علام البكاء؟!!
على مدار الساعة يُغادر الحياة من يغادر، وقليلٌ من يُبادر!
هذا مَن كان بيننا بجاهه وعزِّه، صار محمولًا على الأعناق، وقليلٌ من يتذكر؛ ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 30]!
عن البراء بن عازب، قال: كنا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذ أبصَر بجماعة فقال: علامَ اجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبرٍ يحفرونه؟ قال: ففزِع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فذهَب مسرعًا حتى انتهى إلى القبر، فبكى حتى بلَّ الثَّرى من دموعه، ثم أقبَل علينا فقال: ((أي إخواني، لمثلِ هذا فأعدوا؟))؛ أخرجه ابن ماجه، 4195، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا ذِكْرَ هاذم اللذات))؛ الترمذي وحسنه.
لنتأمل الحديث، ولنتخيل المشهد، ولنخجل!
هل أحسنَّا الاستعداد؟! ولماذا يغلِبُ علينا البكاءُ عند فِراق الأحباب؟!
أنبكيهم أم نبكي أنفسنا؟!
كان بالبصرة عابدٌ حضرته الوفاة، فجلس أهله يبكون حوله، فقال لهم: أجلِسوني، فأجلَسوه، فأقبَل عليهم وقال لأبيه:يا أبتِ ما الذي أبكاكَ؟
قال: يا بني، ذكرتُ فَقْدَك وانفرادي بعدك.
فالتفتَ إلى أمه، وقال: يا أماه، ما الذي أبكاكِ؟
قالت:لتجرُّعي مرارةَ ثكلك.
فالتفت إلى الزوجة، وقال: ما الذي أبكاكِ؟
قالت:لفَقْد بِرِّك وحاجتي لغيرك.
فالتفت إلى أولاده، وقال: ما الذي أبكاكم؟
قالوا: لذلِّ اليُتم والهوان من بعدك.
فعند ذلك نظَر إليهم وبكى.
فقالوا له: ما يبكيكَ أنت؟
قال: أبكي لأني رأيتُ كلاًّ منكم يبكي لنفسه لا لي.
أمَا فيكم مَن بكى لطول سفري؟
أما فيكم مَن بكى لقلَّة زادي؟
أما فيكم مَن بكى لمضجعي في التراب؟
أما فيكم من بكى لِما ألقاه من سوء الحساب؟
أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي ربِّ الأرباب؟ثم سقط على وجهِه فحرَّكوه، فإذا هو ميت.
ولما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أحزم الناس؟قال: ((أكثرهم ذكرًا للموت، وأكثرهم استعدادًا للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة))؛الطبراني، وحسنه المنذري.
نعم، إنه شرفُ الدنيا، وكرامة الآخرة.
مرَّ إبراهيمُ بن أدهم بسوق البصرة يومًا فالتف الناس حوله، وقالوا: يا أبا إسحاق، يرحمك الله، ما لنا ندعو اللهَ فلا يستجاب لنا؟فقال إبراهيم:لأنكم أمَتُّم قلوبَكم بعشرة أشياء: عرَفتم الله فلم تؤدُّوا حقوقه، وزعمتم حبَّ رسوله ولم تعمَلوا بسنته، وقرأتمالقرآن ولم تعمَلوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدُّوا شكرها، وقلتم: إن الشيطان لكم عدوٌّ ولم تخالفوه، وقلتم: إن الجنة حق ولم تعمَلوا لها، وقلتم: إن النار حقٌّ ولم تهربوا منها، وقلتم:إن الموت حق ولم تستعدوا له، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم، وانتبهتم مِننومكم فانشغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم.
رهيبٌ هو مشهدُ الموت!
أتخيَّلُني وقد وُضعتُ في التراب، وتخلَّى عني الأهل والأحباب، وقد أكلني الدود، وصِرْتُ أسيرًا للّحود، وقد نساني كل الوجود، فأبكي بشدة، لم يعُدْ أحدٌ يتذكرني، الكل يتذكر فقط نفسه, يزداد بكائي، وأنا رهين أعمالي، فقد أدركتُ أخيرًا.. لماذا نبكي عند موت عزيز؟! أدركت أننا نبكي أنفسنا!
اللَّهم ارزقنا قبل الموت توبةً نصوحًا.
د. خاطر الشافعي |
على مدار الساعة يُغادر الحياة من يغادر، وقليلٌ من يُبادر!
هذا مَن كان بيننا بجاهه وعزِّه، صار محمولًا على الأعناق، وقليلٌ من يتذكر؛ ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 30]!
عن البراء بن عازب، قال: كنا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذ أبصَر بجماعة فقال: علامَ اجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبرٍ يحفرونه؟ قال: ففزِع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فذهَب مسرعًا حتى انتهى إلى القبر، فبكى حتى بلَّ الثَّرى من دموعه، ثم أقبَل علينا فقال: ((أي إخواني، لمثلِ هذا فأعدوا؟))؛ أخرجه ابن ماجه، 4195، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا ذِكْرَ هاذم اللذات))؛ الترمذي وحسنه.
لنتأمل الحديث، ولنتخيل المشهد، ولنخجل!
هل أحسنَّا الاستعداد؟! ولماذا يغلِبُ علينا البكاءُ عند فِراق الأحباب؟!
أنبكيهم أم نبكي أنفسنا؟!
كان بالبصرة عابدٌ حضرته الوفاة، فجلس أهله يبكون حوله، فقال لهم: أجلِسوني، فأجلَسوه، فأقبَل عليهم وقال لأبيه:يا أبتِ ما الذي أبكاكَ؟
قال: يا بني، ذكرتُ فَقْدَك وانفرادي بعدك.
فالتفتَ إلى أمه، وقال: يا أماه، ما الذي أبكاكِ؟
قالت:لتجرُّعي مرارةَ ثكلك.
فالتفت إلى الزوجة، وقال: ما الذي أبكاكِ؟
قالت:لفَقْد بِرِّك وحاجتي لغيرك.
فالتفت إلى أولاده، وقال: ما الذي أبكاكم؟
قالوا: لذلِّ اليُتم والهوان من بعدك.
فعند ذلك نظَر إليهم وبكى.
فقالوا له: ما يبكيكَ أنت؟
قال: أبكي لأني رأيتُ كلاًّ منكم يبكي لنفسه لا لي.
أمَا فيكم مَن بكى لطول سفري؟
أما فيكم مَن بكى لقلَّة زادي؟
أما فيكم مَن بكى لمضجعي في التراب؟
أما فيكم من بكى لِما ألقاه من سوء الحساب؟
أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي ربِّ الأرباب؟ثم سقط على وجهِه فحرَّكوه، فإذا هو ميت.
ولما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أحزم الناس؟قال: ((أكثرهم ذكرًا للموت، وأكثرهم استعدادًا للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة))؛الطبراني، وحسنه المنذري.
نعم، إنه شرفُ الدنيا، وكرامة الآخرة.
مرَّ إبراهيمُ بن أدهم بسوق البصرة يومًا فالتف الناس حوله، وقالوا: يا أبا إسحاق، يرحمك الله، ما لنا ندعو اللهَ فلا يستجاب لنا؟فقال إبراهيم:لأنكم أمَتُّم قلوبَكم بعشرة أشياء: عرَفتم الله فلم تؤدُّوا حقوقه، وزعمتم حبَّ رسوله ولم تعمَلوا بسنته، وقرأتمالقرآن ولم تعمَلوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدُّوا شكرها، وقلتم: إن الشيطان لكم عدوٌّ ولم تخالفوه، وقلتم: إن الجنة حق ولم تعمَلوا لها، وقلتم: إن النار حقٌّ ولم تهربوا منها، وقلتم:إن الموت حق ولم تستعدوا له، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم، وانتبهتم مِننومكم فانشغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم.
رهيبٌ هو مشهدُ الموت!
أتخيَّلُني وقد وُضعتُ في التراب، وتخلَّى عني الأهل والأحباب، وقد أكلني الدود، وصِرْتُ أسيرًا للّحود، وقد نساني كل الوجود، فأبكي بشدة، لم يعُدْ أحدٌ يتذكرني، الكل يتذكر فقط نفسه, يزداد بكائي، وأنا رهين أعمالي، فقد أدركتُ أخيرًا.. لماذا نبكي عند موت عزيز؟! أدركت أننا نبكي أنفسنا!
اللَّهم ارزقنا قبل الموت توبةً نصوحًا.