب الدعم لمجموعة قنوات وصال المباركة
وقد عرضوا هذا الهاتف على الشاشة لراغبى الدعم
00966508575522
ولكن أهيب بك أن تتصل بهم قبل للتأكد من الرقم فهم قد وضعوا على شريط القناة المتحرك عنوان الموقع الرسمى لهم وكيفية التواصل معهم
فلمن أراد التبرع أن يفتح بنفسه القناة ليعرف كيفية الإتصال بهم
بارك الله فيكم
وروى فى الحديث ( إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة )
ولست بحاجة أخى لطرح مدى الخطر الشيعى وقتل الشيعة للسنة من منطلق عقدى وامتلاكهم للأموال الضخمة والتحالف العالمى الذى يحظوا به فقد سخروا فى الفضائيات فقط أكثر من ستين قناة تدعوا للشرك والكفر بدين الإسلام الذى جاء به محمد وتدعوا لكره السنة وتكفيرهم وقتلهم وسب الصحابة وأمك أم المؤمنين
فاهرع وجاهد يأجرك الله
↧
September 17, 2016, 5:45 pm
حرب الصوفية على السنة في أرض الشيشان
. محمد الأمين مقراوي الوغليسي
![]()
حرب الصوفية على السنة في أرض الشيشان
هكذا تحارب الصوفية الإسلام السني في الشيشان
الشيشان في قبضة الصوفية والعملاء
حرب الصوفية على السنة في أرض الشيشان
عندما سيطرت الصوفية على المشهد الشيشاني فتحت الحرب على ماضي الشيشان وعقيدته، فشوّهت أبطال الشيشان إرضاء لروسيا، وراحت تحارب كل ما يشير لعقيدة أهل السنة المناهضة للطغيان، ووصل بها الأمر لإعلان الحرب على العرق العربي بكل عنصرية، ووصل بها الأمر إلى قتل مخالفيها، وتغيير مفاهيم الولاء والبراء، وتفسير القرآن وفق ما أملته السلطات الروسية، وفي هذا المقال ما يشهد على بشاعة العمالة التي غرقت فيها صوفية الشيشان، بلسان قادة الصوفية أنفسهم، الذين لم يعد لهم ما يستحون منه أو يخشونه، بعد أن أعلنوا البراءة من تاريخهم وعقيدتهم، والاصطفاف جنبا إلى جنب مع روسيا الدموية وقائدها الطاغية قاتل أطفال الشام فلاديمير بوتين.
الحرب على صحيح البخاري وكتب أهل السنة:
"لا مكان لصحيح البخاري، وكتب ابن تيمية وحصن المسلم في جمهورية الشيشان، ولا ترحيب بكتب الوهابية، والإخوان، فهم أعداء الأمة" ، هكذا يقول قاديروف، بل إن قاديروف توعد- وأقسم ثلاثا- شخصيا في كلمة له بمسجد غروزني بقتل وسحل كل من يشتم فيه رائحة الوهابية، ووصل به الأمر إلى تفضيل اليهود والنصارى على الوهابية، باعتبارها شرا خالصا، وسبب مآسي الشيشان، فعندما صدر تقرير للخارجية الأمريكية ينتقد فيه وضع حقوق الإنسان بالشيشان- خاصة تعذيب الصحفيين والمعارضين، واغتصاب المحجبات حجابا كاملا، يعتبر بوتين وقاديروف هذا الحجاب رمزا للوهابية، لذلك شنوا عليه حملة مسعورة، ويعتقد قاديروف أن الحجاب الشيشاني هو تنورة تحت الركبة، مع قميص بنصف كم، وعصابة تغطي منتصف الشعر فقط، بينما يحاول إظهار نساءه بحجاب كامل عند زيارته من بعض رموز الصوفية في العالم- قال رمضان قاديروف غاضبا: " إنّ الشيشان قامت ببناء كنائس مسيحية ومعابد يهودية، لكن إطلاقا ليس للوهابية، حتى لو انتقدت الولايات المتحدة مليون مرة ذلك"، كما أن نائب وزير الداخلية الشيشاني آبتي علاء الدينوف، بعد أن أبدى امتعاضه من نفور الناس من شرطته في أوروس مارتان الباسلة، أقرّ أن قاديروف أمره بسجن وقتل كل من يشتم فيه رائحة الوهابية، تحت أي ذريعة وقتله ودفنه دون أية مراسيم، ولأن قانون الإرهاب الروسي مطبق في الشيشان، فإن كل الكتب التي تصفها روسيا بالوهابية، أو كتب التبليغ أو الإخوان ممنوعة في هذا البلد، بينما يحتفي ويحتفل قاديروف وزمرته بذكرى وفاة القديس جورج، ويعتبرونه مصدرا للمثل العليا، عكس صحيح البخاري الذي يعتبره مصدر الإرهاب والعنف.
القبورية في الشيشان .. تشويه جهاد الأجداد ومعاداة العرب:
قدمت الصوفية الشيشانية في الأربعمئة 400 سنة الأخيرة تضحيات جسيمة، وبطولات نادرة، بفضل شجاعة مشايخها وقادتها الربانيين الزاهدين بحق، حتى نالت إعجاب وثناء الأعداء قبل الأصدقاء، غير أن الصوفية - القبورية - التي ظهرت منذ إعلان الزعيم الراحل جوهر دوداييف الاستقلال كانت صوفية شاذة في تاريخ الشيشان، صوفية لا تحمل مشروع المقاومة، بل مشروعا آخر تماما، مشروع يعتبر الأجداد مخطئين بمقاومتهم للروس، ويعتبر العرب والإسلام القادم من خارج بوتقة الصوفية شرا محضا، يجب الوقوف ضده، وقد تآمروا ضد دوداييف، وكل قادة الشيشان، وأبطلوا جهادهم، إذ يطعن ويلمز بشير دالغات في بطولة وجهاد الزعيم التاريخي للشيشان جوهر دوداييف، فيقول:" تسليم رئاسة السلطة التنفيذية إلى عسكري ( ويريد به جوهر دوداييف) نشأ على تربية عقائدية مختلفة عن عقائد الطرق الصوفية". ويشوه حرب التحرير والاستقلال بقوله: " إنّ أدق تسمية في اللغة العربية لحركة الشيشان في هذه المرحلة (1992)، هي الانفلات، وليس الاستقلال.".
الصوفية العالمية والتركيز على قبورية الشيشان:
لم يكن المؤتمر الذي عقد في الشيشان مؤخرا، وأعلن فيه شيوخ العار والعمالة والاستبداد، الملطخين بدماء أطفال مصر وسوريا وليبيا الأوّل من نوعه، فقد حظيت الشيشان باهتمام خاص جدا من طرف الصوفية العالمية، وصارت قبلة للصوفية من كل أنحاء العالم، إذ لا تنقطع عنها الزيارات التي يقوم بها رموز ومشايخ الطرق الصوفية، فمركز طابة بالإمارات يبارك جهود قاديروف للقضاء على الوهابية، ويرسل الحبيب الجفري للشيشان ليعلمهم الإسلام الحق، إسلام الانبطاح، والركوع لغير الله، ومن مصر خرج وفد هام للصوفية يقودهم المفتي شوقي علام، وعلي جمعة، وعبد الهادي القصبى شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ونقيب اï»·شراف محمود الشريف، والدكتور محمد محمود أبو هاشم، نائب رئيس جامعة اï»·زهر والدكتور أسامة الأزهري مدير مكتب رسالة الأزهر، والدكتور محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر للعلاقات الخارجية، وعدد من عمداء وأساتذة جامعة الأزهر، وتدل الأسماء التي خرجت للمشاركة في المؤتمر الموسوم بـ : " التصوف أمان للإنسان واستقرار للأوطان"، و لا يخفى على القارئ، أن هذه الأسماء، أعلنت عداوتها الشديدة للحرية التي ينشدها العالم العربي والإسلامي، من خلال ثورات الربيع العربي، بل إنها أمعنت في استحلال الدماء، وإخراج الفتاوى التي تبيح قتل المسلمين، فلا يستغرب أن تعطي شيكا على بياض لقاديروف، بقتل كل من يعارض التوجه الصوفي، كما ظهر جليا أن الشيشان تحت قيادة قاديروف تحاول استقطاب كل من يعادي الإسلام القادم المسمى بالوهابي، فهذا الطعّان عدنان إبراهيم، يزورها عدة مرات ويحاضر بها، ثم يخرج في أحد الخطب وهو يمتدح قاديروف، عدنان الذي يلعن معاوية رضي الله عنه لأنه ظالم مستبد حسب رأيه، يترضى على قاديروف السفاح العميل، ويبارك جهوده، الأمر الذي يوضح حقيقة أن هذا البلد صار مجمعا لكل حاقد على السنة، والصحابة الكرام، والإسلام السني.
حتى الخارجية الأمريكية تشتكي من بطش صوفية الشيشان:
ورغم أن أمريكا تعتبر الإسلام السني عدوا لها، إلا أن العجيب أنها استنكرت الممارسات الوحشية لقاديروف ضد كل من يشك في أنه وهابي، حيث أصدرت الخارجية الأمريكية نفسها تقريرا عام 2013 حول انتهاكات الحرية الدينية في العالم، تبين فيه أن الأمريكيين – وهم العدو الأول للسنّة - ، يشعرون بالقلق من " تشويه التقاليد الصوفية في الشيشان". وأشار التقرير صراحة إلى قاديروف الذي يقوم بتشويه هذه التقاليد من أجل تعزيز طغيانه، وسلطته.
هذا المقطع من تقرير الخارجية الأمريكية أغضب قاديروف بشدة، وقال: " كتاب التقارير قاموا باستنتاجات خاطئة حول وضع الحرية الدينية بالأخص في الشيشان وفي روسيا بشكل عام .. إننا نسمح ببناء الكنائس والمعابد، ولكننا لن نسمح للوهابية، هذا مستحيل..".
صوفية الشيشان والعمالة المطلقة لبوتين:
تحولت شيشان قاديروف من عداوة روسيا، إلى العمالة لها، وقتل خصومها، والتنكيل بكل من يشتبه في مجرد إعجابه بالإسلام السني، الذي يغضب بوتين، وإلى البراءة من جهاد الأجداد والأسلاف، وهذه تصريحات البعض منهم، حيث يقول الدكتور أمين شمس الدين داسي: " إن جميع النزاعات والحروب القوقازية في العصر الحديث كانت نتيجة دسائس قوى خارجية معادية للقيصرية والسوفييتية وروسيا الحالية، لأنها تشكل مساحات هائلة، وفيها من الثروات ما يحتاجه العالم كله. ومن بيده مثل هذه الثروة، ولديه أقوى وسائل الدفاع عنها هو الأقوى، ولاريب في ذلك. ولا شك بأن الأعداء سيحاولون بشتى الوسائل زعزعة وحدة وأمن روسيا ونشر الفوضى في أرجائها دون تدخل مباشر لعواقبه الوخيمة فيما لو حصل، عن طريق خلق بؤر توتر في أرجائها، كما حصل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر."، ثم يقول: " حروب الشيخ منصور والإمام شامل وغيرهما من الأئمة على أساس ديني في الظاهر."، فانظر إلى طعنه في جهاد أبرز أبطال الشيشان، من أجل التملق لروسيا، والخطير في الأمر أن هذا الأمر بات يشكل توجها واضحا للنخب الشيشانية، وتجاهر به، والسبب واضح، إرضاء بوتين، ومحاولة تلميع صورة العميلين قاديروف الأب والابن، واعتبارهما صنّاع سلام، بينما الأخرون جلبوا الدمار والخراب للبلد، أما الكاتب والمؤرخ الشيشاني الشهير حمزات- ونائب سابق لجمهورية الشيشان في برلمان روسيا الفيدرالية، وعضو مجلس السوفيات الأعلى للاتحاد السوفياتي سابقا، فيقول: " لقد تغير الوضع بسرعة، إن تسلسل سياسات فلاديمير بوتين والحاج أحمد قاديروف كان واضحا، وبدأ الشيشان يتحولون من مشاكل في روسيا إلى مخفر متقدم لأمنها العسكري والسياسي والأخلاقي وصرحت قيادة الجمهورية، نحنُ- مشاة بوتين! على استعداد لتنفيذ إرادته في كل ركن من هذا الكوكب! وهذا الدعم للرئيس، بالمناسبة، لا سابق له، في الوقت الذي حاول ويحاول فيه الأعداء الخارجيون والطابور الخامس المحلي إذلال البلد العظيم، وكسر إرادته للحفاظ على سيادته ومكانته تحت الشمس."، أما قاديروف نفسه فيقول:" إننا نقف حراسا على مصالح روسيا الاتحادية، نحن مواطنو روسيا .. مواطنو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .. نحن هنا في جنوب البلاد سوف نحمي حمى الوطن، ولن نسمح لأي كان الاعتداء على روسيا، ليس هذا فقط، ولا حتى على تهديدها" إنه الغرق في العمالة، وهذا ما يفعله الخونة بالأوطان، يغيرون عقيدته، ويشوهون مسيرة رجاله وأبطاله، ويسلمون شرف نساءهم لأعدائه، ويغتالون نسمات الحرية من فطر أطفاله.
ولقد أثببت الصوفية في الشيشان أن الصوفية والعمالة وجهان لعملة واحدة، فليس من الصدف أن تصطف الصوفية مع طاغية مصر والشام وليبيا، بل العمالة والخضوع للمحتل من صميم الطرق الصوفية، وليس هذا بجديد على المشهد الإسلامي، فقد كانت الصوفية في الجزائر غارقة في العمالة، حتى جاء الإمام عبد الحميد بن باديس فحاربها حربا شعواء، أثمرت في الأخير ثورة عظيمة قادها طلبته وتلاميذه.
لهذا تبنت روسيا الصوفية ولهذا يجب التصدي لها:
إن تبني روسيا للصوفية المعروفة بعمالتها، وتعاونها مع مشايخ الاستبداد الذي يفتون لطاغية الشيشان ومصر والشام وليبيا بحلية دماء الشعوب المسلمة المطالبة بحريتها؛ يهدف إلى تجفيف منابع الصحوة والنهضة الإسلاميةـ، وقتل جذوة الجهاد والمقاومة للمحتلين والغزاة الذين يريدون إطفاء نور الله في أرض الإسلام، حيث تريد روسيا حسب الكثير من الخبراء الروس تعميم التجربة الشيشانية على كافة الجمهوريات الإسلامية السابقة، وتعميمها خاصة في داغستان وأنجوشيا وتتارستان وموردوفيا، باعتبار هذه الجمهوريات الأخطر على روسيا، كما تسعى بتبنيها للطرق الصوفية إلى جعلها جدار صد متقدم ضد انتشار الإسلام في روسيا، فهي تصوّر في الداخل الروسي الإسلام الصوفي مجرد طقوس وخرافات وخزعبلات مناقضة للعقل والعلم، كما تستغلها في محاربة أي جهود تستنهض الهمم لتحرير البلاد والعباد من الاحتلال والطغيان.
الأمر الذي يستوجب فعلا الالتفات إلى هذه المنطقة الهامة، حيث يؤثر هذا المشروع الخطير على ملايين المسلمين في القوقاز وآسيا الوسطى، والأفضل أن تعقد دورات وندوات وملتقيات تكشف الدور الخطير والمؤثر لصوفية الشيشان على مستقبل المسلمين في جنوب روسيا، مع السعي لتبني المزيد من الطلبة الروس والقوقازيين الذين يتولون نشر الإسلام الصحيح، ويعيدون لهذه الأرض مجدها تحضرها وعزها.
↧
September 17, 2016, 5:52 pm
الفضائيات الإسلامية (سلبيات وتوجيهات) (3)
د. محمد يسري إبراهيم
القسم الثالث
ملحوظات شرعية
هذا القسم من الملحوظات آثَرنا تَأخيرَه؛ لئلاَّ يظن أنَّ النقد إنما يَقتَصِر على جوانب الأحكام والمُخالَفات الشرعيَّة، ولئلاَّ يُعتَقد أنَّ المراد المُصادَرة على اختِيارات الإعلام الإسلامي الفَضائي، وليس المقصود أيضًا فرضَ وصايةٍ على أحدٍ؛ وإنما المراد دعْم هذه الوسيلة من وسائل التأثير العام بما يُناسِب من الأحكام؛ ممَّا يضمن تحريرَها من المخالفات، وإطلاقها من قُيُود المعوِّقات، وذلك في إطار التعبُّد لله - سبحانه وتعالى - بالمقاصد والوسائل معًا؛ إذ الوسائل لها أحكامُ المقاصد غالبًا.
وبشكلٍ عام، فإنَّ المرجعيَّة الفقهيَّة والشرعيَّة للإعلام أمرٌ لا بُدَّ منه، ولا غنى عنه، ولا تَزال هذه المرجعيَّة لم تنضَبِط بعدُ أو تكتَمِل، ولم يَتسامَع الناس بعدُ بمؤتمراتِ وأوراقِ بحثٍ وعملٍ تدورُ حول فقه الإعلام في الإسلام، أو الأحكام الشرعيَّة لوسائل الإعلام العصريَّة، ولعلَّها فرصةٌ مواتية لدعوة هذه القنوات الفضائيَّة الإسلاميَّة لتبنِّي عَقْدِ مؤتمرٍ دولي لبحْث قَضايا ومسائل في فقْه الإعلام الإسلامي المُعاصِر.
وغنيٌّ عن القول أنَّ ما سيَرِدُ في هذه الملحوظات إنما هو نوعٌ من النُّصح الواجب، والنقد البنَّاء، والذي يُراد منه تسديد التجرِبة، وتكثير خيرها، ودرْء المفاسد والشُّرور عنها ومنها، وعليه؛ فلا حاجة لتسمية قَناةٍ بعينها؛ لأنَّ المقصود هو التذكير، لا التشهير، والتنبيه اللطيف، لا الزجر والتعنيف؛ قال - تعالى -: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، والله - تعالى - المستعان، وعليه التُّكلان.
1- تضارُب الفتيا وتعارُض التوجيه:
الشريعة المطهَّرة إنما شرعت لإخْراج المكلَّف من داعية هَواه، إلى طاعَةِ ربِّه ومَوْلاه، فإذا كانت هذه الوسائل الإعلاميَّة الفضائيَّة ستُعِين على هذا المقصد فالحمد لله، وإنْ كانت ستُفضِي بالمكلَّف إلى البَلبَلة والحيرة فلا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله.
وبالجملة: فإنَّه ليس لأحدٍ أنْ يُملِي اختيارَه الفقهي على قناةٍ بعينها، أو أنْ يُلزِم الجميعَ بحكمٍ اجتهادي بِخُصوصه؛ لكنَّه في الوقت ذاته لا يحقُّ لقناةٍ فضائيَّة أنْ تجعل خياراتها ثوابت مُلزِمة للجميع، وتُصادِر خِيارات غيرها، وتجعَل من برامجها مِنبرًا لإلغاء خِيارات الآخَرين، أو التهجُّم على مواقفهم الشرعيَّة، أو السُّخرية والازدِراء لهم، أو اتِّهام الأعمال أو النيَّات بغير بُرهان.
وبرامج الفُتيا المباشِرة والتَّوجِيه التفاعُلي الحي من أخطَرِ البرامج التي تُقدِّمها تلك الفضائيَّات الدينيَّة، وهي برامج تتميَّز بسُرعة إيصال السؤال والجواب، وتُوافِق طبيعة العجَلَة في الإنسان، وتستَجِيب لها ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾ [الإسراء: 11]، ومكَّنت من اختيار المفتي، وسُهولة التواصل معه، وبالمجَّان.
وهي مع هذه الإيجابيَّات الكثيرة، تجمَعُ سلبيَّات عديدة أيضًا؛ منها: كثرة الخطأ وتَعاظُمه، وصُعوبة تَدارُكه إن وقع، وقد طارَت الفتيا كلَّ مطير، وزلَّةُ العالِم يضلُّ بها العالَم، وأسباب الخطأ لا تنحَصِر في قلَّة علْم المفتي أو عدم إحاطته بواقع المستفتي، أو سُوء فهْم السؤال، أو تعدُّد المحاذير الأمنيَّة أو الاجتماعيَّة، أو السياسيَّة، أو ربما كانت العجلة والرَّغبة في إجابة أكبر عددٍ سببًا في الخطأ.
ومن سلبيَّاتها كذلك تعميمُ الفُتيا، فإنَّ الفُتيا قبل الفعل تختلف عنها بعد الفعل، وما عمَّت به البَلوَى في بلدٍ لم تعمَّ به في غيره، والذرائع كما يجبُ سدُّها، فقد يجبُ فتحُها، والأحكام المَنُوطة بالأعراف والعادات تتغيَّر بتغيُّرها، واختلاف المقاصد يُورِث اختلاف الأحكام، واختلاف الدِّيار له مدخلٌ في تغيُّر الفتيا.
وعن هذا كلِّه يَنشَأ تَضارُب في الفُتيا بين مُفتٍ وآخَر؛ ممَّا يُشتِّت المستفتِين ويحيرهم، ويُضعِف ثقتهم بأهل العلم، ويُوغِر الصدور، ويفتح باب التشهِّي واتِّباع الهوى عند ضِعاف الإيمان، ويحيل خِلاف التضاد إلى تنوُّع، ويروِّج معه أنَّ الخِلاف كله سائغٌ مقبول.
فإذا أُضِيفَ لما سبَق استِضافة مَن يُعرَف بتَساهُله ليُجِيب، أو اشتهر بمنحنى غير مرضيٍّ ليُفتِي، أو قدم على غير أساسٍ من الكفاية أو الدِّراية، فقد كمُلت البليَّة وعظُمت الرزيَّة، وتحقَّق ما حذَّر منه خيرُ البريَّة - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((... اتَّخَذَ الناسُ رؤوسًا جُهَّالاً، فسُئِلوا فأفتَوْا بغير علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا))[1].
ولا شكَّ أنَّ تصدُّر غير المتأهِّلين للكَلام في أمر العامَّة اليومَ، هو باب شرٍّ مستطير، ليس من سبيلٍ إلى غَلقه إلا بتصدِّي المتأهِّلين، والأخْذ على أيدي المتجرِّئين، والحجر على المُفتِين المُتَماجنين.
فعلى أرباب الفضائيَّات أنْ يتصدوا لهذه المُعضِلة؛ بتحديد نِطاق الفُتيا المباشرة، ونِطاق المفتي القاصر على بابٍ من أبواب الفُتيا، ولو كان لكلِّ قناة مجلسٌ أو لجنة شرعيَّة للإفتاء من شأنها أنْ ترشح المفتين، وتحدِّد التخصُّصات، وتراقب الأداء - لكان خيرًا.
2- التسبُّب في هبوط سقف التديُّن لدى البعض:
إنَّ هبوط مستوى التديُّن في نُفوس البعض إنما هو نتيجةٌ مباشرةٌ لما سبق بيانُه، مع أنَّه لا امتِراء في أنَّ الفضائيَّات الإسلاميَّة على تنوُّع ما تُقدِّمه، وتفاوُت ما تطرَحُه - قد أثَّرت في عامَّة المسلمين تأثيرًا إيجابيًّا؛ حيث نقَلتْ طائفةً من المعصية إلى الطاعة، وأخرى من البِدعة إلى السنَّة، وثالثة من السلبيَّة إلى الإيجابيَّة، وإنَّ شرائح نوعيَّة قد وصَلتْ إليهم الفضائيَّات الدينيَّة، ما كان يتصوَّر يومًا أنْ تسمع الخطاب الإسلامي، أو أنْ يَصِلَ إليها صوتُ الدُّعاة إلى الله - تعالى.
فكانت النتيجة الطبيعيَّة المبارَكة ارتفاع سَقْف التديُّن لدى العامَّة، ومستوى الوعي العام لدى الأمَّة، إلا أنَّ أمرًا عجيبًا غريبًا قد وقع، وهذا الأمر لا يذهَلُ عنه اللبيب الأريب الذي يُتابِع بعينٍ فاحصة، ويسبر الأمور برؤيةٍ ناقدة، فلقد تعرَّضت فئةٌ من المتدينين والمحافظين وأسرهم وبُيوتاتهم لهزَّة عنيفة بسبب دُخول هذه الفضائيَّات إليها؛ ففي مجتمعاتٍ استقرَّت الأحكام فيها، وانتهت الاختيارات الفقهيَّة لدى عُلَمائها المعتَبَرين لاجتهادات معتمدة، جاءت فضائيَّاتٌ من بلادٍ وثقافات عربيَّة وإسلاميَّة أخرى لتُعِيد فتح ملفَّات كثيرة، تُؤثِّر أحيانًا في استِقرار أوضاعٍ كثيرة.
فهذه امرأةٌ بِحُكم ما تعلَّمت من عُلَماء بلدها، وتعوَّدت في بيئة مجتمعها - تُغطِّي وجهها تدينًا، وتترك الاختلاط بالرجال في الأعمال، وتَتحاشَى كثيرًا من الصلات والعلاقات والنشاطات التي قد لا تُناسِب طبيعتها ظروف مجتمعها، وهذا قبل ذلك من تمام عفَّتها وحِشمتها وحَيائها، مثل هذه حين انفتحت على فضائيَّات دينيَّة يدعو بعض الأساتذة فيها المرأة إلى ممارسة الفن! وينادون صراحةً بعودة الفنَّانات المعتزلات لِمُمارَسة التمثيل من جديدٍ، وأنَّ في ذلك خدمةً جليلةً للمجتمع! كيف يكون وقْع هذا عليها وعلى مَثِيلاتها؟! إنَّ هذه الدعوة بذاتها دعوةٌ لكشف وجهها، والعمل المختلط مع الرجال، وامتهان التمثيل، مع ما يستَتْبعه هذا من لَوازِم أخرى، من أهوَنِها قيادةُ المرأة للسيارة!
وفي مجتمعات حرصتْ على السنَّة وحماية جَناب التوحيد، وحذَّرت من أصناف البِدَع المختلفة، غدت أطباقها الفضائية تتلقَّى رسائل تدخُل إلى البيوت تدعو إلى خُرافات صوفيَّة، وبدع رافضيَّة، وشعوذات وأعمال سحريَّة، وأنكى من هذا دَعوات إلى دِين القاديانيَّة والأحمديَّة.
وفي مجتمعاتٍ استقرَّت الفُتيا فيها وانضبطَتْ، تأتي فتاوى تائهةٌ من هنا أو من هنالك، لا تُراعِي خُصوصيَّات الزمان أو المكان أو الإنسان، فتُبِيح ربا المصارف تارةً، وأنواعًا من البيوع الفاسدة تارةً، وتُزَعزِع كثيرًا من ثَوابِت الإيمان والأحكام تارةً أخرى.
وهذا كله يُؤثِّر سلبًا على بُيوتاتٍ كريمةٍ، وأُسَر مستقيمة، عاشت بُرهَةً من زَمانها تتلقَّى بصورةٍ منهجيَّة نقيَّة، وتترقَّى بطريقةٍ تربويَّة زكيَّة.
ولا شكَّ أنَّ اعتمادًا غير مُرشَّد، وانفتاحًا غير منضبطٍ على هذه الفضائيَّات الدينيَّة متعدِّدة المشارب - يمكن أنْ يُحدِث هذه الشُّروخات في جِدار الأسرة الواحدة، فَضْلاً عن المجتمَعات المتعدِّدة، وهذا يحمل على الانتقائيَّة في الاستِفادة من تلك الفضائيَّات، والحذَر من المشوب منها بشوائب المُخالَفات.
كما يُؤكِّد على أربابها أنْ يَحرِصوا على جمْع الكلمة، ووحْدة الصفِّ، ونُصرة الحقِّ، بدلاً من تضييعه في حوارات قد يستَعلِي فيها بالباطل بعضُ المبطلين، أو فتاوى شاذَّة يقول بها بعض المتصدِّرين غير المتأهِّلين.
3- تفاقُم فتنة النساء:
((النِّساءُ شَقائقُ الرِّجالِ))[2]، وهنَّ نصف المجتمع، ويَلِدن النصفَ الآخَر، ومع هذا فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النِّساءِ))[3]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا: ((إنَّ الدُّنيا حلوةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ الله مُستَخلِفُكم فيها فيَنظُر كيف تعمَلُون، فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا فتنةَ النساء، فإنَّ أوَّل فتنةِ بني إسرائيل كانت في النِّساء))[4].
وإذا كان الواقع يقتَضِي أنْ يكون للمَرأة دورٌ ما في الرسالة الإعلاميَّة، فإنَّ ممَّا يجبُ أن يُقرَّر عند الحديث عن دور المرأة في الإعلام الإسلامي أنَّ القناة لا تستحقُّ وصف "إسلامية" حتى تخلو من تبرُّج النساء.
ثم إنَّ الباب مفتوحٌ لدِراسةٍ شرعيَّة جادَّة عن الحدود الإعلاميَّة لِمُشارَكة المرأة المُسلِمة، ومبدئيًّا فإنَّ فتح الباب لِمُشارَكة غير المحجَّبة والمتبرِّجة التي تُثِير الفتنة، يَجعَلُ من العمل الإعلامي مصيدةً لذباب المُشاهِدين، لا طريقًا لخِدمة الدِّين، وليس من مَعايير نَجاح القناة الإسلاميَّة مجرَّد جذْب متابعين أو مشاهدين.
ويستَوِي في الحُرمة والمنع كونهنَّ مُذِيعات، أو ضَيفات في حَلقات حواريَّة، أو في لِقاءات ميدانيَّة أو جماهيريَّة.
ولا يُستَثنى من المنْع خُروجهنَّ مُغطِّيات للشعر - مجازًا - متجمِّلات بعدَ ذلك بأكمل الزينة في الوجه، مُرتَدِيات لما يُظهِر مفاتن الأجساد من الملابس الضيِّقة حِينًا، والشفَّافة حينًا آخَر.
وأنكَى ممَّا سبَق ما تُنظِّمه بعضُ القنوات من بَرامِج لعرض أزياء المحجبات المتبرِّجات، تُعرَض فيها المفاتن بصورةٍ تُحاكِي عُروضَ الأزياء الغربيَّة.
وهنا يُورِد بعضُهم شبهةً خُلاصَتُها: لا حرَج في رؤية المرأة في التلفاز؛ قِياسًا على ما أجازَه بعضُ الفُقَهاء من رؤية المرأة في المرآة من غير إثم؛ بجامع أنَّه لم يَنظُر حقيقةً إلى المرأة، وإنما إلى المرآة!
والجواب عن هذا الذي ينقله بعض مَن يدَّعي عِنايةً بمقاصد الشريعة يبدَأُ من ذِكر المقاصد؛ ذلك أنَّ الشارع حين منَع الرجل من النَّظَر إلى مَفاتِن المرأة، كان ذلك لِمَقصِد حفْظ الدِّين والعِرض والنَّسل، وما يترتَّب على هذا النَّظَر من اتِّباع خُطوات الشيطان لا يُمارِي فيه إنسان، ثم ما يَتضمَّنه حضورُ تلك المرأة إلى الأستوديو، ومخالطتها للرجال فيه ونحوه، هل ممَّا يُبِيحه أحد؟! وما الفرق عندئذٍ بين هذا النَّظَر إليها وهي مُتبرِّجة أو عارية ما دامَ ذلك في التلفاز؟! أوَليس خُروجُها في التمثيل أو عملٍ فني زائدًا على مجرَّد رؤية صورتها؛ ممَّا يجعل القياس مع الفارق؟ وهو قياسٌ فاسدٌ كاسدٌ؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].
4- تلميع بعض مَن لا خَلاقَ له:
وربما وقَع هذا خِلال برنامجٍ حواري يُبَجَّل فيه الرجلُ التافِه، ويُقدَّم على أنَّه شخصٌ محترَم في رأيه وفِكره، وربما يُستَدعى ليُناظِر مَن يُخالِفه، ولكن مع كامل التوقير والتبجيل، وهذا قد يكونُ ممَّا تنبَّأ به نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((سيَأتِي على الناس سَنوات خَدَّاعات، يُصدَّق فيها الكاذبُ، ويُكذَّب فيها الصادقُ، ويُؤتَمن فيها الخائنُ، ويُخَوَّن فيها الأمينُ، وينطق فيها الرُّوَيْبِضةُ))، قيل: وما الرُّوَيْبِضةُ؟ قال: ((الرَّجل التافِه يتكلَّم في أمر العامَّة))[5].
والأصل في أهْل البِدَع، ورؤوس أهل الأهواء، ومُحتَرِفي الفِسق من مُروِّجي الشُّبهات والشَّهوات: ألاَّ يُعظَّموا أو يُقدَّموا، وقد جاء في الحديث النهيُ عن قول: "سيدي" للمنافق[6].
قال الشاطبي: "إنَّ توقير صاحب البدعة مَظِنَّةٌ لِمَفسدتَيْن تَعُودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: التِفاتُ الجُهَّال والعامَّة إلى ذلك التوقير، فيعتَقِدون في المبتدع أنَّه أفضَلُ الناس، وأنَّ ما هو عليه خيرٌ ممَّا عليه غيرُه، فيُؤدِّي ذلك إلى اتِّباعه على بِدعته، دون اتِّباع أهل السُّنَّة على سنَّتهم.
والثانية: أنَّه إذا وُقِّرَ من أجل بِدعةٍ، صار ذلك كالحادي والمُحرِّض له على إنشاء الابتِداع في كلِّ شيء... فتَحيَا البدع، وتموت السُّنَن، وهو هدْم الإسلام بعينه"[7].
فلا يصحُّ تلميعُ أمثال هؤلاء، وإنما إذا جِيءَ بهم لمناظرة تظهر عوارهم، وتكشف باطلهم، فلا بأس، مع الضوابط المقرَّرة لمناظرة أهل الأهواء والبدع[8].
5- مخالفات الأناشيد والمعازف:
لا حرج في إنشاد الشعر والانتِفاع به في الدعوة إلى الخير، ولا مانع من تنوُّع أغراضه وألوانه الجائزة؛ فقد سمعه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستَنطَق به بعض شُعَرائه، لكن ما يصحب هذا الإنشاد في بعض القنوات من الآلات الموسيقيَّة أمرٌ فيه من الحرج الشرعي ما فيه، فإذا انضافَ إلى ذلك أنَّه بصوت فتياتٍ يرتَدِين أحسن الثياب، وقد راهَقن البلوغ، ومن غير حِجابٍ شرعي، فقد عظُمت الفتنة.
وبعض هذه الفضائيَّات تعرض لقطات تجمَعُ بين رجال ونساء في أثناء عرض تلك الأناشيد، وفي محاولة لخلط الأوراق والألوان صار يخرج بعض مَن يُغنِّي الغِناءَ المُحرَّم لينشد، ثم تنقل لقطات من أغانيهم الهابطة لتُطعَّم بها تلك الأناشيد التي قِيل عنها: إسلاميَّة.
وبعض كلمات تلك الأناشيد قد يحتَوِي على شيءٍ من الإرث الصوفي؛ كغلوٍّ في النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستغاثةٍ ببعض المخلوقين، ووقوعٍ في شيءٍ من الكلام الذي لا يجوز[9].
ويتعلَّل بعض الإعلاميين لاعتمادهم على الموسيقا بأنها من ضَرُورات العمل الإعلامي المعاصر، والواقع يشهَدُ بنجاح قنوات إسلاميَّة لا تعتمد الموسيقا، ومن هؤلاء مَن يعتمد على فتاوى بالكراهة دون التحريم، وهي تصطَدِم بالنصوص الشرعيَّة الصحيحة الصريحة، فلا تحتَمِل تأويلاً، ولا تقبل تحريفًا.
ولا شكَّ أنَّ اقتِحام القنوات الإسلاميَّة لذلك المحذور من شأنه أنْ يُجرِّئ الناسَ على التهاوُن بأمر الموسيقا والغِناء، وأنْ يَفتَح بابًا إلى الذي لا اختلافَ على حُرمته من ذلك.
علاوةً على انصِراف عددٍ كبيرٍ من الإسلاميين عن الاستفادة من تلك القنوات التي تَبُثُّ تلك المقاطع الموسيقيَّة في المقدِّمات والخواتيم، ورفْع اسم "إسلامي" عن تلك القنوات[10].
وتبقى البدائل الإعلاميَّة للموسيقا من مزج الأصوات بالحاسب الآلي محلَّ بحثٍ ودراسة؛ حيث تعتَمِدها بعض القنَوات، وهي تقتَرِب في بعض أصواتها ممَّا يصدر عن الآلات، وعلى كلِّ حال، فإنَّ بعض الشرِّ أهوَنُ من بعضه.
[1] أخرجه البخاري (100)، ومسلم (2673).
[2] أخرجه أبو داود (236)، والترمذي (113)، وأحمد (6/256)، وحسَّنة الألباني في "الصحيحة" (2863).
[3] أخرجه البخاري (5096) ومسلم (2741).
[4] أخرجه مسلم (2742).
[5] أخرجه ابن ماجه (4036)، وأحمد (2/291، 338)، وحسَّنه الألباني في "الصحيحة" (2887).
[6] أخرجه أبو داود (4977) وأحمد في "المسند" ( 6/346).
[7] "الاعتصام"؛ للشاطبي (1/80).
[8] راجع: "المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم"؛ د. محمد يسري (ص 175- 190).
[9] "لكي لا يتكرَّر الخطأ، رسالة إلى الفضائيات الإسلامية"؛ فهد بن عبدالله الحزمي، (ص19-20).
[10] "الفضائيات الإسلامية: صعوبات وتحديات"؛ د. وائل الحساوي، بحث في مؤتمر كلية الشريعة بالكويت 1428هـ (ص8-9).
↧
September 17, 2016, 5:54 pm
حديث: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
عبدالعال بن سعد الرشيدي
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تـجاوز لي عن أمتي الـخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))؛ حديث حسن، رواه ابن ماجَهْ والبيهقي وغيرهما.
منزلة الحديث:
◙ قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة، جمعت فيها مصنفًا لا يحتمله هذا الكتاب[1].
◙ قال الطوفي رحمه الله: هذا الحديث عام النفع، عظيم الموقع، وهو يصلُحُ أن يسمَّى نصف الشريعة[2].
◙ قال بعض العلماء: ينبغي أن يُعَدَّ نصفَ الإسلام[3].
غريب الحديث:
◙ تجاوز: أي عفا، وقيل: رفَع المؤاخذة.
◙ لي: من أجلي وتعظيم أمري.
◙ الخطأ: فعل الشيء من غير قصد إليه.
◙ النسيان: عدم التذكر بلا قصد بعد حصول العلم.
◙ استُكْرِهوا عليه: حُمِلوا عليه قهرًا.
شرح الحديث:
((إن الله)) تعالى ((تجاوز لي عن أمتي))؛ أي: عفا وصفح لأجلي، ((الخطأ)) فعل الشيء من غير قصد، ((والنسيان)) هو عدم ذكر الشيء؛ لذهول أو غفلة، وهو معفوٌّ عنه؛ أي: لا إثم فيه، ولكن رفع الإثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حُكم، كما أن من نسي الوضوء، وصلى ظانًّا أنه متطهر، فلا إثم عليه بذلك، ثم إن تبين له أنه كان قد صلى محدثًا، فإن عليه الإعادة.
((وما استكرهوا عليه))؛ أي: على فعله أو قوله، فلا إثم على من صدر منه ذنبٌ بالقهر والإجبار عليه.
ويستثنى من الإكراه القتلُ، فلا يباح بالإكراه؛ أي: لو أُكرِهَ رجلٌ على قتل شخصٍ آخر، فإنه يُقتَلُ المُكرَهُ والمُكْرِهُ؛ لأن الإكراه لا يبيح قتل الغير، ولا يمكن ولا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره.
الفوائد من الحديث:
1- أن أمة الإسلام هي خير وأكرم أمة؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].
2- رفعُ الإثم في الخطأ والنسيان والإكراه لا يعني رفع الحكم.
3- علو قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى، وفضل أمته على سائر الأمم.
4- سماحة الدِّين، والرحمة، وعدم التحريج في الشريعة.
[1] شرح متن الأربعين النووية للنووي (107).
[2] التعيين في شرح الأربعين (322).
[3] فتح الباري (5/ 191 ح 2528).
↧
↧
September 17, 2016, 6:06 pm
ماذا بعد الحج؟
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الرَّحمنِ الرَّحيم، وأشهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ولِيُّ الصالحين، إِلهُ الأولِينَ والآخِرِين، وأشهدُ أَنَّ نبِيَّنَا محمدَاً عبدهُ ورسولُهُ وَصفِيُّهُ وَخلِيلهُ وخِيرتهُ مِنْ خلقهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وصحبهِ وسلّمْ تسلِيمَاً كثيراً إِلَى يوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واستعدُّوا لِلقائهِ، فإنَّهَا -واللهِ- أيامٌ وليَالٍ ثم تأَتِي النهَايَةُ ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62].
يَقدمُ عمرُو بنُ العاصِ مِنْ مكةَ إِلَى المَدينةِ ليعرِضَ إسلامهُ علَى رسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ-، فهشَّ لهُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَشَّ، وَبَسَطَ يَمِينَهُ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الإِسْلامِ، وَلَكِنَّ عَمْرًا قَبَضَ يَدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا لَكَ عَمْرُو؟!"، قَالَ: "أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ"، فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "تَشْتَرِطُ مَاذَا؟!"، قَالَ: "أَشْتَرِطُ أَنْ يُغْفَرَ لِي"، فَقَالَ رَسُولُ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَمْرُو: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ؟".
وهكذا -أيها الكرام- انقضى موسم من أشرف مواسم أهل الإسلام، ومرّت الأيام المعلومات ثم الأيام المعدودات، وكانت تلك الأيام محملة بالخيرات والمسرات والفضائل والبركات، ذهب الحجيج وعاشوا رحلة الحج الأكبر، وتنقلوا بين المشاعر، وتعرضوا للنفحات؛ طمعاً في رضا رب الأرض والسماوات، عادُوا بعدها فَرِحينَ بما آتَاهمُ اللهُ مِن فضلهِ، مُستبشرِينَ بما مَنَّ عَليهم مِن توفِقِهِ وحجِّ بيتهِ، فهنيئًا للحجَّاجِ حَجُّهُم وَعِبَادَتُهُم وَاجتِهَادُهُم.
وأما في الأمصار فبشائر الخير لم تنقطع، فأدركوا عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا عند الله، فصاموا يوم عرفة الذي يكفر صيامه سنتين، حتى صار كأنه من أيام رمضان، لكثرة صائميه حتى من الصغار، ومر بهم يوم النحر فصلوا وضحوا، من كثرتها كادت الطرقات تسيل بدماء القربة لله، وامتلأت مصليات الأعياد، ثم توالت عليهم أيام التشريق فأكلوا وشربوا وذكروا الله، وحمدوه وشكروه على ما رزقهم،فما أجدرهم أن يفرحوا بذلك كله؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
وهكذا تنقضي مواسم الخير، بل هكذا تنتهي حياة الإنسان سريعة خاطفة ثم يجني ما أودعه فيها، فطوبى لمن قدم خيرا..
عبادَ اللهِ: ولعلنا وفي عجالة نستذكِرَ شيئا مما قد تعلَّمناهُ من مدرسةِ الحجِّ من فوائدَ، وَمَا جنيناهُ خلالَ أَيَامهَا مِنْ عَوَائِدَ.
من أبرز دروس فريضة الحج تلكم المحبةَ التي جعلها الله - تعالى - لبيته الحرام في قلوب عباده، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - فيما رواه عنه ابن جرير وغيره: لا يقضون منه وطرًا، يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه، وأنشد القرطبي في هذا المعنى قول الشاعر:
جَعَلَ الْبَيْتَ مَثَابًا لَهُمُ ♦♦♦ لَيْسَ مِنْهُ الدَّهْرَ يَقْضُونَ الْوَطَرْ
وأنشد غيره في الكعبة:
لاَ يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْهَا حِينَ يَنْظُرُهَا ♦♦♦ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاقَا
مع أنها أرض جرداء، وجبال سوداء؟ وأجواء حارة مقفرة، أرأيتم صعيد عرفات، فهل رأيتم فيه مناظر خلابة، أو أجواء عليلة، أو خضرة دائمة؟ ومع هذا فقلوب المؤمنين كلُها تحن إليها، لا لأجل بقعتها؛ بل لأنها مأوى طاعة الله، وتنزُّل رحمته.
عباد الله: لن ينسى الحجاج ولا المقيمين مشهد الحجيج في عرفات، حين كانت العيونُ دامعةً، والأكفُ مرفوعةً، والقلوبُ مخبتة، الجميع عرف هناك فقره وذله ورأينا شيئاً من دلائل عظمته سبحانه وتعالى. حين نرى ألواناً من الناس كلٌ يدعو ربه بلغته، كل يطلب حاجته، كل يناجيه بخفي الصوت، وهو سبحانه العظيم لا تختلف عليه حاجة، ولا يشغله طلب عن طلب، بل يسمع ذلك كله، فيجيب سؤالاً، ويغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويشفي مريضاَ، ويغني فقيراً، وهو على كل شيء قدير، وذلك شيء من دلائل عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته.
ومن دروس الحج أنك ترَى الحاجَّ يتحرَّى ويسأَلُ، ويتتبَّعُ ولا يحيدُ؛ حتَّى يكونَ حَجُّهُ كُلُّهُ وفقَ الهديِ النبوِيِّ الْكَرِيمِ، وهذا شيء جميل لكن الأَجملَ أَنْ يجعلَ العبدُ المسلمُ هذا الاقتفاءَ وذاك الاتّباعَ مَنهجَهُ فِي حياتهِ كُلِّهَا؛ فِي عبادتهِ ومُعاملتهِ، فِي مَظهرِهِ ومَخبرِهِ، فِي حضَرِهِ وسفرِهِ، ونومهِ ويَقظَتِهِ، وفي أَحوالهِ كلِّهَا يكونُ قَرِيبًا مِنْ سنَّةِ نبيِهِ مُتعلِّقًا بِهَا.وإِذا رُزِقَ العبدُ اقتِفاءً حسنًا فتحتْ لهُ الْهدايةُ أَبوابها، وتنزَّلتْ عليهِ الرَّحماتُ الإِلَهِيَّةُ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].
عبد الله إنه ليس أمراً هيناً ذهابك إلى مكة أو استغلالك موسم العشر بأنواع الطاعات كم من الناس من لم يُعر هذا الموسم اهتمامه، فمضى عليه دون جهد يذكر، كم من الناس من لم يحج فرضه، أو انه منذ سنين طويلة لم يبادر الحج، مع أنه قادر ومستطيع، وما ذاك إلا أن المعاصي كبلته عن ذلك ولا شك.
لهذا كان من دروس الحج شكر الله على هذا الإنعام ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، فلا بد أن يكون شاكرًا لربه منيبًا إليه، وليس الشكر كما يتصوّره البعض بأنه الشكر اللساني فقط، لكنه في حقيقة الأمر هو الشكر القلبي، حيث يظل قلبك متعلقًا بخالقك، مستشعرًا نعمته عليك، ومعه الشكر العملي، فتكون بعيدًا عن كل ما يغضب المنعم عليك، قريبًا من كل ما يحبه ويرضاه، قال تعالى مبينًا هذا المعنى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان فيقال له: يا رسول الله، لم تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيجيب صلوات ربي وسلامه عليه معلمًا للأمة حقيقة الشكر "أفلا أكون عبدًا شكورًا".
عباد الله لقد علَّمنا الحج قدر العلماء، وأهمية أن يصدر المرء عن رأيهم، وكان الحجاج في كل حركاتهم في نسكهم يرجعون إلى العلماء ولا يخالفونهم، خشية أن ينقص حجهم فهل يدوم الأمر، ونعرف للعلماء قدرهم، ونقف عند فتاوى المعتبرين منهم؟.
لقد كنتم أيها الحجاج تتحرون وتتورعون من أشياء يسيرة من المحظورات خشية أن تؤثر على حجكم، فهل يدوم التحري وذلك الورع؟ لنتورع عن المحرمات من الأعمال والأقوال والأموال؛ لئلا تؤثر على قلوبنا وإيماننا.
لقدِ استحضرَ الحجَّاجُ أنَّ "الحجَّ المبرورَ ليسَ لهُ جزاءٌ إِلَّا الجنَةَ"، فأَنفقوا أَموالهمْ، وضحّوا بأوقاتِهِمْ، وتحمَّلُوا مَا تَحملوا بنفُوسٍ مُطمئنَّةٍ، وقلوبٍ راضيَةٍ.
إِنَّ استشعارَ ثوَابِ العملِ يُعلي الهمةَ، ويطردُ الكسلَ، ويربِي فِي السلِمِ الحرصَ على الأَعمالِ الصالحاتِ، وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا، وَالْتِزَامَهَا طِيلَةَ الْحَيَاةِ.
أَمَا وَاللهِ لَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ صَلاةِ الْفَجْرِ مَنِ اسْتَشْعَرَ فِي قَلْبِهِ حَقًّا قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوُعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"، وَقَوْلَهُ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا".
أَما واللهِ لن تترد يدٌ عنِ الصَّدقَةِ، ولنْ تشِحَّ نفسٌ عنِ البذلِ إِذَا ما استحضَرَتْ صِدقًا قولَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "لا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلَّا أَخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ حتَّى تكونَ مثلَ الجبلِ أَو أَعظمَ". رواهُ البخارِيُّ وَمسلمٌ.
إِخوةَ الإيمانِ: وعَلّمتنا مدرسةُ الحجِّ أيضاً قصرَ الأَملِ، لقدْ خرجَ الحاجُّ مِنْ ديارِهِ مُصَبِّرًا نفسهُ علَى الطَّاعَاتِ، حَابِسًا هواهُ عَنِ الشَّهَواتِ طِيلةَ أَيَّامِ مِنًى وعرفاتٍ؛ لأَنَّهُ يَستيقِنُ أَنَّها ساعَاتٌ معدوداتٌ ويأتِي الرَّحيلُ عمَّا قرِيبٍ.
فما أَجملَ أَن يستحضرَ الحاجُّ قصرَ أَيَّامِ عُمرِهِ، وأَنَّ المُكثَ فِي هذهِ الدَّارِ قلِيلٌ، والبَقَاءَ فيها يسيرٌ، وهذَا مبدأٌ ربَّىَ عليهِ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- صحابتهُ الكرامَ: "كن فِي الدُّنيَا كأنَكَ غريبٌ، أَو عابرُ سبيلٍ.
نسأَلُ اللهَ -تعالَى- أنْ يقبلَ منَّا ومنَ الحجَّاجِ، وأنْ يجعلنَا وإِيَّاهمْ ووالدينا والمسلمينَ من عتقائهِ مِنَ النَّارِ،، إِنَّهُ سميعٌ مجيبٌ.
أَقولُ قولِي هذَا، وأَستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
عباد الله: فإذا كان الدخول في الإسلام يجب ما قبله وينقل الإنسان من الموت إلى الحياة " فإن الحج كذلك يجب ما قبله، إنه يسدل الستار على كل السلبيات التي تَلَبّسَ بها المسلم من قبل.
نعم أيها المصلون - الحج مرحلةٌ فاصلة بين حياة وحياة، بين ماض وآت، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه) يرجع أبيض الصفحة نقي التاريخ يعود سالما من تبعات ماضية آمنا من غوائل معاصيه، كما أن من صام يومَ عرفه يفوز بغفران سنتين. ماضية وآتيه، إذن فتلك الأيام التي مرت، كانت بمثابة صفحة جديدة طوت ما قبلها بإذن الله، خرج منها المسلمون ممن وفق للحج أو لصيام يوم ركن الحج. وقد حطوا عن كواهلهم تبعات السنين وزلات الماضي، وأقبلوا وهم يقولون (تائبون آيبون لربنا حامدون).
ولا يشترط في التوبة معاشر الأحبة أن تكون بسبب ذنب ومعصية بل قد تكون انتقالا من عمل إلى عمل أحسن منه، ومن خلق إلى خلق أكرم منه، ومن فهم إلى فهم أفضل منه " ومن حياة طيبة إلى حياة أطيب ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222] إن الله يحبهم لأنهم متجددون إلى الأفضل وأحوالهم في تغير إلى الأحسن في كل عام يزيد قربهم من ربهم وتزيد عبادتهم و ويزداد فقههم ويتعاظم ورعهم.
يا من قصدت البيت الحرام، ليكن حجك أول فتوحك، وتباشيرَ فجرك، وإشراقَ صبحك، وبدايةَ مولدك، وعنوانَ صدق إرادتك، تقبل الله حجك وسعيك، وأعاد الله علينا وعليك هذه الأيام المباركة أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، والأمة الإسلامية في عزة وكرامة، ونصر وتمكين، ورفعة وسؤدد.
اللهم تقبل الله من الجميع صالح العمل وأعان وييسر الفوز بهذه الأيام المباركة.
اللهم ييسر للحجاج حجهم وأعنهم على أداء مناسك حجهم.
اللهم أجعل حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا.
اللهم سلم الحجاج المعتمرين في برك وجوك وبحرك واعدهم لأهليهم سالمين غانمين بمنك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجز قادة هذه البلاد خير الجزاء على ما يقدمونه للإسلام والمسلمين وعلى عُمار بيتك المقدس وعلى كل ما يبذل للحجاج والمعتمرين.
اللهم اجز كل من خدم حجاج بيتك وأعان على نجاح الحج يا رب العالمين
اللهم اكفنا بمنك وكرمك كل من يريد سوءا لهذه البلاد اللهم رد كيده في نحره وافضحه للعالمين يا عظيم يا ذا البأس الشديد.
اللهم تقبل منا صالح العمل واغفر لنا الذنب والزلل وتوفنا وأنت راض عنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
↧
September 18, 2016, 8:58 am
أحب أن يمدحني الناس
أ. شروق الجبوري
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شاب في كلية الطب في السنة الثالثة، يشكو مِن ضعف مستواه الدراسي نتيجة كثرة التخيُّل والانفِصال عن الواقع والبحث عمن يثني عليه ويمدحه، ويريد تغيير حياته للأفضل.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبٌ جامعي في السنة الثالثة مِن كلية الطب، مستواي الدراسي سيئ للغاية، حاولتُ إصلاح أخطائي، لكنني فشلتُ.
المشكلة أني كثيرُ الخيال والانفصال عن الواقع، وهذا هو السببُ الأساسي في دراسة الطب، والأسوأ أن أغلب خيالاتي تدور حول الحب ومدح الناس لي، وكأن الناس لا شُغل لهم إلا مدحي، والافتتان بذكائي وقوتي، وأنا في الواقع ضعيفٌ، ولعل سبب ذلك أني كنتُ سابقًا أُنادى بالذكي والمُبدع، وكنتُ أعمل مشاريع وأُبدع فيها، لكن للأسف كلُّ شيء ذَهَبَ سُدى، ولم يبقَ إلا مدحُ النفس وإضاعة الوقت!
أخبِروني كيف أُخلِص لله وأبدأ العمل، وأعود إلى الواقع، وأشعُر بالقدرة على الإنتاج
فالكسلُ يقتلني، ولا أريد أن يَضيع شبابي
الجواب
ابني الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يُسعدنا أن نُرحِّب بك في شبكة الألوكة، سائلين المولى القدير أن يُسددنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.
كما أودُّ أن أثمنَ أسلوبك في النقد والتقييم المتَّزن لأخطائك، وحسن المراجعة الفكرية التي تعتمدها في تحليل مشكلتك، وكذلك تأنيبك لذاتك على نحوٍ يبتعد عن جلد الذات وكُره النفس، وهي أمورٌ يمكنك الاستفادة منها جميعًا في إعادة رسم منهج حياتك على نحو سليم.
ولكوني أرى أنَّ بعضَ ما شكوت منه فيما يتعلق بالخيال، والرغبة في إطراء الآخرين لك وما نحو ذلك - مِن الأمور الطبيعية لا سيما في سنك، وفي مرحلتك الدراسية، فإن المهم هنا هو التركيز على أساس المشكلة، التي إن تمكَّنتَ مِن تجاوزها فسترى أن بعض الأمور التي تُزعجك حاليًّا لم يَعُدْ لها وجودٌ.
المشكلةُ الأهم حاليًّا بالنسبة إليك تكمُن في تراجُع مستواك الدراسي، لا سيما في عددٍ من المواد ذات التخصُّص، ولأنك ترى أنَّ الشُّرود الذهني الذي تقع فريسته طويلًا هو السبب، فإن أنسب الحلول هو الابتعاد عن الدراسة بمفردك، وأن تلجأ إلى أسلوب دراسة المجموعات، ولا بد لك في مثلِ هذه الحالة بمُرافَقة زملائك المتفوقين، وكذلك المتَّسمين بحِرصِهم الدراسي، فإنَّ ذلك سيُساعدك ليس على الابتعاد عن الشُّرود الذهني فحسب، بل على سرعة استرجاعك لما درستَه ضمن المجموعة وتذكُّرك للمعلومات، وفهمها على نحو أعمق، وكذلك زيادة قدرتك على تحليل المعلومة ثم الاستدلال عليها، أكثر من حفظك لها.
كما أنصحك بالتوجُّه إلى أساتذة المواد التي رسبتَ فيها، والتماس مساعدتهم بتقديم التوجيهات والنصائح لأفضل الطرُق لمذاكرة موادهم، فإن ذلك سيُريهم اهتمامك وحرصك على النجاح في مقرراتهم، وهو ما يُشجعهم على دعمك ومتابعتك.
ومن الناحية الأخرى فإنَّ لكل أستاذٍ رؤيةً وخبرةً تربوية يمكنك الاستفادة منها في طريقة وأسلوب المذاكرة لهذا المقرر أو ذاك، وكيفية مراجعته قبل الامتحان.
اعلم يا بُني أن رغبتك الصادقة في اجتياز مشكلتك، وسعيك الدؤوب في تطبيق هذه الإرشادات، وشغل فكرك بها فقط سينقُلك بإذن الله تعالى إلى مراحلَ متقدِّمةٍ مِن النجاح الأكاديمي، وهو ما سيُشعرك بالراحة النفسية والرِّضا الذاتي الذي تتوق إليه اليوم.
وأخيرًا، أختم بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يُصلحَ شأنك كله، ويفتح لك أبواب العلم والخير وينفع بك
↧
September 18, 2016, 9:01 am
هل يصنف طفلي من أطفال التوحد؟
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قبل كلِّ شيءٍ أشكرُ جهودَكم المبذولة في هذه الشبكة الرائعة، خاصة قسم الاستشارات، وفَّقكم اللهُ، وسدَّد خطاكم؛ لما تُقَدِّمونه مِنْ خير، وإعطاء الكثير من وقتكم لكلِّ مَنْ يطلب مساعدتكم ومشورتكم.
ابني يبلغ مِن العمر 3 سنوات ونصف، للأسف لا يتكلَّم إلى الآن سوى بِضْع كلمات؛ بعضُها ينطقُها بشكلٍ صحيحٍ، والبعض الآخر ليس مفهومًا، ولا يقول جملةً مُكوَّنة مِنْ كلمتَيْنِ إلَّا إذا طلبنا منه ذلك، أو في حالة رغبتِه الشديدة في الحصول على شيء ما؛ مثل: "أريد ماءً"... وهكذا، أحيانًا يقولها صحيحةً، وأحيانًا لا يقولها بشكلٍ صحيحٍ! وعند سَماعِه لبعض الكلمات أشْعُر أنَّ لديه ارْتِخاءً في عضلات لسانِه، لا أعلم هل سبب تلك المشكلة يكمُن فقط في عدم مقدرتِه على الكلام، أو في الفَهْم أيضًا؟!
وهذه بعضُ تصرُّفاته:
- إذا أردنا الذَّهابَ لمكانٍ ما، فإننا نقول له: إننا ذاهبون، فيقوم بارتداء ملابسه، ويفرح كثيرًا! لكن لا نستطيع أن نُفهِمَه إلى أين سنذهب، حتى لو كان هذا المكان نقصده أكثر مِنْ مرَّةٍ أُسبوعيًّا، إلا أنه عندما يرى صورةً له يَعرِفه، وعندما نتكلَّم أنا وأبوه لا يفهمنا أغلب الوقت.
- يستطيع أن يقضيَ حاجتَه بنفسه؛ حتى إنه يُغْلِق باب الحَمَّام عليه، ولا يُحب أنْ يراه أحدٌ، لكن المشكلة أننا عندما نكون خارج المنزل، فلا بد أن يلبسَ (الحفاظ)، وقد جرَّبتُ ألَّا ألبسه (الحفاظ) عند الخروج، لكن مع الأسف يَتَبَوَّل على نفسِه، بالرغم مِن أني أدلُّه على الحمام، لكنه لا يستطيع السيطرةَ على نفسه.
- يعرف اسم أخيه الصغير، ويتكلَّم معه أحيانًا بكلماتٍ بسيطة؛ مثلًا: "أعطني، خُذْ، اجلس... وهكذا"، إذا قلنا له: أَعْطِه قُبْلة، يُقَبِّله ويَمسَح على رأسه، يحبُّ الاحتضانَ والتقبيلَ، ومُتَعَلِّق بأبيه أكثر مني، عندما يُشَاهِدُني أُصَلِّي يأتي مُسْرِعًا ليقفَ أمامي، ويعمل كما أعمل؛ أي: يقلدني، ويحاول أن يُصَلِّيَ مثلي.
- إذا شاهد التلفاز وناداه أحدنا؛ فلا يستجيب، وأحيانًا يستجيب، إلا إذا كان مشغولًا بلعبةٍ خاصَّةٍ به.
- الآن أصبح يذهب إلى (الروضة)، لكن للأسف قالوا لنا: إنهم لا يستطيعون أخْذَه أكثر مِنْ ساعةٍ؛ لأنه لا يستطيع الاعتمادَ على نفسِه في كلِّ شيء، ولا يتكلم، ويجب أن يكونَ تحت المراقَبة.
- أصبحتُ أُعطِيه دروسًا مكثَّفة يوميًّا ووالده أيضًا؛ فأصبح يُمَيِّز الألوانَ، لكن ليس دائمًا، فصعبٌ عليَّ أن أجعلَه يجلس ليُرَكِّز.
أحيانًا يغضب، ولا يريد أنْ يتعلَّم، يعرف كيف يُطابق الصور وكثيرًا من ألعاب الذكاء، لكن البعض منها لا يُتقِنُها، كما أصبح يُمسِك الملعقة، ويأكل مثلنا تقريبًا.
- عندما يمشي يُحَرِّك ذراعيه، وأحيانًا يُرَفْرِف عندما يحزن، أو يفرح، خصوصًا لو رأى (الباص)؛ فهو يحبُّه كثيرًا، ويحب أن يَقْتَنِي ألعابًا على شكل باص وسيارات أيضًا، لكن لا يلعب بها طيلة الوقت؛ فهو يُحب التغيير، لكنه متعلق بالباص والسيارات أكثر مِن باقي الألعاب.
- تواصله البصري جيِّد نوعًا ما.
- أحيانًا لا ينظر للغرباء، وأحيانًا ينظر ويبتسم ويفرح، وجهُه بَشُوش؛ هذا ما قالوه لنا، لكنه يحب أن يلعبَ وحدَه!
- أشعر بأنَّ مشيتَه غير مُتَّزِنة؛ فكثيرًا ما يقع، وليستْ كمشيةِ أقرانه.
- قُمنا بعمل فحص سمع ونظَر، وكان كلُّ شيءٍ سليمًا، كنت أظنُّ أنَّ لديه فرطَ حركةٍ، لكن عند ذهابنا إلى أحد الأماكن الترفيهية، وجدتُ حركتَه أقل بكثير عنْ أقرانِه، حتى إنَّ استيعابَه وفَهْمه أقل منهم، مع أنه يُحب أن يلعبَ، لكن حركته أبطأ منهم بصورةٍ عامةٍ، أشعر بأنَّ استيعابَه بطيء، يفهم كثيرًا مِنَ الأشياء، وأشياء أخرى بسيطة لا يسْتَوْعِبُها.
أرجو أن تفيدوني، هل ابني مصابٌ بالتوحُّد؟ أو بالتخلُّف العقلي؟! وكم نسبته؟
ملاحظة:
أعطيتُه فيتامين سنستول صباحًا ومساءً أوميغا 3؛ فقد علمتُ أنه مُنَشِّط للذاكرة، وبدأتُ بعمل حمية غذائيَّة له خالية مِنَ الجلوتين والحليب ومشتقاته؛ لأني سمعتُ الكثير عن فوائده.
كذلك لديه حساسية في قَدَمِه مِنْ جهةٍ واحدةٍ، ويحكُّها كثيرًا؛ حتى إن الدم يخرج مِن كثرة حكِّه، فقرَّرتُ عمل هذه الحمية له - ولو مؤقتًا.
فما رأيُكم في حالةِ ابني؟ وما الذي يُعَانِيه؟
أنا في حيرة وألم وقلقٍ وخوف، أخشى أن يبقى على ما هو عليه حتى الكبر، علمًا بأننا سوف نُلحِقه بروضة لذوي الاحتياجات الخاصة!
الجواب
بسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيتها الأم العزيزة، يصعب تشخيصُ حالة ابنكِ العزيز إلكترونيًّا، إلَّا أنَّ جملة الأعراض التي ذكرتِها تعرض كثيرًا لأطفال التوحُّد؛ ومِن ذلك مثلًا:
1- المشكلات اللغوية؛ كتأخُّر النطق؛ (يبلغ الآن مِنَ العمر 3 سنوات ونصف، وللأسف لا يتكلَّم إلى الآن سِوى بضع كلمات)، واستعمال كلمات أو جُمَل غير مفهومة؛ (بعضُها ينطقها بشكلٍ صحيحٍ، والبعض الآخر ليس مفهومًا)، والخطأ في بناء الجُمَل؛ (في حالة رغبتِه الشديدة في الحصول على شيء ما؛ مثل: "أريد ماءً"... وهكذا، أحيانًا يقولها صحيحةً، وأحيانًا لا يقولها بشكلٍ صحيحٍ!)، والاضطراب في إخراج الصوت واللغة؛ (أشْعُر أنَّ لديه ارْتِخاءً في عضلات لسانِه).
2- مُشكلات في الفَهْم والإدراك؛ (استيعابه وفَهْمه أقلُّ مِنْ أقرانه)، (عندما نتكلم أنا وأبوه لا يفهمنا أغلب الوقت).
3- اضطرابات السلوك الاجتماعي؛ كإيثاره البقاء وحيدًا، (يُحِبُّ أن يلعبَ وحْدَه)، ولا يطيل التركيز على أيِّ شيء بما في ذلك النظر إلى الآخرين، (أحيانًا لا ينظر للغُرباء، وأحيانًا ينظر ويبتسم ويفرح).
4- الحركات الجسمية المتكرِّرة؛ كالرفرفة؛ (عندما يمشي يحرِّك ذراعَيْه، وأحيانًا يُرَفْرِف عندما يحزن، أو عندما يفرح)، واهتزاز الجسم، (مشيته غير مُتَّزِنة؛ فكثيرًا ما يقَع).
5- لا يستجيب لطرائق التدريس التقليدية؛ (الآن أصبح يذهب إلى (الروضة)، لكن للأسف قالوا لنا: إنهم لا يستطيعون أخْذَه أكثر مِنْ ساعةٍ؛ لأنه لا يستطيع الاعتمادَ على نفسِه في كلِّ شيء، ولا يتكلَّم، ويجب أن يكونَ تحت المراقَبة).
6- إذا نُودِيَ باسمِه كان كالأصم الذي لا يسمع؛ (إذا شاهد التلفاز وناداه أحدنا؛ فلا يستجيب، وأحيانًا يستجيب؛ إلَّا إذا كان مشغولًا بلعبةٍ خاصَّةٍ به).
7- النشاط البَدَني المُفرِط أو الخمول البدني؛ (كنت أظنُّ أنَّ لديه فرطَ حركةٍ، لكن عند ذهابنا إلى أحد الأماكن الترفيهية، وجدتُ حركتَه أقل بكثيرٍ عنْ أقرانِه).
8- ضعف مستوى اللعب؛ (يحب أن يَقْتَنِي ألعابًا على شكل باص وسيارات أيضًا، لكن لا يلعب بها طيلة الوقت؛ فهو يُحب التغيير).
9- التحسُّس الغذائي: (كذلك لديه حساسية في قَدَمِه مِنْ جهةٍ واحدةٍ، ويحكُّها كثيرًا؛ حتى إن الدم يخرج مِن كثرة حكِّه).
فإن شُخِّصَتْ حالةُ ابنكِ بالتوحُّد، فاعلمي - علَّمكِ الله الخير - أنَّ طفلَ التوحُّد ليس متخلِّفًا، بل مختلِفٌ، والتوحُّد ليس مرضًا يُشفَى منه، ولكنه اضطرابٌ نمائي، ناتج عن خللٍ عصبيٍّ وظيفي في الدماغ، يمكن التقليل مِن حِدَّته باتباع طرائق تعديل السلوك، والتدخُّل العلاجي المبكِّر.
طرائقُ تعديل السلوك التي اتبعتِها رائعةٌ ومُوَفَّقة؛ فالتعليمُ بالصورِ أفضل مِنْ طريقة التعليم باللغة؛ ولذلك يفهم ابنكِ العزيزُ مفهومَ المكان مِن خلال مُشاهَدَة صور المكان، وليس مِن طريق الشرح اللغوي وتسمية الأماكن بأسمائها.
والحميَّة الغذائيةُ الخالية من الكازيين - وهو البروتين الأساسي في الحليب ومُشتقاته - ومن الجلوتين - وهو البروتين الموجود في الحنطة ومشتقاتها - مما يُوصَى به لأطفال التوحُّد.
العلاج بالفيتامينات - خصوصًا فيتامين B، والماغنسيوم - نافعٌ لأطفال التوحُّد؛ لتعويضِ نقص الفيتامينات لديهم، بسبب اتباعهم الحميَّة الغذائيَّة، أمَّا استعمال فيتامينات سنستول Sanostol تحديدًا، فلا أعلم حقيقةً مدى مُلاءَمتِها لطفل التوحُّد، وعليكِ استشارة طبيبِه؛ للتأكُّد مِنْ خُلُوِّ هذه الفيتامينات مِنَ الجلوتين (إن أكَّد التشخيص إصابته بالتوحُّد).
أوميغا -3 جيِّد لنموِّ المخِّ في وقت مبكِّرٍ، وهو نافعٌ لتحسين السلوك ومستوى الانتباه، أمَّا عدم قدرته على استعمال المرحاض في غيابكِ، فالطفلُ التوحُّدي يتأخَّر سنةً أو سنتين عنِ الطفلِ العادي في استعمال المرحاض لقضاء حاجتِه، وهنا أدعوكِ لقراءة هذا المقال القيِّم للدكتور عبدالله الصبي، عن كيفية تدريب طفلِ التوحُّد على استعمال الحمام:
http://www.gulfkids.com/ar/index.php?action=show_res&r_id=4&topic_id=21
أدعوكِ أخيرًا إلى مُتابَعة الحسابات التالية على موقع (تويتر)؛ فستعمل على تثقيفكِ حول موضوع التوحد بشكلٍ علميٍّ وعمليٍّ:
• المركز الجامعي للتوحد ARTCenterKKUH@.
• نوافذ على التوحد KSAAutismAware@.
• مطالب أطفال التوحد M6lbAltw7d@.
• أصدقاء التوحُّد FAutism@.
واللهَ أسألُ أن يُثِيبكِ وزوجكِ، ويعينكما على التربيةِ، ويوفِّقكما لحسن التعامُل مع ابنكما الغالي، كما أسأله - تعالى - أن يلبسَ ابنَكِ ثوبَ السلامة الكافية، مبطنًا بالعافية، ويحفظه بعينِه التي لا تنام، اللهم آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
↧
September 18, 2016, 9:03 am
هل أخبر أهلي بفشلي في الدراسة؟
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ جامعيةٌ، درستُ تخصُّص الصيدلة، لكن المشكلة أني لم أنجحْ في الفصل الأول، ولما سألني أهلي أخبرتُهم أن معدَّلي كان سيئًا جدًّا ومنخفضًا، ثم قرَّرتُ الإصرار على النجاح في الفصل الثاني، لكن - للأسف الشديد - وصلتُ لفشلٍ أكبر! فلم أُخبِرهم بذلك حتى لا أحمِّلهم همي، ولا أسقط مِن أعينهم.
بدأتِ الإنذاراتُ مِنَ الجامعة حتى فُصِلتُ مِن تخصُّصي، فقررتُ أن أغيِّر تخصصي، وأرفع معدلي، وقد كان - والحمد لله، لكن قوانين الجامعة تمنع أن أرجعَ إلى تخصصي الأول، فقررتُ أن أغيِّر الجامعة، وأخبرتُ أبي فوافَق.
هم يظنون الآن أني في السَّنَة الأخيرة، مع أنه بقي لي سنتان في الواقع، فلا أدري ماذا أفعل؟!
دلوني - بارك الله فيكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الحبيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكِ في شبكة الألوكة، وأسأل الله أن يفرِّج همكِ.
حبيبتي، ما يُبنى على خطأ لا بد أن ينهارَ مستقبلًا، لقد كان عليكِ أن تخبري أهلكِ وتصارحيهم، فربما استطاعوا مساعدتَكِ في تجاوُز محنتكِ الدراسيَّة، وليس صحيحًا أنك ستسقطين مِن أعينهم إن أخبرتِهم؛ فأنتِ ضعيفةٌ في هذا التخصُّص، والناس قدراتٌ، لكن لا بد وأنك ستنجحين في مجال آخر، وربما نجحتِ وقدَّمتِ أفضل ما عندك في تخصُّص أدبيٍّ مثلًا، وليس علميًّا كالصيدلة، وقد ذكرتِ أن مُعَدَّلَكِ ارتفع في التخصص الآخر، لكن الجامعة لم تقبلْ عودتَكِ إلى تخصصكِ القديم، وهذا يعني أنكِ تستطيعين الإنجاز في تخصص آخر، ولستِ فاشلة كما تذكرين!
عليكِ الآن - حبيبتي - إخبار أهلِكِ، فلا مفرَّ من إخبارهم؛ لأنك لن تستطيعي الاستمرار في الكذب عليهم، وادعاء التخرُّج مِن الجامعة، فإما أن يساعدوك في متابعة الدراسة في التخصص الآخر الذي حوَّلتِ إليه، أو أن تتركي الدراسة وأمرك إلى الله، وفَّقكِ الله.
↧
↧
September 18, 2016, 9:05 am
التردد في اتخاذ القرار أرهقني
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تردُّدي الكبير في اقتناء الملابس أرهقني؛ فلا يكاد يُعجِبني شيءٌ، مما أزعج الكثيرين مِن أهلي، وفي نهاية الأمر إذا اشتريتُ لا أشتري إلَّا شيئًا بسيطًا جدًّا، لا يُعجِب أكثر مَن حولي! فكيف أتخطَّى هذه المشكلةَ بأساليبَ عمليةٍ؟!
وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نرحِّب أولًا بانضمامكِ إلى شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يسدِّدنا في تقديم ما ينفعكِ وينفع جميع المستشِيرين.
إن الخطوة الأولى والأساسية للتخلُّص مِن أية مشكلة تَكمُن في التعرُّف على أسبابها، وإن مِن بين أسباب التردُّد في اتخاذ القرار: عدمَ التدرُّب على هذه السمة منذ الطفولة بشكل جيِّد، كما أن المبالَغة في الاهتمام برأي الآخرين، والتوجُّس مِن انتقاداتهم يمثِّل سببًا آخر، فيتَّخِذ الإنسان من التردُّد - وعدم الحزْم في اتخاذ قراراته - وسيلةً لتجنُّب سماع انتقاداتٍ يتوقَّعها.
ولذلك، فإنَّ انتفاء هذه الأسباب يمثِّل علاج مشكلتكِ، فضعفُ وقلةُ التدريب على اتخاذ القرارات يتمُّ تجاوُزه بزيادةِ تدريبكِ أنتِ لنفسكِ على ذلك، ولكي يتحقَّق ذلك فلا بد أن تقومي باتخاذِ قراراتٍ سريعةٍ في أمورٍ يسيرةٍ لا تكون لها عواقبُ سلبية، فإن خلص قراركِ إلى نتيجة مُرْضِية لكِ، فسارعي إلى مكافأةِ نفسكِ بما تحبِّينه، مما هو مشروع لتعزيز سلوككِ إيجابيًّا.
أما إن لم تُعجِبْكِ النتيجةُ، فإيَّاكِ أن توبِّخي ذاتكِ، بل اعمَدي إلى دراسةِ أسباب ذلك؛ لتعزمي بعد توصلكِ إليها على تصحيحِها وتجاوزِها في المرَّات القادمة، فإن نجحتِ فيها لاحقًا، فكَافِئي نفسَكِ، أو أَعِيدي العزم على تصحيحها، وهكذا، دون ملل أو يأس مهما تكرَّرت الإخفاقاتُ؛ فإن اتباعَكِ لذلك سيساعدُ على كسرِ حاجز الخوف والتردُّد في نفسكِ، ويهيِّئُكِ لاتخاذ القرارات الأكثر تعقيدًا في حياتكِ - بإذن الله تعالى.
من ناحيةٍ أخرى، عليكِ باتخاذ العزم على تغيير أفكارِكِ فيما يتعلَّق بآراء المُحِيطين، والحد من المبالَغة في ذلك، واستبدلي بذلك أفكارًا مفادُها أن كلَّ مَن حولكِ من البشرِ معرَّض أيضًا للخطأ، وأن عَلاقتَكِ بآرائهم لا يجبُ أن تكون عَلاقة سلبية يسودُها الخوف والقلقُ، بل عَلاقة إيجابية تأملين منها الفائدة والاستنارة بآراء الثقات منهم، والإعراض عن رأي مَن هم ليسوا بأهله.
ولكي تترسَّخ لديكِ هذه المفاهيم، أنصحكِ بمُجالسة نفسكِ للتفكير والتأمل فيها، ثم تخيَّلي نفسكِ وأنتِ تتصرفين مع الناس، وتتخذين قراراتكِ بِناءً على تلك المفاهيم، وكرِّري تلك الجلساتِ حتى تترسَّخ لديكِ تلك المفاهيمُ.
وأخيرًا، أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يُصلِح شأنكِ كلَّه، وينفع بكِ، وسنسعد بسماع أخباركِ الطيبة
↧
September 18, 2016, 9:08 am
بالنتائج والأرقام ....حج مميز هذا العام
تقرير إخباري - محمد الشاعر
لا يمكن لمتابع منصف أن ينكر نجاح موسم حج هذا العام 1437 هجرية وتميزه , كما لا يُتصور من مسلم غيور على دينه حريص على سلامة الحجاج وعودتهم بسلام وأمان إلى ديارهم سالمين مأجورين ذلك الإنكار , فضلا عن أن يجحده حاج لمس بنفسه الجهود المبذلة لسلامته وسلامة إخوانه من الحجاج , وشاهد بأم عينه الترتيبات و التسهيلات التي جعلت حج هذا العام ميسرا وناجحا بكل المقاييس .
نعم ....لقد كان حج هذا العام مميزا بالفعل , ولا يمكن أن ينكره إلا جاحد أو حاقد , وإذا كانت تضافر جهود الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية الإدارية منها والتنظيمية والأمنية والصحية والخدمية ....لها دور مهم - بلا شك - في هذا النجاح والتميز , فإن العامل الأهم برأي الكثيرين في هذا التوفيق الإلهي هو الإخلاص الذي استشعره الكثير من الحجاج من قبل القائمين على خدمتهم وتسهيل حجهم .
وكي لا يكون الكلام على عواهله كما يقال , وحتى لا نُتهم بالمبالغة أو المجاملة أو الانحياز , لا بد من الاستعانة بلغة الأرقام والإحصائيات , والاستدلال بنتائج موسم حج هذا العام , ناهيك عن الأخذ بعين الاعتبار شهادة رؤساء أفواج الحجيج من مختلف دول العالم , وشهادة الكثير من عامة حجاج بيت الله الحرام وعموم المسلمين على نجاح حج هذا العام وتميزه .
لم يكن المؤتمر الصحفي الذي أعلنت فيه السلطات السعودية رسميا انتهاء موسم حج عام 1437 هجرية بنجاح كبير ومنقطع النظير .... هو المؤشر الوحيد على تميز حج هذا العام , بل لعل واقع السهولة والتيسير الذي رافق مسيرة أداء حجاج ضيوف الرحمين لجميع المناسك هو الدليل الأقوى والبرهان الساطع على ذلك النجاح والتميز .
ولعل خلو حج هذا العام من الحوادث الصغيرة أو الكبيرة , وعدم تسجيل حالات فوضى أو اضطرابات أثناء اداء الحجاج لمناسكهم كما كان يحدث في بعض الأعوام المنصرمة....كان هو العنوان الأبرز لهذا الموسم .
وإذا انتقلنا إلى لغة الأرقام والإحصائيات , فإن جهود المملكة في ضبط أعداد الحجاج في هذا العام , من خلال التشديد على مسألة حصول حجاج الداخل على تصريح الحج الرسمي قد آتت أكلها , فقد أعلنت الهيئة العامة للإحصاء نتائج إحصاءات الحج لهذا العام ، حيث بلغ إجمالي عدد الحجاج (1.862.909) حاجا ، وهو ما انعكس بدوره بشكل إيجابي على حسن الاستعداد من قبل السلطات السعودية لخدمة الأعداد الحقيقية للحجاج , وعدم التفاجأ بأعداد لم تكن بالحسبان ..... بينما كان العدد أكبر في مواسم حج الأعوام الماضية , والتي وصلت في بعض الأعوام 1433 إلى 3161573 حاج .
من جهة أخرى كان لتوسعة الحرم المكي مؤخرا , بالإضافة للتجهيزات الأخرى في جميع مناسك الحج , وخصوصا في أماكن رمي الجمرات , مع تكثيف أعداد رجال الأمن لتيسيير حركة مرور الحجاج وتنظيمها , وخصوصا في ساعة النفرة من عرفات وأوقات رمي الجمرات ..... دور كبير في نجاح موسم حج هذا العام وتميزه .
ويكفي في هذا المقام ذكر ما قاله قائد قوات أمن الحج اللواء سعد بن عبدالله الخليوي في هذا الإطار , حيث أكد أن حركة المشاة والمرور في هذا الموسم تميزت بتحقيق أرقام جيدة في جميع المحاور ، سواء في عمليات التصعيد لعرفات أوالنفرة لمزدلفة أوالعودة لمشعر منى .
وقال الخليوي : النفرة أعطت أرقامًا مميزة ، ففي بعض الخطوط وصل الحجاج إلى مزدلفة تقريبا عند الساعة 10.45 دقيقة مساءً ، وجموع أخرى وصلت الساعة 11.15 دقيقة مساءً ، والبعض وصل الساعة 12.10 ليلاً معلنة اكتمالها .
وعن حركة قطار المشاعر لهذا العام قال اللواء الخليوي : " حركة القطار شهدت كثافة كبيرة , ولكن حسن التنظيم وتولي رجال الأمن عمليات الإشراف أسهم في تحقيق المرونة والالتزام بالأوقات المحددة .
وقد ذكرت الهيئة العامة للإحصاء بالمملكة على موقعها على "تويتر" بعض الأرقام لحركة قطار المشاعر , مشيرة أن القطار نفذ أكثر من 108 مليون حالة إركاب لحاج /حاجة , خلال 105 ساعات عمل , وعبر 15 مقصورة , كما قام القطار بتنفيذ 1757 رحلة بطاقة استيعابية 110% وبمعدل 1056 حاج لكل رحلة , وقد بلغ معدل نقل الحجاج بالقطار في اليوم الواحد 309000 حاج وحاجة , كما قام قطار المشاعر بتنفيذ 293 رحلة بشكل يومي في 6 أيام , وكان متوسط عدد الحجاج الذين تم تصعيدهم إلى عرفة بواسطة القطار 20731 حاج لكل ساعة , وقد استخدم القطار 1 من كل 6 حجاج للتصعيد إلى عرفة .
وإذا تحدثنا عن الجانب الصحي في هذا الموسم فإن الأرقام تغني عن المقال , فقد ذكرت وزارة الصحة السعودية أن مرافقها استقبلت أكثر من 400 ألف مراجع ، وأجرت نحو 306 عمليات قسطرة قلبية , بالإضافة إل 27 عملية قلب مفتوح , 1730 عملية غسل كلوي , ومعالجة 329 حالة إجهاد حراري و 86 حالة ضربات شمس ..... وغيرها من الخدمات.
ويمكن الإشارة هنا إلى تهنئة منظمة الصحة العالمية المملكة السعودية بنجاحها في تنظيم موسم حج هذا العام وخلوه من الأمراض الوبائية أو أي مشكلات تهدد الصحة العمومية بين الحجاج خلال تأدية مناسكهم , وفي هذا الإطار قال نائب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط الدكتور جواد المحجور في بيان خلال مؤتمر الصحفي عقده بمستشفى منى للطوارئ : إن المنظمة تعرب عن تقديرها العميق لكل العاملين الصحيين والمتطوعين الذين تمت تعبئتهم لخدمة الحجيج، على ما أبدوه من تفان وجهود خارقة لتقديم خدمات الرعاية الصحية للحجاج.
من جهة أخرى يمكن الاستدلال بشهادة رؤساء مكاتب شؤون الحجاج ومسؤولين عرب على تميز موسم حج هذا العام , حيث أكد هؤلاء أن موسم حج هذا العام يعد الأفضل والأمثل، منوهين على أن التخطيط والتنفيذ من قبل كل الجهات العاملة في الحج كان له أكبر الأثر في انسيابية حركة المشاة والعربات طوال أيام الحج بدون أي صعوبات أو مشاكل تذكر، ومشيرين إلى أن تلافي سلبيات المواسم الماضية وتنمية الإيجابيات أسهم في هذا النجاح الباهر .
وأخيرا يمكن الأخذ بعين الاعتبار شهادة عموم المسلمين وإشادتهم بنجاح موسم حج هذا العام مقارنة بالمواسم السابقة , حيث اشتعل موقع "تويتر" بعدة وسوم تصدرت قوائم الترند بدول عربية عدة كان أبرزها : # نجاح_حج1437 و# شكرا_أبطال_الحج و #كلمه_شكر_لمن_ساهم_بنجاح_الحج ....الخ .
ولا شك أن حشود المغردين على هذه الأوسمة والهاشتاغات لم تأت من فراغ , وإنما كانت ردة فعل طبيعية للنتائج التي لمسها حجاج بيت الله الحرام هذا العام , وصدى معبرا عن الشكر الجزيل للجهود التي بذلتها جميع الجهات المسؤولة في المملكة من رجال أمن وكشافة ومتطوعين وأطباء وفنيين .... لضيوف الرحمن في هذا الموسم .
والحقيقة أن مئات الصور العفوية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي , والتي نقلت غيضا من فيض الجهود التي بذلها القائمون على خدمة ضيوف الرحمن هذا العام , والتي استشف منها الكثير من المغردين التفاني والإخلاص ..... كانت كافية للتأكيد على نجاح وتميز موسم حج هذا العام .
وعسى أن يكون هذا موسم نموذجا يحتذى به لمواسم حج الأعوام القادمة .. ودافعا للعمل لمزيد من التنظيم والتخطيط لمواكبة تزايد أعداد الراغبين بالحج مستقبلا .. والله المستعان
↧
September 18, 2016, 9:24 am
آلام أسفل الظهر والأوهام المتعلقة بها
الدكتور ايمن السواس
هناك أكثر من 70٪ من المرضى المراجعين للعيادات العظمية يشكون من ألم أسفل الظهر، وأوهام كثيرة تجول في مخيلتهم حول اصابتهم بالديسك، وما قد يؤدي إليه من شلل، حسب ما يظنون وما يسمعون.
والخطأ الشائع أن أكثر الناس يعتقد أن ألم أسفل الظهر يعني الديسك بالتحديد، على الرغم من تنوع أسباب هذه الشكوى. وسنحاول هنا، باختصار ايضاح هذه الشكوى وأسبابها وطرق المعالجة.
غالباً ما يراجع المرضى الأطباء بسبب الألم الموضع في الناحية القطنية العجزية، الذي يزداد بالجهد، وقد يقعدهم عن العمل. وهذا الألم قد ينتشر الى الطرفين السفليين أحياناً، بشكل ألم في أحد الطرفين، أو كليهما، أو بشكل وخز أو حرق أو خدر ونمل. كما أنه قد يترافق بيبوسة صباحية في الناحية القطنية.
أسباب الشكوى
ولهذه الشكوى الشائعة أسباب كثيرة نذكر بعضها فيما يلي:
الآلام العضلية البسيطة:
حيث يشكو المريض من عدم ارتياح في الناحية القطنية، أو بشكل تشنج عضلي .. وهذا الألم يزداد بالجهد والوضعيات المعيبة للعمود الفقري، خصوصاً أثناء العمل. كما انه قد يترافق بآلام عضلية أخرى في الأطراف مثلاً، كما قد يشاهد في بعض الأمراض الحموية المنهكة، كالكريب مثلاً (الأنفلونزا). وعادة يوصى المريض بالراحة لبعض الوقت، وببعض المسكنات الخفيفة. وقد يوصى ببعض التمارين الرياضية الخفيفة، التي لا تجهد العضلات القطنية. وقد يحتاج الأمر احياناً لبعض المرخيات والمهدئات.
الرضوض:
وتختلف درجاتها على الناحية القطنية، حيث تتراوح بين الرضوض البسيطة، التي تزول آلامها بالراحة لبعض الأيام، مع بعض المسكنات الخفيفة، والرضوض الشديدة التي قد ترافق بكسور في احدى، او عدة فقرات، وقد تؤثر في بعض الأعصاب الشوكية. وهنا العلاج يختلف باختلاف الحالة، من العلاج المحافظ الى الجراحة.
فتق النواة اللبية:
أو الديسك، كما هو شائع، وهو خروج المادة الموجودة في القرص بين الفقرات إثر رض أو حركة مفاجئة. وخروج هذه المادة الليفية قد يشكل ضغطاً على النخاع الشوكي، أو على الأعصاب الشوكية عند مخارجها. وهذا المرض درجات، وتختلف المعالجة باختلاف الدرجة، التي يراجع بشأنها المريض، وتتراوح عادة بين العلاج المحافظ وبين الجراحة. وعادة يراجع المريض وهو يشكو من ألم حاد مكان الآفة، ويشبهه بطعن السكين، ويترافق بتشنج عضلي واضح. ويحدث ذلك عقب حمل ثقيل، أو حركة مفاجئة غير متوازنة، أو عقب الجهد والأعمال المهنية، على المدى الطويل، كالسياقة والأعمال المكتبية، ويحدث بنسبة أكبر لدى الشباب عادة. وهذا الألم، الذي يستمر لفترة، قد يزول بالمعالجة والراحة، وقد يعاود المريض بشكل نوبة بين الفترة والأخرى، وقد يترافق الألم بانتشار جذري لأحد أو كلا الطرفين السفليين، مما يوجه نحو انضغاط جذري مكان الآفة. والانتشار غالباً يشكل ألماً أو مغصاً عضلياً، أو خدراً أو نملاً قد يتطور نحو الضعف العضلي شيئاً فشيئاً، والشلل في المراحل المتطورة جداً. وهنا لا بد للمريض من مراجعة الطبيب لوضع التشخيص والعلاج، ولا بد من تصحيح الخطأ الشائع لدى الناس بأن كل ألم في أسفل الظهر هو ديسك، وبالتالي ضرورة الاجراء الجراحي. فمعظم الحالات تشفى بالعلاج المحافظ ولا بد من تجريبه في كل الحالات.
انزلاق الفقرات:
وهو انزلاق قسم من العمود الفقري باتجاه يخالف القسم المتبقي، كالانزلاق الذي يحدث بين الفقرتين: القطنية الخامسة والعجزية الاولى، والذي يشاهد في أكثر الحالات، وذلك بسبب التركيب التشريحي للناحية المصابة، حيث يهيء لذلك. كما أن ثقل وزن الجسم عامل مهم، وكذلك مصفف الأربطة عامل مهيء ايضاً، والعلاج يتراوح عادة ما بين الراحة والزنار الطبي المدعم، مع تخفيف الوزن، الى الجراحة بايثاق فقرات الناحية المصابة.
التشوهات:
كالجنف الذي هو عبارة عن تشوه يأخذ شكل تقعر جانبي في العمود الفقري، وهو أنواع ايضاً، فقد يكون خلقياً أو شللياً، وعادة يتراوح العلاج بين المشدات الطبية الخاصة وبين الجراحة.
ترقق العظام:
ويعني نقص تركيز الكلس في اللحمة العظمية، الذي يحدث عقب الأمراض المدققة التي تؤدي للاضطجاع لفترات طويلة، وهو يحدث ايضاً بعد سن اليأس لدى النساء، وبنسبة أقل لدى الذكور بعد سن الستين تقريبا. ونقص تركيز الكلس في الفقرات يؤدي الى ضعف بنيتها، ما يؤدي الى كسور انهدامية صغيرة تسبب الآلام المستمرة. وبالتدريج يحدث انحناء العمود الظهري مشكلاً الحدبة الشيخية. ويعتمد العلاج عادة على اعطاء جرعات من الكلس مع بعض الأدوية الأخرى لزيادة تكلس العظام، بالاضافة الى العلاج الفيزيائي.
أمراض أخرى:
يعتمد التشخيص عادة على قصة المريض وأعراض وتطور المرض عنده. كما يدعم ذلك الوسائل الأخرى، كالتصوير الطبقي المحوري والرنين المغنطيسي، اللذين يؤكدان تشخيص الديسك، بالاضافة الى الفحوص الدموية الأخرى، التي تفيد جداً في تفريق بعض الاصابات عن البعض. وعند وضع التشخيص يجب أن يعالج المريض بالعلاج المحافظ والعلاج الجراحي بالتدريج، وينبغي التزام المريض تماماً بالتوصيات التي يوصى بها.
↧
September 18, 2016, 9:28 am
التعامل مع هبوط السكر
د. حنين أحمد البخيت
يحتاج جسم الإنسان إلى الطاقة لكي يؤدي وظائفه , حيث يعتبر الغلوكوز المصدر الرئيسي للجسم وخصوصا الدماغ , فإذا انخفض مستوى الغلوكوز في الدم عن الحد الطبيعي فقد يؤدي ذلك لحدوث مشاكل.
يعرف هبوط السكر بأنه انخفاض مستوى الغلوكوز في الدم إلى ما دون 60 ملغ / ديسليتر. وأكثر من يواجه هذه المشكلة مرضى السكري وخصوصا الذين يتلقون الأنسولين. حيث يعتبر هبوط السكر حالة طبية قد تكون خطيرة إذا لم تعالج بسرعة , فقد يؤدي هبوط السكر إلى سقوط المريض على الأرض , وربما الدخول في غيبوبة.
أعراض هبوط السكر:تختلف الأعراض من شخص لآخر, وتعتمد على مستوى السكر في الدم, ومن الأعراض الشائعة:
- الشعور بالجوع.
- الشعور بالدوخة .
- حدوث تشويش في الرؤية.
- رجفان الأطراف.
- خفقان القلب.
- الشعور بالقلق و التوتر مع عدم التركيز.
- التعرق.
- إذا كان انخفاض السكر شديد قد يؤدي ذلك إلى فقدان الوعي .
و يجدر الإشارة هنا, أن هناك أدوية يمكن أن تمنع ظهور معظم هذه الأعراض بالرغم من انخفاض مستوى السكر في الدم ما عدا التعرق , و هذه الأدوية هي مانعات مستقبلات بيتا مثل الأتنولول Atenolol , ميتوبرولول Metoprolol, بروبرانالول Propranolol, بيتاكسلول Betaxolol وغيرها, وهذه الأدوية تستعمل لتخفض ضغط الدم , و علاج مشاكل القلب .
ولسوء الحظ فالكثير من مرضى السكري قد تكون هذه الأدوية من ضمن أدويتهم, فعلى المريض الذي يتناول هذه الأدوية دائما التذكر أن التعرق بشكل مفاجئ قد يكون نذيرا لهبوط السكر.
للمزيد: كيف تحمي نفسك مضاعفات نقص سكر الدم؟
علاج انخفاض السكر:إذا تم إدراك هبوط السكر بسرعة , فإن العلاج يكون بسيطا , ولا تكون هناك عواقب على ذلك.
- أولا :تناول في أسرع وقت أحد مصادر الكربوهيدرات البسيطة التي يسهل امتصاصها, بشكل عام فإن 15 غراما من الكربوهيدرات هي كمية كافية.
الأطعمة التي تحتوي على 15 غراما من الكربوهيدرات:- كأس (200 مل) من عصير الفواكه غير المخفف مثل عصير البرتقال, التفاح, أو العنب.
- نصف علبة (200 مل) من الصودا العادية.
- (3 - 4) ملاعق صغيرة من السكر وقد تستطيع تذويبها بالماء ثم شربه.
- (2-3 ) قطع غلوكوز.
- (2) ملعقة طعام من الزبيب.
- ( 5 - 6 ) قطع من الحلوى الهلامية.
- ( 250 مل) حليب خالي من الدسم , وليس كامل الدسم لأن الدهون و البروتينات تبطئ عملية الهضم.
من الأمور التي يجب الانتباه إليها عند هبوط السكر , أن لا يكون الخيار الأول تناول مصادر الكربوهيدرات المعقدة لأن امتصاصها من الجهاز الهضمي يكون بطيئا .
للمزيد: ماذا نعطي مريض السكري في حالة انخفاض السكر ؟
- ثانيا :إراحة المريض لمدة 10 – 15 دقيقة ثم فحص مستوى السكر في الدم إذا كان ذلك ممكنا؛ لنتأكد أن مستوى السكر أصبح أكثر من 70 ملغ / ديسليتر .
- ثالثا :إذا لم يحصل تحسن خلال 10-15 دقائق أو كان مستوى السكر أقل من 70 ملغ/ ديسليتر , ينبغي تناول10- 15 غرام غلوكوز إضافية, يمكن تكرار هذا إلى حد ثلاث مرات. يجب استدعاء الإسعاف فورا في حال عدم تحسن حالة المريض.
الوقاية:اذا كنت مريض سكري: ينبغي إتباع إرشادات الطبيب بدقة حول الغذاء, الدواء, و التمارين الرياضية.
إذا لم يكن لديك مرض السكري ولكنك تتعرض لنوبات متكررة من نقص السكر في الدم , تناول وجبات صغيرة متكررة.
↧
↧
September 18, 2016, 9:30 am
التفكير الإيجابي والسيطرة على الألم
د. محمد اكرم بشناق
لكل إنسان شخصيته وطبيعته الخاصة. وقد تبين أن طبيعة الشخصية تؤثر تأثيراً مباشراً على تطور الألم أو السيطرة عليه، الأشخاص الإيجابيون يتعاملون مع الأزمات بشكل أكثر كفاءة وواقعية، على سبيل المثال كثيراً ما يردد الإنسان الإيجابي بعض الكلمات التي تدل أنه قوي وثابت في أوقات الأزمات، مثل: لست عاجزاً، أستطيع التعامل مع هذه المشكلة، لدي القدرة على تدبر أمري، أنا مصر على أن أبقى سعيداً وأستمتع بحياتي مهما صعبت الظروف، بل وأن أدخل السعادة في قلوب الآخرين، لا أنتظر الشفقة من أحد، كل ما أريده التفهم والتواصل، أفكر في طرق أفضل للتكيف مع المرض من أجل تحقيق حياة أفضل، ما زال لدي الكثير لأقوم به.
وإليك بعض أنواع التفكير الإيجابي:
· تحدي التوقعات، يجب أن تؤمن دائماً أن لك مشكلة حل، ولكل داء دواء، فعليك أن توازن بين الحرص على التميز وبين المرونة والقدرة على التكيف.
· تحفيز اعتبار الذات، مارس كل الوسائل التي تزيد من ثقتك من نفسك، وتقديرك لمعنى الحياة، تكلم إلى صديق تثق به للبوح بأسرارك ومشاعرك، تواصل مع أصدقائك ومع عائلتك، واهتم بأناقتك ومظهرك الخارجي، ضع لنفسك أهدافاً يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية واجعلها سهلة التحقيق، وكافئ نفسك لدى تحقيق ما تطمح إليه.
· حاول أن تمضي بعض الوقت بمساعدة الآخرين وتقديم العون لهم، حاول أن تخوض تجارب جديدة مهما كانت بسيطة مثل زيارة مكان لم تزه من قبل أو التعرف إلى شخص جديد، أو قراءة كتاب جديد، أو ممارسة هواية لم تمارسها من قبل. .
· طلب المساعدة، كونك قوياً مستقلاً لا يعني أنك لست بحاجة إلى الآخرين. كل الناس بحاجة إلى بعضهم البعض، اطلب من الآخرين المساعدة حتى لو لم يبادروا هم إلى ذلك.
· الشكر والمجاملة الصادقة، كثيراً ما نغفل إظهار حبنا للآخرين خصوصاً من يقفون معنا في الأوقات الصعبة، تذكر دائماً أن تعبر عن امتنانك وشكرك لمن حولك، ردد ميزاتهم، وأكد لهم امتنانك لما قاموا به.
· ممارسة الضحك والمرح كأن تجلس ضمن جلسة ممتعة أو تشاهد فلماً كوميدياً، أو تمارس هوايات ممتعة.
· الاسترخاء، حاول أن تمارس فن الاسترخاء مثل اللجوء إلى اليوغا أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة أو ممارسة العبادة وقراءة القرآن والذكر.
· ضع لنفسك أهدافاً يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية واجعلها سهلة التحقيق.
↧
September 18, 2016, 3:23 pm
↧
September 18, 2016, 6:00 pm
هل آن للأمة أن تسترد مدارسها؟!
. محمد الأمين مقراوي الوغليسي
في ذروة انشغال مجموع الأمة بالمؤامرات الداخلية والخارجية المختلفة، والمتربصة بالقطاع التربوي خاصة، غفلت النخب عن الالتفات إلى الواقع التربوي للمنظومة التربوية، ما جعل التراكمات السلبية المحيطة والمكونة للمجال التربوي تصل حداً يجعل السيطرة عليها أمراً عسيراً، ولأن الحديث في هذا الموضوع يحتاج إلى دراسات طويلة فإننا نكتفي بالإشارة والتنبيه إلى أحد محاوره المهمة الوثيق الصلة بالشأن التربوي، والمتعلق بـ«دور المدرسة في ظل التغيرات الاجتماعية الراهنة»، التي قلبت المفاهيم والقيم، وأفرزت واقعاً جديداً، سببه الأول: اكتساح العولمة لكل مجالات الحياة، بما فيها المجال التربوي - خاصة الأسرة والمدرسة - وسببه الثاني: عدم استعداد الأمة لمواجهة العولمة، هذا التحول الاجتماعي الهائل والمنقلب، لم يعد من الممكن مواجهته بقرارات وأفكار ترقيعية، نظراً لتغوله واستفحاله، ونجاحه في فصل الأسرة عن دورها التوعوي التربوي، وتمييع دور المحاضن العلمية والتربوية الاجتماعية. الأمر الذي يضعنا أمام هذا السؤال المحوري: هل من الصواب أن تستمر المراهنة على الأسرة بعد هذه التحولات الخطيرة في بنية الأسرة المجتمعة؟ هل يمكن أن تُخرِّج الأسرة في وضعها الحالي جيل البناء والشهود الحضاري؟
الأسرة وزلزال العولمة:
لقد كان الرهان على الأسرة في تربية النشء الأساس والأصل، باعتبارها الحاضنة الأولى في المجتمع، حيث ظل الوعي الجمعي يرى أن تنشئة الطفل التنشئة الكاملة من مهماتها الكبرى، وفي الوقت نفسه كان ينظر إلى دور المدرسة على أنه دور مكمل للخلية الأساس، إلا أن زلزال العولمة الذي ضرب أسس الأسرة المسلمة أصابها في مقتل، ما جعلها تحيد عن دورها الريادي في مسيرة البناء، فالعولمة جعلت الولي يعيش نمط حياة شاقاً وصعباً لا يمكنه من متابعة وتوجيه فلذات أكباده، وجعلت الأسرة أسيرةً لتبعات الراتب الزهيد، ما جعل همها الأول توفير المال من أجل العيش، وشتان بين أن تعيش وبين أن تحيا، كما أن العولمة جعلت المنزل الأسري أشبه بأرخبيل من الجزر المنعزلة، حيث حدثت عزلة شعورية خطيرة بين أفراد البيت الواحد، تكاد تقضي على اللحمة والتضامن الأسري، كما أدت إلى ضياع الأدوار الواضحة في الأسرة، التي يفترض أن تكون موزعة بشكل فطري ومنطقي، بعد ضعف القيم الرابطة بين مختلف الأفراد، وفقد القرار الأسري أهميته بين الأفراد.
والسؤال المحوري بعد هذا العرض الذي جاء على وصف واقع تربية وتنشئة النشء هو: علام نراهن اليوم في التربية؟ على الأسرة أم على المدرسة؟
مستقبلنا.. على من نراهن في بنائه؟
إن المراهنة على الأسرة في تربية النشء التربية الحقة والسليمة، لم يعد خياراً يستحق الاعتماد عليه في تخريج جيل سليم، بسبب الأسباب التي تم ذكرها سابقاً، وبسبب تراجع الدور الأسري الذي يُفقد يوماً بعد يوم، بفعل التأثير السلبي للمنظومات الاقتصادية والسياسية المتصادمة مع هوية الأسرة المسلمة، والتي لا تسمح لها بلعب دورها المحوري في المجتمع، ولضعف إمكانياتها المادية، لذلك فإن الرهان الحقيقي في تربية الأجيال التربية الصالحة والمتكاملة يقع على المؤسسات الرسمية للتعليم والتربية، لأسباب كثيرة، أهمها:
- وجود طاقم متخصص بالتربية والتعليم ضمن قطاع التربية، يساعد على أداء هذه المهمة، خاصة مع بقاء الطفل سنوات طويلة ضمن هذه الهياكل التربوية، حيث يعيش الطفل أغلب سنواته (من سن السادسة إلى سن التخرج من الثانوية) ضمن الأسرة المدرسية بمختلف أطيافها، ما يتيح إمكانية متابعة مساره، والتأثير فيه.
- وجود هياكل قائمة ابتداء من الإدارة، إلى قاعات الدرس، إلى المساحات التي يمكن استغلالها في مختلف المجالات ذات الصلة بتربية النشء.
- إمكانية التحكم في المحيط المدرسي من خلال الآليات والإجراءات المعتمدة إدارياً وتربوياً.
الوسائل الكفيلة بجعل المدرسة بيئة مثالية لتخريج أجيال صالحة نافعة:
المصليات المدرسية: إن جولة واحدة داخل الهياكل التربوية في الوطن العربي تكشف حجم الانفصام الكبير الذي بات القطاع التربوي يعانيه في هذا الجانب، جراء سياسات التغريب والعولمة، فما عدا بعض المدارس في الدول الخليجية التي تهتم بهذا الجانب، الذي يراعي الجانب التعبدي المفطور عليه الإنسان - يذكر أرنولد توينبي أن كل الاستكشافات الأثرية التي تمت كشفت عن وجود معابد بها، ما يفيد بأن الإنسان متدين بفطرته - فإن أغلب الدول العربية لا تعطيه أهمية تذكر، بل إن بعضها لا يريد ذلك، خاصة أنه يرتبط في أذهان بعض المسؤولين بفرضية غريبة عن تاريخ الأمة، وهي اعتبار التعبد والالتزام طريقاً للتطرف، وهو ما يجب تجاوزه، فالإسلام في جل الدساتير العربية هو دين الدولة، وبالتالي فإن المطالبة بإيجاد مصليات في مختلف الهياكل التربوية أمر مشروع ومعقول، ولهذا فوائد كبيرة، فالتربية الإسلامية التي يتعلمها الأطفال في المدارس ستغدو أكثر فاعلية إذا تم ربطها بجانب تطبيقي.. ثم لماذا الخوف وهذه المصليات ستكون تحت إشراف الدولة وإدارة حاضرة، ولو استغلت كما يجب فإن مخرجات ذلك ستكون كبيرة، أقلها تخريج جيل صالح.
وتزداد أهمية إيجاد هذه المصليات إذا عرفنا أن أغلب القطاعات التربوية تعتمد على دوام شبه يومي للتلاميذ والطلاب، فلا يعقل أن يقضي الطفل 13 سنة من عمره بعيداً عن الصلاة، التي تعد أحد الجوانب الروحية في حياة الطفل، ومعلوم أن النظريات التربوية الغربية تؤكد على هذا الجانب، فـ«هرم ماسلو» يؤكد على أن الإيمان أحد الجوانب التي تنبني عليها شخصية الطفل.
إن الصلاة من العظائم، وتعويد الطفل عليها من الصغر إنما يفيد في تعويده على العظائم، ولذلك فإن المراهنة على المدرسة في تعويد النشء على الصلاة، وربط الأخلاق الاجتماعية داخل المدرسة بها أمر ضروري وحاسم في الإقلاع الحضاري للمجتمعات المسلمة.
المكتبة: لطالما كانت المكتبات المصل الذي يغذي المجتمع بنور المعرفة، وضياء الثقافة، إذ يعبر وجودها في حياة المجتمع عن رقيه، كما يدل غيابها عن انحطاطه ثقافياً، فإيجادها في حياة التلاميذ ورعايتها أمر واجب، باعتبارها من مصادر التعلم، بل إن رؤيتهم للاهتمام الذي تحظى به المكتبة يعرفهم على قيمة الكتاب في حياة الأمم، كما أن وجودها فرصة حقيقية للأساتذة والمعلمين للاحتكاك بتلاميذهم، وتعويدهم على البحث، وهو الأمر الذي سيحقق في المستقبل نتائج باهرة، فالطفل الذي يتعود على صداقة الكتاب، ويرسخ في ذهنه أهمية المراجع والتوثيق، سيكون لبنة قوية وسليمة في مستقبل البحث العلمي الذي يعد ركيزة من ركائز النهوض بالأمة، كما أن الهدوء الذي تكون عليه المكتبة عادة، والانضباط الكبير الذي يسودها، يساعد الطفل على تنمية مهارات التعامل مع مرافق المجتمع استعمالاً وحفظاً.
البستنة: عنصر البستنة من العناصر الغائبة بقوة عن المدرسة، وعليه فإن مشاريع بناء المدارس مستقبلاً يجب أن تأخذ بعين الاعتبار إيجاد محيط صالح لممارسة البستنة، بدل الاكتفاء بدراسة الوسط البيئي في الكتب، وبطريقة نظرية جافة، لا يمكن للأطفال استيعاب الكثير من معانيها، بل إن البستنة تساعد في إيجاد جيل يملك تصوراً صحيحاً عن الأرض التي يعيش فيها، ويعي دوره في الحفاظ عليها، من خلال الاستثمار الحسن فيها، حتى يكون صديقاً للبيئة التي وهبه الله إياها، لا عدواً مدمراً لها، فالطفل الذي يعرف أهمية ما يحيط به من طبيعة، سيكون عنصر بناء فعال، لا أداة طمس وإفساد للطبيعة التي سخرها الله للبشر.
النوادي الثقافية والورش الفنية: إن إنشاء مرافق تتبنى تنمية مهارات الطفل الأدبية والفنية، أمر ضروري لا كمالي، فهي تساعد الطفل على إظهار مواهب كثيرة مثل: كتابة القصص والأشعار، وممارسة الرسم، والمسرح، والإنشاد، وإنشاء مجالات متنوعة، ما يجعله قادراً على تنمية مهارات شخصيته، واستغلال أوقات الفراغ في شبابه، أو بعد تقاعده، لأن الملحوظ أن الطفل العربي لا يحسن استغلال عطلته، وأن الرجل العربي إذا تقاعد لم يجد أمامه سوى المقاهي وسيلة لقضاء فراغه، لأن الثقافة الغالبة على الطبقة المتوسطة - التي تشكل أكبر طبقة داخل المجتمع العربي - لا تبالي كثيراً بمسألة تنمية الطفل لمهاراته، فهي تركز على أن ينجح ليعمل ويكون له دخل ثابت، ولا تركز على أن يستمتع بحياته.
المرافق الرياضية: بسبب غياب المرافق الرياضية في حياة الطفل في العالم العربي، بات من الواجب التفكير في إنشاء هياكل رياضية متنوعة ملحقة بالمدارس، ولهذا العنصر فوائد جمة منها: تكوين أجيال سليمة صحياً وعقلياً، لا تحمل كثير ضغوطٍ، فممارسة الرياضة تعمل على تفريغ الكثير من الشحنات السلبية في الموضع الصحيح، وتخرج جيلاً قوياً، يتبنى السلم كحالة عامة، ويفهم أن القوة ليست في ظلم الآخرين، أو تبني العنف ضدهم، وبالمقابل يفهم أن الاستعداد البدني مهم لمواجهة الأخطار المحدقة به في الحياة للدفاع عن دينه ونفسه وأرضه وعرضه، ومن نتائج هذا المشروع أيضاً تخريج أجيال هادئة، بأعصاب باردة قوية، تتحكم في ردات فعلها وفق مسارات صحيحة راشدة.
ماذا نجني من إستراتيجية الرهان على المدرسة في بناء الأجيال؟
خلاصة القول أن الرضا بالنظرة التقليدية التي كانت ترى المدرسة عبارة عن جدران من الإسمنت، يسجن فيها الطفل لساعات معينة يومياً، يخضع لعملية تلقين غير راشدة ولا واعية، ويخرج يومياً منها وهو يعيش حيرة وصراعاً ذاتياً محموماً، لأن ما يتلقاه في المدرسة غائب غالباً عن محيطه ومجتمعه الصغير، لم تعد نظرة صالحة لهذه المرحلة، فالمدرسة التي لا تنمي حاجيات الطفل، وتساهم في بلورة شخصية سليمة لا تعد مدرسة مثالية، فالمدارس النموذجية بحق هي التي توفر للأطفال فرصة تحقيق رغباتهم الفيزيولوجية والنفسية الفطرية، وتعزز فرص تقدير الذات وتحقيقها، وتسهم بشكل فعال في تجنيب الطفل كل ما يعوق إشباع هذه الحاجات، ثم مرافقته في التنشئة الشاملة النافعة، التي تجعله فرداً صالحاً اجتماعياً، ومُنتجاً لعناصر الحضارة، ومتعاوناً مع غيره، لأن أهم الوسائل التي ستكون حاضرة في هذه المدارس هي «العمل الجماعي أو العمل كفريق متكامل»، ما يسهل في المستقبل إيجاد مجتمع مؤسساتي صالح، ينطلق أساساً من مبدأ العمل الجماعي الذي يحض عليه الإسلام.
↧