Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all 1343 articles
Browse latest View live

الحرب .. والأزمة الاقتصادية

$
0
0
الحرب .. والأزمة الاقتصادية


د عبدالعزيز عرب/ لجينيات




جحافل جيش التتار تجتاح بلاد المسلمين بلدة بلدة تسفك فيها الدماء وتهتك الأعراض وتدمر كل شيء وتقضي على كل شيء ، في إبادة مأساوية شاملة يعجز القلم عن وصفها واللسان عن التعبير عنها ، حتى خلت كثير من بلاد المسلمين من أهلها ، ابتداء من دولة خوارزم شاه ومرورا بخرسان ونهر السند ووصولا إلى عاصمة الخلافة بغداد وبلاد الشام .



وعند وصول جيش التتار على مشارف مصر أرسل قائدهم ( هولاكو ) إلى حاكم مصر المسلم القائد ( قُطُز ) رسالة تهديد ووعيد وازدراء واستخفاف مضمونها : الرغبة في الاستيلاء على بلاده ، وكأنه بلسان حاله يقول له :


استولينا على جميع بلاد المسلمين ولم يبق أمامنا إلا أنتم فإما الاستسلام أو قتلكم والدمار لبلادكم .



حينها جمع ( قطز ) القادة والأمراء والوزراء مع العلماء والفقهاء بعد أن اتخذ قرار الحرب والمواجهة لاستشارتهم في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي لا يمكن من خلالها خوض المعركة ، وكان المقترح : " أن يأخذ من الرعيّة ما يستعين به على قتال هؤلاء " وهي ما يسمى في عرف اليوم ( ضرائب )!



لقد كان لقطز ما يبرر به هذا المقترح ؛ إذ العدو على الحدود ، وميزانية الدولة بها عجز لا يسمح بالقيام برد العدوان .



أفاض الجميع في الحديث حول هذا المقترح ومباركته ، إلا أن الكلمة النهائية فيه والاعتماد كان على ما يقوله سلطان العلماء العالِم المقاصدي العز بن عبد السلام ، فكانت فتواه على ما يلي :


" إنّه إذا طرق العدوّ بلاد الإسلام وجب على العالَم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعيّة ما تستعينون به على جهادكم ، بشرط ألّا يبقى في بيت المال شيء ، وتبيعوا مالكم من الحوائص المُذَهّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كلّ الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامّة . وأمّا أخذ الأموال من العامّة مع بقايا في أيدى الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا "( ) .



انفضّ المجلس على أنه لا يجوز أخذ المال من الرعية إلّا بشرطين :



الأول : أن يُستفرغ جميع بيت المال بحيث لا يبقى فيه شيء .



الثاني : أن يتساوى الأمراء والوزراء والجند مع الرعية ويرجعوا جميع أموالهم ومخصصاتهم إلى بيت المال .


جاءت هذه الفتوى لتوازن بين المصلحة العامة من رد العدوان ووجوب مقارعة الأعداء المعتدين وحاجة الدولة للمال ، وبين المصلحة الخاصة وحُرمة الأموال ، وفق نظر مقاصدي معتمد على نصوص الشريعة .


بدأ ( قطز ) بنفسه وتبعه الأمراء والوزراء والقادة ، فحصلت الكفاية وفاض المال ولم يحتاجوا لأموال الرعية ولم يضيقوا عليهم ، وحصل النصر بإذن الله وانكسر التتار وأعز الله الإسلام وأهله .


﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ .







أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (1)

$
0
0
أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (1)


د/ خالد سعد النجار

بسم الله الرحمن الرحيم

أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (1)

عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرض لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجا)، وأخذت حيزا وزخما كبيرا، فرصد واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئا ماكرا يدبر لهذه الأمة، سواء كان هذا التدبير داخليا أو خارجيا، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصدرت لنا من غثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية.

«يوسف جبرائيل شاهين» .. مخرج سينمائي مصري نصراني شهير (25يناير 1926-27 يوليو 2008) ولد في الإسكندرية، لأب لبناني كاثوليكي من شرق لبنان من مدينة «زحلة» -أكبر مدينة كاثوليكية في الشرق-، وأم من أصول يونانية هاجرت أسرتها إلى مصر في القرن التاسع عشر.

تخرج من كلية فيكتوريا كوليدچ وحصل منها على الشهادة الثانوية. بعد التحاقه بجامعة الإسكندرية عاما واحدا فقط، سافر إلى أمريكا ليدرس الفنون المسرحية في معهد «باسادينا پلاي هاوس» لمدة سنتين.

أوّل فيلم أخرجهُ كان «بابا أمين» سنة 1950، وأول ظهور له في السينما كَـممثل كان في فيلم «إسماعيل ياسين في الطيران»، وكانت مشاهد قليلة.

وفي عام 1972م ألقى حجراً في الماء الراكد بإخراج فيلم «العصفور» الذي يُحمل مسئولية هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو 67 للفساد في المؤسسة السياسية المصرية، واستمر هذا الخط النقدي في العديد من أعمال شاهين ومنها: «عودة الابن الضال» «الأرض» «المهاجر» «باب الحديد» «المصير» «الآخر» «هي فوضى».

شخصية مثيرة للجدل

يعرف عن شاهين صدامه الدائم مع الرقابة والتيار الديني الإسلامي، فيقول شاهين -الذي يعتبر نفسه جزءاً من جيل الليبراليين المصريين-: إنه ما زال يكافح ضد الرقابة المحافظة سواءً من جانب الدولة أو المجتمع.

في فيلمه «باب الحديد» صدم يوسف شاهين -الشهير بجو- الجماهير بتقديمه صورة محببة للمرأة العاهرة، وكان مقررًا أن يحصل على جائزة «أفضل ممثل» من مهرجان برلين السينمائي على هذا الدور، لكن الشك ساور بعض أعضاء هيئة التحكيم في أنه يؤدي فحسب الجانب الخاص بالعرج.

أما الجمهور المصري، فلم يكن بفطرته متجانسا مع هذا المزيج الحي الذي قدمه الفيلم من الواقعية الجديدة، والكآبة، والحياة الجنسية، بل وحتى المقطوعات الموسيقية.

فيلم الناصر صلاح الدين

يقال أن شاهين قدم قصة ملحمة السلطان صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر عن القدس ضد الحملة الصليبية المسيحية رمزًا لملحمة عبد الناصر حول القومية العربية.

كما أن شاهين الكاثوليكي، فضلاً عن الكُتاب اليساريين الذين يعملون معه (عبد الرحمن الشرقاوي، يوسف السباعي، نجيب محفوظ..)، يرون صلاح الدين أيضًا نموذجًا للسلام والتسامح الديني، وليس أيضا المحارب الشديد المراس الذي يدافع عن العقيدة الإسلامية والأرض والعرض.

فيلم «الناصر صلاح الدين» بعيداً عن كونه عملاً سينمائيا إلا أنه ارتكب أخطاء تاريخية فادحة للغاية، وهي:

نفاق لفكرة القومية العربية الخاصة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فالفيلم كان متأثراً بفكرة القومية العربية، برغم أن صلاح الدين الأيوبي أصلاً ليس بعربي وإنما هو كُردى.


لٌقب الناصر صلاح الدين خلال أحداث الفيلم بـ «سلطان العرب» والصحيح هو «سلطان المسلمين». وتوسعت دولته الإسلامية لتشمل بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام ومصر واليمن والحجاز وأجزاء أخرى من شمال أفريقيا.


التركيز على كلمة «أورشليم» عند الكلام عن القدس، فأورشليم كان مصطلح مُعرب من اللغة العبرية الخاصة باليهود، والحقيقة أن القدس في اللغة العربية تُسمى «بيت المقدس، القدس الشريف، أولى القبلتين».


يظهر في مطلع الفيلم لاجئين مسلمين من بيت المقدس وهم بانتظار التحرير، ودوافع هذا المشهد كثيرة كإخفاء الجرائم الصليبية وكذلك لجر عاطفة المشاهد منذ اللحظات الأولى للفيلم. وفي الواقع لم ينجوا أحدا من المسلمين في بيت المقدس من بطش الصليبيين الحاقدين .. كانت الحملة الصليبية الأولى والتي بدأت سنة 488هـ من قبل البابا (أوربان الثاني)، تحمل دعوى استعادة السيطرة على بيت المقدس من المسلمين. أسفرت هذه الحملة عن احتلال بيت المقدس في الثالث عشر من جمادى الآخر سنة 492هـ، وقيام مملكة القدس اللاتينية بالإضافة إلى عدّة مناطق حكم صليبية أخرى، مثل إمارة الرها (بين الموصل والشام)، وإمارة أنطاكية (شمال غرب بلاد الشام)، وطرابلس بالشام.


وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان سنة 492هـ، أرتكب الصليبيون مجزرة مروعة قتل فيها تقريبا جميع سكان بيت المقدس .. حاول عددا من المسلمين الهرب باتجاه المسجد الأقصى، إلا أن ذلك لم يمنع الصليبيين من قتلهم وذبحهم.

وحول هذه المجزرة التي راح ضحيتها 70 ألفا من المسلمين في بيت المقدس تقول المصادر التاريخية الغربية بأن "عمليات الذبح كانت كبيرة جدا، وبدأت بعد الظهر، واستمرت مساءا لغاية صباح اليوم التالي لدرجة أن الدم وصل إلى كواحل رجالنا".

وبحسب رسالة (لفوشيه شارتر) وهو أحد المقاتلين الصليبيين خلال هذه الحملة يقول فيها: "رأيت أقدامنا ملونة للكاحلين وأكثر من ذلك، فلم نترك منهم أحدا على قيد الحياة، لا من نسائهم ولا من أطفالهم".

ويشرح (ابن تغري بردي) كيف خرجت عساكر المسلمين في العراق وبلاد الشام لصد زحف الصليبيين: "كل ذلك وعساكر مصر لم تُهيّأ للخروج"! والسبب؟! كانت مصر تحت الاحتلال الفاطمي الشيعي الرافضي والذي ربطهم تحالف مع الصليبيين مقابل محاربة أعدائهم السلاجقة السُنة.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله عن الرافضة: "فَهُم يُوالُونَ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ الَّذِيْنَ يَعْرِفُ كُل أَحَدٍ مُعادَاتِهِم مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِيْنَ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللهِ الَّذِيْنَ هُم خِيَارُ أَهْلِ الدِّيْنِ، وَسَادَاتِ المُتَّقِيْنَ ... وَكَذَلِكَ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الأَسبَابِ فِي اسْتيلاَءِ النَّصَارَى قَدِيْماً عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ المُسْلِمُوْنَ مِنْهُم".

(عيسى العوام) كان مسلما ولم يكن مسيحيا، وإنما كان غواصًا مسلمًا، حارب مع صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين، وتوفي غريقًا على شواطئ عكا عام 379 م، وجاء ذلك في مراجع عربية تاريخية كثيرة، منها «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» لابن تغرى بردى، «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» لبهاء الدين بن شداد، «تذكير النفس بحديث القدس» لسيد حسين العفاني.


يروي قصته القاضي بهاء الدين بن شداد في كتابه «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» أيام محنة حصار عكا، وأورد قصته أيضا صاحب كتاب «تذكير النفس بحديث القدس 1/378 – 379»، فيقول: "ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً مسلما كان يقال له (عيسى)، وكان يدخل إلى البلد - يعني عكا أثناء حصار الفرنج لها - بالكتب والنفقات على وسطه - أي يربطه على وسطه - ليلاً على غرة من العدو، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس، فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه، وأبطأ خبره عنا، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله، فأبطأ الطير، فاستشعر الناس هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد، وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً، فافتقدوه - أي تفقدوه - فوجدوه عيسى العوام، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رُئي من أدّى الأمانة في حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته، إلا هذا الرجل. وكان ذلك في العشر الأواخر من رجب أيضاً".



من كلمات السلف الهامة عن أن المعاصي تضعف مثوبة أعمال الفضائل

$
0
0
من كلمات السلف الهامة عن أن المعاصي تضعف مثوبة أعمال الفضائل






قال الإمام ابن بطال في شرح البخاري (10/134) : "وقال بعض الناس : هذه الفضائل التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم :(من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له ...) وما شاكلها ، إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال والطهارة من الجرائم العظام ، ولا يظن أن من فعل هذا ، وأصر على ما شاء من شهواته ، وانتهك دين الله وحرماته ، أنه يلتحق بالسابقين المطهرين ، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تقى ولا إخلاص ولا عمل ، ما أظلمه لنفسه من يتأول دين الله على هواه " .


قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/208) بعد أن حكى كلام ابن بطال السابق :" ويشهد له قوله تعالى :( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " .


منقول



كل عام وأنتم بخير ...تقبل الله منا و منكم

عيد الأضحى يوم التضحية والفداء

$
0
0
عيد الأضحى يوم التضحية والفداء
ياسر عبد الله محمد الحوري


الخطبة الأولى
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكوراً.
وتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً.
الحمد لله خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول.
لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت.
في السماء ما ملكت، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لا إله إلا أنت.
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
الله أكبر.. كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيها المؤمنون عباد الله:
أعيادنا الإسلامية فرحة وسعادة واطئنان؛ لأنها أتت بعد عبادة فرضها الله على عباده، نفرح ونسعد لأننا وقفنا بين يديي الله، وامتثلنا لأوامر الله - سبحانه وتعالى -.
فعيد الفطر المبارك جاء بعد فريضة الصيام، وأنعم بها من فريضة التي كانت في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فعيد الفطر ارتبط بفريضة الصيام، وعيد الأضحى ارتبط بفريضة الحج.
ختم الله - عز وجل - آيات الصيام بالحث على الشكر والتكبير، قال - تعالى -: ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [البقرة: 185]، وختم الله - سبحانه - آيات الحج بالحث على الذكر والتكبير، قال - تعالى -: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) [البقرة: 203]
فهنيئاً للذين صاموا وقاموا، وطوبى للذين ضحوا وكبروا، هنيئاً لمن كانوا مستغفرين بالأسحار، منفقين بالليل والنهار.
عباد الله:
عيد الأضحى يوم التضحية والفِداء، يوم الفرَح والصَّفاء، يوم المكافأة من ربِّ السماء للنبيَّيْن الكريمَيْن إبراهيم وإسماعيل صاحبي الفضل والعَطاء، أراد الأعداءُ بإبراهيم سوءًا، لكنَّ الله جعَلَهم من الأسفَلِين، كما يجعَلُ كلَّ أعداء الدِّين إلى يوم الدِّين؛ ( فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ) [الصافات: 98].
خليل الله إبراهيم - عليه السلام - عابد الرحمن، مكرم الضيفان، مكسر الأوثان، مطفئ النيران يمتحن؛ ليمنح، ويختبر؛ ليعلو، ويبتلى؛ ليسموا.
إبراهيم - عليه السلام - يبتلى بفلذة كبده الذي انتظره كثيراً، بعد طول عمر وعناء يرزق هذا الولد الذي انتظره كثيراً فيأمره الله بذبحه، ما أعظمه من ابتلاء!! ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) [الصافات: 102].
وجاءَتْ لحظة الحسم؛ ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) [الصافات: 103]، فكان الاستِسلام من النبيَّيْن لأمرِ الله، وكان الحب من الكريمين لطاعة الله بالمستوى نفسه، والأداء ذاته؛ ( أَسْلَمَا ) وهُنا تدخَّلت السَّماء، الله شهد الموقف، وصدَّق عليه، فنادَى وجازَى؛ ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) [الصافات: 104 - 105].
امتحانٌ ما أشدَّه! اختِبارٌ ما أصعَبَه! ابتِلاءٌ ما أعظَمَه! ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ) [الصافات: 106]، لكنَّ إبراهيم - عليه السلام - نجح في الامتحان، فكان الفِداء من السَّماء في يوم الفِداء، ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) [الصافات: 107]؛ ليَعلُو ذِكرُ آل إبراهيم في العالَمين؛ ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) [الصافات: 108 - 109].
ليت الأمَّة الإسلامية تتعلَّم الفداء، والتضحية من قصة إبراهيم مع ولده، فالإسلام تَكاثَرَ عليه الأعداء، تَكالَبتْ عليه الأكَلَة من الأُمَم، حُرِقَ كتابُه، واستُهزِئ بنبيِّه، تعطَّلت الحدود، وازداد الصُّدود، سُلِبت المقدَّسات، وانتُهِكت الأعراض، سُفِكت الدماء، واضطُهِد العُلَماء، أصبَحَ الإسلام غريبًا في وطَنِه، وأمسى الدِّين طريدًا بين أهله، مَن له؟ مَن يَفدِيه؟! مَن يُضَحِّي من أجلِه؟!
الإسلام أحوَجُ ما يَكُون الآن إلى مُضحين من أوقاتهم ومن أموالهم ومن أبنائهم، ومن كلِّ ما أعطاه الله لهم، حتى يَسمُو الفرد وتَعلُو الأمَّة، حتى ينتَصِر الدِّين، وتعلو رايَةُ الحقِّ المبين، مَن يَسمُو؟ ومَن يفرُّ ويَجرِي؟! مَن يمسك؟ ومَن يُعطِي ويَفدِي؟! ومَن يُطِيع؟ ومَن يرغب ويعصي؟ ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) [البقرة: 130].
الإسلام يشكوا من أبناءه الذين تخلوا عنه، الإسلام يشكوا الغربة بين أهله، و أتباعه، الإسلام ينادي، فهل من مجيب!؟
أنا الإسلام أدعوكم أنادي *** فلبوا أيها الأبناء أجيبوا
أنا الإسلام جاريةً دموعي *** لأني بين أبنائي غريبُ
تداعى القوم جوعى ينهشوني *** ولا خل يذود ولا حبيبُ
وأبنائي أراهم في خلاف *** على حال لها كبدي تذوبُ
أرى المليار باسمي قد تسموا *** وفي البأساء خذلان عجيب
إذا ما الابن لم ينصر أباه *** فلا كان الوليد ولا النسيب
أرى ولدي تمزقه الاعادي *** يقول أبي فتخذلني الكروبُ
وأسال أين أخوته أماتوا؟ *** وهل بقيت لدى الأحياء قلوبُ؟!
أعيدوني فبي سيعود مجد؟ *** ويمسح عن رؤوسكم المشيبُ
فعزي عزكم ثمري جناكم *** وبي ستطوف حولكم الشعوبُ
أسأل الله بمنه وكرمه أن يعيد لهذه الأمة مجدها وعزها ووحدتها وقوتها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد..
أيُّها المسلمون، أعيادُنا يوم تحرير الأَرض والعِرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم أنْ تتحرَّر النُّفوس من الشَّهوات والملذَّات، ويوم أنْ تتحرَّر القلوب من الكذب والنِّفاق، ويوم أنْ تتحرَّر الصُّدور من الشَّحناء والبَغضاء، ويوم أنْ تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد، فيبذل كلُّ ذي واجبٍ واجِبَه غير مُقصِّر، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه لا يزيد.
أعيادنا يوم يتحرَّر المُحاصِرون من الظُّلم القائم، والحصار الظالم، والعداء المُتَراكِم، من الصَّديق قبل العدوِّ، ومن القَرِيب قبل البعيد، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله - تعالى -.
أعيادُنا يوم أنْ يتحرَّر المسجد الأقصى المبارك من دنس اليهود، ومن بطْش اليهود، ومن ظُلم اليهود وغير اليهود.
أيُّها المسلمون، أنتم مأمورون بالفرحة، في هذا اليوم كنتم في طاعة وتنتقلون إلى أخرى، افرَحُوا ولكم الأجرُ؛ ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [يونس: 58].
فاجعَلُوا هذه الأيَّام أيامَ العيد فرحًا لا ترحًا، أيَّامَ اتِّفاق لا اختلاف، أيَّامَ سعادةٍ لا شَقاء، أيَّام حب وصَفاء، لا بَغضاء ولا شَحناء، تسامَحُوا وتَصافَحُوا، توادُّوا وتحابُّوا، تَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى، لا على الإثم والعُدوان، صِلُوا الأرحام، وارحَمُوا الأيتام، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تكتبنا في عتقائك من النار، اللهم اجعل الجنة مثوانا، وأورثنا الفردوس الأعلى، وأدخلنا الجنة دون حساب ولا عذاب، يا كريم يا وهاب، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، يا منان، يا ذا الفضل العظيم تفضل على هؤلاء الجمع بعتقهم من النار، وإخراجهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، يا ودود يا غفور، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اجعلنا إخوة متحابين، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، اسلل سخائم صدورنا، اسلل سخائم صدورنا، اسلل سخائم صدورنا، واختم بالصالحات أعمالنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.




وقفات مع خطبة يوم عرفة

$
0
0
وقفات مع خطبة يوم عرفة
عمر بن عبد اللّه المقبل


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...، أما بعد:
فحين هاجر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مكثَ تسعَ سنين لم يحج، فلما كانت السنة العاشرة أعلمَ الناس أنه حاجٌ، فقدِم المدينة بَشَر كثير، كلُّهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويعمل مثلَ عمله، فخرج الصحابةُ معه، حتى أتوا ذا الحليفة، فلبّى من هناك، قال جابرٌ -رضي الله عنه-: فأهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد ((لبيك اللهم، لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك)) ([1]).
فابتدأ -صلى الله عليه وسلم- حجَّه بهذا الأصل العظيم، الذي لأجله أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل، وأعاد هذا التذكير في موضعين آخرين:
الأول حين صلى خلف مقام إبراهيم، فقرأ بسورتي التوحيد: الكافرون والإخلاص، وحين صعد الصفا، ورأى البيت، ذكّر الناسَ ثالثة بهذا الأصل، فاستقبل القبلة، فوحَّد اللهَ وكبَّره، وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) ([2]).
وهو هنا -صلى الله عليه وسلم- حين يقول: ((أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) كأني به يتذكر حين وقف على الصفا أول البعثة داعياً أقاربه، قائلاً: "يا معشر قريش! يا عباس! يا فاطمة!..." الحديث، فيسمع تلك الإجابة المخزية من أقرب الناس له: تباً لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟!([3]) فلا تمضي إلا عشرون سنة تقريباً، فيأتي مكة حاجاً، لا يوجد فيها أيُّ مظهر من مظاهر الشرك! يأتيها ومعه الأحمر والأسود، والأسياد والعبيد! يأتيها معززاً مؤزراً، وفي ذاكرته جملةٌ من الغزوات التي الكبرى التي خذل اللهُ فيها أعداءَه، فردّد -صلى الله عليه وسلم-: ((أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) وهكذا على العبد أن يشكر ربه في مثل هذا المقام بالذات على تعم الله الخاصة به، فضلاً عن النعم العامة.
ويَقدُم عليٌّ -رضي الله عنه- من اليمن بِبُدْن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان مجموع الهدي الذي قَدِم به عليٌّ من اليمن، والذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- مائةً، وفي هذا من جوده وكرمه -صلى الله عليه وسلم- ما فيه؛ فإنه كان يجزئه ناقة واحدةٌ عنه وعن ستة من أهل بيته، لكنه الجود والبذل، وإظهار الشعائر، فلما كان يوم النحر ذبح -صلى الله عليه وسلم- بيده الشريفة ثلاثاً وستين، وكانت الإبل العجماء تتسابق بين يديه أيتهن يذبحها أولاً! وذبح الباقي عليٌّ رضي الله عنه.
قال العلماء: لكأنه -صلى الله عليه وسلم- حين ذبح الثلاث وستين، وتوقف، كان ذلك إشعاراً بعدد سنوات حياته المباركة -صلى الله عليه وسلم-.
فلما كان يوم عرفة، أتى بطن الوادي -وادي نمرة-، فخطب الناس وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هُذيل)) ([4]).
فانظروا يا عباد الله! كيف عظّم -صلى الله عليه وسلم- شأن الدماء، وكيف بدأ بهدم أصول ومبادئ الجاهلية في هذا المقام العظيم، أين مَن يدّعون اليوم أنهم مسلمون، وهم مِن أعظم الناس خوضاً في الدماء، يقتلون بالشبهة، ويمثّلون، ويصلبون، على أمورٍ لا تستحق ذلك؟! فشّوهوا سمعةَ الإسلام بسوء فعالهم، وقبيح تصرفاتهم.
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كلُّه)) ([5]).
فتأمل في قوله: ((وأول ربا أضع ربانا...)) وقبل ذلك قال: ((وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث)) وهكذا هم الكبار، يأمرون وينهون، ويكونون أول من يبادر؛ ليُقتدى بهم.
ولا ريب أن التنبيه على خطر الربا في هذا الموقف دليل على انتشاره في ذلك الوقت، وهو برهان ساطع على شناعةِ الربا، ومقتِ فاعليه؛ حيث نبّه إلى خطورته في هذا المجمع العظيم، فهل يستشعر هذا المعنى مَن يأكلونه ولا يبالون؟! أو يتحايلون على أكله بألوان من المعاملات ظنّا منهم أن هذا التحايل ينجيهم من "حرب الله ورسوله"؟!
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطِئن فُرُشَكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) ([6]).
هذا أول إعلان عالمي لحقوق المرأة ولحقوق الرجل، التي كانت تُظلم في الجاهلية الأولى، والتي لم يسمع التاريخُ قبل موقفه -صلى الله عليه وسلم- بموقف يعلن حقوقَها كهذا الإعلان، ومَن قرأ تاريخ المرأة في الجاهلية العربية، أو الحضارة الرومانية أو الفارسية أو الهندية، أو غيرها من الحضارات؛ أدرك أكثر قيمة هذا الإعلان!
ومِن المحزن أن بعضَ المسلمين اليوم، صار يمارس هذه الجاهلية بأسلوب أو بآخر؛ مِن هضم حقوقها، واستلاب ما لهَا ومالهِا، فلما سمعت بعضُ النساء المسكينات المظلومات حقاً، بتلك الأصوات والأقلام التي تنادي بحقوق المرأة المغلَّفة بالثياب العلمانية والليبرالية؛ طارت فرحاً، ورقصت طرباً، وركضت هرباً لتلبي نداءَهم، وهم في الحقيقة أعداؤها، لكنهم استغلوا سوء تصرفات كثير من الرجال مع النساء، فصاروا يدغدغون مشاعرهن بمثل هذه العبارات!
ثم ختم -صلى الله عليه وسلم- هذه الخطبة الجليلة مبيّناً أصل السعادة والهداية، والأصل الذي تعود إليه الأمة عند اختلافها: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله)) فإن قلتَ: فأين الوصية بسنته؟ فالجواب: هي في القرآن: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7] (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين) [النور: 54].
فهل تعي أمةُ الإسلام هذه المضامينَ العظيمة لخطبته -صلى الله عليه وسلم-، وهي تعيش اليوم ألواناً من المحن، والتخطبات والفتن؟!
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس ((اللهم، اشهد، اللهم، اشهد)) ثلاث مرات ([7]).
ونحن نقول -بملء الفم-: "نشهد أنه بلّغ وأدّى ونصح".
وحين أراد النفرة من عرفة، أردف أسامة خلفه، ليعطي درساً عملياً لخطبته التي قالها ظهر ذلك اليوم، وهي: كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميّ هاتين، فهاهو سيد ولد آدم، يردف خلفه عبداً أسود، لم تكن له قيمة في الجاهلية، لكنه في الإسلام، حب رسول الله وابن حبّه.
ثم أتمّ حجته -صلى الله عليه وسلم- وهو في كلّ موضع يُذكّر الناس حاثاً لهم على التأسي به -صلى الله عليه وسلم-: ((لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) ([8])، حتى إذا أتمّ حجته بقي إلى اليوم الثالث عشر، وطاف بالبيت مودِّعاً، وخرج صبيحة اليوم الرابع عشر من مكة عائداً بحفظ الله إلى المدينة، فلم يَبق بعد هذه الحجة سوى أربعة أشهر تقريباً حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى -صلى الله عليه وسلم-.
فاتقوا الله أيها الناس، وتأسوا بسنته -صلى الله عليه وسلم- إن كنتم تحبونه، تأسوا بها ظاهراً وباطناً، في عسركم ويسركم، ومنشطكم وعلى أمرٍ تكرهونه؛ تسعدوا وتفلحوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...، وبعد:
فهذا هو اليوم الثاني من أيام عشر ذي الحجة التي عظّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله -كما في حديث ابن عباس في البخاري-: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟)) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)) ([9]).
والعملُ الصالح يشمل ألواناً من البر والإحسان، فالموفّق مَن ضرب في كل ذلك بنصيب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فقيام شيء من الليل، والصدقة ولو بالقليل، والصوم، وصلة الرحم، وتَفقُّد المحتاج، والدعاء؛ كلها أعمال صالحات، فاغتنموا ما بقي منها، وإياكم والغفلة! فإنه من الغبن العظيم –والله- أن تكون أيام المواسم مع الله كغيرها من الأيام، وسيعلم الإنسانُ إذا انقلب إلى ربه معنى فوات موسم كهذا! وسيعلم ذلك علم اليقين يوم التغابن، حين يرى الناسَ العاملين قد فازوا وتأخَّر.
وليذهب مَن كان منا شاكاً إلى المقابر، وليسألهم، فو الله لو نطقوا لأوصوكم بالعمل والجدّ ما دام في العمر فسحة.
وبعد: فيا أيها الراغب في الخير! مهما كان في نفسك من الرغبة والنشاط في العمل، فلا تعتمد على ما في قلبك من قوة الرغبة، بل توكل على الله، وتبرأ مِن حولك وقوّتك، وأَكثِر من ذلك الكنز العظيم: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وردد: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ثم سلوا ربَّكم القبول، فإنما العبرة والغاية هي ذلك.
أيها المسلمون: ويوم الجمعة القادم يوافق يوم عرفة الذي حث النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على صيامه فقال: ((أَحتَسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده)) ([10]) فاحرصوا رحمكم الله على صيامه والاحتساب في ذلك.
ولا حرج على الإنسان أن يصومه ولو كان عليه قضاء من رمضان، بل لا حرج على الإنسان أن يقضي ما عليه من رمضان في مثل هذه الأيام، كما هو مروي عن أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-، ويُرجى له نيلُ أجر القضاء، وأجرِ صوم هذه العشر.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
([1]) صحيح مسلم ح(1218).
([2]) صحيح مسلم ح(1218).
([3]) انظر: صحيح البخاري ح(4770)، ح(4771)، مسلم ح(206) (351)، ح(2927) (91).
([4]) صحيح مسلم ح(1218).
([5]) صحيح مسلم ح(1218).
([6]) صحيح مسلم ح(1218).
([7]) صحيح مسلم ح(1218).
([8]) صحيح مسلم ح(1297).
([9]) صحيح البخاري ح(969).
([10]) صحيح مسلم ح(1162).




[[ الخُراسانية ]] لـفـضـيـلـة الـشـيـخ عـبـد الـعـزيـز الـطـريـفـي

الشيخ سيد متولى سورة نوح كاملة من امسية تسجيلات 2006


وماذابعدالعشر

$
0
0
وماذابعدالعشر
الشيخ حازم شومان

🍀ماذا بعد عشر ذى الحجة 🍀 عشر ذى الحجة وما أدراك ما عشر ذى الحجة 📢
لازم نتعامل مع عشر ذى الحجة على انها قضية فى غاية الأهميه والخطورة يا ترى عشر ذى الحجة غيروا فيك ايه؟
غيروا فى إخلاصك إيه؟....غيروا فى صدقك إيه ؟؟؟؟
غيروا فى أمراض قلبك ايه؟؟؟💔 غيروا فى عزيمتك ايه؟؟💪
غيروا فى طريقه تفكيرك إيه؟؟
من فترة قليلة كنا نتكلم عن كيف نستقبل العشر ونستعد للعشر وصحح نيتك وان تخلى نيتك إن عشر ذى الحجة بداية العبادة انها تصحيح مسار وتضبيط زوايا فى حياتك
دى النية اللى تدخل بها أى موسم عبادة عمرة حج صيام وتخرج بعد موسم العبادة ده بيها
فيكون موسم العبادة ده بداية وليس نهاية انا يا رب هاابدأ اصحح بقى
من أول يوم فيها وانا بتدرب على العبادة اللى بعدها مش أيام وتعدى
الوقفات دى اللى لازم تاخدى فيها قرارات مهمة فى حياتك واخطر قرار هاتاخديه انك فصلتى لطريق الآخرة انتى هاتتغيرى من الخارج لما تتغيرى من الداخل
قولى لنفسك إيه العمل اللى خرجتى بيه والعبادة اللى خرجتى بها من عشر ذى الحجة؟؟؟
الثمرة الصغرى لعشر ذى الحجة هى الحسنات
أما الثمرة العظمى 🍀لعشر ذى الحجة فهى تعديل مسار حياتك ووجهتها لكل ما يحب الله ويرضيه وعزيمة الانطلاق فى علاقتك بالله هى دى الثمرة
قفى مع نفسك ...ها تعملى ايه؟؟؟لازم تستمرى لا تنقطعى استعينى بالله على الاستمرار
كونى ممن قال الله فيهم ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ غڑ أُولَظ°ئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ غ– وَأُولَظ°ئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
يا ترى أجمل عبادة فى عشر ذى الحجة ايه ؟؟...الدعاء والا الصيام والا الذكر والا الحج؟؟؟
اخرج من كل موسم عبادة بعمل واحد واثبت عليه ...
اخرجى من كل درس علم بعمل واحد
هاتلاقى نفسك بعد سنة سنتين فى القمة
اطلعى الطريق خطوة خطوة
طيب تعالى واعرفى بعض غنائم مواسم العبادة
1⃣تصحيح مسار للحياة وانطلاق للعبادة✈ï¸ڈ

2⃣الصحبة الصالحة فى المسجد او مجلس العلم اللى حضرتيه فى عشر ذى الحجة
3⃣العمل الصالح فى هذه الايام المباركة ماذا بعد عشر ذى الحجة؟؟
الاستغفار والاستمرار ولا تزيدك الطاعة الا الانكسار بين يدى الله والافتقار

عارفة استغفار من ايه بعد موسم عبادة؟؟
استغفار وتوبة من الكبر اللى فى قلوبنا بعد العبادة انا صمت وقمت وذكرت الله ....حتى الصلاة بعد الانتهاء منها تلاقى ذكر الاستغفار العبادة لو صحيحة ومثمرة ها تلاقى فى قلبك احساس ان عملك ده صغيير وذنوبك كبيرة
انظرى لقوله تعالى(( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ غڑ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ غڑ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غ– غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) )) بعد سمعنا واطعنا غفرانك يعنى طاعة بعدها استغفار

احذرى الشيطان يضحك عليك تانى او ترجعى للغفلة تانى احذرى انك تموتى تانى بعد ما ربنا أحيا قلبك بطاعته وذكره
لازم الطاعة تزيدك انكسار
توبى من أمراض قلبك من الكبر والحسد والنفاق والغيرة والغل والحقد لانك اذا لم تتوبى من الأمراض دى الشيطان سهل يوقعك تانى
اهتمى بقلبك وتعاهديه بالاصلاحâ‌¤ï¸ڈ
توبى الى الله من فوات فريضة الفجر ..من الغيبة ....من اكل أموال الناس...من التخلف عن الدعوة
إحرصى على خواتيم مواسم الطاعة دى أهم حاجة شوفى مثلا آخر رمضان وليلة القدر
...وآخر ساعة فى الجمعة أهم ساعة للدعاء المستجاب
وفى عشر ذى الحجة يوم عرفة يوم 9 ذى الحجة صيامه يكفر سنتين
وماذا بعد العشر ؟؟؟

خطبة عيد الأضحى المبارك (أهل السنة والجماعة.. من هم؟!)

$
0
0
خطبة عيد الأضحى المبارك (أهل السنة والجماعة.. من هم؟!)
د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الحمد لله العلي العظيم؛ مالك يوم الدين، وخالق الخلق أجمعين. والحمد لله الكبير المتعال، عزيز لا يرام، وملك لا يضام، وقيوم لا ينام، بيده معاقد العز، وإليه يرجع الأمر، ولا أحد من دونه يملك النفع والضر.

{الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء:111] والله أكبر كبيرا.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وفق من شاء لطاعته فكان عملهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وصرف أهل الشقوة عن طريقه فكانوا قوما بورا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ وقف في المشاعر، وعظم الشعائر، وخطب الناس فعظم الحرمات، ونهى عن المحرمات، وأمر بالطاعات، وأشهد الحجاج على بلاغه فشهدوا، فأشهد اللهَ تعالى على شهادتهم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن؛ فإن في التقوى عونا على المحن، ومخرجا من الفتن، وصبرا على العسر، وشكرا في اليسر {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْت سِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطَّلاق: 2-3].

أيها الناس: وقف إخوانكم بالأمس في عرفات، ورفعوا إلى الله تعالى الدعوات، ورجوا منه المغفرة والرحمات، فلانت بذكره سبحانه قلوبهم، وسحت لرجائه دموعهم، واشتاقت لبرد عفوه نفوسهم، فيا لله العظيم كم من دعوات بالأمس أجيبت؟!

وكم من رقاب من النار أعتقت؟!

وكم من أوزار وذنوب حطت؟!

فاللهم اقبل دعاء الداعين، وأعط السائلين، وتب على التائبين، يا رب العالمين. ولما غربت عليهم الشمس ساروا ملبين مكبرين إلى مزدلفة في جموع تتسابق إلى الطاعات، وتنافس في الخيرات.

وباتوا ليلتهم فيها، فلما أصبحوا ذكروا الله تعالى عند المشعر الحرام حتى أسفروا، ثم ساروا ملبين إلى منى لرمي جمرة العقبة، وليذبحوا هديهم، ويحلقوا رؤوسهم، ويحلوا إحرامهم، ويطوفوا لحجهم، ويبيتوا ليالي التشريق بمنى، ليرموا الجمرات ويكبروا ويدعوا، ثم يودعوا البيت بالطواف، ويعودوا إلى أوطانهم وقد أتموا مناسكهم، وأمضوا أفضل الأيام في أعظم الطاعات؛ فلله الحمد؛ علمنا مناسكنا، وهدانا لشريعتنا، وأعاننا على التزامها، ونسأله تعالى الثبات على ديننا إلى أن نلقاه.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. أيها المسلمون: حين بعث الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم جمع به قلوب العرب بعد شتاتها، وأزال به تفرقها واختلافها، ورفع به ذلها وهوانها {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63]. ثم وقع الاختلاف الأول بظهور الخوارج وقتلهم عثمان رضي الله عنه ظلما وعدوانا، فسلت السيوف ولم تغمد، وسفكت الدماء ولم تحقن، وتفرقت القلوب ولم تجتمع.

ثم ظهرت بدع الباطنية في أواخر الخلافة الراشدة فزادت الاختلاف والتفرق.

ثم ظهرت بدعة أهل الكلام الذين أدخلوا فلسفات الشرق والغرب على عقائد المسلمين، وخلطوها بها، وحاكموا نصوص الكتاب والسنة إليها.

فاضطر أهل الحق من علماء الإسلام إلى تمييز أهل البدع عن غيرهم، بالانتساب إلى السنة، فظهر مصطلح أهل السنة والجماعة، نسبة إلى الأخذ بالسنة النبوية، واعتماد فهم الصحابة لنصوص الكتاب والسنة؛ لأنه الفهم النقي الصافي قبل إدخال أهل البدع بدعهم على أهل الإسلام.

فصار وصف أهل السنة والجماعة يتناول من عظَّم نصوص الكتاب والسنة، واعتمد فيها على فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، والأئمة المتبوعين، ولم يمسخها بتحريف أو تأويل؛ وذلك أخذا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حين قال: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ...» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

ويطلق عليهم أهل الحديث والأثر؛ لتعظيمهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذهم به، وتقديمه على أهواء الرجال وآرائهم.

كما يوصفون بأنهم أتباع السلف الصالح؛ ولذا يقال لهم السلفيون والأثريون، وهم الفرقة الناجية المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَهَلَكَتْ سَبْعُونَ فِرْقَةً، وَخَلَصَتْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، تَهْلِكُ إِحْدَى وَسَبْعُونَ فِرْقَةً، وَتَخْلُصُ فِرْقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ؟ قَالَ: "الْجَمَاعَةُ الْجَمَاعَةُ" رواه أحمد.

وفي حديث آخر: فَقِيلَ لَهُ: مَا الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي».

فلا فرق أن يقال: أهل السنة والجماعة، أو السلفيون، أو الأثريون، أو الفرقة الناجية، فكلها أوصاف تعود لمسمى واحد، يعتمد أصحابه نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

وهو ما يمثل حقيقة الإسلام عند التفرق والاختلاف، وتشعب الآراء، وكثرة الأهواء.

وكل مسلم على وجه الأرض لم يتلوث بالآراء والأهواء البدعية فإنه يعتمد هذه الطريقة في التعامل مع الكتاب والسنة؛ لأنه معظم لله تعالى، مطيع لرسوله صلى الله عليه وسلم، موقر للسلف الصالح.

وما كان الأئمة ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب إلا دعاة لهذا المنهج الأصيل، دعوتهم كدعوة من سبقوهم من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين، ولم يبتدعوا شيئا من عند أنفسهم:

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "الِاتِّبَاعُ: أَنْ يَتَّبِعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابِهِ". وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَلَا أَذْكُرُ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا.

وَقَدْ قُلْت لَهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَنَا أُمْهِلُ مَنْ يُخَالِفُنِي ثَلَاثَ سِنِينَ، إنْ جَاءَ بِحَرْفِ وَاحِدٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ يُخَالِفُ مَا قُلْته فَأَنَا أُقِرُّ بِذَلِكَ.اهـ ثم يعجزون عن أن يأتوا بشيء.

وقال ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم.

وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني؛ بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه، إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنّها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها، من أقوال أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقول إلا الحق.

وهذا المنهج الذي سار عليه هؤلاء الأئمة يمثل حقيقة الإسلام وصفاءه ونقاءه، وهو يتمدد اليوم وينتشر في العالم الإسلامي والعالم الغربي، وسبب ذلك أن من اقتنع بالإسلام فإنه يريد المنهج النقي الصافي الذي يوصله إلى تعظيم ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان يريد الأهواء والآراء لبقي على ملته ومذهبه.

وبسبب انتشار هذا المنهج الصحيح، وقوة أتباعه في الذب عن الإسلام، وعجز الأعداء عن إعاقته أو احتوائه؛ فإن حربا عالمية عسكرية وسياسية وفكرية وإعلامية تشن عليه بلا هوادة.

فتصفية أهل السنة في الشام والعراق واليمن تجري على قدم وساق لمصلحة الصفويين الباطنيين، وبتآمر دولي لم يسبق له مثيل. ومحاصرة دول أهل السنة، والضغط السياسي عليها لمحاربة المنهج السني السلفي الأثري مستمرة لا تتوقف، وتزداد ولا تنقص.

والحرب الفكرية الإعلامية على أشدها لكل عالم وداعية ومنبر يدعو الناس إلى مذهب أهل السنة والجماعة المتمثل في الأخذ بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

لقد حاول الأعداء إخراج الناس من دينهم فعجزوا، ثم حاولوا تحريف الإسلام، وإعادة تفسيره بما يهوون فما تبعهم إلا قليل من ذوي الأهواء والمطامع الدنيوية، ثم حاولوا إخراج الناس من منهج أهل السنة والجماعة إلى أهوائهم فلم يستطيعوا، وهم الآن يحاولون اختطاف هذا المصطلح ممن يستحقونه، وصرفه لمن لا يستحقونه، ولن يفلحوا؛ لأن على الحق نورا يهدي الناس إليه، وعلى الباطل ظلمات تصرف الناس عنه.

فلنتمسك بالحق الذي هدينا إليه مهما كلف الأمر؛ فإن أهله على الحق ظاهرين منصورين، ولن يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك {فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرُّوم:60].

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله مسبغ النعماء، كاشف الضراء، دافع البلاء، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، ويعطي ويمنع، ويرفع ويضع، وكل شيء عنده بمقدار، نحمده على عيدنا، وكمال ديننا، وتمام نعمتنا، ورسوخ أمننا، واجتماع أمرنا، ورغد عيشنا، ونسأله المزيد من فضله، والثبات على دينه، والتمسك بحبله؛ فإن حبله متين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كبره أهل الإيمان والتقوى، وأعرض عنه أهل الهوى والردى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيتها النساء المسلمات: إن التمسك بالمنهج الحق، والدعوة إليه، والذب عنه، ليس للرجال دون النساء، بل هو عام للجميع، وقد قال الله تعالى {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ} [التوبة:71] وأعظم المعروف منهج الله تعالى الذي ارتضاه شرعة لعباده، ويريد الأعداء تشويهه وتحريفه وإخراج أهله منه، وصد الناس عنه.

فواجب على المرأة المسلمة أن تربي نشأها من بنين وبنات عليه، وأن تغرس في قلوبهم تعظيم نصوص الكتاب والسنة، والعمل بها، والدعوة إليها، وتقديمها على أهواء الناس وأقوالهم؛ فإن زيغ القلوب وانحرافها ينشأ بالزهد في النصوص القرآنية والنبوية، حتى تتخطف صاحبَه الآراء، وتتجارى به الأهواء، فيضل بعد الهدى، ويركب طريق الردى.

وما نال الأعداء من الأمة أكثر من نيلهم من شبابها وفتياتها حين زينوا لهم التمرد على الشرائع الربانية، والتفلت من الأحكام الشرعية، وألقوا بعضهم في دياجير الشك والحيرة والقلق والاضطراب.

فالله الله يا إماء الله في بناتكن وأبنائكن.

ازرعوا في قلوبهم الإيمان، وتعاهدوه بالزيادة والنماء، وعلموهم القرآن؛ فإنه هدى ونور، وربوهم على تعظيم شريعة الله تعالى؛ فإن تعظيمها من تعظيمه سبحانه.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: تخرجون الآن من مصلاكم وقد أديتم هذه الشعيرة العظيمة، فاذبحوا أضاحيكم، وكلوا منها، وأهدوا وتصدقوا وادخروا، وتعاونوا على البر والتقوى، وصلوا الأرحام، ولتسلم قلوبكم على إخوانكم، واجتنبوا المنكرات، وتناهوا عن الإثم والعدوان؛ فإن هذه الأيام أيام التكبير والذكر والشكر، فلا تنتهكوها بما حرم الله تعالى. ويستمر ذبح الأضاحي إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر، آخر أيام التشريق، التي يحرم صيامها بقول النبي صلى الله عليه وسلم «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رواه مسلم.

وتذكروا إخوانكم المستضعفين المضطهدين في دينهم بسبب أنهم من أهل السنة والجماعة في الشام والعراق واليمن وغيرها من البلاد التي تسلط عليها الأعداء.

أحسوا بمعاناتهم، وألحوا بالدعاء لهم؛ عسى الله تعالى أن يكشف كربهم، ويكبت أعداءهم {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ} [آل عمران:126].

أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].

مشكل ما روي في الاشتراك في البُدن

$
0
0
مشكل ما روي في الاشتراك في البُدن

د. خالد بن سليمان المهنا





مشكل ما روي في الاشتراك في البُدن(1)
عن جابر رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة"(2).
وعنه رضي الله عنه قال: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة"(3).
يشكل عليهما حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضر النحر فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزور عشرة"(4).
وعن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر(5).
وجه الإشكال:
أن حديث جابر: "خرجنا مهلين بالحج..." يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يشتركوا في الهدي، كل سبعة منهم في بدنة، وهو مؤيد بحديثه الآخر أنهم نحروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة من الإبل عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وفي حديث ابن عباس وحديث محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان خلاف ذلك، إذ في حديث ابن عباس، أنهم اشتركوا في النحر أو الأضحى في البقرة سبعة وفي الجزور عشرة، وفي حديث المسور ومروان أنهم نحروا عن كل عشرة بدنة.
أقوال العلماء في إثبات الإشكال:
قال الطحاوي: باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدد الذي يجوز أن يُضحى بالبدنة عنهم(6).
سبب الإشكال:
وقوع الوهم في إحدى الروايات:
دراسة الإشكال وبيان الراجح من الأقوال في دفعه:
سلك أهل العلم لدفع الإشكال مسلكي الجمع والترجيح:
أولاً: مسلك الجمع:
ولهم فيه طريقان:
الطريق الأولى: حمل حديثي جابر والمسور ومروان على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن بعض أصحابه الذين كانوا معه بالحديبية عن كل سبعة منهم بدنة أو بقرة، ونحر عن بعضهم عن كل عشرة منهم بدنة، فيكون قول جابر: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، يريد بعض أهل الحديبية، وخبر المسور ومروان: اشترك عشرة في بدنة: أي: سبعمائة منهم، وهم نصف أهل الحديبية لا كلهم(7)، وهذا مسلك ابن خزيمة وتابعه على جملته ابن حبان، وقد احتج ابن خزيمة لمسلكه من جهة اللغة ومن جهة الرواية.
أما اللغة فقد قال: "باب ذكر الدليل على ألا حظر في أخبار جابر: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة أن لا تجزئ البدنة عن أكثر من سبعة، وهذا من الجنس الذين كنت أعلمت في غير موضع من كتبنا أن العرب قد تذكر عدد الشيء لا تريد نفياً لما زاد عن ذلك العدد"(8).
ثم ساق بسنده إلى محمد بن إسحاق حديثه المتقدم وفيه "وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمئة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر".
ثم قال: قال محمد – يعني: ابن إسحاق -: فحدثني الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مئة، وقد استدل ابن خزيمة بهذه الرواية الأخيرة من طريق ابن إسحاق.
على أن المراد برواية ابن إسحاق الأولى (وكان الناس سبعمئة رجل) سبعمئة رجل الذين نحر عنهم السبعين بدنة، لا أن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه بالحديبية كانوا سبعمئة رجل، قال: "فهذا الخبر – يعني: خبر ابن إسحاق عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مئة – يصرح أيضاً أنهم كانوا ألفاً وأربعمئة، فدلت هذه اللفظة على أن قوله في خبر ابن إسحاق: وكان الناس سبعمئة رجل، كانوا بعض الناس الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية لا جميعهم...".
واحتج لصحة مسلكه من جهة اللغة أيضاً بأنه من جنس قول القائل: إن اسم الناس قد يقع على بعض الناس كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران:173](9).
ثم قواه بما رواه بسنده إلى ابن عباس.. فذكر حديثه المتقدم "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضر النحر فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة".
قال: (وخبر رافع بن خديج في قسم الغنائم، فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عشرة من الغنم بجزور كالدليل على صحة هذه المسألة)(10).
وخبر رافع أخرجه البخاري عن محمد عن وكيع عن سفيان عن أبيه عن غباية بن رفاعة عن جده رافع بن خَديج رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنماً أو إبلاً، فعجل القوم فأغلوا بها القدور، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فأكفئت، ثم عدل عشرة من الغنم بجزور..." الحديث(11).
وقد أجيب عن الاستدلال بحديث رافع بأنه واقعة عين تحتمل أن يكون تعديل الإبل فيها بعشر غنم كان لقلة الإبل أو نفاستها والغنم كانت كثيرة أو هزيلة، وحديث جابر صريح في الحكم.
قال ابن القيم: (.. وإما أن يقال: عدل البعير بعشرة من الغنم تقويم في الغنائم لأجل تعديل القسمة)(12).
وقال ابن حجر: (وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم إذ ذاك، فلعل الإبل كانت قليلة أو نفيسة، والغنم كانت كثيرة أو هزيلة، بحيث كانت قيمة البعير عشر شياة، ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزئ عن سبع شياة؛ لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير المعتدلين، وأما هذه القسمة فكانت واقعة عين، فيحتمل أن يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل دون الغنم، وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم، حيث قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة، وأما حديث ابن عباس: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فاشتركنا في البقرة تسعة، وفي البدنة عشرة، فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وعضده بحديث رافع بن خديج هذا"(13).
وأما متابعة ابن حبان شيخه ابن خزيمة فظاهرة من تخريجه حديث جابر تحت هذه الترجمة "ذكر إباحة اشتراك الجماعة في البدنة والبقرة بنحر" ثم خرج بعده حديث ابن عباس(14).
الطريق الثانية: الجمع بين حديثي جابر الدالين على اشتراك السبعة في البدنة، وبين حديثي ابن عباس والمسور ومروان الدالين على اشتراك العشرة.
بأن يقال: إن دلالة حديث جابر أن البعير بسبعة هي الأصل، ما لم يعرض عارض فيتغير الحكم فيكون البعير عن عشرة.
قال ابن حجر في تتمة كلامه المتقدم: "والذي يتحرر في هذا الأصل أن البعير بسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة"(15).
وبمقتضى الجمع عموماً قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وإسحاق بن راهويه وابن حزم(16).
ثانياً: الترجيح:
وذلك بترجيح حديثي جابر الدالين على اشتراك البدنة في سبعة، على حديثي ابن عباس والمسور ومروان الدالين على إجزاء البدنة عن عشرة، وهو مقتضى قول أبي حنيفة(17)، والثوري والشافعي وأحمد وأبي ثور وداود بن علي(18)، ومسلك ابن جرير الطبري والطحاوي والبيهقي(19).
قال الأثرم: قيل لأحمد: ضحى ثمانية ببقرة؟ قال لا يجزئ(20).
واحتجوا لمسلكهم بأن حديث جابر أرجح ثبوتاً ودلالة من حديث ابن عباس ومن رواية محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور، وبأنه مؤيَّد بأقاويل الصحابة وفتاويهم.
قال ابن جرير الطبري: "اجتمعت الحجة على أن البقرة والبدنة لا تجزئ عن أكثر من سبعة، قال: وفي ذلك دليل على أن حديث ابن عباس وما كان مثله خطأ ووهم، أو منسوخ"(21).
وقال البيهقي: ".. فإن محمد بن إسحاق بن يسار تفرد بذكر البدنة عن عشرة فيه، وحديث عكرمة يتفرد به الحسين بن واقعد عن علباء بن أحمر، وحديث جابر أصح من جميع ذلك، وأخبر باشتراكهم فيها في الحج والعمرة وبالحديبية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أولى بالقبول"(22)، وقد تقدم في تخريج رواية محمد بن إسحاق كلام أهل العلم في نقدها.
وأما رجحان حديث جابر من جهة الدلالة، فمن حيث إنه أخص في محل النزاع من حديثي ابن عباس وحديث رافع بن خديج الذي احتج به ابن خزيمة على صحة مسلكه.
قال الشنقيطي: ".. ورواية جابر أن البدنة تكفي في الهدي عن سبعة أخص في محل النزاع من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم "جعل البعير في القسمة يعدل عشراً من الغنم" لأن هذا في القسمة، وحديث جابر في خصوص الهدي، والأخص في محل النزاع مقدم على الأعم"(23).
وأما آثار الصحابة والتابعين وفتاويهم في إجزاء البدنة عن سبعة، فكثيرة منها ما روى الطحاوي بسنده إلى علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالا: "البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة"(24).
وروى ابن أبي شيبة بسنده إلى عطاء قال: يشترك المحصورون والمتمعون في البدنة عن سبعة(25)، وبسنده إلى طاووس: يجزئ الناقة والبقرة عن سبعة متمتعين(26)، وساق ابن حزم آثاراً في هذا المعنى عن حذيفة وأبي سعود البدري وأنس رضي الله عنهم.
قال: "وصح القول بذلك أيضاً عن عطاء وطاووس وسليمان التيمي وأبي عثمان النهدي والحسن البصري وقتادة وسالم بن عبد الله بن عمر وعمرو بن دينار وغيرهم"(27).
الراجح:
الأقرب – والله أعلم – أن الإشكال يندفع بترجيح حديثي جابر المتضمنين إجزاء البدنة عن سبعة في الهدي على حديث ابن عباس وحديث المسور ومروان من رواية ابن إسحاق، وذلك لقوة حجج من سلك هذا المسلك وسلامته من الاعتراضات القادحة.
وأما الجمع بين حديث جابر وحديث المسور ومروان من رواية ابن إسحاق فمتجه لو لم تقم القرائن على وهم ابن إسحاق، والله تعالى أعلم.

________________
(1) البُدن: جمع بَدَنة، والبدنة تقع على الناقة والبقرة والبعير الذكر مما يجوز في الهدي والأضاحي، ولا تقع على الشاة، سميت بدنة لعظمها، قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36]، ينظر: تهذيب اللغة (14/144).
(2) أخرجه مسلم في الحج (2/955/1318/351) عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر.
ورواه مسلم – في الموضع المتقدم – من طرق متعددة عن أبي الزبير عن جابر بنحو اللفظ السابق. ورواه في (2/956/1318/355) عن يحيى بن يحيى عن هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر قال: كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة فتذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها.
(3) أخرجه مسلم في الحج (2/955/1318/350) عن قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى – كلاهما – عن مالك عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، وفي لفظ لمسلم أيضاً (2/955/1318/353) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة، كل سبعة في بدنة، فقال رجل لجابر: أيُشترك في البدنة ما يُشترك في الجزور؟ قال: ما هي إلا من البُدن.
وحضر جابر الحديبية قال: نحرنا يومئذ سبعين بدنة، اشتركنا كل سبعة في بدنة.
(4) أخرجه أحمد (1/275)، والترمذي في الحج، باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة (2/238/905)، وابن ماجه في الأضاحي، باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة (2/1047/3131)، والنسائي في الضحايا، باب ما تجزئ عنه البدنة في الضحايا (7/222/4392)، وابن خزيمة (4/291/2908).
راجع التخريج المفصل في كتاب مشكل ما روي في الاشتراك في البدن ص 429.
(5) أخرجه أحمد (4/323)، والطبري في تفسيره (26/95)، وابن خزيمة (4/290)، والطحاوي في شرح المشكل (3/456)، والبيهقي (5/235).
راجع التخريج المفصل في كتاب مشكل ما روي في الاشتراك في البدن ص 431.
(6) مشكل الآثار (3/456).
(7) صحيح ابن خزيمة (4/289).
(8) (4/290).
(9) (4/290).
(10) (4/291).
(11) كتاب الشركة، باب من عَدَل عشرة من الغنم بجزور في القسم (5/164/2507).
(12) زاد المعاد (2/266).
(13) الفتح (9/542).
(14) الإحسان (9/317-318).
(15) الفتح (9/542).
(16) جامع الترمذي (2/238)، المحلى (7/98).
(17) شرح معاني الآثار (4/176).
(18) جامع الترمذي (2/238)، التمهيد (13/85).
(19) شرح مشكل الآثار (3/56-465)، شرح المعاني (4/176).
(20) التمهيد (13/89).
(21) التمهيد (13/88).
(22) السنن الكبرى (5/236).
(23) أضواء البيان (5/520).
(24) شرح المعاني (4/175).
(25) (4/206).
(26) (4/206).
(27) المحلى (7/96).



لبيك

$
0
0
لبيك


إسلام فتحي







ثمَّة دروس وقيم كثيرة يجب أن نعيَها من الحج والحُجاج، أعظمها على الإطلاق قيمةُ الخضوع لأمرِ الله.


إن الحاجَّ يترك أهله وينفق الكثير من ماله ويهجر مؤقتًا رفقته وأصحابه ليفر إلى ربه تلبيةً للأمر وطمعًا في الرضا وسعيًا لمغفرته سبحانه.. يخرج هاتفًا بلسانه ما يضمره قلبه صدقًا وإيمانًا (لبيك اللهم لبيك).


يذهب إلى مكة فيطوف ويسعى ويقف ويحلق ويذبح ويرجم متجهًا بكُله إلى ربه يرجو رحمته ويخشى عذابه، يحدوه الأمل أن يرجع إلى ربه من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأن يكون حجه مبرورًا يستحق عليه الجنة، وعدته في ذلك هي شعاره الذي يطبقه بحذافيره في أداء حجه (لبيك اللهم لبيك).. ويكأن ليس بابٌ أقرب للوصول إلى رضا الله ومغفرته وجنته من باب (لبيك)!


إن الحجاج يعلنون بصوتهم المدوي (لبيك) إغاظةً لأعداء دين الله واعانةً لأنفسهم على نصب المناسك وتذكيرًا لنا - نحن غير الحجاج - أن رضا ربكم ومغفرته وجنته يمكنكم نوالهم من تلبية أوامره في حياتكم ومناسككم ومعايشكم.


الحج ايضًا يذكّرنا بيوم القيامة في حشره وحشده وازدحامه، لنقول (لبيك) في الدنيا طائعين حتى يشملنا عفو الله ورحمته يوم اجتماع الأنام للحساب ولقاء ربهم وعرضهم عليه سبحانه.. فإن مجرد تذكر الانسان منّا ليوم القيامة بتفاصيله كفيلٌ باستقامته وانضباط حركته وفقاً لِـ(لبيك).


إن (لبيك) يجب أن تكون شعارنا، ننظر ما أمر الله به وما نهى عنه ثم نفزع ممتثلين للأمر مجتنبين للنهي.. ولقد ضل أقوامٌ ما ظفروا من الدين إلا بمعرفة تعاليمه فقط أو استيضاح أوامره فحسب،إن علمًا لا ينهض بصاحبه للتنفيذ هو حجة عليه يوم يلقى ربه.


في زمننا ومع انتشار أسباب المعاصي حتى أصبح المتمسك بدينه كالقابض على الجمر نرى في (لبيك) واحة أمان من تيه صحراء المعاصي وقفارها المجدبة ووديانها المُهلكة..


لبيك اللهم اجتنابًا لكل ما يغضبك وتركًا للذةٍ عاجلة شراءً للذات الخلود في جناتك "حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا".
لبيك اللهم سعيًا في اتيان أوامرك طلبًا لحصون أحتمي بها من عذاب جهنم يوم الحساب "سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا".
لبيك اللهم تضحيةً وبذلًا في سبيل اعلاء كلمتك ونصرة دينك وفاءً للبيع وطمعاً في الثمن"بأن لهم الجنة".

لبيك اللهم خدمةً لعبادك وسعيًا في قضاء حوائجهم طمعًا في جزيل ثوابك وجميل كرمك.
لبيك اللهم اخلاصًا لوجهك في كل أعمالي لا يشوبه رياء أو عجب أو سمعة.
لبيك اللهم حسن خُلق، وخشوعًا في الصلاة، وصدقةً في السر، ونصيحةً للمخطئ، وإعانة للمحتاج، ونصرة للمظلوم، ونشرًا لدينك، وجهادًا في سبيلك ما استطعت إلى ذلكم سبيلاً.


إن حصرنا لِـ(لبيك) في الحجاج من أكبر اخطائنا التي يجب أن نصححها.. (لبيك) هي لكل مسلم في كل مكان وفي كل وقت من العام.




حج الأنبياء لبيت الله الحرام

$
0
0
حج الأنبياء لبيت الله الحرام


أبو عاصم البركاتي المصري







الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإن حج بيت الله الحرام ركن الإسلام؛ وفرض عظيم؛ وبيت الله الحرام هو أفضل المساجد؛ إذ رفع قواعده بأمر من الله سبحانه نبيان كريمان؛ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة :127].




وقد أخرج البخاري في صحيحه قول إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل عليه السلام: "فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُقال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ﴿ ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".




ثم بعد ذلك أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بأنْ يُؤذّن في النّاس بالحجّ، قال تعالى ﴿ وَأَذّن فِي النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ ﴾ [الحج:27].




ولما استجاب إبراهيم عليه السلام لأمر الله ونادى في الناس بحج البيت؛ استجاب الصالحون للنداء؛ فحجه الأنبياء والرسل ومن تبعهم من الصالحين؛ امتثالاً لأمر الله تعالى.




حج موسى ويونس عليهما السلام للكعبة:

أخرج مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: "أَيُّ وَادٍ هَذَا؟" فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ"، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: "أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟" قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي".




قال القاضي عياض: " إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِى حالهم قبل هذا ومُثِلوا له فى حال حياتهم وكيف تلبيتهم حينئذ وحجهم كما قال فى الحديث: " كأنى أنظر إلى موسى، وكأنى أنظرُ إلى يونس، وكأنى أنظر إلى عيسى ". [إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (1 /518)].




حج المسيح عليه السلام لبيت الله الحرام:

وأخرج مسلم وأحمد وغيرهما عَنْ حَنْظَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا".




تعظيم رسول الله لبيت الله الحرام

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربه سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].




ينقل أصحاب السير والتاريخ أن أهل مكة لما عزموا على تجديد بناء الكعبة بعد أن تهدم البناء بأثر سيل أصاب الكعبة؛ فهابوا الأمر في أوله؛ ثم أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وإعادة بنائها؛ ويشترك النبي صلى الله عليه وسلم في البناء فيحمل الحجارة على كتفه ويعمل ويجد في بناء بيت الله وكان ذلك قبل البعثة؛ فدل على تعظيمه صلى الله عليه وسلم لبيت الله قبل النبوة وبعدها ؛ إذ هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤيد بتأييد الله تعالى.




يقول في الحديث وهو متوجه إلى مكة للعمرة عام الحديبية لما بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:؛ فَقَالُوا: خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا خَلَأَتْ القَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ"، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الحُدَيْبِيَةِ. [أخرجه البخاري].




ويعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمرات ويحج مرة واحدة؛ فأخرج البخاري في صحيحه عَنْ قَتَادَةَ، سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمُ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: " أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ - أُرَاهُ - حُنَيْنٍ " قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: "وَاحِدَةً".




وأختم بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ" [أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني]




وذلك تذكيراً للقادرين الموسرين حتى يتبعوا نبيهم محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هديه وهدي الانبياء من قبله واستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في زيارة بيت الله بالحج والعمرة.




اللهم اكتب لنا الحج والعمرة ولا تحرمنا في كرمك وجودك يا كريم

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه





القول الوسط في: أين يضحي المضحي؟

$
0
0
القول الوسط في: أين يضحي المضحي؟
عبد الرحمن بن عبد الله الصبيح


قال تعالى: (فصلٍ لربك وانحر) وقال: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين) وقال: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَـامِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ).
وهي سنة ثابتة، فقد ورد في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أملحين، وهي بالإجماع من شعائر الإسلام الظاهرة، ومن المشروع فيها: عن علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه، وأن اقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين" [متفق عليه].
واختلف الناس في أيهما أفضل أن يضحي المضحي في بلده أم يوكل من يذبحها له في خارج البلاد؟
اختلف العلماء في المسألة، فمن قائل يضحي في بلده وهو الأفضل، وآخرون يقولون يوكل من يذبحها له خارج البلاد لحاجة المسلمين الماسة إليها، وهو الأفضل، والمفضول قد يكون فاضلاً في بعض الأحيان.
* وقبل أن أذكر القول الوسط في هذه المسألة، أنبه لأمور:
1- خلاف العلماء في المسألة هو من حيث الفضل، وليس من حيث إجزاء الأضحية من عدمها.
2- من حيث الأصل: لا خلاف أن الأفضل هو أن يتولى المضحي ذبح أضحيته بنفسه، وأن يأكل منها، ويهدي ويتصدق.
3- قد يُفضل بعض العلماء في بعض الأوقات الأضحية، خارج البلاد للحاجة الماسة إليها، كما في هذا الوقت مثلاً، ففي سوريا؛ بالرغم من كثرة الإنفاق والصدقات إلا أن حاجة الناس للأكل ما زالت باقية، ناهيكم عن أن المنفق حال دفعه نفقته لا بد أن يُفاضل بين دفعها للمجاهدين وبين دفعها للفقراء المعوزين، ودفعها للمجاهد أولى كما يقرر ذلك أهل العلم.
وفي غيرها من البلاد حاجة الناس شديدة، لا سيما إلى الدعوة إلى الله وتعليمهم شرائع الإسلام، ولا يتحصل هذا إلا بإطعامهم، ومن عمل في العمل الدعوي يعلم أثر الإغاثة في الدعوة إلى الله.
يعترض البعض على هذا، بأن ما ذكرتموه صحيح، ولكن هذا يكون من التبرعات لا الأضحية، فيقال: واقع الأمر أن الكفاية لم تتحقق لا من التبرعات ولا غيرها.
* والقول الوسط في هذه المسألة و العلم عند الله:
هو الجمع بين الأمرين:
إقامة الشعيرة وإرسالها للخارج.
ويكون ذلك بأن يذبح المسلم أضحيته في بيته، ويجزئ البيت أو البيوت المجتمعة أضحية واحدة -من حيث الشهود لا من حيث الإجزاء عن المضحي، فكما هو معلوم أن الذبيحة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته فقط- يشهدونها ويحيون بها الشعيرة، وينالون الفضل المترتب عليها من أكل وإطعام وإهداء وصدقة، وبقية الأضاحي والوصايا لا بأس أن تُرسل للخارج، وهذا القول هو أوسط الأقوال، ولعله الراجح -بإذن الله-، وهو قول الشيخ الفقيه محمد المختار الشنقيطي من المعاصرين الذي رأيه: أن الوصايا والنذور وما فّضُلَ من الأضاحي لا بأس بإرسالها، وينكر خلوَّ البيت من إقامة الشعيرة.
فلو التزم الناس بهذا، حققوا المصلحتين، مصلحة إحياء الشعيرة وشهودها، ومصلحة إعانة المحتاجين وسد حاجة المعوزين، ودرؤا مفسدة غياب الشعيرة وإماتتها، بل حققوا مصلحة عظيمة جداً؛ أَلا وهي:
* إحياء الشعيرة في بلدان وأماكن ربما لو لم تُقم عندهم هذه الشعيرة بهذه الهيئة لاندرست هذه الشعيرة، ونسيها الناس لفقرهم وعجزهم من أن يضحوا، وأي أجر أعظم من أن تحيي الشعيرة في تلك البلاد، وأن تكون سبباً في الحفاظ عليها في جميع أرجاء الأرض.
ولو قيل: بأن إقامة شعائر الإسلام الظاهرة في تلك البلاد فرض كفاية على الأمة لما كان هذا بعيداً.
* وفيما يخص سوريا تحديداً، فقد عَدَّ كثير أهل الشأن إرسال الأضاحي إلى الشام من الضروريات في الجهاد، وأنه في بعض الأماكن مما لا يتم واجب الجهاد إلا به، فالله الله في إخوانكم المجاهدين، أعينوهم في جهادهم، وقفوا معهم.
وفي ترتيب أولويات الإنفاق يذكر العلماء أن الإنفاق على المجاهدين يأتي في المرتبة الأولى، وذلك أن بيضة المجاهد إذا استبيحت استبيح ما بعدها، فيحصل بسبب ذلك من الأضرار والمفاسد في الدين والدنيا ما تعجز العقول عن مجرد التفكير فيه أو تخيله.
فيا أيها المسلمون! أفإن قال لكم المجاهدون نريد لحماً تقولون: لا؟
أفإن قال لكم المجاهدون: إن لنا نساء وأطفالاً جياع، لا يجدون ما يشبعهم، أصبح الجوع ضيفاً ثقيلاً عليهم يمسي معهم ويصبح، أفإن قالوا لكم: إنهم ينتظرون هذا اليوم منذ أشهر طويلة لتوديع ذلك الضيف الثقيل لعدة أيام، تقولون: لا!
إن المنتظر من أهل الإسلام فيما يخص الشام تحديداً، ألا يسألوا أين يضحوا؟ وإنما أن يزيدوا من أضحياتهم إلى أهل الشام، فمن كان سيضحي بواحدة يضيف إليها أخرى لأهل الشام، وأن يدفعوا أموالهم إليهم، فهذه الحوادث والأزمات؛ أزمات استثنائية، تُستنهض بها الأمة، فإن كانت أمة بقيت، وإلا...!
وحتى لو قيل في الأضحية: إن الأفضل أن يضحي المرء في بيته، وكان أهل الشام يستنصرون لوجب الانتقال من الفاضل للمفضول، والله المستعان.
* ويشبه إرسال الأضحية في الخارج من حيث عدم شهود الشعيرة تكليف المؤسسات المحلية ذبح الأضحية وإيصالها للبيت لحماً مقطعاً، فكأن أهل البيت اشتروا لحماً كما يشترون دائماً، أما صبح يوم العيد فقد قضوه في النوم! وهؤلاء فَضلوا على من ذبح أضحيته في الخارج أنهم أكلوا منها.
* وأما من يحتاج إلى من يذبح له أضحيته فليحضره إلى البيت، وليشهد هو وأهله الأضحية، فهذه من أهم المقاصد التي ضيعها كثير من الناس.
وفي إرسال الأضحية للخارج من التوسيع على الناس، وإعانتهم على إحياء هذه الشعيرة العظيمة ما لا يخفى على الناس، فمع ارتفاع الأسعار؛ حتى أصبح الناس لا يجدون أضحية بـ 1300 ريال، ووصلت قيمة الأضاحي إلى 1800 ريال و 2000 ريال، وهذا المبلغ قد لا يطيقه كثير من الناس، فبدلاً من أن يترك الأضحية ولا يضحي، وسَّع الله عليه بأنه يستطيع أن يضحي في الخارج 250 ريال!
* وفي الوصايا بدلاً من أن تذبح أضحية واحدة عن المتوفى بـ1500 ريال -على الأقل-، تستطيع بأقل من هذا المبلغ أن تذبح ثلاث أو أربع أضاحي مع إحياء مشاريع دعوية المسلمون بأمس الحاجة إليها.
والمراد:
1- أن نحيي شعيرة الأضاحي، ونشهدها في بيوتنا وبين أهلنا، ونَطعم منها ونهدي، ومن عجز أن يزيد أضحية لإخوانه المجاهدين أو المستضعفين في شتى أرجاء الأرض، فليتخفف من الأضاحي التي يجتمع عليها الناس، إذ الشهود والأكل، وإظهار الشعيرة يحصل بالأقل.
2- أن نعين إخواننا ونرسل ما فضل عن حاجتنا، وخصوصاً الوصايا والنذور ونحوها، فهذه المفترض أن ترسل مطلقاً.
3- من عَجز عن الأضحية في بلده لارتفاع الأسعار فلا يزهدن في إرسالها للخارج بحجة أن إرسالها للخارج أقل فضلاً، فإن هذا من عدم التوفيق، بل هو من الحرمان، والله المستعان.
4- توكيل من يذبح الأضحية في الخارج فرصة لبر من يستحق البر؛ لا سيما من توفي من والديك، فوكل من يذبح لهم؛ ولو لم يوصوك بهذا، فهذا باب خير فتح لك، فاحمد الله سبحانه على تيسيره.
والله أعلم.




كيفـية توزيع الأضحية

$
0
0
كيفـية توزيع الأضحية
خالد بن سعود البليهد


السؤال:
السلام عليكم
شيخنا الفاضل: هل توزع الأضحية على الفقراء فقط أم يجوز توزيعها على الأقارب؟
ولكم جزيل الشكر، والسلام عليكم.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله.
فقد استحب الحنفية والحنابلة في الأضحية أن تقسم أثلاثاً ثلث للبيت، وثلث للصديق، وثلث للفقراء؛ لما روي عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود -رضي الله عنهم- قال ابن عمر: "الضحايا والهدايا ثلث لأهلك، وثلث لك، وثلث للمساكين" أخرجه ابن حزم في المحلى.
وذهب الشافعية إلى أفضلية التصدق بجميعها إلا شيئاً يسيراً يأكله، وذهب المالكية إلى عدم التحديد، فيأكل ما شاء، ويهدي ويتصدق بما شاء؛ لما روى مسلم في صحيحه عن ثوبان، قال: "ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحيته، ثم قال: ((يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية)) قال: فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة. ولعل هذا هو الأقرب؛ لأنه لم يرد تحديد مؤقت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولعموم قوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((كلوا وادخروا وتصدقوا)) رواه مسلم.
فالأمر في ذلك واسع إن شاء ثلث لوروده عن الصحابة، وإن شاء ترك ذلك لمصلحة راجحة، المهم يستحب له أن يجمع بين الأكل والإهداء والصدقة على حسب وسعه واستطاعته.
والأكل من الأضحية مستحب في قول عامة أهل العلم؛ لأنهم حملوا الأمر الوارد في النصوص على الندب؛ لأنه ورد بعد الحظر، وهذا هو الصحيح، فلا حرج على الإنسان لو ترك الأكل من أضحيته، وتصدق بجميع أضحيته للفقراء وتجزئه أضحيته؛ لأنه ترك حظه للفقراء، وشذ أهل الظاهر فأوجبوا الأكل منها، وهو قول مهجور عند أهل العلم.
واتفق أهل العلم على استحباب الهدية من الأضحية للقريب والصديق، ولو ترك ذلك فلا حرج عليه.
أما الصدقة من الأضحية فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك، فذهب الشافعية والحنابلة إلى الوجوب أخذاً بقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
فيجب على المضحي أن يتصدق بشيء منها، فإن أكلها جميعاً، ولم يتصدق ضمن أوقية، وإلا لم تجزئه أضحيته، وذهب الحنفية والمالكية إلى استحباب الصدقة، وعدم الوجوب، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأمر الوارد في الآية، والحديث محمول على الاستحباب والإرشاد كالأكل والإهداء؛ ولأن المقصود من الأضحية إراقة الدم تقرباً لله، وشكراً له، وليس انتفاع الفقراء خلافاً لمصرف الزكاة؛ ولأن إلزام المضحي بالصدقة فيه تضييق عليه ولا يصار إليه إلا بدليل ثابت سالم من المعارض، وقولهم بتحديد أوقية تحكم من غير دليل؛ لأن الشارع لم يحدد شيئاً، فعلم أن الأمر واسع في هذا فلو أكلها جميعاً لحاجته للتوسعة على عياله، ولم يتصدق بشيء منها أجزأه ذلك على الصحيح ولم يلزمه شيء.
فعلى هذا يجوز لك أن تجعل الأضحية كاملة للبيت يأكلون منها، ويجوز لك أن تطعمها الأقارب والأصدقاء ويجوز لك أن تتصدق بها جميعاً للفقراء تفعل فيها ما هو أرفق بك، وأصلح لحالك، والأفضل لك أن تأكل منها وتهدي للقريب، وتتصدق للفقراء لاستحباب أهل العلم ذلك لما ورد في النصوص وآثار الصحابة.
والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.





حكم الذبح يوم عرفة

$
0
0
حكم الذبح يوم عرفة
موقع إسلام ويب


السؤال:
هل يجوز ذبح الصدقة يوم وقفة عرفة؟
الإجابــة:
الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإذا كانت الصدقة التي يريد ذبحها هي الأضحية، فلا يجوز ذلك لأن وقت ذبحها يوم النحر بعد صلاة العيد.
وأما إن كانت غير الأضحية، فلم يرد فضل في الذبائح يوم عرفة، وتقييد ذلك اليوم بالذبح، واعتقاد الفضل في ذلك بدعة محدثة لا تجوز، إلا إذا لم تكن عادة للإنسان، وأراد أن يذبح لنفسه ولأهله، ويتصدق بها في يوم عرفة، فلا بأس بذلك.
مع التنبه إلى أن بعض الناس يذبح الذبيحة يوم عرفة، ويؤخر بذلك ذبح العيد إلى آخر أيام التشريق، فإن ذلك وإن كان جائزاً، إلا أنه يفوت عليه سنة من سنن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي الذبح والأكل من الذبيحة بعد صلاة العيد.
والله أعلم.




الهجمة التترية الأولى-(4)

$
0
0
الهجمة التترية الأولى-(4)


د. راغب السرجاني









جعل الله عز وجل الفشل قرينًا للتنازع، والاحتلال ملازمًا للوهن، وسنة الله في خلقه لا تتبدل ولا تتغير، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[الأحزاب: 62].
بدأ التتار يُفَكِّرُون جدِّيًّا في غزو بلاد المسلمين، وبدءوا يُخَطِّطُون لإسقاط الخلافة العباسية، ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية، وفكَّر «جنكيزخان» في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان؛ لأن المسافة كبيرة بين الصين والعراق، ولا بُدَّ من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين، كما أن هذه المنطقة التي تُعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية، وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة، وأموالها وَفيرة، هذا إضافة إلى أنه لا يستطيع -تكتيكيًّا- أن يُحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تُحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد.
كل هذه العوامل جعلت «جنكيزخان» يُفَكِّر أولاً في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، التي تُعرف في ذلك الوقت بالدولة الخُوارِزمية؛ وكانت تضم بين طياتها عدَّة أقاليم إسلامية مهمَّة، مثل: أفغانستان وأوزبكستانوتركمنستان وكازاخستان وطاجكستان وباكستان وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة «أورجندة (الجُرْجانِيَّة[1])» (في تركمنستان حاليًّا).
وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خُوارِزم (محمد بن خُوارِزم شاه[2]) على حُسن الجوار[3]، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يهتمُّون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خُوارِزم ليُؤَمِّن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرقيِّ آسيا، أما وقد استقرَّت الأوضاع في منطقة الصين ومنغوليا، فقد حان وقت التوسُّع غربًا في أملاك الدولة الإسلامية!
ولا مانع -عنده طبعًا- من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة؛ وهي سُنَّة في أهل الباطل: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}[البقرة: 100].
ولكن حتى تكون الحرب مُقنعة لكلا الطرفين، لا بُدَّ من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادِّعاء بأن الاتفاقيات لم تَعُدْ سارية، وقد بحث «جنكيزخان» عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد.
ولكن -سبحان الله- لقد حدث أمر مفاجئ -بغير إعداد من جنكيزخان- يصلح أن يكون سببًا مقنعًا للحرب.
نعم، لقد جاء هذا السبب مبكِّرًا بالنسبة إلى إعداد جنكيزخان ورغبته، ولكن لا مانع من استغلاله، ولا مانع -أيضًا- من تقديم بعض الخطوات في خُطَّة الحرب، وتأخير بعض الخطوات الأخرى.
لقد ذهبت مجموعة من تجَّار المغول إلى مدينة «أوترار (أطرار)» الإسلامية في مملكة خُوارِزم شاه.. ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم[4]!
أمَّا عن سبب قتلهم.. فقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة:
فمنهم مَنْ يقول: إن هؤلاء ما كانوا إلاَّ جواسيس أرسلهم جنكيزخان للتجسُّس على الدولة الإسلامية أو لاستفزازها؛ لذلك قتلهم حاكم مدينة أوترار.
ومنهم مَنْ يقول: إن هذا كان عمدًا كنوع من الردِّ على عمليات للسلب والنهب قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر، وهي بلاد خُوارِزمية مسلمة.
ومنهم مَنْ يقول: إن هذا كان فعلاً متعمدًا بقصد استثارة التتار للحرب؛ ليدخل خُوارِزم شاه بعد ذلك منطقة تركستان، وهي في ملك التتار آنذاك. وإن كان هذا الرأي مستبعدًا؛ لأن «محمد بن خُوارِزم شاه» لم تكن له أطماع تُذكر في أرض التتار، وكل ما كان يُريده هو العهد على بقاء كل فريق في مملكته دون تعدٍّ على الآخر، وليس من المعقول أن يستثير التتار؛ وهو يعلم أعدادهم وجيشهم، وليس من المعقول -أيضًا- أنه لم يكن يدري عن قوَّتهم شيئًا وهم الملاصقون له تمامًا، وقد ذاع صيت زعيمهم «جنكيزخان» في كل مكان.
ومن المؤرخين -أيضًا- مَنْ يقول: إنما أرسل جنكيزخان بعضًا من رجاله إلى أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك؛ حتى يكون ذلك سببًا في غزو البلاد المسلمة، وإن كان هذا الرأي لا يقوم عليه دليل.
ومنهم مَنْ قال: إن خُوارِزم شاه طمع في أموال التجار فقتلهم لأجلها
كل هذه احتمالات واردة؛ لكن المهم في النهاية أن التجار (أو الجواسيس) قد قُتلوا، ووصل النبأ إلى جنكيزخان، فأرسل رسالة إلى «محمد بن خُوارِزم شاه» يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يُحاكمهم بنفسه، ولكن «محمد بن خُوارِزم شاه» اعتبر ذلك تعدِّيًا على سيادة البلاد المسلمة؛ فهو لا يُسَلِّم مجرمًا مسلمًا ليُحاكم في بَلدة أخرى بشريعة أخرى، غير أنه قال: إنه سيُحاكمهم في بلاده؛ فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية.
وهذا الكلام وإن كان منطقيًّا ومقبولاً في كل بقاع الأرض؛ فإنه بالطبع لم يكن مقنعًا لجنكيزخان، أو قل: إن جنكيزخان لم يكن يرغب في الاقتناع؛ فليس المجال مجال حجة أوبرهان أو دليل؛ حقيقة الأمر أن جنكيزخان قد أعدَّ لغزو بلاد المسلمين خُططًا مسبقة، ولن يُعَطِّلها شيء، وإنما كان يبحث فقط عن علَّة مناسبة، أو شبه مناسبة، وقد وجد في هذا الأمر العلَّة التي كان يُريدها.
وبدأ الإعصار التتري على بلاد المسلمين!
بدأت الهجمة التترية الأولى على دولة خُوارِزم شاه، وجاء جنكيزخان بجيشه الكبير لغزو خُوارِزم شاه، وخرج له «محمد بن خُوارِزم شاه» بجيشه أيضًا، والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرَّت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر «سرداريا»، ويقع في دولة كازاخستان المسلمة)، وقُتل من الفريقين خلق كثير؛ لقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان، وانسحب «محمد بن خُوارِزم شاه» بجيشه؛ لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب ليُحَصِّن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة (وخاصة العاصمة: أورجندة)، كان هذا اللقاء الدامي في عام (616هـ=1219م)[5].










انشغل «محمد بن خُوارِزم شاه» في تحضير الجيوش من أطراف دولته، ولكن يجب ألا ننسى أنه كان منفصلاً -بل معاديًا- للخلافة العباسية في العراق، ولغيرها من الممالك الإسلامية؛ فلم يكن على وفاق مع الأتراك ولا مع السلاجقة ولا مع الغوريين في الهند، وهكذا كانت مملكة خُوارِزم شاه منعزلة عن بقية العالم الإسلامي، ووقفت وحيدة في مواجهة الغزو التتري المهول.
هذه المملكة وإن كانت قوية، وتمكَّنت من الثبات في أول اللقاءات؛ فإنها -ولا شكَّ- لن تصمد بمفردها أمام الضربات التترية المتوالية.
وفي رأيي أنه مع قوَّة التتار وبَأسهم وأعدادهم؛ فإن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك لن يكون في الأساس بسبب هذه القوَّة، وإنما سيكون بسبب الفُرقة والتشتُّت والتشرذم بين ممالك المسلمين، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: 46].
فجعل الله عز وجل الفشل قرينًا للتنازع؛ والمسلمون كانوا في تنازع مستمرٍّ، وخلاف دائم، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار -كما سنرى- كان المسلمون يَغِيرُون على بعضهم، ويأسرون بعضهم، ويقتلون بعضهم! وقد عُلم يقينًا أنَّ مَنْ كانت هذه صفتهم، فلا يُكتب لهم النصر أبدًا.
عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِيأَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ[6] وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ[7]، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا -أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا- حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا»[8].
فالمسلمون كانوا -في تلك الآونة- يُهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا؛ فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار.
إضافة إلى داء الفُرقة فإن هناك خطأ واضحًا في إعداد «محمد بن خُوارِزم»، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة «أورجندة»؛ فإنه ترك كل المساحات الشرقية من دولته دون حماية كافية! ولكن لماذا يقع قائد محنَّك خبير بالحروب في مثل هذا الخطأ الساذج؟!
الواقع أن الخطأ لم يكن تكتيكيًّا في المقام الأول، ولكنه كان خطأ قلبيًّا أخلاقيًّا في الأساس؛ لقد اهتمَّ «محمد بن خُوارِزم» بتأمين نفسه وأسرته ومقرَّبيه، وتهاون كثيرًا في تأمين شعبه، وحافظ على كنوزه وكنوز آبائه، ولكنه أهمل الحفاظ على مقدَّرات وأملاك شعبه، وعادة ما يسقط أمثال هؤلاء القادة أمام الأزمات التي تعصف بأممهم، وعادة ما تسقط -أيضًا- الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح؛ ولننظر ماذا تحمل الأيام لمحمد بن خُوارِزم وشعبه!

[1]أورجندة (كُرْكَانْج، گرگانج): هي مدينة جرجانية حاضرة أمراء خوارزم، أطلق العرب عليها جرجانية، وأطلق عليها المغول أرگينج. ياقوت الحموي: معجم البلدان 2/ 122، وابن شمائل القطيعي: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع 1/323، 3/1159.
[2] السلطان علاء الدين محمد بن تكش: تولَّى الملك في عام604هـ، وتملك «بلاد ما وراء النهر بعد حروب طويلة»، «وكان لقبه قطب الدين فتلقب علاء الدين، وبقي حتى غلبه جنكيز خان وهزمه في سنة تسع عشرة وستمائة، ثم مات بعد ذلك»طريدًا في إحدى الجزر.
[3] محمود شاكر: تاريخ الإسلام 6/329.
[4] الذهبي: تاريخ الإسلام 44/40.
[5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/ 403
[6] السَّنَة: القحط، والمقصود قحط يعمُّهم؛ يعني إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام.
[7] البيضة: المقصود جماعتهم وأصلهم، والبيضة -أيضًا- العزُّ والمُلْك.
[8] مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم لبعض (7440)، وأبو داود (4254)، والترمذي (2176)












الخنساء

$
0
0
الخنساء


قصة الإسلام



نسب الخنساء:
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية ولقبها الخنساء، وسبب تلقيبها بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه[1].

حال الخنساء في الجاهلية:
عرفت الخنساء رضي الله عنها بحرية الرأي وقوة الشخصية، ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، إلا أنها لم تدم طويلاً معه؛ لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله، لكنها أنجبت منه ولدًا، ثم تزوجت بعده من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي، وأنجبت منه أربعة أولاد.

وأكثر ما اشتهرت به الخنساء في الجاهلية هو شعرها وخاصة رثاؤها لأخويها صخر ومعاوية والذين ما فتأت تبكيهما حتى خلافة عمر، ومما يذكر في ذلك ما كان بين الخنساء وهند بنت عتبة قبل إسلامه، نذكره لنعرف إلى أي درجة اشتهرت الخنساء بين العرب في الجاهلية بسبب رثائها أخويها.
عندما كانت وقعة بدر قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فكانت هند بنت عتبة ترثيهم، وتقول بأنها أعظم العرب مصيبة. وأمرت بأن تقارن مصيبتها بمصيبة الخنساء في سوق عكاظ، وعندما أتى ذلك اليوم، سألتها الخنساء: من أنت يا أختاه؟ فأجابتها: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فبم تعاظمينهم أنت؟ فقالت: بأبي عمرو الشريد، وأخي صخر ومعاوية. فبم أنت تعاظمينهم؟ قالت الخنساء: أوهم سواء عندك؟ ثم أنشدت هند بنت عتبة تقول:
أبكي عميد الأبطحين كليهما *** ومانعها من كل باغ يريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي *** وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب *** وفي العز منها حين ينمي عديدها

فقالت الخنساء:

أبكـي أبي عمـرًا بعيـن غـزيـرة *** قليـل إذا نـام الخلــي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي *** له من سراة الحرتيـن وفـودهـا
وصخرًا ومن ذا مثل صخر إذا *** غدا بساحته الأبطال قــزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي *** ونيران حرب حين شب وقـودهـا

قصة إسلام الخنساء:
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: "قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم".

وتعد الخنساء من المخضرمين؛ لأنها عاشت في عصرين: عصر الجاهلية وعصر الإسلام، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها[2].

من أهم ملامح شخصية الخنساء:

1- قوة الشخصية:
عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها.

2- الخنساء شاعرة:
يغلب عند علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال: تلك التي غلبت الرجال.

أنشدت الخنساء قصيدتها التي مطلعها:

قذى بعينيك أم بالعين عوار *** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
وسئل جرير عن أشعر الناس فـأجابهم: أنا، لولا الخنساء، قيل: فيم فضل شعرها عنك؟ قال: بقولها:

إن الزمان ومـا يفنى له عجـب *** أبقى لنا ذنبًا واستؤصل الــرأس
3- البلاغة وحسن المنطق والبيان:
في يوم من الأيام طلب من الخنساء أن تصف أخويها معاوية وصخر، فقالت: إن صخرًا كان الزمان الأغبر، وذعاف الخميس الأحمر. وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها: أي منهما كان أسنى وأفخر؟ فأجابتهم: بأن صخر حر الشتاء، ومعاوية برد الهواء. قيل: أيهما أوجع وأفجع؟ فقالت: أما صخر فجمر الكبد، وأما معاوية فسقام الجسد.

4- الشجاعة والتضحية:
ويتضح ذلك في موقفها يوم القادسية واستشهاد أولادها. فقالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم.

ولها موقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يستنشدها فيعجبه شعره، وكانت تنشده وهو يقول: "هيه يا خناس". أو يومي بيده[3].
أثر الرسول في تربية الخنساء:
تلك المرأة العربية التي سميت بالخنساء، واسمها تماضر بنت عمرو، ونسبها ينتهي إلى مضر. مرت بحالتين متشابهتين لكن تصرفها تجاه كل حالة كان مختلفًا مع سابقتها أشد الاختلاف، متنافرًا أكبر التنافر، أولاهما في الجاهلية، وثانيهما في الإسلام. وإن الذي لا يعرف السبب يستغرب من تصرف هذه المرأة.

- أما الحالة الأولى فقد كانت في الجاهلية يوم سمعت نبأ مقتل أخيها صخر، فوقع الخبر على قلبها كالصاعقة في الهشيم، فلبت النار به، وتوقدت جمرات قلبها حزنًا عليه، ونطق لسانها بمرثيات له بلغت عشرات القصائد، وكان مما قالته:
قذى بعينك أم بالعين عوار *** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت *** فيض يسيل على الخدين مدرار
وإن صخـــرا لـــواليـا وسيـدنـا *** وإن صخـــرًا إذا نشتـــوا لنــار
وإن صخــرا لمقــدام إذا ركبوا *** وإن صخــرًا إذا جاعـــوا لعقـار
وإن صخــرا لتأتــم الهداة به *** كــأنــه عـلــم فــي رأســـه نـــــار
حمال ألويـة هبـــاط أوديـــة *** شهــاد أنـديـــة للجـيـــش جــــرار

ومما فعلته حزنًا على أخويها "صخر ومعاوية" ما روي عن عمر أنه شاهدها تطوف حول البيت وهي محلوقة الرأس، تلطم خديه، وقد علقت نعل صخر في خمارها.
- أما الحالة الثانية التي مرت بها هذه المرأة والتي هي بعيدة كل البعد عن الحالة الأولى: فيوم نادى المنادي أن هبي جيوش الإسلام للدفاع عن الدين والعقيدة ونشر الإسلام، فجمعت أولادها الأربعة وحثتهم على القتال والجهاد في سبيل الله، لكن الغريب في الأمر يوم بلغها نبأ استشهادهم، فما نطق لسانها برثائهم وهم فلذات أكباده، ولا لطمت الخدود ولا شقت الجيوب، وإنما قالت برباطة جأش وعزيمة وثقة: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وإني أسأل الله أن يجمعني معهم في مستقر رحمته"!
ومن لا يعرف السبب الذي حول هذه المرأة من حال إلى حال يظل مستغربً، ويبقى في حيرة من أمره فهذه المرأة تسلل إلى قلبها أمر غــير حياته، وقلب أفكاره، ورأب صدع قلبه، إنها باختصار دخلت في الإسلام، نعم دخلت في الإسلام الذي أعطى مفاهيم جديدة لكل شيء، مفاهيم جديدة عن الموت والحياة والصبر والخلود.
فانتقلت من حال اليأس والقنوط إلى حال التفاؤل والأمل، وانتقلت من حال القلق والاضطراب إلى حال الطمأنينة والاستقرار، وانتقلت من حالة الشرود والضياع إلى حالة الوضوح في الأهداف، وتوجيه الجهود إلى مرضاة رب العالمين.
نعم هذا هو الإسلام الذي ينقل الإنسان من حال إلى حال، ويرقى به إلى مصاف الكمال، فيتخلى عن كل الرذائل، ويتحلى بكل الشمائل، ليقف ثابتًا في وجه الزمن، ويتخطى آلام المحن، وليحقق الخلافة الحقيقية التي أرادها الله للإنسان خليفة على وجه الأرض[4].
من مواقف الخنساء مع الصحابة:
لها موقف يدل على وفائها ونبلها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فلم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخرًا ومعاوية حتى أدركت الإسلام فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي عجوز كبيرة فقالوا: يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي.

فقال لها عمر: اتقي الله وأيقني بالموت فقالت: أنا أبكي أبي وخيري مضر: صخرًا ومعاوية، وإني لموقنة بالموت، فقال عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فكأن عمر رق لها فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي[5].
من كلمات الخنساء:
كانت لها موعظة لأولادها قبيل معركة القادسية قالت فيها: "يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله عزَّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقه، فتيمموا وطيسه، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة"[6].

فلما وصل إليها نبأ استشهادهم جميعًا قالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
وفاة الخنساء:
توفيت بالبادية في أول خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 24هـ.


[1] الوافي في الوفيات: جزء 1 - صفحة 1459.
[2] جواهر الأدب: الجزء الأول، ص127-128.
[3] الاستيعاب: جزء 1 - صفحة 590.
[4] موقع لها أون لاين.
[5] الوافي في الوفيات: جزء 1 - صفحة 1461.
[6] أسد الغابة: جزء 1 - صفحة 1342.







الفقر والزواج

$
0
0
الفقر والزواج


أ. لولوة السجا






السؤال



ملخص السؤال:

فتاة لديها عُقدةٌ نفسيَّةٌ بسبب الفقر الذي تعيش فيه، وكلما تَقَدَّم لها شابٌّ للزواج منها وعرف أنها فقيرة ترَكها، والآن تعرَّفت إلى شابٍّ عبر الإنترنت وطلب رقم والدها للتقدم إليها، لكنها في حيرةٍ هل توافق على طلبه أو لا؟



تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم بدايةً على مَجهودكم الرائع، جزاكم الله خيرًا.




أنا فتاة عمري 20 عامًا، مشكلتي أنني أصبحتُ مُعَقَّدةً مِن الفقر لأنَّ أقاربي كلهم حالهم أفضل مِن حالي بكثيرٍ، ودائمًا يشمتون بنا!




حصل لي موقفان أثَّرَا عليَّ كثيرًا:

• الأول: عندما رآني شابٌّ وكان غنيًّا جدًّا، وأُعجب بي، وعندما عرَف وضعي المادي ترَكني.




• والثاني شبيه بالأول: تقدَّم لي شاب لخِطبتي، وكنا نجتمع عند العائلة، وعندما حضَر الشابُّ ووجد وضعي تركني أيضًا.




وللأسف أخشى أن يتكرَّر الموقفُ نفسه للمرة الثالثة؛ إذ هناك شابٌّ تعرفتُ إليه عبر الإنترنت، وهو غني، وأراد التقدُّم إلي، ويريد أن يتصل على والدي، لكن أخاف أن أعطيه رقم والدي فيتركني؛ فأتحسَّر على التعلق به.




لا أعلم ماذا أفعل؟ وكيف أتصرَّف؟ هل أتركه أو أعطيه رقم والدي؟ لا أريد أن أُجرح مرة أخرى؟


الجواب



الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعدُ:

فبُنيتي، لو كان الفقرُ عيبًا لعاب خيار الناس قديمًا وحديثًا، فهل تظنين أنَّ حياتك لن تكونَ سعيدةً إلا مع رجلٍ غنيٍّ؟!




واللهِ لقد مرتْ بي شكاوى واستشارات مِن نساء يُعانين أشد المعاناة مِن أزواجهن الأغنياء، إما لبُخله أو لشدةِ مُحاسبَته، أو لاستخدامه المال في الحرام، أو لأنه يصرف على نفسه وأصحابه أكثر مما يصرفه على زوجته وأبنائه، فاعتبري، فماذا أصنع برجلٍ غنيٍّ سيئ الخلُق؟




قد تظنين بأنَّ ذلك الرجل الغني - كما يبدو لك لأول وهلة – هو الرجل المناسب، بينما يتخفى وراء ذلك الغني أمورٌ لو كُشِفَتْ لك لما قبلتِه زوجًا، فتفطَّني!




يا بُنيتي، نحن الأمهات سبَقناكم في فَهْم الحياة والناس، وأظهرتْ لنا التجاربُ عجائبَ في أخلاق البشر، فأحسني الظن بأن الله صرَفهم عنك ليرزقك الأفضل، وليس شرطًا أن يكونَ ذا مالٍ، ولكنه امتحن صبرك وإيمانك في التسليم والرضا وحُسن الظن حين يتقدم الخاطب ثم ينصرف، فلا تحزني؛ فليست السعادةُ في المال، بل كثيرًا ما يكون المالُ سببًا للشقاء؛ لذلك لو تُلاحظين مَن حولك ستجدين أن أكثر الناس انشراحًا هم البُسطاء!




اسألي أصحاب العيادات النفسية، كيف يشكو كثير مِن أصحاب الغنى اضطرابات نفسيةً متنوِّعةً؛ مِن ضيقٍ، واكتئابٍ، وغير ذلك! هل تعلمين لماذا؟





لأنَّ السعادة لا تتحقَّق إلا بالتقوى فقط، وما المالُ إلا مُتعةٌ مؤقتة وزائلة، وسيئات الغني أكثرُ مِن حسناته، إلا لرجلٍ آتاه الله مالًا فهو يُنفقه في سبيل الله.




تضرَّعي إلى الله أن يرزقك الزوج الصالح ذا الأخلاق العالية، مَن يريحك بِحُسْن خُلُقه ولا يُعذبك بماله.




وفقك الله، ورزقك رزقًا حسنًا






الشيخ سيد متولى اخر سورة النمل من قرية الروضه عام 2007

Viewing all 1343 articles
Browse latest View live