September 13, 2016, 6:28 am
مقاصد الحج في الإسلام (PDF)
تحميل ملف الكتاب
(انقر الرابط بالزر الأيمن للفأرة واختر "حفظ الهدف باسم" أو "Save Target As")
↧
September 13, 2016, 6:31 am
الرحلة النبوية لحج بيت رب البرية
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وجنده.
وبعد:
فإنني في هذه المقالة أردت لنفسي تشريفاً، ولغيري تعريفاً، بـ (رحلة نبينا عليه الصلاة والسلام، إلى بيت الله الحرام) لتكون لنا زاداً ومرشداً، وقائداً ومقتدى.
وقد جردت مقالتي من كل شيء سوى ذكره عليه الصلاة والسلام؛ لينسجم قارئه، فيمتع لبه، ويريح قلبه، بأعظم رحلة في التاريخ.
وأنا في هذا مرتشف من معين العلماء، ومحتذٍ فقه الفقهاء، فليس لي فيها إلا الرصف، ولكم الرشف.
وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وهاكم بدء الرحلة:
خرج عليه الصلاة والسلام، من مقامه في المدينة، بجميع نسائه، وطاف عليهن ليلته تلك، ومعه جمع غفير من الصحب الكرام.
توجهوا إلى ميقات المدينة (ذي الحليفة)، فأَهَلَّ من ميقاتها ما بين الظهرين، وصلى بها العصر ركعتين، وذلك بعد أن اغتسل عليه الصلاة والسلام؛ وتطيّب لحله قبل حرمه، طيبته زوجته عائشة رضي الله عنها، وباتوا ليلتهم بذي الحليفة.
ثم أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مصلاه، فأهل بالتوحيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
ثم ركب عليه الصلاة والسلام ناقته القصواء، ولبّى، ثم رقى البيداء؛ وأهلّ -متابعاً- بالتوحيد، وتابع التلبية. ولم يزل يُلَبِّي حتى استلم الحَجَر.
وأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، حينما بلغوا فَجِّ الرَّوْحاء حتى بحت أصواتهم - وفَجَّ الرَّوْحاء: يبعد عن المدينة نحوا منً سبعين كيلاً -.
ثم انطلق عليه الصلاة والسلام، حتى إذا أتى سَرِف وهو وادٍ قبل مكة -ويسمى اليوم بـ (النوارية)- حاضت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وبكت؛ فطمأنها الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نَزَلَ بـ (ذي طُوَى) ويقال لها: (آبار الزاهر) فباتَ بها ليلةَ الأحدِ لأربعٍ خَلْوَنَ مِنْ ذِي الحجةِ وصلَّى بها الصبحَ، ثم اغتسلَ مِنْ يومه، ودخلَ مكةَ نهارًا مِنْ أعلاها مِنَ الثنيةِ العُلْيَا التي تُشْرِفُ على الحجونِ.
وأول ما ابتدأ به، حين دخل المسجد هو: طوافه بالبيت، ولم يركع تحية المسجد؛ لأن تحية البيت؛ الطواف.
ولما حاذى الحجر الأسود استلمه ولم يزاحم عليه، ولم يذكر له ذكراً خاصاً به.
فطاف عليه الصلاة والسلام، السبعة الأشواط، مبتدئاً باستلام الحَجَر، ثم اضطبع ورمل الأشواط الثلاثة الأُول، ومشى الأربعة الباقية، وكان يقول بين الركنين: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
ثم إنه صلى الله عليه وسلم، كان كُلَّمَا حَاذَى الحجرَ الأسودَ أشارَ إليه أو اسْتَلَمَهُ بِمْحجَنِه، وقَبَّلَ المحْجَن - وهو عَصًا مَحْنِية الرَّأسِ - وقال: (اللهُ أُكْبَرُ).
واسْتَلَمَ الرُّكْنَ اليَمَانِيَّ ولم يثبت عنه أنه كان يُقَبِّلْه،ُ ولَمْ يُقَبِّلْ يَدَهُ عِنْدَ اسْتِلامِه.
وبعد أن فرغ من طوافه بالبيت؛ أتى المقام وجعله بينه وبين الكعبة، ثم تلا الآية: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ ثم كبر فصلى عليه الصلاة والسلام، ركعتين، قرأ في الأولى، بسورة (الكافرون) وفي الثانية: بـ (الإخلاص).
ثم أتى زمزم فشرب منها، ثم رجع وقبّل الحجر، ثم انطلق إلى الصفا فتلا الآيات قبل أن يرقى جبل الصفا: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ ثم قال: (أبدا بما بدأ الله به).
ثم رقى الصفا حتى رأى البيت فاستقبله فكبر الله عز وجل ثلاث تكبيرات، ثم قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأنجز وعده، وهزم الأحزاب وحده)
ثم دعا عليه الصلاة والسلام، ثم رجع مرة ثانية وكبر ثلاث مرات، ثم هلل مرتين، ثم دعا، ثم رجع مرة ثالثة فكبر ثلاثاً وهلل مرتين ودعا، وابتدأ سعيه ماشياً، ثم ختمه راكباً؛ لازدحام الناس عليه.
ولما فرغ من دعائه عليه الصلاة والسلام؛ نزل الوادي وخبَّ وسعى واشتد سعيه، والرداء يدور على ركبته من شدة سعيه.
وقال وهو يسعى: (أيها الناس: إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا)
ثم رقى المروة، وصنع عليها مثل ما صنع على الصفا، واحتسب سبعة أشواط، مبتدئاً بالصفا ومنتهياً بالمروة.
وكان يُصَلِّي مُدة مُقامِه بمكة، وهي أربعة أيام، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء،َ إلى يوم التروية بمنزلِه بِظَاهِرِ مكةَ بالمسلمين يَقْصُرُ الصَّلاةَ.
فلما كان اليوم الثامن - وهو يوم التروية - وهو يوم الخميس، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وكان بياته عليه الصلاة والسلام فيها، وكانت ليلة الجمعة.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد صلاة الفجر إلى عرفات من طريق ضب -وهو الطريق الذي بأسفل جمرة العقبة- فلما وصل عرفات نزل بنمرة بعد صلاة الظهر والعصر -ونمرة هو: المنْبَسط الفسيح الذي بين حدود الحرم ووادي عرنة، وهو يقرب من خمسائة متر، وليست من عرفة-؛ ضربت له القبة في ذلك الموضع فنـزل فيه، ولما زالت الشمس حرك ناقته القصواء، وأتى وادي عرنة، وخطب الناس خطبته المشهورة الفردة، التي تعرف بخطبة (حجة الوداع) وقد أحاط فيها بمقاصد الإسلام، وأوصى بالنساء والذمام، وحرم انتهاك الأعراض والأموال والدماء.
واجتمع له فيها قرابة مائة وعشرين ألف من الصحابة.
ومما قال فيها عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد) وكان يرفع أصبعه، ثم ينكتها على الصحابة، قائلاً: (اللهم فاشهد).
وبيّن فيها عليه الصلاة والسلام، عظيم الحرمات، قائلاً: (إن ربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضعه ربا عمي العباس بن عبدالمطلب)
ثم استقبل القبلة وجعل حبل المشاة بين يديه، ثم رفع يديه وما زال يتضرع ويدعو حتى غابت الشمس.
فَلَمَّا أتمَّ الخطبةَ أمَرَ بلالاً فأذَّنَ، ثم أقام الصلاة، فَصَلَّى الظهر ركعتين أَسَرَّ فيهما بالقراءةِ -وكان يومَ الجمعةِ- ثم أقامَ فصلَّى العصرَ ركعتينِ ومعه أهل مكَّة، ولم يأمرهم بالإتمامِ، ولا بِتَرْكِ الجمعِ.
وكان يكثر أن يقول: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا والنبيونَ قَبْلِي: لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملكُ وَلَهُ الحَمْدُ وهو عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ" وحث الناس على ذلك.
ثم مشى إلى عرفة، ووقف في ذيل الجبل عند الصخرات، ووقف بها، وقال: (وقفت هاهنا، وجمع كلها موقف)
فكان نزوله بنمرة، وخطبته بعرنة، ووقوفه بعرفة، وهذا مفرق دقيق يغيب عن البعض ويعزب.
وفي عرفة نزلت آخر آية من القرآن: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" وكأن فيه إشارة، إلى أن الحج كان متمماً للإسلام، فلما قضي أهم أركانه وهو: الوقوف بعرفة، كان الإكمال والتمام والرضى -فلك اللهم الحمد والمنة-.
وبعد أن فرغ من الدعاء انتظر حتى غابت الشمس، ثم دفع إلى مزدلفة بعد مغيب الشمس وذهاب الصفرة التي تلي المغيب، وهو يسير العَنَق،َ فإذا وجد فجوة نص.
وكان الناس أمامه ووراءه، ويمينه وشماله - عليه الصلاة والسلام - مد البصر، وهو يقول عليه الصلاة والسلام: (أيها الناس السكينة السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع)
وأخَّر المغرب والعشاء إلى مزدلفة، فلما أتى الشعب -وهو الذي قبل المشعر- دخل عليه الصلاة والسلام، فيه، وقضى حاجته، ثم توضأ وضوءاً خفيفاً، وكان رديفه أسامة بن زيد.
ثم أمر عليه الصلاة والسلام، بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام، فصلى صلى الله عليه وسلم، بالناس المغرب، ثم انتظر بقدر ما يحط الرحل، ثم أمره أن يقيم؛ فصلى بالناس العشاء، ولم يسبح بينهما، ولا على إثرهما.
ونام حتى أصبح، ثم في صبيحة يوم العيد غَلَّس - عليه الصلاة والسلام - بصلاة الفجر، فصلى صلاة الفجر في أول وقتها؛ لأجل الدعاء.
وفي طريقه أمر ابن عباسٍ أَنْ يَلْقُطَ له حَصى الجمارِ، سبعَ حصياتٍ؛ فَجَعَلَ يَنْقُضُهُنَّ في كَفِّهِ ويَقُولُ: (بِأَمْثَالِ هؤلاءِ فارْمُوا وإيَّاكُم والغُلُوَّ في الدِّين...)
ثم مضى عليه الصلاة والسلام، إلى منى، وكان رديفه الفضل بن العباس، فلما بلغ وادي محسر؛ أسرع عليه الصلاة والسلام، ولما أتى منىٍ حياها برمي جمرة العقبة.
ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات راكباً بعد طلوع الشمس، من بطن الوادي، وجعلَ البيتَ عَنْ يَسَارِهِ ومنًى عَنْ يمينِه، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.
ثم رجعَ مِنًى فخطبَ الناسَ خُطْبَةً بليغةً أَعْلَمَهُم فيها بُحْرمَةِ يومِ النَّحْرِ وفضلِه وحرمةِ مكةَ، وأمَرَهُم بالسمعِ والطاعةِ لمن قادَهم بكتابِ الله، وعَلَّمَهُم مَنَاسِكَهُم.
وبعد أن رمى عليه الصلاة والسلام؛ نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة، ووَكَّلَ علياً، أن ينحر سبعاً وثلاثين بدنة؛ لتتم المائة.
وأمرَ عليًّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بها في المساكينِ وألاَّ يُعْطِي الجزارَ في جِزَارَتِها شيئًا منها.
ثم حلق رأسه عليه الصلاة والسلام، فأعطى الحلاق شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، ودفعَ شَعْرَهُ إلى أبي طلحةَ وقال: "اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ".
ودَعَا للمُحَلِّقِين بالمَغْفِرَةِ ثَلاثًا، ولِلمُقَصِّرِين مَرَّةً، وَطَيَّبَتْه عائشةُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ.
وتحلل التحلل الأول؛ فباح به وله كل شيء إلا النساء.
وبعدها: وقف عليه الصلاة والسلام، للناس يسألونه؛ فخفف عليهم ويسر، ثم مضى إلى البيت، وطاف يوم النحر طواف الإفاضة، راكباً؛ ليبرز للناس، فيروا ما يفعله - عليه الصلاة والسلام - في مناسكه، وهو القائل: (لتأخذوا عني مناسككم)
ولم يَطُفْ غَيْرَه ولم يَسْعَ معه، ولم يَرْمل فيه ولا في طوافِ الوداعِ وإنَّما رَمَلَ في القدومِ فقط.
ثم جاء سقاية بني العباس فشرب منها - عليه الصلاة والسلام - ثم انطلق إلى منى، وصلى بها الظهر والعصر، وبات بها ليلة الحادي عشر، فمكث حتى إذا زالت الشمس؛ بدأ بالجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، فرماها بسبع حصوات، ثم أسهل جهة الوادي، فرفع كفيه، ودعا - عليه الصلاة والسلام - دعاء طويلاً، قدر سورة البقرة.
ثم انطلق فرمى الجمرة الوسطى بسبع حصيات ثم أسهل ودعا - عليه الصلاة والسلام -، قريباً من دعائه الأول.
ثم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي فأتم الرمي للجمرات الثلاث، وانصرف عنها، ولم يقف داعياً.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم، بات ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ولم يَتَعَجَّلْ في يومين، بل تأَخَّرَ حَتَّى أكمل رَمْيَ أَيَّامِ التشريق الثلاثةِ، وأفاضَ بَعْدَ الظهرِ إلى المُحَصَّبِ، فَصَلَّى الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ، وَرَقَدَ رقدةً ثم نَهَضَ إلى مَكَّةَ فطافَ للوداعِ ليلاً سَحَراً.
ثم طاف - عليه الصلاة والسلام - طواف الوداع، ولم يرمل في طوافه هذا، ثم مضى إلى المدينة - عليه الصلاة والسلام -.
فهذه مجمل رحلته عليه الصلاة والسلام إلى حج بيت الله الحرام، ولم يحج غيرها، بل ظهرت مؤشرات موته، ومبشرات عمله، فودّع ذلك الجمع المهيب، وكان الوداع الأخير.
أسأل الله بمنه وكرمه، وفضله وإحسانه أن يمنّ علينا بحج بيته الحرام، عاماً بعد عام، ونحن في أمن وسلام، وفضل وإنعام، إنه سبحانه جواد كريم، بر رحيم.
"وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين"
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً إلى يوم الدين.
↧
↧
September 13, 2016, 6:35 am
المتخرجون من مدرسة رمضان
|
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
|
لعل اليوم/ السبت/ يوافق احتفال المسلمين بعيد الفطر المبارك، إن لم يكن الاحتفال بالأمس الجمعة، وكان المسلمون قد أمضوا شهرًا كاملًا في مدرسة رمضان؛ حيث الدروس المكثفة/ وموادها: صيام، قيام، قرآن، زكاة، صدقة، تربية النفس، قهر الذات... إلى غير ذلكم من المواد، والحق أن البعض قد تخرج من هذه المدرسة الوحيدة التي يرغب الناس التخرج منها دون تعثر أو إظهار التفوق، وإنما يظهر التفوق عندما تظهر النتائج النهائية وكشوف العلامات، وهذه تتأخر نوعًا ما، والبعض يخرج من مدرسة رمضان وهو يكن في نفسه شيئًا من الرضا عندما يحاسبها، فيجد أنه قد ختم قراءة القرآن الكريم، وتصدق في أكثر من موضع، وحفظ جوارحه كلها من الانزلاق هنا وهناك، واقتصد في أكله، وأكثر من القيام، ومع هذا كله فلم تتعطل مسؤولياته المعتادة؛ كالعمل أو الدراسة، أو البحث عن رزق الله.
ومع هذا الشعور بالرضا إلا أن النفس تتطلع إلى المزيد؛ فالمسلمون بعد الخروج من رمضان المبارك يدعون ربهم ستة أشهر القبول، ثم يدعون ربهم الستة الأخرى أن يبلغهم رمضان القادم؛ ليعملوا بمواده أكثر مما عملوا في رمضان المنصرم، فرمضان المدرسة الوحيدة التي يرتادها المسلمون كل عام، ويتخرجون منها كل عام، ولكنهم يعودون إليها - إن بقُوا - في العام القادم يدرسون المواد ذاتها بشكل مكثف أكثر مما كان عليه.
ورغم أن حفلة التخرج تكون ذات بهجة يفرح فيها الكبير والصغير في يوم عيد يأكل فيه الناس ويشربون، فإنه يشوب هذه البهجة والفرحة شيء من الحزن على وداع هذا الشهر المدرسة؛ ولذا تجد البعض يصر على إتباع هذا الشهر بستة من شوال وكأنه في قرارة نفسه يتمنى أن صام الدهر كله في نهاره، وقام الدهر كله في ليله، ولكنها الحكمة التي تحجم الإنسان عن الغلو في مثل هذه العبادات الموقوفة بأحكامها، والحكمة تجعل لهذا الراغب في الصيام مجالات يواصل بها التردد على هذه المدرسة؛ كالأيام البِيض، وأيام الاثنين والخميس، وصيام يوم عاشوراء من محرم الحرام ويوم قبله أو بعده، وصيام يوم عرفة لغير الحاج، وهكذا يظل الراغب على صلة ودية - غير إلزامية - بالمدرسة الرمضانية.
شيء جميل حقًّا أن تكون مواد مدرسة رمضان تدرس في كل مكان في بلاد المسلمين وغير بلاد المسلمين؛ حيث الأقليات والجاليات المسلمة، والجميل أن مدرسة رمضان في بلاد غير المسلمين واضحة على الوجوه والقسمات، وقَل أن تجد من المسلمين في هذه البلاد من لم ينخرط في المدرسة، ولكن هذا القليل مزعج حقًّا، ليس للمسلمين فحسب، ولكن لغير المسلمين الذين يدركون أن كل مسلم لا بد أن يحضر دروس رمضان، فتراهم يستغربون عندما يجدون فردًا أو أفرادًا قد تخلفوا عن هذه المدرسة، وكان طالب من الطلبة المسلمين يحمل كوبًا من القهوة في نهار رمضان، فيقابله أستاذه غير المسلم ويسأله باستنكار: ما هذا يا فلان؟ فيقول الطالب: لقد أكثرت من شرب الشاي فآثرت أن أشرب القهوة! فيرد أستاذه: ما عن هذا سألت يا هذا؟ ألست مسلمًا؟ فلا يملك الطالب إلا أن يجيب بالإيجاب، ومشروع قطرات من عرق الإحراج يبدأ يأخذ طريقه على جبهته، إذًا لِمَ أنت مفطر ما دمت مسلمًا؟ يسأله أستاذه، فيسقط في يده، ولا يكاد يحرر جوابًا، وكان يظن أن أستاذه سيشجعه على الإفطار وترك الصيام لأولئكم - المحافظين - وتكون النتيجة أن يرمي هذا الشاب كوب القهوة ويعود في اليوم التالي وقد عاهد النفس على الرجوع إلى الله صيامًا وقيامًا وصلاة وتزكية نفس، فيدخل مدرسة رمضان من أوسع أبوابها بعد أن اهتز قليلًا.
وفي هذا دلالة على أن مدرسة رمضان لم تؤثر في المسلمين فحسب، بل إن غيرهم كان لهم نصيب من هذا التأثر، وكم كانت مدرسة رمضان سبيلًا من السبل التي انتهت بالآخرين إلى أن يسجلوا في موادها بداية انطلاقة نحو الهداية والوصول إلى الطريق الصواب، وإن لم يصل الأمر إلى هذا، فكفى أن يحترم الآخرون هذه المدرسة وموادها وأن يتوقعوا من طلبتها الاستقامة والاعتدال والإخلاص مع النفس ومع الآخرين ما داموا قد أخلصوا في هذه المدرسة لله تعالى،ويذكر جيل لا يزال أفراده موجودين أن مديرًا لمشروع من المشروعات الميدانية لم يكن مسلمًا، ويشرف على عاملين مسلمين، علم بقدوم رمضان المبارك وكان الوقت حرًّا، فجمع عماله وتحدث إليهم عن أهمية المشروع، وأنه لا ينبغي أن يعترض العمل به أية عوامل تعيق تقدمه، وما دام رمضان قادمًا فإنه يتوقع أن يعوق رمضان سير العمل؛ ولذا فإنه يدعو إلى إفطار عماله، ولا يملك إجبارهم على الإفطار، ولكنه سيجزل المثوبة للمفطرين مع نهاية عمل كل يوم، فتبادل العاملون النظرات، وأسقط في يد البعض منهم، ولكن البعض الآخر كان مصممًا على الانخراط في المدرسة مهما قلت مثوبة رئيس المشروع.
وبعد استراحة نصف الدوام جمع رئيس المشروع عامليه، وطلب من الصائمين أن يصطفوا عن يمينه، ومن المفطرين أن يصطفوا عن شماله، ولم يكن يتوقع أن يصطف عن شماله أحد، ولكنه وجد بعضًا منهم من أولئكم الذين آثروا مثوبة الرئيس على مثوبة رب الرئيس، وما كان من الرئيس إلا أن شكر الصائمين على إصرارهم على متطلبات دينهم، والتفت إلى المفطرين وطلب منهم مغادرة المشروع مطرودين، مؤكدًا لهم أنهم ما داموا غير مخلصين مع ربهم، فلن يكونوا بعد هذا مخلصين مع أحد من العاملين، وكانت المضاعفة في المكافأة قد ذهبت إلى أولئكم الصائمين، وهذا درس آخر من دروس رمضان تخرج منه أناس، وأخفق فيه آخرون، درس جاء من طريق غير مباشر من أولئكم الذين يتمنون أن يستفيدوا أكثر من مدرسة رمضان، ولكن تحول دون ذلك عوامل خارجية أخرى.
ولعل من مواد مدرسة رمضان تلكم المادة المكثفة المتوقعة في ليلة السابع والعشرين من رمضان حينما يجتمع المسلمون في المساجد والجوامع يترقبون أن يكون لهم نصيب من النجاح في هذه الليلة، وفي الحرمين الشريفين يجتمع أكثر من مليوني مسلم في وقت واحد وبنظام واحد وخلف إمام واحد،مشهد رائع وعجيب لا يملك من يشهده من قريب أو بعيد إلا أن يذرف تلكم الدمعة النادرة التي توحي بقوة العلاقة بمن جمع هؤلاء جميعًا في مكان واحد، تلكم الدمعة التي تتطلع إلى أن يجتمع أكثر من هؤلاء بحيث يصل العدد إلى البليون/ المليار تحت قيادة إمام واحد، فالقادر على جمع هذين المليونين وراء إمام واحد قادر على جمع المليار وراء إمام واحد.
وهنالكم مجموعة أخرى من الدروس والمواد في هذه المدرسة الفريدة، والسعيد من سجل بأكبر قدر من مواد هذه المدرسة وأعطاها حقها من العمل، وترك هم الإجابة، وفوض الأمر للمجيب، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "إنه كان يحمل همَّ الدعاء، ولم يكن يحمل همَّ الإجابة"، جعلنا الله وإياكم من المقبولين، وكان الله في عون الجميع.
↧
September 13, 2016, 6:40 am
خطبة فضل يوم عرفة
|
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل |
الحمد لله الملك الحق المبين؛ ذي القوة المتين، هدى العباد صراطه المستقيم، ودلهم على شرعه القويم، وهو الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ في هذه الأيام العظيمة يجتمع أهل الموسم على ذكره وشكره وحسن عبادته، ويعظمون حرماته وشعائره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ضحى وشرع الأضحية لأمته، فهي من آكد سنته، فمن قدر عليها فلا يحرمن نفسه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموه في أعظم أيامه؛ فإن هذه الأيام أعظم أيام الدنيا.. تزود فيها من البر والتقوى، وجانبوا الإثم والهوى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج:30].
أيها الناس: فضائل هذه الأيام كثيرة، ولبعضها خصائص ليست لغيرها كيوم عرفة، ويوم النحر. وهذا حديث عن يوم عرفة، وما فيه من الفضائل؛ لنعلم قدره، ونعظم حرمته، ولا نهدر منه لحظة.
وإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقا إلى المشاعر المقدسة.
إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة، وهو من أيام العشر المفضلة، وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج:27]. وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته، ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج:3] قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾[المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رواه الشيخان.
وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذورا كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: " الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ..." رواه أحمد.
وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صححه ابن خزيمة وابن حبان.
وهو يوم العتق من النار؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"رواه مسلم.
فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقا من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله تعالى من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة.
وهو يوم الدعاء، ويوم ترطيب الألسن والقلوب بكلمة التوحيد؛ لحديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك مرسلا.
والظاهر أن فضل الدعاء ليس خاصا بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم؛ لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في أطهر البقاع، وكذلك الدعاء بكلمة التوحيد الواردة في الحديث ليست خاصة بأهل عرفة، بل ينبغي أن يكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم.
وكأن الإكثار من الدعاء بكلمة التوحيد في يوم عرفة هو لتأكيد الوفاء بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على البشر قبل وجودهم على الأرض، وهو الوارد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي: عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا " قَالَ: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 173] رواه أحمد. فناسب أن تلهج ألسنة المؤمنين بكلمة التوحيد في ذلكم اليوم العظيم، وعليه فإنه ينبغي أن يكثر المسلمون من الذكر والدعاء في يوم عرفة أينما كانوا، فجدوا -عباد الله- في الذكر والدعاء وألحوا؛ فلعل نفحات الله تعالى تصيبكم في يوم عرفة ولو لم تقفوا بها، وفضل الله تعالى يسع أهل الموسم وغيرهم، فلا يحرمن عبد نفسه خير الله تعالى وفضله في ذلكم اليوم العظيم.
وهو يوم إصغار الشيطان ودحره؛ لما يرى من تنزل رحمات الله تعالى على عباده؛ كما في حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ»....رواه مالك مرسلا.
وإذا كان أهل الموسم قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، فإن لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم، وصومه يكفر سنتين كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رواه مسلم.
نسأل الله تعالى أن يقبل منا ومن المسلمين، وأن يكتب لنا جميعا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأكثروا في هذه الأيام العظيمة من ذكره وتكبيره؛ فإن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال ﴿ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت:45] وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
أيها المسلمون: عيد الأضحى هو أكبر أعياد المسلمين وأفضلها؛ لأنه في أفضل الأيام وأشرفها، وفيه أكثر الشعائر وأعظمها. وتشرع فيه الأضاحي وهي من أفضل الأعمال وأجلها، وهي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي حَدِيثٍ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
ولنجتنب من الأضاحي ما كان بها عيب؛ فإنها قربان لله تعالى، ولنختر منها أطيبها وأسمنها؛ لقول أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ».
ومن طرأت عليه الأضحية يوم النحر أو بعده، أو كان لا يجد ثمنها ثم وجده فله أن يضحي ولو كان قد أخذ من شعره وظفره في العشر. وأهل البيت تكفيهم أضحية واحدة، وهي باب قربة وعبادة، ولا تجوز فيها المباهاة والمفاخرة.
ولا يشرع تخصيص الأموات بالأضحية، فإن ضحى أحد عنهم أشرك نفسه أو أحدا من الأحياء معهم، إلا إذا كانت وصايا للأموات ومن أسبالهم فتنفذ وصاياهم؛ لأنها من كسبهم وصدقاتهم.
ويحرم صوم يوم العيد وأيام التشريق، وهي ثلاثة بعد العيد؛ لقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فلنكثر من ذكر الله تعالى فيما تبقى من هذا الموسم الكريم، ولنجتنب منكرات العيد، ولنجعل يوم العيد مع أيام التشريق أيام شكر وذكر لله تعالى على ما هدانا وأعطانا﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ﴾ [الحج:27].
وصلوا وسلموا على نبيكم....
↧
September 13, 2016, 6:42 am
عيد الأضحى والتضحية
|
خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني |
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن أصـدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ؛ وبعدُ.
حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوعٍ بعنوانِ: «عيد الأضحى، والتضحية».
فَأَرِعُونِي قلوبكم، وأسماعكم جيدا، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدى الله، وأولئك هم المفلحون.
أيها الإخوة المؤمنون إننا في يوم عظيم من أفضل الأيام عند الله عز وجل، وأعظمها.
روى أبو داود بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ»[2].
وهو عيدٌ للمسلمين شرع الله لنا فيه الأكل والشرب.
روى أبو داود بسند صحيح عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ»[3].
كما شرع الله جل جلاله لنا في هذه الأيام كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى.
روى مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ[4] أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لِلهِ»[5].
وشرع لنا ذبح الأضاحي.
قال الله تعالى:﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾[الكوثر:2].
وروى البخاري ومسلم عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا»[6].
ولا يجزئ في الأضاحي أربعة:
أحدها: العوراء الظاهر عورُها.
الثانية: المريضة الظاهر مرضها.
الثالثة: العرجاء الظاهر عرجُها.
الرابعة: الكسيرة الضعيفة التي لا تقوم من الهُزال.
روى أبو داود بسند صحيح عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا[7]، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى[8]»[9].
وأوصي النساء بوصية الله سبحانه وتعالى، وبوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب:32-33].
وروى الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّتِ المرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»[10].
وقد قص الله جل جلاله علينا في كتابه العظيم قِصَّة الأضحية.
قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾[الصافات:99-102].
فما كان جواب ابنه إلا أنه سلَّم لقضاء الله وقدره، فقال: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾[الصافات: 102].
فلما استسلم الابن والأب عليهما السلام لقضاء الله وقدره كشف الله عنهما ضرهما، وفدى إسماعيل عليه السلام بذِبح عظيم.
قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾[الصافات:107].
فجعل الله سبحانه وتعالى الأضحية سُنَّة إلى يوم القيامة.
ومن هذه القصة العظيمة نستفيد الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لأمر الله سبحانه وتعالى.
فمن أصيب بمصيبة فعليه أن يرضى، ويسلِّم لقضاء الله سبحانه وتعالى.
الدعاء...
• اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين.
• اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين.
• اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
• اللهم نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
• اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
[1] من كتاب «تحفة الأبرار في الخطب القصار»، لخالد الجهني عفا الله عنه.
[2] صحيح: رواه أبو داود (1765)، وصححه الألباني.
[3] صحيح: رواه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (3004)، وأحمد (18955)، وصححه الألباني.
[4] أيام التشريق:هي ثلاثة أيام تلي عيد النحر، سميت بذلك من تشريق اللحم، وهو تقديده وبسطه في الشمس ليجف؛ لأن لحوم الأضاحي كانت تُشرَّق فيها بمنى، وقيل: سميت به؛ لأن الهدي والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس: أي تطلع. [انظر: النهاية في غريب الحديث (2 /464)].
[5] صحيح: رواه مسلم (1141).
[6] متفق عليه: رواه البخاري (951)، ومسلم (1961).
[7] ظلعها: أي عوجها. [انظر: النهاية في غريب الحديث (3 /158)].
[8] التي لا تنقي: أي التي لا شحمَ في عظمها. [انظر: معالم السنن، للخطابي (2/230)، وفتح الباري، لابن حجر (1 /198)].
[9] صحيح: رواه أبو داود (2802)، والترمذي (1497)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (4369)، وابن ماجه (3144)، وأحمد (18510)، وصححه الألباني.
[10] صحيح: رواه أحمد (1661)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (660).
↧
↧
September 13, 2016, 6:59 am
من آداب العيد المعاصرة
من نعمة الله سبحانه على المسلمين عيد اﻷضحى المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة.
وهناك آداب لا بأس أن نتذكرها تطبيقاً للسنَّة في ذلك، ﻷنها تكاد تغيب عن مناسباتنا، وأعيادنا.
1- من السنة التهنئة بالعيد، وأن تكون هذه التهنئة عن طريق الزيارة واللقاء ما استطعنا إلى ذلك من سبيل.
لا سيما إذا علمنا بأن سنة التزاور تكاد تختفي من مجتمعاتنا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
والزيارة، والمجالسة، والتباذل من اﻷمور التي توجب محبة الله تعالى للإنسان، قال رسول صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: وَجَبَتْ محبتي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فيَّ".
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ الله له على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فلما أتى عليه، قال: أَيْنَ تُرِيدُ؟
قال: أُرِيدُ أَخًا لي في هذه الْقَرْيَةِ.
قال: هل لك عليه من نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟
قال: لَا غير أني أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ عز وجل.
قال: فَإِنِّي رسول اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قد أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فيه". رواه مسلم.
2- عدم اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي إلا عند تعذر اللقاء.
3- علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعطي كل ذي حق حقه:
ومن اﻷمثلة على ذلك:
أن يبادر اﻷصغر سناً لزيارة اﻷكبر سناً.
وأن يبدأ التلميذ زيارة أستاذه، أو الاتصال به هاتفياً عند تعذر الزيارة، لسماع صوته، والاطمئنان على صحته.
وعند تعذر اللقاء، أو الاتصال الهاتفي لا بأس باللجوء إلى الرسائل، شريطة التنبه للملاحظة اﻵتية:
4- عدم معاملة الجميع معاملة واحدة.
ومن غير اللائق أن يكتب صيغة واحدة ويعممها على الجميع، وفيهم من هو من أساتذته، أو والديه، أو كبار أصدقائه، وفيهم العلماء اﻷجلاء، وهكذا.
فديننا يعلمنا أن ننزل الناس منازلهم في السن والعلم والفضل.
ومنهم: من يعمم صورة تهنئة، ويعممها على الجميع.
وهي لا تفصح عن شعور، ولا تعبر عن مشاعر.
5- لا بأس بتخصيص يوم للخروج إلى زيارة اﻷهل واﻷصدقاء، ويوم آخر للجلوس واستقبال الزائرين.
وأن يعلم اﻷهل واﻷصدقاء بذلك للتيسير على الزائر والمزور.
وقد أدركنا أهالينا وهم ملتزمون بهذه اﻵداب الجميلة الحسنة.
ووسائل اﻻتصال عالجت هذا اﻷمر.
6- أن نحافظ على سنة إكرام الضيف، من طعام، وشراب، وحلوى ما استطعنا إلى ذلك من سبيل.
لا سيما إذا علمنا بأن التباذل في الله تعالى موجب لمحبة الله تعالى لنا، وأي فضل أعظم من هذا الفضل.
7- من اﻷفضل أن تبدأ التهاني بالعيد بعد صلاة العيد، فهذا هو محلها.
ولنا أسوة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في اﻷثر: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنك".
فتح الباري لابن حجر 2/ 517 وإسناده حسن.
وأسأل الله سبحانه أن يبارك لنا بالعيد، وأن يجعله بداية لصفاء القلوب، ومنطلقاً للتحابب المطلوب بين المسلمين.
↧
September 13, 2016, 7:10 am
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة
يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].
السِّلم في الآية هو الإسلام؛ كما قال ابن عباس - رضِي الله عنهما - أي: يأمر الله - سبحانه - الذين آمَنوا أنْ يدخلوا في الإسلام في جميع شرائعه.
قال ابن كثير: "يقول -تعالى- آمِرًا عبادَة المؤمنين به المصدِّقين برسوله أنْ يأخُذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استَطاعُوا من ذلك".
إنَّنا مُطالَبون أنْ ندخل في الإسلام في كلِّ أحكامه، وعندئذٍ نكون مسلمين حقًّا، وهذا الذي كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقد وقَف الصحابي الجليل والخليفة العظيم الأوَّل سيدنا أبو بكرٍ الصديق - رضِي الله عنه - الموقف العظيم عندما قال عن قومٍ رضوا بأنْ يأتوا بأركان الإسلام كلها إلا الزكاة، قال: والله لأقاتلنَّ مَن يُفرِّق بين الصلاة والزكاة.
إنَّ الإسلام كلٌّ لا يتجزَّأ، وكلُّ مَن اقتصر على الأخْذ بجزء وواحد منه وأهمل الأجزاء الأخرى ضلَّ ضلالاً بعيدًا ووقَع في الفتنة.
وقد أنكر الله - عزَّ وجلَّ - على بني إسرائيل أنْ يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفُروا ببعض؛ فقال -تعالى-: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].
ويلجأ أعداء الله فيعمدون إلى مَقالةٍ من هذا القَبِيل فيقول قائلهم: إنَّنا نقبَل منكم أنْ تأخُذوا من الإسلام النِّظام الروحي، وقانون الأحوال الشخصيَّة، ثم نُطالِبكم بالأخْذ بالأنظِمة المعاصرة، فهذا يتَّفق ورُوح العصر ويجعَلكم في مَصافِّ الأمم المتقدِّمة، خُذُوا من هذه الأمم القانون المدني، والقانون الجنائي، والأنظِمة الاقتصاديَّة، إنها مرحلةٌ لزَحزَحتنا عن دِيننا؛ ولذلك فقد حذَّر الله - تبارك وتعالى - رسولَه من هذه الخطوة فقال: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49].
إنَّ من الواجب أنْ نأخُذ بكلِّ ما جاء في الكتاب والسنَّة، وألاَّ نقتصر على جانبٍ ممَّا جاء فيهما، ذلك هو الحق، إنَّ الدُّخول في الإسلام كلِّه يحتاج إلى عزيمةٍ وهمَّة، وتخطيط وجُهد وصبر، أمَّا الاقتصار على جانبٍ فَذاك أمرٌ سَهل، ولا يحتاج جُهدًا ولا عَناءً.
إنَّ المسلمين عندما يعمَلون الصالحات، ويُطبِّقون أحكامَ الإسلام كلها فيُؤدُّون الواجبات ويترُكون المحرَّمات، ويتخلَّقون بالخُلُق الإسلامي العظيم - يكونون عندئذٍ قد حقَّقوا للناس واقعَ الإسلام العظيم، ولكنَّهم عندما يقتصرون على بعض الجوانب من الإسلام ويترُكون الجوانب الأخرى يكونون صورةً للإسلام لا حقيقة له، فهم قانِعُون بالمظاهر...
ونحن المسلمين عندما فاجأَتْنا الحضارة النصرانيَّة الغربيَّة الحقودة واجَهْناهم بصورة المسلمين لا بحقيقتهم، وهم واجَهُونا بحقيقة القوَّة والعلم، فانتصرت الحقيقة على الصورة.
فقضوا على دولة الخلافة، واستولوا على بلادنا، وقسموها وتقاسَموها، ووضعوا الخطط لإفساد شَبابنا وبَناتنا، وما يزالون ينكلون بنا عن طريق إسرائيل وعملائهم.
لا بُدَّ لنا من أنْ ندخل في الإسلام كافَّة من جديد، وكنت قد قرأت مقالةً بهذا المعنى عنوانها: "بين الصورة والحقيقة"...
وقد أُعجِبت بها، يقول كاتبها أبو الحسن الندوي - رحمه الله -: "إنَّ كلَّ شيءٍ له صورة وحقيقة، وبينهما فرقٌ كبير رغم الشَّبَه العظيم، تُميِّزون بينهما بسُهولةٍ في حَياتكم، وتُعامِلون الحقيقة بما لا تُعامِلون به الصورة.
وأضرب لذلك مثَلين: هذه مثلٌ للثمار المصنوعة من الخزف، تتراءى للناظر كأنها تفاح ورمان وبرتقال وعنب وموز في لونها وشكلها، ولكن أين الصورة من الحقيقة؟ وأين طعم هذه الثمار ورائحتها؟ إنها ليست إلا للزينة.
إنَّكم ترَوْن في المتحف كلَّ نوعٍ من السباع والأنعام والطيور الجميلة، والعصافير الصغيرة؛ ففيها الأسد والذئاب والأفيال والدببة، وفيها كلُّ طائرٍ جارح، وكلُّ سبع مخيف، ولكنَّها جُثَثٌ هامدة لا حراك بها، وأجساد ميتة محشوَّة بالليف والقطن، ليس فيها رمق من حَياة وقوَّة تهجم بها وتَصُول، حتى لا تحس منها من أحدٍ ولا تسمع لها ركزًا.
إنَّ الصورة لا تستطيع أنْ تسدَّ مكان الحقيقة وتَنُوب عنها، ولا يمكنها أنْ تُمثِّل دور الحقيقة في الحياة وتأتي به من عملٍ ونشاط، ولا يمكن أنْ تقاوم الحقيقة وتكافحها.
فإذا وقَع صِراعٌ بينهما انهارَت الصورة، ولا يمكنها أنْ تحتَمِل عِبء الحقيقة، والصورة ولو كانت مَهِيبة هائلة تتغلَّب عليها الحقيقة ولو كانت ضعيفة متواضعة، وإنَّ الولد يقدر أنْ يسقط الأسد الميت المحشو بالليف والقطن بيده الضعيفة الناحلة؛ لأنَّ الولد يحمل حقيقة ولو كانت حقيقة صغيرة، والأسد ليس إلا صورة ولو كانت صورة مهيبة".
وقد قرَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى مُفرِّقًا بين الصورة والحقيقة؛ فقال في الحديث الصحيح: ((إنَّ الله لا ينظُر إلى صُوَرِكم وأجسادِكم، ولكنْ ينظُر إلى قُلوبكم وأعمالكم))؛ رواه مسلم برقم 2563، 2564.
فالذين يتصوَّرون أنَّ الإسلام مقصورٌ على بعض المظاهر الطيِّبة التي دعتْ إليها النصوص الصحيحة، ولا يقرنون ذلك بالنيَّة الخالصة والعمل مخطئون، إنَّ الصورة مطلوبة، ولكن لا بُدَّ من أنْ تكون مع العمل الصالح والنيَّة الخالصة.
إنَّ المرء الذي يلتَزِم بالمظهر الطيِّب في الملبس ونحو ذلك من المظاهر، ثم يأتي ما حرَّم الله من أكْل مال الناس بالإثم والباطل، ويقتَرِف الفواحش والكبائر، ويقَع في أعراض إخوانه من المسلمين والمسلمات بعيدٌ عن حقيقة الدين الذي يَرضاه الله.
وهناك آية كريمة جامعةٌ رائعة تنصُّ على أنَّ الاقتصار على أمرٍ واحد من أمور الشريعة ليس من البر، بل لا بُدَّ من الأخْذ بما يستطيع من أمور الشريعة كلها؛ يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
إنَّ الصلاة - وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين - لا يكفي الاتِّصاف بها وحدَها في التزكية عند عُلَماء الحديث، بل لا بُدَّ من أنْ يكون معها سَلامة الراوي من أسباب الفِسق وخوارم المروءة، فما بالنا بالأمور الأخرى التي عبَّر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصور والأجسام؟!
والحمد لله ربِّ العالمين.
↧
September 13, 2016, 7:17 am
رفع اليدين في الصلاة
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
• عن نافع - مولى ابن عمر - أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه سلم؛ رواه البخاري[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: دل الحديث على أن المصلي يسن له أن يرفع يديه في أربعة مواضع، أولها: عند تكبيرة الإحرام، والثاني: عند الركوع، والثالث: عند الرفع من الركوع، والرابع: عند القيام إلى الركعة الثالثة، وإذا كان المأموم مسبوقًا بركعة أو ركعتين فإنه لا يرفع مع الإمام، وإنما يرفع يديه إذا قام إلى ثالثته هو، وإن لم يجلس للتشهد، كما لو كان مسبوقًا بركعةٍ، وقد ذكر فيه الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى - احتمالين في أواخر كتابه في القواعد الفقهية[2]، هذا هو أصحهما؛ لأن السنة إنما جاءت بالرفع عند القيام إلى الثالثة، وهذه ثالثته، وإنما ترك الجلوس للتشهد لأجل متابعة الإمام، فلا يترك ما هو قادر عليه من غير مخالفة لإمامه، والله أعلم.
الفائدة الثانية: دل هذا الحديث على عدم مشروعية رفع اليدين في غير هذه المواضع الأربع، وقد جاء التصريح بنفي رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في غيرها في رواية أخرى عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود"[3]، وأما أحاديث الرفع في كل خفض ورفع فالمحققون من العلماء لا يصححونها[4].
الفائدة الثالثة: رفع اليدين يكون إلى حد المنكبين، وقد جاء التصريح بذلك؛ كما في الحديث السابق عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة..."، وقد جاء في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا كبَّر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده، فعل مثل ذلك"؛ رواه مسلم[5]، فالسنَّة رفعهما إلى المنكبين أحيانًا، وإلى الأذنين أحيانًا أخرى؛ ليكون المصلي عاملًا بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما يفعله بعض الناس من مس شحمتي الأذنين عند رفع اليدين، فهو بدعة لا أصل لها[6]، قال العلامة الألباني - رحمه الله -: وأما مس شحمتي الأذنين بإبهاميه، فلا أصل له في السنة، بل هو عندي من دواعي الوسوسة؛ اهـ[7]، وقال شيخنا العلامة عبدالعزيز بن محمد الداود عفا الله عنا وعنه: ليس له أصل، السنة أن يرفع يديه إلى حذاء أذنيه أو منكبيه؛ اهـ[8]، وقال شيخنا العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك عفا الله عنا وعنه: لا أصل له، والظاهر أنه من الوسوسة؛ اهـ[9].
[1] رواه البخاري في كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين 1/ 258 (706).
[2] ينظر: القواعد الفقهية لابن رجب الحنبلي ص 370 في الفوائد الملحقة بالقواعد، والتي ختم بها كتابه، (الفائدة الأولى).
[3] رواه البخاري في كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء 1/ 257 (702)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود 1/ 292 (390).
[4] ينظر: زاد المعاد 1/ 222 - 223.
[5] رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود 1/ 293 (391).
[6] وإنما ذهب إليها بعض المتأخرين من الفقهاء، وهم بذلك يخالفون الإجماع المتقدم على عدم مشروعية ذلك، ويمكنك مراجعة الكلام على المسألة في كتابنا: حكم مس شحمتي الأذنين عند رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام - دراسة فقهية حديثية - نشر دار إشبيليا.
[7] هامش تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص 13.
[8] جواب سؤال كتبته من لفظه.
[9] جواب سؤال كتبته من لفظه.
↧
September 13, 2016, 11:38 am
↧
↧
September 13, 2016, 3:49 pm
السلام عليكم ..
انا فتاة في 19من العمر تريد صديقة امي ان تخطبني لابنها و هو موافق على ذلك و قد اخبرت امي بذلك و هي بدورها اخبرتني فوافقت نظرا لاخلاقه لكن الامر لا يزال قولا فقط فلم يات بعد لخطبتي مع ان والدته تقول انه يصر علي و يريدني ان اكون له بذريعة ان السكن ليس متوفر حالي .... و هو يبعث لي رسائل في الاعياد و هذه الرسائل محترمة و ليس فيها اي نوع من الاستمالة او قلة ادب .. فهل اجيب على هذه الرسائل؟
↧
September 13, 2016, 9:31 pm
واذكروا الله في أيام معدودات ..
اللجنة التربوية
ايام الخير التي نعيشها , فضل ومنة من الله سبحانه , والفضل لم ينته بانتهاء يوم عرفة .. فيوم العيد وايام التشريق ( أيام العيد ) فيها فضل كبير وهي أيام خير وأجر كبير ..
وقد شرعها الله سبحانه إسعادا للمؤمنين , وبركة لهم , وإدخالا للسرور عليهم , كما شرعها تعظيما لشعائره , وبيانا للمستجيبين الطائعين من المتكاسلين الغافلين .
فالمؤمنون يرتبون حياتهم وينظمونها ويقيمونها على أمر الله سبحانه وشعائره وعبادته , فالصلاة قوام حياتهم والشعائر محور أعمالهم .
وأيام التشريق تظهر فيها الشعائر المباركة , وتبدو فيها استجابات المؤمنين لها ..
فالحجيج يؤدون المشاعر والعبودية حيث أمرهم وحيث هوت قلوبهم عند البيت الحرام , والناس في ديارهم يمتثلون أمر ربهم كذلك كما بين لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم :
قال سبحانه :" واذكروا الله في أيام معدودات " ..فهي أيام التشريق
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا - أَهْلَ الإِسْلاَمِ - وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ))؛ رواه أبو داود والترمذي
وقال صلى الله ليه وسلم : " إن أعظمَ الأيام عند الله يومُ النحر ثم يومُ القر " أخرجه احمد وابو داود ويوم القر هو ثاني أيام العيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) أخرجه مسلم
قال الحافظ ابن رجب : ( وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته, وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات
فأيام التشريق أيام أكل وشرب وإظهار للفرح والسرور والتوسعة على الأهل والأولاد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما ليس بمحظور ولا شاغل عن طاعة الله تعالى كذلك فهذه الأيام أيام ذكر لله تعالى .
قال الله تعالى: [فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع :فذكره عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق , وذكره عز وجل على الأكل والشرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله لَيَرْضَىَ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. رواه مسلم والترمذي , وذكره تعالى المطلق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق .
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا، وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.
فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر وبذلك تتم النعمة وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات .
والشعيرة العظيمة التي هي الذبح لله سبحانه , لها من الآثار الكثير والكثير , سواء على المجتمع المسلم أو النفس المؤمنة من بركة الاستجابة للطاعة والمسارعة إلى تنفيذ الأمر الرباني مع الجهد والتعب فيه ..
قال سبحانه : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج:37) قال ابن كثير: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها, فإنه الخالق الرازق, لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها, فإنه تعالى هو الغني عما سواه .
↧
September 13, 2016, 9:34 pm
كيري ولافروف وليلة القبض على الثورة الشامية
دـ أحمد موفق زيدان
د. أحمد موفق زيدان
ليس هناك تشبيه أصدق من عنوان الفيلم الشهير ليلة القبض على فاطمة المنطبق اليوم على اتفاق كيري ـ لافروف بحق الثورة الشامية، ولا ثمة تشبيه أصدق من تشبيه ماوتسي تونغ حين حذر الثائر من القبول بالمفاوضات لأن سحل رجله من أعلى القمة سيجد نفسه في أسفل القاع بعيداً عن أرضيته وقواعد لعبته الثورية ليخوض لعبة غيره وبقواعدهم التي وضعوها هم بأنفسهم وما عليه إلا أن يلتزم بها..
لا يشك عاقل ولبيب بل ومن لديه أدنى مستويات الذكاء السياسي أن الثورة الشامية العظيمة هي ثورة الأمة، ولذا فقد تكالب عليها الشرق والغرب، وأرغمت كيري _ لافروف على صرف الأيام والأشهر والسنوات حتى يتوصلوا إلى اتفاق لا يهدف لتصفية الثورة الشامية فحسب، وإنما لتصفية عالم العرب والإسلام لصالح الصفويين وأسيادهم من روس وأميركيين، ومن لم يعتبر بحادثة العراق واليمن فلن يعتبر من حادثة الشام ...
بالمقابل لا أشك للحظة أن ثورة الشام التي انطلقت وعين الله تحرسها، وكفالة الله تحميها ستصل إلى نتيجتها المنطقية وستبطل كل سحر نسجوه بإذن الله، ولكن بالمقابل هذا يتطلب مواقف ومسؤوليات شامية ثورية وشعبية، وكذلك مسؤوليات من الدول الصديقة التي وقفت إلى جانب الشعب السوري، والأصح أنها وقفت إلى جانب نفسها، فهي تعي وتدرك تماماً أن الشعب السوري اليوم يقدم دمه رخيصاً لحماية تلك الدول الصديقة التي ستدفع لا سمح الله ثمناً رهيباً إن تمكن كيري لافروف من القبض على الثورة الشاميةن وقد بدأت هذه القوى المعادية بالتغول على الدول الصديقة ولذا لا مناص من الوقوف بوجه أحلامها وطموحاتها وبقوة وشراسة.
نبدأ بالفصائل الثورية المقاومة فإن الدول الصديقة قد تمارس ضغوطات عليهم من أجل القبول بهذا الاتفاق ولكن لهذه الدول أوضاعها وظروفها واشتراطاتها، ولكن لا يعني ذلك أن هذه الدول الصديقة تريد من الجماعات الثورية أن تستجيب وتقبل الضغوط، ولذا فإن مساحة تحرك هذه الفصائل أكبر بكثير من مساحة تحرك الدول، فبمقدور الفصائل المعنية أن تقول لا ، ولتعتبر هذه الفصائل بتصفية القضية الفلسطينية من خلال الدخول بمفاوضات تلو مفاوضات واللهث خلف سراب أوسلو وما بعده وما قبله حتى بيعت القضية الفلسطينية بأبخس الأثمان ومن عملاء سيخلد ذكرهم إلى جانب أبي رغال، تماما كحال قادة الثورة الشامية الذين يرتضون أن يكونوا آباء رغالات جدد، وإن ظنوا أنهم يحسنون صنعا..
هناك مسؤولية مهمة على الحاضنة الشعبية والثورية لهذه القيادات، فعليها أن تأخذ على أيدي قادتها وتأطرها على الحق أطراً وألا تسمح لها أن تبيع دماء شهداء أكثر من ستمائة ألف شهيد بدون ثمن، وأن تقول لها كفى تنازلات، فمن يتنازل للعدو وبشكل واضح وصريح وفاضح ودون سبب يصر بالمقابل للأسف على عدم التنازل لإخوانه ومجاهديه، لهو شخص خائن لثورته وليس جديراً أن يؤتمن على دماء الشهداء وعلى مستقبل الأجيال..
أخيراً على الدول الصديقة للثورة الشامية أن تعي أن الجدار الصلب الذي يقف حائلا أمام طموحات الصفويين وأمام المجرمين المتربصين بأصدقاء الشام هو جدار الشام، ولا سمح الله إن سقط هذا الجدار فسنرى الدماء أنهاراً كما جرت بالشام والعراق، ولذا تصديق الوعود الكاذبة من شرق وغرب ينبغي ألا تعد تخدعنا مجددا وتحرفنا عن بوصلتنا، والبوصلة إسقاط العصابة الطائفية المجرمة في الشام، وإلا فإن الأيام القادمة خطيرة ليست على الشام الذي لم يعد هناك ما يُخشى عليه فيها وإنما على الأصدقاء، فتسونامي الدمار والخراب الصفوي وبدعم غربي وشرقي سيجرفنا جميعا لا سمح الله ولا قدر إن لم نستيقظ وأخذنا الكتاب بقوة .....
↧
September 13, 2016, 9:49 pm
مثارات الغلط في مقاصد الشريعة
. د. هاني بن عبد الله بن محمد الجبير
علم مقاصد الشريعة علم دقيق، لا يخوض فيه إلا من لطف ذهنه، واستقام فهمه، واتسعت معارفه من نصوص الشرع وكلام فقهاء الشريعة، وهو مع دقته وتعلقه بكثير من القواعد المنهجية وجد اهتماماً واسعاً في هذا العصر، جعله مداراً لأطروحات المختص وغير المختص، بل استخدم كعنوان براق لتبرير تعطيل أحكام الشرع، والخروج عليها، مع أنه إنما قرر أصلاً ليكون وسيلة لتفعيل أحكام النصوص الشرعية بنقلها لمواضع أخرى بحيث يتسع نطاق النص فيدخل فيه ما لم ينص عليه صراحة.
وفي هذا المقال الموجز عرض لجملة من مثارات الغلط التي قد تعرض لمن تناول هذا الفن، أو بحث فيه تأصيلاً أو تنـزيلاً.
تعريف علم مقاصد الشريعة:
المقاصد: جمع مقصد، وهو مصدر ميمي من الفعل: قصد، ومن معانيه: الأَمُّ، والاعتماد[1]. والقصد: استقامة الطريق، والقصد: إتيان الشيء. تقول: قصدته وقصدت له وقصدت إليه بمعنى. قال ابن فارس: «القاف والصاد والدال أصول ثلاثة، يدل أحدها على إتيان شيء وأمه، والآخر على اكتناز في الشيء. فالأصل: قصدته قصداً ومقصداً. ومن الباب: أقصده السهم، إذا أصابه فقتل مكانه، وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه»[2].
والشريعة: هي مورد الماء والظاهر المستقيم من المذاهب، وتطلق في الاصطلاح على ما سنه الله تعالى من الأحكام، وأنزله على أحد أنبيائه[3].
وعلم المقاصد: علم يُعنى بالأغراض والمصالح التي لأجلها شرع الله تعالى الشرائع[4].
مثارات الغلط عند من يتناول المقاصد:
عند دراسة كتابات المعتنين بالمقاصد تأصيلاً أو تنزيلاً واستثماراً يمكننا أن نلحظ جملة من الأمور التي توصل للغلط في استثمار المقاصد أو تفعيلها، ومن هذه الأمور:
1- الغلط في إلحاق الفعل بأحد مراتب المقاصد: فتصنيف الأحكام الشرعية في مراتب المقاصد - من الضروري والحاجي والتحسيني - عمل اجتهادي، ومن هنا قد يقع الغلط في إلحاق الفعل بإحدى المراتب. كما أن إلحاق الفعل بمرتبة من المراتب قد يتغير بحسب الزمان والمكان والحال، قال الشاطبي: «تنزيل حفظ الضروريات والحاجيات في كل محل على وجه واحد لا يمكن بل لابد من اعتبار خصوصيات الأحوال والأبواب وغير ذلك من الخصوصيات الجزئية»[5].
ويتحدد إلحاق المقصد بأحد هذه المراتب بنوع المصلحة المترتبة عليه، والمفسدة المندفعة به، وحجم المصلحة أو المفسدة، وحكمه التكليفي، وصيغة طلبه، والعقوبة الزاجرة عن فعله أو تركه، وهي أمور اجتهادية دقيقة، من لم يكن من أهلها أخطأ في تنزيلها.
2- الغلط في الموازنة بين المصالح: الموازنة عمل دقيق، تكتنفه عدة مخاطر، ولذا فهو يحتاج لفقيه نفس متمكن من علوم الشرع، مستبصر بواقع الحال مدرك لمآلات الأفعال وآثارها.
والمعيار الصحيح لإدراك المصالح والمفاسد هو الكتاب والسنة، وهذا أمر تدركه الفطر السليمة، والعقول الصحيحة؛ ولذا فالمعتبَر في معرفه المصلحة هو النص الشرعي، فإن الشرع لا يهمل مصالح العباد[6].
ومن معايير الموازنة:
- مراعاة الحكم الشرعي والارتباط به: فما كان من جنس الواجب فهو أولى بالتقديم على ما هو من نوع المندوب[7].
- النظر إلى نوع المصلحة: فالضرورات الخمس متفاوتة فيما بينها، فحفظ الدين يسترخص لأجله النفس والمال، وحفظ النفس مقدم على حفظ المال، فإنها تفتدى بالمال، والمال يمكن استدراك ما يفوت منه بخلاف النفس. واستقر الأمر عند جماهير أهل العلم على أن ترتيب الضروريات الخمس كما يلي: الدين، ثم النفس، ثم العقل، ثم النسل، ثم المال. والتحقيق أن ترتيب الضروريات هو من حيث الجملة، وأما في أعيان الوقائع فليس له قانون واضح يعول عليه، بل تتفاوت باعتبار تفاوت المصالح والآثار.
- النظر في عمومها ومدى شمولها: بأن تحقق النفع لعموم الناس أو أكثرهم لا تخص أفراداً معينين دون غيرهم ولا فئة ما دون بقية الناس.
- النظر في تأكد الوقوع من عدمه: بأن يقطع المجتهد بأنَّ هذه المصلحة سوف تتحقق وتقع أو يغلب على ظنه ذلك.
- مدى استمرارها الزمني وهل تنقطع المصلحة أو المفسدة بعد مدة أم تبقى زمناً طويلاً[8].
3- تقصيد ما ليس مقصداً: فالمقصد لابد أن يتضمن مصلحة، وأن تكون معتبرة في الشرع، وأن يكون التعرف عليها مأخوذاً من طريق شرعي مقبولاً بحسب قواعد الاستدلال، فلا يكفي كون الشيء مصلحة لجعله مقصداً إذا لم يشهد له الشرع بالاعتبار، ولذا يقول الغزالي: «اتباع المصالح مع مناقضة النص باطل»[9]. ويقول أيضاً: «كل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فُهم من الكتاب والسنة والإجماع، وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة»[10]. فلابدَّ أن يكون لتلك المصلحة ما يشهد لها بأنَّ الشريعة تسعى لتحقيقها كأن تدخل تحت أصل عام من أصول الشريعة أو قاعدة من قواعدها أو أن يرد في الشرع ما يشهد لنوعها أو لجنسها. والشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح، محصل لمصلحة أو دافع لمفسدة[11].
4- الغلط في الجمع بين المقصد والدليل الجزئي: فلا يسوغ مطلقاً تعطيل الدليل الجزئي مراعاة للمقصد، بل إن وجود الجزئي مخالفاً للمقصد قادح في اعتبار المقصد، يقول الشاطبي: «الجزئيات لو لم تكن معتبرة مقصودة في إقامة الكلي لم يصح الأمر بالكلي من أصله، لأن الكلي من حيث هو كلي لا يصح القصد في التكليف إليه، لأنه راجع لأمر معقول لا يحصل في الخارج إلا في ضمن الجزئيات، فتوجه القصد إليه من حيث التكليف به توجه إلى تكليف ما لا يطاق، وذلك ممنوع الوقوع كما سيأتي إن شاء الله، فإذا كان لا يحصل إلا بحصول الجزئيات، فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات. وأيضاً، فإن المقصود بالكلي هنا أن تجري أمور الخلق على ترتيب ونظام واحد لا تفاوت فيه ولا اختلاف، وإهمال القصد في الجزئيات يرجع إلى إهمال القصد في الكلي، فإنه مع الإهمال لا يرجي كلياً بالقصد، وقد فرضناه مقصوداً، هذا خلف، فلا بد من صحة القصد إلى حصول الجزئيات، وليس البعض في ذلك أولى من البعض، فانحتم القصــد إلى الجميع، وهو المطلوب»[12].
ولا يسوغ إهدار دليل جزئي مراعاة للمقصد إلا بطريق الاستحسان ووفق قواعده، بعد محاولة الجمع بينهما. قال الشاطبي: «فإذا ثبت بالاستقراء قاعدة كلية ثم أتى النص على جزئي يخالف القاعدة بوجه من الوجوه المخالفة، فلابد من الجمع في النظر بينهما»[13].
وقاعدة ذلك: مراعاة مرتبة المقصد ومرتبة الدليل الجزئي، بالتفريق بين المقصد القطعي من الظني، والدليل القطعي والظني في دلالته وثبوته، وما يمكن تأويله تأويلاً صحيحاً وما لا يمكن، والمقصد الذي يفوت والمفاسد المتوقعة، وليحذر الناظر في ذلك من الوقوع تحت وطأة تبرير الواقع والرضوخ له بلا اعتبار لأصول الشرع. ومثاله: ما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى»[14].
فقد اختارت مجامع الفقه المعاصرة أن علة جريان الربا في الذهب والفضة هي الثمنية. وعليه، فالنقود تشترك معها في العلة وبذا لابد في وفاء القروض من التماثل، وهذا الحكم شرع لتحقيق العدل ومنع الظلم بالزيادة في أحد العوضين. فإذا حصل التضخم بانخفاض سعر العملة، فكيف يقضى الدين؟
قيل: يقضى بمثله متابعة للنص، وبهذا سيحصل ظلم في حق المقرض الذي سيرد له أقل مما أنفق، وهذا معاكس لقصد تشريع منع الزيادة، وقيل: يقضى الدين بقيمته وقت القرض، وهذا وإن حقق العدل فقد خالف ظاهر النص. فإذا دفعت المثل حافظت على الدليل الجزئي، وإذا نظرت إلى مقصد العدل الذي شرع الحكم لأجله أجزت الزيادة، فلذا وقع هذا الخلاف بين المعاصرين[15].
اللهم وفقنا للحق، وألهمنا رشدنا، ويسر الهدى لنا، لا إله إلا أنت.
[1] لسان العرب (3 / 353)، القاموس المحيط ص310.
[2] مقاييس اللغة (5 / 95).
[3] القاموس المحيط ص732، مقاييس اللغة (3 / 262).
[4] انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر بن عاشور (251)، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها: علال الفاسي (3).
[5] الموافقات (4/228).
[6] انظر: شفاء الغليل للغزالي ص220.
[7] قواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام (1/7-24).
[8] انظر: ضوابط المصلحة ص249، نظرية التقريب والتغليب ص330.
[9] شفاء الغليل ص220.
[10] شفاء الغليل ص258.
[11] انظر: الفروق للقرافي (4/7).
[12] الموافقات (2/97).
[13] الموافقات (3/173).
[14] أخرجه مسلم (4066).
[15] انظر: دراسات في أصول المداينات، د.نزيه حماد، ص205.
↧
↧
September 14, 2016, 3:13 pm
أنا وابني المراهق
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شاب في مرحلة المراهقة، اكتشفت أمه أنه يُشاهد الأفلام الإباحية، وحاولتْ إصلاحه، لكنها فشلتْ، وتريد نصائحَ تَجعله يَبتعد عن الأفلام.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي تَكْمُن في ابني المراهق، وانفتاحِه على الإنترنت؛ فكنتُ في البدايةِ لا أُحبُّ أن أفتحَ ذهنه إلى أمور خِلتُه بعيدًا عنها؛ وإذ بي أُفاجَأَ بتصفحه للمواقع الإباحية، اكتشفتُ ذلك عن طريق الصدفة!
أخذتُ الهاتف منه مرةً، فوجدتُه يتصفح موقعًا إباحيًّا، ولا أعلم هل تلك هي المشاهدة اليتيمة له أو سبَقها مُشاهدات أخرى؟! وبعد فترةٍ اكتشفتُ أنه يُحادث فتيات على وسائل التواصل الاجتماعي.
نَصحتُه وحذَّرته مِن خطورة ما يَفعل، لكنه لَم يأبَهْ لكلامي، بل لم يَهتمَّ أصلًا، فكان يَعِدُني بعدم التَّكرار، ثم يُعيد التواصُل مع عديمات الشرَف!
جعلتُ المشكلةَ أولًا بيني وبينه، ثم جَعلْتُها بيني وبينه وبين أبيه، ولم أُشَهِّر به أو أَفْضَحُه، بل جَعلتُه يَعرف خَطأَهُ بنفسه، وسحبنا منه الجوال مرة واثنتين وثالثة، ولا فائدة!
طلَبنا منه ألا يضَعَ كلمة مُرور للجهاز، وهددناه أننا إذا اكتشفنا أنه وَضَع كلمة مرور فسوف نأخذ الجهاز منه! لكنه تَمَرَّد ورفَض، ثم بدأ يتخذ منحى آخر فيجلس عند أصدقاء السوء دون استئذانٍ، ويغيب الليالي ذوات العدد، ويعود بعد إلحاحي الشديد عليه.
بدأتُ أحضُر دورات تربوية تدريبية للتعامُل مع المراهِق، لكنني أقف حائرةً أمام سُلوك ولَدي، وأدعو له بالصلاح.
وأرجو مشورتكم
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أيتها الأم الفاضلة، حياكِ الله.
مشكلتكِ يا عزيزتي مشكلةٌ شائعة بين الأمهات، حين تعتقد أن طفلَها الجميل البريء سيبقى بريئًا ولو تغيَّر العالمُ مِن حوله، وسيظل نقيًّا طاهرًا مهما تَلَوَّثت الأجواء، وتَعَكَّرت السماء، ومَن تنعتينهنَّ بعديمات الشرف قد ينعتْنَ ولدك بمثل ذلك وأسوأ؛ لأن المعصيةَ واحدة، وقُبحُها لا يختلف باختلاف الأجناس، ونحن لا ندري مَن الذي أغوى الآخر! فدعينا مِن اتهام الناس، وعدم تقبُّل فكرة أن أبناءنا يتحملون قدْرًا مِن الخطيئة.
ولدُك الآن في مرحلةٍ لا يَتَمكَّن فيها مِن تجاهل موضوع كموضوع الجنس والفتيات بشكلٍ عامٍّ، ونحن حين نتكتَّم ونُبالغ في التكتُّم على كل ما يتعلق بذلك، ونراه كـ"مثلث برمودا" نخشى الاقتراب منه، ونَتَجَنَّب الحديث عنه، فإنَّ ذلك لن يُعْجِزَ المراهق أن يَحْصُلَ على ما يُريد مِن معلوماتٍ مِن خلال الأصدقاء أو الإنترنت، وهنا تزيد الفجوةُ القائمةُ بين المراهق ووالديه؛ حيث يُقام حاجز مَتين بينه وبين والديه اللذين لا يَقبلان الحديث عن ذلك، أو تقبل رأيه، أو إجابة ما يَدور في ذهنه مِن أسئلةٍ تبقى في معظم الأحوال بحاجةٍ لِمزيدٍ مِن التوضيح.
في هذا العمر أصبح اتخاذُ ولدِك صديقًا ضرورة لا بد منها لإنقاذِه، والصداقةُ بينكما لا تعني مزحةً عابرةً، أو هديةً في العيد، أو مساعدته في الواجبات المدرسية، بل تعني تفهُّم احتياجاته، والتقرُّب إلى نفسه، والتقبُّل العميق لوِجْهَة نظره التي تبدو لكِ سطحيةً أو تافهةً أو بعيدة عن الأدب والأخلاق الحميدة، والاهتمامُ الحقيقي باهتماماته وعدم تسفيه آرائه، أو تشويه أحلامه، أو الحط مِن قدْرِه بأيِّ شكلٍ مِن الأشكال، وإظهار المحبة الفِعلية غير المشروطة بالتزامه بكافة التعاليم، أو انصياعه لكل الأوامر، ثم يأتي النُّصح بعد ذلك في سلوكٍ تربويٍّ حميميٍّ وديٍّ، حتى يكونَ أيسرَ في القَبول.
يُؤسفني أنكِ تأخَّرتِ في غرس مراقَبة الله في نفس ولدكِ، وأرجو ألا تُخبريني بأن البيت خالٍ من المحرمات والمشاهد الخليعة ونحو ذلك؛ فالتزامُكم بإخراج مصادر الفُحش مِن البيت لا علاقةَ له بغرسِ العقيدة الصحيحة في نفسه، وتطبيق مبدأ الإحسان؛ وهو: ((أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكنْ تَراه فإنه يراك))، كم مرة جلستِ مع أولادكِ جلسة عائلية دافئة، وبَثَثْتِ فيهم روح الإيمان الحق، والصدق مع الله وعبادته في السر كما العلن؟!
نحن نُبالغ في التقصير مع أبنائنا على أساس إحسان الظن بهم، وأن أبناء الآخرين دائمًا هم رفاق السوء، لماذا لا نتوقع أن يكونَ أبناؤنا أيضًا رفاق سوء لغيرهم؟!
نصيحتي لكِ أن تَتَقَرَّبي وزوجكِ الفاضل مِن الولد، وأن تكفَّا عن نَهرِه، أو التشهير به أمام الأقارب، ولو حَسُنت النيةُ، وأن تفتحَا له المجال ليفصحَ عما في نفسه، وأن يكونَ بينكم حوارات آمنة بعيدة عن الأوامر والنواهي، وتجنَّبَا السلوك الجافَّ الخالي مِن العاطفة؛ فولَدُكِ الآن أحوجُ ما يكون للعواطف والمشاعر التي لا خَجَلَ مِن أن تُفصحي ووالده له عنها، لماذا لا تُصارحينه بمحبتكم الشديدة له على ألا يكونَ في وقت إلقاء الأوامر؟ لماذا لا تحتضنينه كما كان صغيرًا؟
مِن أكثر ما يَدفع المراهق لارتكاب الفواحش في بيئةٍ مُلتزمة حرمانُه الشديد مِن العاطفة والجفاف الأسري الذي تُعاني منه أغلبُ بيوتنا بحجة انشغال الوالد، أو رغبة الأم في أن يكون ولدُها رجلًا، أو أن العاطفة لا تَبني الرجال، أو غيرها مِن الحجج التي تَهدم وتُحطم نفسيةَ المراهق؛ فيَلجأ إلى خارج البيت حيث يَعْثُر على بُغيته بسهولة ويُسرٍ.
عزيزتي، لن يكونَ في وسعي عرض سلسلة مِن الاقتراحات التي تُعنَى بكيفية التعامل مع المراهق، فعالَمُ النت مليءٌ بذلك، والدورات التي تواظبين على حضورها ستفي بالغرض بإذن الله، وإنما وددتُ أن ألفتَ انتباهكِ الكريم لبعض النِّقاط التي تغفُل عنها كثير مِن الأمهات، والتي ستُغيِّر مِن حال المراهق، وتَمنحه الأمان الذي يَنشده دائمًا.
ولعلك تستفيدين مِن هذه الاستشارات، وتَجدين فيها ما ينفعكِ بإذن الله:
استشارة: مراهق يشاهد أفلامًا إباحيَّة، استشارة: أخي المراهق، استشارة: ولدي مراهق، كيف أصلحه؟ استشارة: مشكلة مراهق 14 سنة.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
↧
September 14, 2016, 3:15 pm
أنفع الكُتُب المُرشِدة إلى كيفية التعامل مع أطفال الروضة
السؤال
أريد أن أتعلَّم طرُق التعامُل مع (30) طفلًا بروضة أطفال مِن مختلف الاتجاهات والأخلاقيات، ومُعالجة مشاكل البكاء والعِند، وكثرة الحركة.
الجواب
بسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
سلامٌ عليك، أما بعدُ:
فإنه يشُقُّ عليَّ أن أختصرَ في استشارةٍ واحدةٍ طرُق التعامل مع ثلاثين طفلًا مِن مختلف البيئات، وعلى اختلاف شخصياتهم ومشكلاتهم، غير أنك لو سألتَ عن أنفع الكُتُب النفسيَّة والتربوية المُرشِدة إلى كيفية التعامُل مع أطفال الروضة لَدَلَلْتُك على الكُتُب الآتية:
• كتاب: "معلمة الروضة"؛ تأليف: عاطف عدلي فهمي.
• كتاب: "معلمة رياض الأطفال"؛ تأليف: مارجريت إيدينجتون.
• كتاب: "مشكلات طفل الروضة وأساليب معالجتها"؛ تأليف: كريمان محمد بدير.
• كتاب: "مشكلات طفل الروضة: الأُسُس النظرية، والتشخيصية، والعلاجية"؛ تأليف: سامي محمد ملحم.
• كتاب: "المشكلات السلوكية لأطفال الروضة"؛ تأليف: محسن علي عطية.
• كتاب: "المشكلات النفسية عند الأطفال"؛ تأليف: زكريا الشربيني.
• كتاب: "سَيْكُولوجية الأطفال: دراسة في سلوك الأطفال واضطراباتهم النفسية"؛ تأليف: رأفت بشناق.
• كتاب: "الطفل المتنمِّر"؛ تأليف: نايفة قطامي ومنى الصرايرة.
• كتاب: "المرشد العملي لحلِّ المشاكل السلوكيَّة في مرحلة ما قبْل المدرسة"؛ تأليف: إيفا عيسى.
• كتاب: "المنهاج الإبداعي الشامل في تربية الطفولة المبكرة"؛ تأليف: محمد محمود الخوالدة.
وإلى الله الدُّعاء في توفيقك وعَوْنك وتسْديدك وإرشادك
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب
↧
September 14, 2016, 3:17 pm
كيف أكون كاتبة؟
السؤال
أجِد في نفسي فِكْرًا خصبًا، وأتمنى استثمار هذا الفكر في كتابة ما هو نافع؛ كقصة، أو رواية، أو حتى عن تاريخ عائلتي، لكني لا أعرف خطواتِ الكتابة وترتيبَها.
أرجو منكم المساعدة، ولكم وافر الشكر والامتنان.
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما بعدُ:
فأهلًا ومرحبًا بكِ - أختي الكريمة - في شبكة الألوكة.
بدايةً وقبل أي شيء، لا بد أن ألفتَ انتباهكِ إلى تصحيح نيتكِ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمالُ بالنيات))؛ متفق عليه، وقد صدَّر جمعٌ مِن أهل العلم - رحمهم الله - كتبَهم بهذا الحديث الجليلِ؛ تنبيهًا وتذكيرًا بتصحيح النية قبل أي عمل، وأنه لا عمل إلا بنيَّة، وتصحيحُ النية أمرٌ غاية في الأهمية؛ فقد تُفسِد النيةُ كلَّ شيء ويُصاحبها عدم التوفيق - والعياذ بالله، وكما قيل: "النيةُ الفاسدة تُفسِد العملَ الصالح"، وكم مِن عملٍ صالحٍ يُردِي صاحبه بفساد نيَّته! نسأل الله العافية، ونسأله التوفيقَ والقبول والسداد.
أقول: قبل الخوض في الكتابة، لا بد أن يُثرِي الكاتب ثقافته وقراءته المتنوِّعة.
أما عن خطوات الكتابة فهناك خطواتٌ تسبقها؛ وهي:
1- تصحيح اللغة، وهي أهمُّها، وذلك عن طريق تعلُّم علوم اللغة؛ كالنحو، وأنصحُ بكتاب: "النحو الوافي"؛ لعباس حسن، والإملاء وأنصح بكتاب: "قواعد الإملاء"؛ لعبدالسلام هارون، وكذا البلاغة وأنصح بكتاب: "الإيضاح في علوم البلاغة"؛ للقزويني، أو كتاب: "دروس في البلاغة العربية"، كما ينبغي النظَر في بعض الكتب التي تتناول الأخطاء اللغوية الشائعة في الكتابة؛ مثل كتابَي: "أخطاء اللغة العربية المعاصِرة عند الكتَّاب والإذاعيين"، و"معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي"؛ كلاهما للدكتور/ أحمد مختار عمر.
2- القراءة في الكُتُب الأدبية القديمة والمعاصرة؛ كـ"مقامات الحريري"، و"لباب الآداب"؛ للأمير أسامة بن مُنقذ، ومقالات العلَّامة محمد الخضر حسين، ومُؤلَّفات العلامة أحمد تيمور باشا، ومؤلَّفات مصطفى صادق الرافعي، ومؤلَّفات ومقالات العلامة محمود محمد شاكر، ومؤلفات العلَّامة بكر أبو زيد، كما أنصح كذلك بكتاب: "قطوف أدبية"؛ لعبدالسلام هارون.
هذا بعد إدامة النظر في القرآن الكريم، وكذا كُتُب السنة، وليبدأ المرءُ بكتاب: "صحيح الجامع"؛ للشيخ الألباني؛ وذلك ليُحلِّي كتاباته بالاستدلال بالقرآن الكريم، وما صح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم.
وأما خطوات الكتابة نفسها؛ فهي:
1- الاستعداد الذهني التام لكتابة الموضوع؛ وذلك بصفاء الذهن مِن الشواغل الفكرية.
2- القراءة التثقيفية حول موضوع الكتابة؛ فمثلًا لو أردتِ كتابة قصة، فلا بدَّ مِن قراءة بعض القصص المتعلِّقة بالغرض نفسه، فتعرفين كيفية نظْمِها، ومحاورها، وقراءة دراسة ميسَّرة حول فنِّ القصص عامة.
كذلك التاريخ، فكتابتُه تختلف عن القصة، فلا بد كذلك مِن القراءة في كُتُب التاريخ، لا سيما المعاصرة؛ لإشباع الكتابةِ أسلوبَ المعاصَرة، وذلك حسب غرض التأليف، وهكذا.
3- ترتيب موضوع الكتاب أيًّا ما كان الموضوع، على أن يكون ترتيبه بوضع خطة عامة للموضوع، يكون أساسها: ما الهدف من كتابة الموضوع؟ يعني: ما الذي يُراد إيصاله إلى القارئ؟
3- وضع مقدِّمة تتناسب وحجم الموضوع وأهميته.
4- كتابة مدخل مُتناسب مع موضوع الكتابة.
5- تقسيم الموضوع حسب طوله وقصره إلى فقرات، أو فصول، أو أبواب... إلخ.
6- لا بد في نهاية الموضوع أن يظهرَ الهدفُ الرئيس مِن كتابته؛ فمثلًا في الأبحاث يُكتَب ملخَّصٌ له مع أهم النتائج، بخلاف القصة مثلًا، لكن لا بد أن يظهرَ في آخر فصولها مُراد المؤلف منها، ويظهر ذلك من نتائج القصة "نهايتها".
وقد يرى المرءُ في أول طريق الكتابة أن الأمر شاقٌّ عسيرٌ؛ ظانًّا منه أن عليه الاطلاع على كلِّ هذه الكتب، والمقالات، وما إلى ذلك، حتى يتعبَّد له سبيل الكتابة، فأقول: كلَّا، فإنَّ المرء يرتقى دومًا مع كثرة قراءاته، ولا يمكن أن يأخذ ذلك كله جملة واحدة، وقد أجاب الرافعيُّ - رحمه الله تعالى - عن هذا الأمر، بعد أن نصح بإدمان النظر في القرآن الكريم وتفاسيره، وليكن تحت ناظريكِ تفسير الطبري وتفسير ابن كثير، كما نصح بالنظر في كتب السنة وشروحها، وكتب الأدب، والبلاغة، والبديع، والمقامات، فقال - رحمه الله -: "اقرأ القطعة مِن الكلام مرارًا كثيرة، ثم تدبَّرْها، وقلِّب تراكيبها، ثم احذفْ منها عبارة أو كلمةً، وضعْ مِن عندك ما يسد مسدَّها، ولا يقصِّر عنها، واجتهدْ في ذلك، فإن استقام لك الأمر فَترقَّ إلى درجةٍ أخرى؛ وهي أن تعارضَ القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها، وبمثل أسلوبها، فإن جاءتْ قطعتك ضعيفة فخُذْ في غيرها، ثم غيرها، حتى تأتي قريبًا مِن الأصل أو مثله.
اجعلْ لك كل يوم درسًا أو درسين على هذا النحو؛ فتقرأ أولًا في كتاب بليغٍ نحو نصف ساعة، ثم قطعة منه فتقرؤها حتى تقتلها قراءة، ثم تأخذ في مُعارضتها على الوجه الذي تقدم - (تغيير العبارة أولًا، ثم مُعارضة القطعة كلها ثانيًا) - واقطعْ سائر اليوم في القراءة والمراجعة، ومتى شعرتَ بتعبٍ فدَعِ القراءة أو العمل، حتى تستجمَّ، ثم ارجع إلى عملك، ولا تُهمل جانب الفكر والتصوُّر وحُسن التخيُّل.
هذه هي الطريقةُ، ولا أرى لك خيرًا منها، وإذا رُزِقْت التوفيق فربما بلغتَ مبلغًا في سنة واحدة.
وَأَوَّلُ رَأْيِكَ أَنْ تَسْتَفِيدَ ![]()
وَآخِرُ رَأْيِكَ أَنْ تَجْتَهِدْ ![]()
|
هذا بيتٌ عرض لي، فربما كان خلاصة الوصية" اهـ مِن (رسائل الرافعي: 40 - 41).
وهذه بعضُ الكتب التي تخدم فن الكتابة بصفة عامة:
1- "أدب الكاتب"؛ لابن قُتيبة الدِّينَوري.
2- "فن التحرير العربي: ضوابطه، وأنماطه"؛ محمد صالح الشَّنطي.
3- "فن الكتابة الصحيحة"؛ لمحمود سليمان ياقوت.
4- "فن الكتابة وأساليبها"؛ د. رشدي الأشْهَب.
5- "فن الكتابة الصحفية"؛ د. فاروق أبو زيد.
وأقول في نهاية المطاف - كما قال بعضُهم:
"ينبغي للكاتبِ أن يقرأ ويطَّلِعَ، ويبحثَ ويفتشَ، ويحلِّل ويناقشَ ويدرس، ثم يخرج بالفكرة المطلوبة بعد اختمارها في رأسه، فيحاول أن يوصلها إلى قارئه بأفضل السبُل الممكنة بعد أن استضاءتْ نفسه بنور العلم، وأصبح مِن أقدر الناس - إن لم يكن أقدرَهم - على الكلام في هذه المسألة التي يتكلم فيها الآن".
كما أنصحكِ بالبُعد عن السجع المتكلَّف في الكتابة؛ فإن البعض مغرَم بهذا السجع، ولكن دعي السجع يجيء على السجية دون تكلُّف.
وفي النهاية حذارِ أن يكون - خلال الكتابة في موضوع ما، غير القصة - الأسلوبُ أسلوبَ حوار أو كلام غير متناسق ولا متسق، ويُمكن تجاوز هذه النقطة بكثرة القراءة في كتب الأدب.
نسأل الله أن ييسرَ لكِ كل خير، وأن يوفِّقكِ، وفي انتظار باكورة أعمالكِ، جعلها الله في ميزان حسناتكِ، ونفع الله بكِ.
↧
September 14, 2016, 3:21 pm
ابني لم يندمج في الحضانة
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كان ابني العام السابق في (كي جي1)، معهد أزهري لغات، ولكنه لم يندمجْ مع زملائه، وكان يجلس وقت (البريك) - الراحة - في الفصل، أو يذهب إلى معلمته، وكان كثيرَ الإصابة بـ"نزلات البرد"؛ مما تسبَّب في كثرة غيابه وكذلك مستواه الدراسي.
هل أُدخله مرة أخرى (كي جي1)؛ حتى يكون أكفأ في دراسته، وأقوى جسمًا؟
هل أُقدِم على هذه الخطوة وأُبلغ المعهد بذلك، أو سأضيِّع عليه سنة، ويتأثر نفسيًّا إنْ رأى زملاءه في فصل آخر؟!
أخشى تعثُّره الدراسي فيما بعدُ، فهل أدخله حضانة عادية هذه السنة؛ حتى ينسى زملاءه، وأُدخِله (كي جي 2) العام القادم؟
أفيدوني أكرمكم الله؛ لأنَّ المعهد ينتظر تقييدي له في (كي جي 2) هذا العام، وأنا في حيرة.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أختي الكريمة، مِن الطبيعي أنْ يُعاني بعض الأطفال في أول سنة دراسية لهم مِن الانطواء بعض الشيء، أو الضعف؛ نظرًا للمجتمع الجديد، وانفصالهم عن أُسَرهم، ولكونهم لا بدَّ أن يَسِيروا على نطام معين، وأن يستيقظوا في ساعة معيَّنة، وينضبطوا في صفوفهم، كل هذا يجعل بعض الأطفال يحتاجون لبعض الوقت ليتأقلموا عليه، والوالدان ومعلمة الطفل لهم العامل الكبير في سرعة إدماج الطفل وتحبيبه في هذا الجوِّ الجديد، ورغم أنه من الأفضل عدم البَدْء في الدراسة في (كي جي ١) قبل أن يتم ٤ سنوات، فإنه إن دخل بالفعل، فلا بدَّ علينا من إكمال المسيرة وعدم التراجُع، فأرى أنك إن أكملتِ له (كي جي ٢) فسيندمج أكثر مِن العام السابق - بإذن الله تعالى - مع تركيزك على التحدُّث معه، وإعطائه الدعم الكافي، ونظرتك له المليئة بالثقة فيه، وكذلك مهارتك في التواصُل مع معلِّميه في محاولة إدماجه مع زملائه، خاصة وأنه يُريد أن يكون معهم، وهذا دليلٌ على حبِّه للمدرسة.
ولتحاولي ألَّا يتغيَّب عن المدرسة؛ لأنَّ هذا يُسبِّب له التأخُّر الكثير، وعدم الانضباط والتواصُل الكافي ليبني العَلاقات، فالمشكلةُ أنه إن عاد عامه الأول؛ فإنه سيدخل مع أطفالٍ يُعَانُون مما عانى منه سابقًا؛ فيُصاب بالتراجع بدلًا مِن التجاوز والتقدُّم، ولتَعلَمِي أن عقل الطفل قادرٌ على استيعاب المعلومات، وأن يكون متفوقًا إن تعاملْنَا معه بذكاءٍ وحبٍّ، لا بإرغام وقسوة في التعلم، فلتساعديه على النُّضج والتقدُّم؛ حتى لا يعتادَ التراجع والاستسلام، ولا تنسي صلاة الاستخارة، وفَّقكِ الله لكلِّ ما يحبه ويرضاه.
↧
↧
September 14, 2016, 3:23 pm
حيْرَةٌ وفشل في اتخاذ القرار
السؤال
منذ سنوات عديدة وأنا أشعر باضطراباتٍ وحيرةٍ، خاصة منذ أن أخفقتُ في الثانوية العامة، ولا أدري هل المشكلة كانتْ عندي مِن قبلها ولم أنتبه؛ لصِغَر سني، وعدم اتساع مداركي وعقلي وقتها للتفكير في عيوبي ومكامِن الضَّعْف في نفسي؟ أو لنجاحي وتفوُّقي الظاهر، وهو ما صَرَفني وصرَف مَن حولي عن التفكير في عيوبي والمشاكل والعيوب التي تعتري أي طفلٍ وتكون في حاجةٍ إلى مُعالَجة سلوكيةٍ وتقويمٍ مِن جانب الوالدين، اللذين انْشَغَلَا بتقويم أخي، واعْتَقَدَا أني لا أحتاج إلى تقويمٍ، فتكوَّنَتْ عندي عُيُوبٌ، ونقاطُ ضعفٍ لم أنتبه ولم ينْتَبِهَا لها، وتضخَّمَتْ مع مرور الزمن، ثم طفتْ على السطح، وظهرتْ مع أول وأكبر مشكلة واجهتها في حياتي وهي إخفاقي في الثانوية العامة؟ أو أن المشكلةَ تكوَّنَتْ داخلي بعد صَدْمتي وإخفاقي في الثانوية العامة؟ مما أوْجَد عندي شعورًا بالخوف مِن كلِّ جديدٍ بعد الفشل الذي كوَّنَ عندي عدة مشاعر؛ أولها: الخوف المرَضي مِنَ الفشَل في أي تجربةٍ جديدةٍ أُقْدِم عليها، فامتنعتُ عن مُواجَهة كثيرٍ مِن المشكلات التي واجَهَتْنِي، ولم أواجِهها دائمًا إلا مُضْطَرًّا، ورغم نجاحي في المواجَهات التي خضتُها، فإنني ما زلتُ متَّصفًا بهذا الخوف المرَضيِّ مِن كلِّ تجربة جديدةٍ، ويبدو أنَّ خَوْفي نابعٌ مِن الخوف مِن مُعاناة أَلَمِ الفشل.
وتكوَّنَتْ لديَّ عُقدةٌ تجاه والدي؛ حيث شعرتُ أني خذلتهما، وأصبحتُ أخاف مِن خذلان مَن يثقون بي، وعلى رأسهم والداي، ومَن أُحبهم ويحبونني، ويبدو أنَّ هذا الخوف أقْعَدَني عن الكثير مِن المهمات في حياتي، ولكن ما يُؤَرِّقني هو حالة الكسل التي تعتريني مِن سنين، فهل أنا كسولٌ بطبعي؟ أو أنَّ هذا الكسل هو أيضًا ناجم عن الإحباط والألم؟ ولكن المُحَصِّلة هي حالة مِن الكسل، أشعر بها تعيقني عن الإنجاز.
أحيانًا أشعر أنَّ ما يُعيقني عن البداية هو خوفي المسبَق مِن الفشل والإخفاق؛ فأسعى إلى تجنُّب ألم ومُعاناة المحاولة، ولكن لي تجارب سابقة أثْبَتُّ فيها نجاحًا لا بأس به.
المشكلةُ التي أرى أنَّها أكبر تحدٍّ يُواجهني هي: عدم ثقتي في نفسي، والتي قد تكون نتيجةً لكلِّ ما ذكرته سابقًا، ولكنها واقعٌ مرير، فلا أثق في نفسي ولا في قراري، ولا في تفكيري، أخشى كثيرًا من التعبير عن رأيي كتابةً على (الفيس بوك مثلًا)؛ خوفًا مِن أن أسقط مِن نظر أصدقائي، وخوفًا مِن أن أظهرَ أمامهم بمظهر الجاهل السفيه، أعتقد أنَّ هذا جبن مني!
أُحاول أن أظهرَ بمظهرٍ يعجب أصدقائي، ومن أحبهم وأهتمُّ بهم، حتى لو لم تكن هذه حقيقتي.
يؤرِّقني اتخاذ القرار، أُريد إنهاء الماجستير ولا أستطيع اتخاذ القرار، فهذا حلم يُراودني ولا أستطيع تحقيقه، أحيانًا أكسل وأشعر بمُعاناة وألمٍ، وربما يؤثر عليَّ كسلي ومِن ثَمَّ يؤثِّر على طموحاتي العلمية.
أنا الآن في سفرٍ بعيد عن بلدي، وينتابني شعورٌ متناقض بين العودة إلى بلدي والاستمرار في البلد الذي أعمل فيه؛ إذْ أوضاع بلدي الآن على غير ما يُرام، أخاف أن أعودَ إلى بلدي فأندم، وأخاف أن أستمرَّ هنا في البلد الذي أعمل فيه فأندم.
فهل إذا عدتُ لبلدي لتحقيق حلم الماجستير والتخلي عن الوظيفة هنا هو نوع مِن الشجاعة وتحدِّي العجز؟ وهل إذا ظللتُ كما أنا أكون بذلك أحطِّم طموحاتي العلميَّة؟
صلَّيْتُ استخارة، ودعوتُ الله كثيرًا، وبدأتْ نفسي ترتاح إلى العودة إلى بلادي، لكن يعوقني فقْد الثقة في نفسي والخوف.
أرشدوني للقرار الصحيح، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
نرحِّب بك في شبكة الألوكة، ونشكُر انضمامك لها، سائلينَ الله تعالى أن يُسَدِّدنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.
أخي الكريم، أستَقرِئ مِن مَضمون رسالتك وأسلوبك في عَرْضِ مُشكلتك، أنك تُعاني مشاعرَ (الوَحْدَة النفسيَّة) على نحوٍ دَفَعَكَ للمُبالغة في الخشية مِن اهتزازِ صورتك لدى مَعارفك، بل وإحجامك على مُناقشة أفكارك مع المحيطين بك.
والوَحْدَة النفسيةُ لا ترتبط بِكَمِّ العلاقات الاجتماعيَّة التي تربط الإنسان بغيره، ولكنها أحاسيسُ يشعر معها بوجودِ فجوةٍ نفسيَّة أو فكريةٍ بينه وبينهم، رغم الظهور بمَظْهَر المُنْسَجِم مع تلك العلاقات، ومِن العوامل التي تَتَسَبَّب في مَشاعِر الوَحْدَة النفسيَّةِ، أو تزيد مِن حَجْمِها، هو الاغتراب عن الوطن، والابتعاد عن الأهل.
ولذلك فإني أجد في التحاقك بدراسة الماجستير في بلدك، عاملًا مُهمًّا يُساعد في تخلُّصِك مِن تلك المشاعر السلبية وما شاكَلَها، لا سيما وأنَّ رغبتك في تحقيق هذا الأمر تبدو واضحةً في مضمون عَرْضِك للمشكلة، وتَكْرار إشارتك للميل بالقيام به عدة مرات في سياق رسالتك، وكذلك بتأكيد ارتياحك النفسيِّ لذلك بعد إقامتك صلاة الاستخارة.
أما عن قلقك مِن الإخفاق في دراسة الماجستير، فأؤكِّد لك أنه قلقٌ طبيعيٌّ يواجِه أغلب الطلبة الملتحقين بالدراسات العليا، بل إنَّ بعضهم وبعد الالتحاق بالدراسة يُصاب باضطراباتٍ جسميَّةٍ نتيجة مُبالَغتِهم في هذا القلق، كارتفاع الضغط، والقولون العصبي، وغير ذلك، ثم تصبح تلك المشاعر مجرد ذكريات تُثير ابتسامتهم بعد تخرُّجهم وحصولهم على تلك المرتبة!
ولذلك فإني أنصحك بعدم الاستسلام لتلك المشاعر وغيرها، بل اعمدْ إلى استبدال العَزْم والبَذْل والاجتهاد بها؛ لأنَّ درجة النجاح تُترجِم مستوى الاجتهاد الذي بَذَلَهُ الإنسان، واعلمْ يا أخي أنَّ خشيتك مِن تَكْرار إخفاقك في مرحلة الثانوية إنما تمثل ما يسمى: (حيلة نفسيَّة دفاعيَّة) لتبرير عدم خَوْضِك في هذا الأمر أو ذاك، وما يدحض تلك التبريرات هو نجاحك الفعلي لاحقًا في الثانوية، ثم في الجامعة، ثم حصولك على عملٍ مُناسبٍ يُعَدُّ طُمُوحًا وهدَفًا لكثيرٍ مِن الشباب في بلدك، وغير ذلك مِن النجاحات التي أقررتَ أنت بها في سياق رسالتك.
أما عن شعورك بالتكاسُل عن أداء بعضِ المهمات - رغم رغبتك في أدائِها - فأنصحك بإكثار التعوُّذ مِن العَجْزِ والكَسَل، وكذلك بالاهتمام في ترتيب سكنك والعناية بمظهرِه، إذْ إنَّ هناك مُلاحظاتٍ بحثيةً تُشير إلى وجود ارتباط بين تردِّي مظهر ونظافة سكن الإنسان بضَعْفِ هِمَّتِه وأدائه، كما أنصحك بمُرافَقة أصحاب الهِمَمِ، والمجتهدين والطموحين، لا سيَّما في مجال الدراسة بعد التحاقك بها، فإنَّ تأثيرَ الصُّحبة كبيرٌ على الإنسان ومُيوله وتوجهاته.
وأخيرًا أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يصلحَ شأنك كله، ويفتحَ لك أبواب العلم والخير، وينفع بك، وسنكون سُعداء بسماع أخبارك الطيبة.
↧
September 14, 2016, 3:25 pm
ابنتي المراهقة لا أستطيع أن أتعامَل معها
السؤال
المستشارة الفاضلة الأستاذة/ مروة عاشور، السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
لديَّ ابنة عمرها عشر سنوات، وهي أكبرُ أبنائي، تتلخَّص مشكلتي معها في العند؛ فهي عنيدةٌ لأقصى درجة، وترى أنَّ الحقَّ معها دائمًا، حتى إن كانتْ مخطئةً، وخَطَؤُها واضحًا للجميع، وقد تستشعرُه هي، لكنها تُكابر بشدة، ولا تُطيق فكرةَ الاعتراف بالخطأ، وترى أنها مَظْلومةً، وأن كلَّ مَن في البيت لا يفْهَمُها، ولا يشعر بها، وأن الابنَ الأكبر يفقد مَعزّته وأهميته كلما كبر! تُردِّد كثيرًا مثل هذا الكلام.
حاولتُ كثيرًا التقرُّب منها، وأن أُشْعِرَها بأهميتها، ولكن وجدتُ أنَّ هذا سيأتي على حساب أخواتها، فهي تُريد مني ألَّا ألومها، مهما كانتْ مُخطئةً؛ فهذا هو الحبُّ في نظرِها.
تعبتُ معها كثيرًا، ولا أعرف كيف أتعامَل معها؟ أتمنى أن تُرشديني أستاذتنا الفاضلة، بارك الله فيك.
الجواب
وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته.
أختي الفاضلة، حياكِ ربي وبَيَّاكِ, ومرحبًا بكِ في شبكة (الألوكة), سائلةً الله أن يهديَ ابنتكِ الغالية، ويحفظها، وينفع بها وبإخوتها جميعًا, وأن يقرَّ بهم عينيك في الدنيا والآخرة, اللهم آمين.
أصْدُقكِ القول أني كنتُ على وشك الاعتذار عن رسالتكِ؛ لضِيق الوقت لديَّ؛ حيثُ إني على وشك الانقطاع بسبب عُطلتي السنويَّة, لكني استحييتُ كثيرًا عندما وجدتُ ثقتك الغالية، وطلبكِ أن أُجيب عليكِ, وأحمد الله أن وفَّق (الألوكة) وأكْرَمَها بكسب قلوبكم, وجعلها منْبع ثقتكم - مستشيرينا الكرام.
فتاة العاشرة: راهقة أم طفلة؟
"يُقال: جارية راهِقة، وغلام راهِق، وذلك ابن العشر إِلى إِحدى عشرة". ا.هـ (لسان العرب).
فمِن الخطأ أن تنظرَ الأمُّ أو الوالدان إلى طفلهما أو طفلتهما في هذا العمر نظرةَ استصغار؛ فيستمر سلوكُهما منذ أن كانتْ صغيرة، ويستمر العطفُ والحنان والتقيد الذي ترفضه الطفلةُ بكلِّ قوة، فيظهر رفضُها على شكلِ تمرُّدٍ، أو عنادٍ، أو غيرها مِن الأساليب التي لا تزيد الوالدين إلا قناعةً بأن هذه الصغيرة بحاجةٍ لمزيد من الحزْمِ والمراقَبة والضبط, فتنفر الفتاةُ بشكلٍ أكبر، ويزيد الضغطُ مِن الجانبَيْنِ، حتى يدورَ الجميع في حلقةٍ مُفرغةٍ مِن المشاحَنات والنِّزاعات التي لا تنتهي, فما المخرجُ مِن ذلك كله؟
1) مهما بدت الفتاةُ في هذا العمر عنيدةً أو عدوانيةً أو مجادِلة أو مستأسِدةً، فهي تُعاني في صمتٍ مُعاناةً يصعُب على الوالدة تذكُّرها؛ فتغيُّرات الجسم الهرمونيَّة تُسبِّب لها الكثير مِن المشاعر المتناقِضة، والاضطرابات المتزايِدة؛ مما يُسَبِّب لها الشعور بالضعف والتهميش، وانعدام الثقة بالنفس, يُؤَدِّي ذلك إلى هذا العند الذي يكون كردِّ فعلٍ وقائيٍّ ضد تلك المشاعر المُحبِطة، والتي تبقى تُلحُّ عليها، وتُثير في نفسِها الكثيرَ مِن الشجون، بما لا يُمكنها التعبيرُ عنه.
لهذا عليكِ أيتها الأم الكريمة أن تتفهَّمي حاجتها الفطريَّة والطبيعية للشعور بالذات, مع الاستمرار في إغداقها بالحنان والمحبَّة، وإقامة علاقة متينة مِن الصداقة بينكما.
2) ينصح الدكتور "ياسر نصر" - مدرس الأمراض النفسيَّة بكلية الطب جامعة القاهرة - الآباءَ والأمهات بالصبر الشديد على أبنائهم، وتصرُّفاتهم في هذا العمر, وألَّا ينجرفوا وراءهم في مُجادَلات عقليةٍ, ويؤكِّد على أن الصمت يكون الحلّ الناجع للكثير من المشكلات القائمة بين الوالدين وأطفالهما أو أبنائهما في هذه المرحلة؛ فلا تُحاولي إقناعَ صغيرتكِ بالمنطق, ولا تعملي على كسْبِ قلبها بالحجَّة، ولو كانتْ بيِّنةً واضحةً, ولا تسعَيْ إلى عرْضِ كل مشكلة أو موقف أمامها وتفصيله بوضوحٍ وعقل لا يمكن لها أن تعترفَ به, والسببُ سأُفصِّله لكِ في النقطة التالية, وقد رأيتِ بنفسكِ أنها تعرف في دخيلة نفسها خطأها، وتُدرك أنها قد لا تكون على صوابٍ في كثيرٍ من المواقف, بيد أنها لا تستطيع الاعتراف، بله الاقتناع به؛ "وخطؤُها واضحٌ للجميع, وربما هي تستشعره لكنها تُكابر"!
3) تقول الدكتورة (إليزابيث سويل) - جامعة كولورادو: "سببُ التناقض والتصرفات غير المنطقية عند المراهق عدمُ اكتمال نمو الفصوص الجبهية من المخِّ، وهي مركز التحكُّم في اللغة والمنطق، مما يجعل المراهقَ يعتمد بشكلٍ أكبر على المشاعر، الأمر الذي يُفقده القدرةَ على التخاطُب العقلاني والتفاوض"، هذا يُفسِّر ما تقوم به ابنتكِ الغالية مِن فرْضِ رأيها دون القدرة حتى على مُناقشته أو تفصيله, ويُفسِّر تكرارها لقول: "أشعر"؛ فهي كغيرها ممن في عمرها أو أكبر قليلًا, تبني كلَّ مُعتقد على حسب ما تشعر به، وليس على ما تراه منطقيًّا وعقلانيًّا!
لهذا عليكِ - وعلى كلِّ أُمٍّ حريصةٍ على كسْبِ قلب ابنتها - ألا تُناقشيها فيما تعرضه مِن أفكارٍ بعيدة عن الواقع, أو أن تُطيلي الحديث معها على أملِ أن تقتنع! كلُّ ذلك لن يحدثَ, ويكفيكِ حينها أن تضميها إلى صدركِ في حنانٍ قائلة: "إن إخوتكِ عقولهم صغيرةٌ, وعليَّ أنا وأنتِ أن نتحملَ ذلك منهم حتى يكبروا ويصيروا مثلنا".
هنا تضعينها بجانبكِ، وفي نفس مكانتكِ تمامًا بما فيها مِن تحمُّل بعض المشاقِّ والمسؤولية، مما يُشعرها بأنها لم تعدْ تلك الطفلة الصغيرة, وإنما تحتفظ بالمكانة الأسمى والأعلى, مع إمدادها بالثقة اللازمة.
4) تغفل بعضُ الأمهات أمرَ بلوغ ابنتها في هذا العمر، وتراه احتمالًا بعيدًا، وتستبعد حدوثه إن لم تتجاوز الفتاةُ العاشرة مِن عمرها؛ وفي الحقيقةِ فإنَّ البلوغ لا يكون بالحيض فقط - كما تعتقد بعضُ الأمهات؛ ولهذا أنصحكِ بمُتابعة صغيرتكِ، والتقرُّب إليها، وتثقيفها حول هذه الأمور بصورةٍ تُشعرها بأنها ليستْ وحيدةً في هذا العالم الذي تتجلى لها فيه حقائقُ قد تبدو مخيفةً أو مُبهمةً أو مُؤلمة أحيانًا, هكذا يُفكِّر الأطفالُ قبيل البلوغ! فتقرَّبي إليها، واذكري لها بعض ذكرياتكِ وأنتِ في هذا العمر، وكيف كنتِ تشعرين، واستغلي الموقفَ في ممازحتها؛ مما يعينكِ على تقريب وجهات النظر بينكما.
5) أشركيها في عملٍ يجمعكما دون غيركما؛ كممارسة بعض التمارين الرياضية الخفيفة في البيت، ولتشعر أن ذلك خاصٌّ بكِ وبها فقط, ولا يُسمح لسائر الصغار أن يشتركوا فيه؛ هذا العمل الجماعي الشائق يُثير في نفسِها الكثير مِن السعادة، ويشعرها بقربكِ، وصٍدْق محبتك.
6) احرصي على تغْذية الفتاة، وإمدادها بالعناصر الغذائية التي تحتاج إليها في هذا العمر؛ فقبيل البلوغ يتعرَّض جسدُ الفتاة لتغيُّرات فسيولوجيةٍ، وتقلُّبات هرمونيَّة، تزيد مِن احتياجها للطعام، بصورةٍ قد تستفز الوالدة، أو تُثير قلقها، أو تُفسِّرها على وجهٍ غير صحيح؛ فتمنع الفتاة مما يحتاجه جسدها للنمو، والتأقلُم مع الوَضْع الجديد, فتردّ الفتاةُ بأفعال قاسيةٍ، أو عنيدةٍ، أو غيرها، كنوعٍ مِن تعويض ذلك النقْص! ولا يستلزم هذا الإكثار مِن النشويات أو الدهون, بل ينبغي التركيزُ على ما يحتاج إليه الجسمُ من فيتامينات، ومعادنَ أساسية, فاحرصي على أن تشربَ الحليب للحصول على كميةٍ أكبر من الكالسيوم, وكذلك اللحوم والبيض والأسماك والخضراوات ذات الأوراق الداكنة الخضراء؛ لتوفير القدْر المناسب مِن البروتين والفيتامينات والأحماض اللازمة.
7) امنحيها حُرية التصرُّف في بعض أمور البيت، وأعْلِني أنها المسؤولة عن ذلك أمام والدها وإخوتها، واطلبي منهم أن يستشيروها في بعض ما يحتاجون إليه تحت مُراقبتكِ وملاحظتكِ؛ فإن تعدَّتْ أو أساءت التصرفَ, فاحذري من التوبيخ أو اللوم العلني ولو كان الحاضرون إخوتها الصغار؛ فالعتابُ لن يُفلحَ إلا أن يكونَ مقرونًا بشرطين:
الخلوة واللين؛ فليكنْ أسلوبكِ في العتاب مبدوءًا بالثناء على عقلِها، وحمد الله أن وهبك ابنة مثلها وصديقة غالية, ثم تُتبعين ذلك بالنصيحة المرجوة، وتدعمينها بأن ذلك يزيد مِن خبرتها وبراعتها ونحو ذلك.
في النهاية أُذكِّركِ بفضل الصبر وجميل عاقبته, وأن المراهقَ لا يصلح معه في كثيرٍ مِن المواقف غير الصبر، ولا يُفلح سواه كردِّ فعل وحيد لبعض أفعاله، التي لن تُجدي لها تفسيرًا مهما حاولتِ!
أعانكِ الله، وأصلح لكِ ابنتكِ وإخوتها ونفع بهم, وأقر عيونك بهم في الدنيا والآخرة, ويسعدني التواصُل معكِ في كل وقت.
والله الموَفِّق, وهو الهادي إلى سواء السبيل
↧
September 14, 2016, 3:28 pm
نحو إستراتيجية لتنمية القيم
د. ماجد بن سالم حميد الغامدي
سبق أن تحدَّثتُ في المقال السابق عن التصنيف العشوائي والتصنيف المعياري للقيَم، وكيف وقع التَّكرارُ واللَّبس في اختيار القيمة، ثمَّ اقترحتُ رؤيةً حديثة لتصنيف القيم تقوم على معيار المنظومة المرتكزِ على القيمة المحوريَّة التي يمكن تسميتها: "القيمة الأم"؛ بحيث يحيط بها مجموعةٌ من القيَم المترابطة والمتفاعلة والمكمِّلة لبعضها البعض.
وفي هذا المقال أوَدُّ الكتابة عن موضوع أعتبره الحلقةَ الأهم والأهم المهمل!
فرغم أنَّ مناهجنا تَعِجُّ بالقيم والمبادئ المتنوعة والمتعددة التي أثبتت الدراساتُ توافرها في هذه المناهج، فإن هذه القيم مع الأسف كأنَّما تمَّ دمجُها وإعدادها لكي تُقرأ نظريًّا كما تُقرأ القطعة من النَّثر أو القصيدة!
ومع ذلك يسمع الطالب بعضَ ما يدعوه للقيمة وامتثالِها، ويتطرَّق بعض المعلِّمين لتطبيق شيء من الأنشطة المصاحِبة للدرس وفيها بعض الإشارات إلى القيم، ولا يمكن إنكار الجهود أيًّا كانت ومن أيِّ شخص أو جِهة في سبيل تنمية القيَم.
ولكن لا زالت الحاجة ماسَّة جدًّا لإيجاد إستراتيجية متكاملة مترابطةٍ لتنمية القيمة أو مجموعة من القيَم المحدَّدة لدى المتعلمين؛ وهذه هي الحلقة المفقودة على مستوى الدِّراسات التجريبية والتطوير الخاص بالمناهج، والواقع الذي تعيشه المدرسة.
وبعيدًا عن التنظير الطويل والكتابة المملَّة التي يكرِّرها أهلُ التربية عن الإستراتيجية؛ تعريفها ومنطلقاتها، ومكوناتها ومتطلباتها... إلخ، سوف أدخل مباشرة في اقتراح إستراتيجية ممكنةِ التطبيق لتنمية قيَم محدَّدة، لفئة عمريَّة محدَّدة، من خلال المواصفات والإجراءات التالية، ويمكن أن يثبتها البحثُ العلمي التجريبي ويطوِّرها.
ملاحظة: (هذه الإستراتيجية ذات وقت طويل، لا يمكن أن تتمَّ في أقل من نصف العام الدراسي).
أولًا: مواصفات إستراتيجية القيم للتطبيق والبحث:
1- امتثال منهج القرآن والسنَّة في تنمية القيم.
2- التكرار للقيمة وجوانبها.
3- التوسُّع والعمق المعرفي للقيمة "ربطها بالحياة".
4- القناعة بالقيمة.
5- المرونة.
6- تطبيقات مستمرَّة للقيمة على حساب الجوانب المعرفية.
7- مجاراة الإعلام والدعاية أثناء التطبيق للقيم.
8- العروض المرئية المكثَّفة.
9- الخبرة المباشرة "الزيارات الخارجية".
ثانيًا: خطوات وإجراءات الإستراتيجية المقترحة:
1- تحديد مَنظومة القيم المقترحة وفق معيار القيمة المحورية السابق ومناسبتها للفئة العمرية.
2- التكرار حتى القناعة بالقيمة بكلِّ الإمكانات المتاحة، وفي كل الأوقات، وبكل وسائل التقنية والتواصل.
3- عرض السلبيات والإيجابيات المتعلقة بترك أو تطبيق القيمة.
4- تنفيذ الزيارات الميدانية الممكنة.
وبعد هذا الاختصار في المواصفات والإجراءات المتعلِّقة بالقيمة سوف أعرض الآن مثالًا تطبيقيًّا للمعلِّمين، وبعدها أقترح عددًا من العناوين البحثيَّة التي يمكن أن تسهِم في دراسة إستراتيجية تطبيقية لتنمية القيم:
1- يبدأ المعلِّم بتحديد عدد من القيَم لطلاب الصف "المحدد".
ولتكن مثلًا: (الصدق- تحمُّل المسؤولية- الأمانة).
2- يعالج المعلِّم هذه القيم في ضوء القرآن والسنَّة؛ وبهذا سوف يجتاز إشكاليَّة الاقتناع بالقيمة؛ لأنَّ نصوص الوحيينِ أثبتتِ الدَّليل القاطع على ثبوت ووجوب القيمة المحدَّدة، وعليه أن يعرض بعض الأدلَّةِ على كل قيمة، ويكرِّرها كل حصَّة أو محاضرة حتى تصبح راسخة المعنى والحفظ كالاسم؛ وهذا أسلوب الإعلام في ممارسة الدعاية لمنتج من المنتجات!
3- العرض المرئي والمسموع لإيجابيات امتثال القيمة وسلبيَّات تركها وما يتعلَّق بها من جوانب؛ مثل: (عرض قصَّة، أو حلقة تمثيل لشخصٍ صادق، وكيف انتفع بالصِّدق، ومثلها لعاقبة الكاذب)، وفي جانب العبادة وفي جانب العمل والاقتصاد... إلخ، ويحتاج أن يكون لدى المعلِّم في تخطيطه بنك ثريٌّ بما يتعلَّق بالقيم المحددة؛ ليضمن التنوُّعَ والمرونة؛ لضمان توجيه كل مَعرفة ومهارة في ضوء هذه القيمة... ولا ينسى التكرار عرضًا وسماعًا من المتعلمين كلَّما أمكنه ذلك.
4- تطبيق الخبرة والزيارات الميدانيَّة لترسيخ القيمة؛ فلو كان الهدف ترسيخ قيمة الصِّدق مثلًا بعد العروض المقدَّمة، فيمكنه مثلًا زيارة أحد العلماء والدعاة أو استضافته ليرسخ مفهوم هذه القيمة، وكيف تؤثِّر في الشخصيَّة... ثمَّ يقوم مع المتعلِّمين بزيارة مسؤول في الشرطة أو في دور السِّجن؛ ليركِّز على القيَم المستهدفة وأهميَّتها وخطورة إهمالها... إلخ.
ولا ينسى عنصر التكرار كلَّما أُتيحت الفرص.
5- تقويم القيمة؛ بحيث يكون تقويمًا تكوينيًّا مصاحبًا للتعلم، فلا يقتصر على التقويم النِّهائي البَعْديِّ؛ لأنَّه لا يفيد القيم، ويجب أن يكون تقييم القيمة بقياس السُّلوك اليومي من قِبَل المختص ليَعرف مدى انعكاس القيمة على السلوك، حتى لو بالتعاون مع الأسرة أو المرشد...
وليكتمل عقد هذه الإستراتيجية سوف أقترِح وأُهدي هذه العناوين البحثية للباحثين، التي يمكن أن تسهِم في إكمال النَّقص الظاهر في تطبيق إستراتيجية خاصَّة بتنمية قيم محددة، ومنها:
1- بناء إستراتيجية مقترحة لتنمية القيم لدى المتعلمين، قائمة على أساليب الكتاب والسنَّة في ترسيخ القيم السامية.
2- بناء إستراتيجية مقترحة لتنمية القيَم لدى المتعلمين، قائمة على الأساليب الإعلامية في الدعاية.
3- أثر التكرار لجوانب القيَم في انعكاسها على سلوك المتعلمين.
ومن المشروعات التي أقترحها على المؤسَّسات المهتمَّة بالإنتاج والتصميم الخاص بوسائل التعليم ما يلي:
1- بناء برنامج إلكتروني مَوسوعي خاص بغَرس القيم يمكن تسميته "قيمي"، يُصمَّم وفق خصائص احترافية، متنوِّع العروض والمسرحيات والبرامج المتلفزة، يتناسب مع الفئات العمريَّة المختلفة.
2- توجه المؤسَّسات السياحية والترفيهية للشراكة مع مؤسسات التعليم والمدارس لتنفيذ زيارات مجدولة طيلة العام الدراسي لترسيخ القيم المحدَّدة.
3- إجبار مؤسَّسات الإعلام والدعاية بتبنِّي قيَم الدِّين والمجتمع والأخلاق؛ ليكون لها نصيب مِن المعروض اليومي في الشاشات أمام النَّاس كتوجُّه وطني عام.
والله ولي التوفيق
↧