الشك في المخطوبة
أ. محمد شوقي
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شاب تعرَّف إلى فتاةٍ لها ماضٍ سيئ، وأراد الزواج منها، لكنه يشك فيها، ويصرُّ على الزواج منها، ويريد النصيحة.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ أبلغ من العمر 26 عامًا، تعرفتُ إلى فتاة أكبر مني بسنوات أثناء الدراسة، وأعجبتني عندما رأيتها تجلِس مع شابٍّ في مكان عامٍّ، وأحببتُ أن تكونَ زوجتي، حاولتُ أن أعرفَ سبب جُلوسها مع الشابِّ، وعرفتُ أن بينهما علاقة زمالة، وكان سبب الجلوس التحدُّث في أمور دراسية.
سألتُها عن حياتها، وهل لها علاقاتٌ سابقة أو لا، فأجابتْ بـ(لا)، فتقدمتُ لخطبتها وخطبتُها من أهلها، وبعد فترة راودتني شكوكٌ فيها، فسألتُها مرة أخرى إذا كانتْ لها علاقات سابقة أو لا، وطلبتُ منها المصارحة، فأخْبَرتني أنها كانتْ تعرف شابًّا عبر الإنترنت، وكان يريد الارتباط بها، لكنه اختفى لفترة طويلة، وتركَها.
حاولتُ أن أنسى الموضوع، ثم كررتُ عليها السؤال بعد فترة: هل لك أية علاقات أخرى في حياتك؟ فقالت: لا يوجد أي شيء آخر في حياتي غير هذا!
مَرَّ عام على الخطبة، وكدتُ أحدد موعد الزواج، لكن رأيتُ منها ما أغضبني، فبدأتُ أشك فيها أكثر، وجلستُ أبحث عن أشياء تفسِّر لي ش****، وبعد بحثٍ اكتشفتُ أنها كانتْ على علاقاتٍ كثيره قبلي، وعرفتُ أنها تعرف أشخاصًا كثيرين عبر الإنترنت، وكان بينها وبينهم أحاديث سيئة جدًّا، وهي متقبِّلة لهذه الأحاديث؛ لاعتقادها أن أحدهم سيتقدم للزواج منها!
كلَّمتُها بما عرَفتُ، فأخفتْ عني علاقتها، فأعطيتها الأمان لتبوحَ لي بكل ماضيها، وبالفعل أخبَرتني بكل شيء، فلم أتحمَّلْ وأخبرتُ والدها، فما كان منه إلا أن قال: هذه كانتْ علاقات عابرة، وكانت تظن أنها ستتزوج من الشاب، وأخبرني أن هذا لن يتكرر!
استغربتُ مِن التصرف، وقلتُ له كلامًا سيئًا نتيجة ردوده، فكيف رضي أن يدور بين ابنته وبين الرجال أحاديث عبر الإنترنت، ثم قال: لا يصلح أن أزوجك ابنتي وأنت شاكٌّ فيها! وفي نهاية الحوار أصبحتُ أنا المخطئ، ولم أكنْ أدري ماذا أفعل؛ فقد أحببتُها وبنيتُ معها علاقةً قوية، وكنا شبه زوجين، وخططنا في حياتنا لكلِّ شيء! لكن أفعالها تقف حاجزًا بيني وبينها.
فَسَخَتْ خطيبتي الخطبة مِن جِهَتِها، ووافق والدُها، لكني رفضتُ، وطلبتُ الحديثَ إليها، وعندما تحدثتُ إليها أخبرتني أنها تحبني وهي أخطأتْ بالفعل وتعترف بخطئها، ولم تكن تريد إخباري حتى لا تخسرني، وأخبرتني أنها أَنْهَتْ علاقتها كلها منذ أن عرَفَتْني، وعندما نتزوج ستكون زوجةً مطيعة ولن تعصي لي أمرًا.
أخبرتُها أني شكاكٌ، وهذا داء فيَّ، فقالتْ: سأتحمل كل ذلك، لنعيش معًا، فذهبتُ لوالدها وأخبرتُه بمرادي في إكمال الخطبة، لكنه قال: لا يصلح زواج مع الشكِّ، وهذه العلاقةُ مَحكوم عليها بالفشل، فرفضتُ كلامه، وقلتُ أمامه لها: أنا أريد الزواج منكِ، لكني سأظل شاكًّا فيك! فوافقتْ، وقالتْ: سأحاول إنهاء هذا الشك بعد الزواج.
اتفقنا على كل شيء، وحددنا موعد الزواج، وعُدنا للحديث نخطط لحياتنا، كلُّ هذا وأنا ما زلتُ أشكُّ فيها، وبيني وبين نفسي لا أستطيع تجاوُز ما حصل منها قبلَ ذلك، وأظل أفكِّر: لماذا أرتبط بها وهي بهذا السوء؟!
حاولتُ أن أقنع نفسي بأن كلَّ الشباب لهم علاقات عبر الإنترنت، وأني كذلك كانتْ لي علاقات محرَّمة، وأني عرفتُ عن الفتاة كل شيء، ولا يصح أن أتركها بعد كل ما عرفتُ عنها.
ظللتُ في حيرة مِن أمري، ولا أعلم هل أوقف علاقتي بها أو أكمل معها؛ لأنَّ الشك ما زال يكبر، فربما لم تكن العلاقةُ مجرد كلام مع الشباب فقط!
سارعتُ بالاتصال بها، وطلبتُ مني أن تحدثني صراحة لشكِّي فيها، وأني مُصِرٌّ على أن أعرفَ كل ماضيها بالتفصيل، وأخبرتُها أن تكون صريحةً ولا تكذب، ولا تُخفي شيئًا، فغَضِبتْ مِن كلامي وأنكرتْ، وبعد إلحاحٍ أخبرتني أنها كانتْ على علاقة جنسية مِن خلال الإنترنت بشابٍّ، وأدمنتْ هذه العلاقة، ثم اتجهتْ إلى الأفلام، وأخبرتني بعدما حَكَتْ كل شيء أنها قطعتْ كل ذلك وتابتْ منه.
صدمتُ صدمة عمري فيها، ولا أستطيع أن أتزوَّجها لأنها خائنة، وش**** كلُّها كانتْ في محلها، كما أن الفتاة لا ينطبق عليها حديثُ الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تُنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ونسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربتْ يداك))؛ يعني هي: ليستْ غنيةً، ولا جميلةً، ولا تنتسب لبيتٍ أو عائلة كبيرة ذات حسَب ونسَب، ولا تملك دينًا؛ يعني في المُجْمَل: هي فتاه عادية جدًّا!
فلا أعرف ماذا أفعل بعد أن عرفتُ عنها كل ذلك؟! وبالرغم من ذلك أخبرتُ أهلي وجيراني أن الزواج سيكون بعد شهرين!
أفكِّر في تركها، لكن أقول: قد عرفتُ عنها كل شيء، وهي أخبرتني أنها قطعتْ علاقتها بكلِّ مَن تعرف من أجلي، لكني غير مطمئن لها، وما زال داخلي شك أنها أَقْدَمَتْ على أمورٍ محرمة لم تخبرني بها، فكيف أتزوج مثلَ هذه؟!
صليتُ استخارةً، ودعوتُ الله كثيرًا، لكن الحال كما هو، أزداد توترًا وقلقًا مِن ناحيتها، ومِن ناحيةٍ أخرى أخاف أن أتركها، ولا أجد فتاةً أخرى في صراحتها لتخبرني عن ماضيها كما أخبرتني هي!
أفيدوني في حيرتي، أريد نصيحتكم ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف في هذا الموضوع؟!
أتمنى أن تُعرض استشارتي على مستشارٍ ومستشارة حتى لا ينحازَ طرف لآخر
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
الأخ الكريم، نرحِّب بك في شبكة الألوكة، ونشكر لك انضمامك لها، داعين الله تعالى أن يُسددنا في تقديم ما ينفعك، وبعدُ:
فقد قرأتُ رسالتك كاملةً مِن بدايتها إلى نهايتها، ويَحْسُن بي أن أبدأَ مما انتهيتَ منه.
كلُّ مرادِك ألا ينحازَ لك أو لخطيبتك مستشارٌ أو مستشارة، ويْ كأنَّ المستشارَ الرجل سينحاز لك، والمستشارة المرأة ستنحاز لخطيبتك؛ لذا طلبتَ أن يجيبك اثنان، هذا في زعمِك!
والحقيقةُ يا أخي أن المستشارَ مؤتمنٌ، سواء أكان رجلًا أم امرأة، فلا تقلقْ؛ فلن ينحازَ لك الرجلُ، ولن تنحازَ لها المرأة، وسيتبين ذلك مِن الجواب أدناه.
تدور قصتُك الطويلة حول تَمَسُّكك بفتاة أنتَ شاكٌّ فيها من البداية، منذ أن وجدتها تجلس مع شابٍّ في مكان عام، ليس لعيبٍ في الفتاة، ولكن لأنَّ حياتك هكذا مبنيةٌ على الشك، وقد اعترفتَ بذلك مرارًا في رسالتك الطافحة بكلمة (الشك)، وأقَرَّتْ بذلك خطيبتك، وأقر بذلك والدُها أيضًا!
كذلك ظللتَ تجري وراء الفتاة لمعرفة أسرارها، وقد كانتْ - كغيرها مِن الفتيات والشباب - مُبتلاةً ببعض المعاصي والأخطاء؛ كالتعرُّف على الشباب، ومشاهدة المحرَّمات وغيرها، ثم سَتَرَتْ على نفسها! لكن ما زلتَ وراءها تجري وتسعى؛ مرة بالرضا، ومرة بالغصب، ومرة بالهدوء، ومرة بالانفعال؛ لمعرفة تلك الأسرار التي كتَمَتْها عنك؛ لأنها أمورٌ ماضية قديمة انتهتْ؛ لكن وكأنك أبيتَ إلا أن يتأكد شكُّك فيها، فشككتَ أنها تعرف شبابًا، ولما أنكرتْ ألححتَ عليها لتعترفَ لك بهذا الشك، ولما اعتَرَفَتْ لك بأنها تعرف شبابًا حزنتَ وغضبتَ وتأكَّد شكك، وأردتَ تركها! ثم لم تتركها؛ لماذا؟
بحجة أنك عرفتَ سرَّها، ولا يَحسُن برجلٍ مثلك أن يترك الفتاة بعدما عرَف سرَّها! وما أعجبك!
ثم زاد شكُّك، وقلتَ في نفسك: لربما كان ماضيها أسوأ مِن ذلك، فاتصلتَ بها، وظللتَ تكرِّر عليها شكَّك فيها، حتى اعترفتْ لك بأنها كانتْ على علاقة جنسية عبر الإنترنت ببعض الشباب، وتُشاهد الأفلام الإباحية، و... و... و...، ولما تأكدتَ غضبتَ وقررتَ أن تتركها، ثم لم تتركها، بل سارعتَ إلى الزواج - مع شكك فيها - لماذا؟!
بحجة أنك عرفتَ سرها، ولا يَحسُن برجل مثلك أن يترك الفتاة بعدما عرَف سرَّها، وما أعجبك للمرة الثانية!
بل سيكون هذا زعمَك للمرة العاشرة، ولو شككتَ أنها وقعتْ في خطيئة أكبر مِن كونها تشاهد الأفلام الإباحية، وأصررتَ مرات على أن تعترف لك - حتى لو لم تفعلْ - ليتأكد لها شكك، فلن تتركها! لنفس الحجة السابقة، وقد قلتَ بنفسك: "ما زال داخلي شك أنها أقدمتْ على أمورٍ محرمة لم تخبرني بها"، فما المحرَّم الذي تراه أَقْدَمَتْ عليه بعد مشاهدة الأفلام الإباحية إلا الزنا؟!
مشكلتُك معها ليستْ في الشك فقط؛ بل في أنك لم تختَرْها بناء على أسسٍ أنت مقتنع بها، والأساس الوحيد الذي اخترتها مِن أجله هو التفتيش في ماضيها ليس إلا! فظللتَ تفتش وراءها حتى استبان لك مِن أمرها ما استبان، وليس كلامي هذا ضربًا من الخيال، لكن انظر في مقدمة استشارتك عندما قلت إن أول معرفتك بها عندما وجدتها تجلس مع شابٍّ في مكان ما فأعجبَتْك، وبدأتَ تبحث عن سر الجلوس حتى عرفت سببه، وتوالى التفتيش وراءها حتى عرفتَ سرَّ علاقتها بالشاب، ثم سر علاقتها بالشباب عبر الإنترنت، ثم سر أخطائها السابقة، حتى وصل الحال بك بعد أن كانتْ فتاة أحلامك وتُعجبك وتسعى للزواج منها، إلى أن قلت: "ليستْ غنية، ولا جميلة، ولا تنتسب لبيت أو عائلة، وليست ذات حسب أو نسب، وليس لديها دينٌ، وفي المجمل هي فتاة عادية"!
هكذا أصبحت الفتاة في نظرك: لا شيء! وما زلتَ مصرًّا على الزواج بها، بل أخبرتَ مَن حولك بموعد الزواج!
ظلمتَ الفتاة هداك الله.
لا أرى إلا حلًّا واحدًا قرره والدُها مسبقًا؛ لأنه رجل متزوج ويعلم كيف تسير البيوت - حتى وإن أخطأ أو قصَّر في تربية ابنته - لكنه لم يتخذْ موقفًا حازمًا مع ابنته وترَك الخيار لها، فقال لك: "لا يَصْلُح أن أزوجك ابنتي وأنت شاكٌّ فيها"، وهذا هو الحلُّ، فكيف ستتزوج الفتاة وأنت تشك فيها؟!
لا أدري!
كيف ستبني حياتك وتترك زوجتك وحدها في بيتها وأنت في عملك، وتكون مطمئنًا، وأنت تشك فيها؟!
لا أدري.
وأخيرًا: أجيب عن سؤالك الذي أنهيتَ به رسالتك الطويلة، وهو: ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟
وأقول لك مستعينًا بالله:
هذه الفتاة ليست زوجتك كما قلت في رسالتك: "كنا شبه زوجين، وخططنا لكل شيء"، بل علاقتك بها مجرد خطبة قد تتم أو لا، وبناء على كلامك رأيتَ أن تَمَسُّكك بها ليس لأنها خطيبتك، بل لأنها زوجتك، وهذا خطأ.
هذا أولًا.
ثانيًا: لم أرَ الفتاة أخطأتْ عندما أَخْفَتْ علاقتها السابقة، وليس مِن حقك بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه، أو بأي شكل من الأشكال أن تطلعَ على أسرارها الماضية، فما أَخْفَتْهُ سيحاسبها الله عليه، ولك الظاهر إن كانتْ حسنةً أو لا، لكن كونك طوال معرفتك بها تحاول التفتيش والاطلاع والتجسس عليها، فهذا سوء خُلُق منك!
ثالثًا: لا أرجح الزواج منها مطلقًا، ولا الإكمال معها، ليس مِن أجل علاقات الفتاة السابقة، لكن مِن أجل شكك فيها، فهل هناك عاقل في دنيانا يقول لفتاةٍ ستكون زوجته يومًا ما أمام أهلِها: أنا أريد الزواج منكِ، لكني سأظل شاكًّا فيك؟! أي عقل هذا الذي تفكِّر به؟! ولا أعلم كيف توافق الفتاة على شكك فيها وترضى بذلك؟!
وأغلب الظنِّ أن الفتاة لو تابتْ وغفَر الله لها، فلن تغفرَ أنت لها، وستظل حياتك هكذا مبنية على الشك، ولن تستقر، وستنتهي حياتك قبل أن تبدأَ بالطلاق لا غير، وهذا فيه ظلم للفتاة؛ لأنك تدري أن الحياة لن تكتمل قبل أن تبدأ، فلا أنت تركتَها تُكمل مع غيرك، ولا أنت سترتَ سرها، بل الأعجب أنك فضحتَها أمام والدها، وأخبرتَه - وأنت ما زلتَ خاطبًا لها - بحديثها مع الشباب، وقد أخبرتك هي أنها تركتْ ذلك منذ أن عرفتك لحبها لك!!
رابعًا: تُبْ إلى الله مما فعلتَ أنت أولًا مِن علاقاتك السابقة، وما وقعتَ فيه مِن أخطاء مثلها، وتُبْ إلى الله من إفشائك لسرها لأبيها بغير وجه حق، واترُكها لغيرك ليسترَ عليها ولا يشك فيها، فلعل الله أن يُصلح حالك على يد غيرها، ويصلح حالها على يد غيرك.
خامسًا: لا تظلم بنات الناس معك، واتق الله، فهذه مسؤوليةٌ كبيرة، والزواجُ ليس لعبة، لكنه حياة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...، وإن الرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم)).
سادسًا: لا يكنْ كل هَمِّك أن تجد فتاة تخبرك بكل أسرارها، وتُصارحك بماضيها كما فَعَلَتْ هذه الفتاة؛ فلا تتبَّع عورات الناس حتى لا يتتبعوا عورتك.
ونصيحتي لك أخيرًا: اجعلْ لك أساسًا لاختيار الزوجة التي ستستمر معك في حياتك، ولا تُفتِّشْ في حياة الآخرين، فلا يهمك ذنوبهم ولا أخطاؤهم.
فكلٌّ منا داخله ظلماتٌ لا يحبُّ أن تُضاء يومًا ما
وفقك الله وهداك وغفَر لنا ولك ولها
أ. محمد شوقي
السؤال
♦ ملخص السؤال:
شاب تعرَّف إلى فتاةٍ لها ماضٍ سيئ، وأراد الزواج منها، لكنه يشك فيها، ويصرُّ على الزواج منها، ويريد النصيحة.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ أبلغ من العمر 26 عامًا، تعرفتُ إلى فتاة أكبر مني بسنوات أثناء الدراسة، وأعجبتني عندما رأيتها تجلِس مع شابٍّ في مكان عامٍّ، وأحببتُ أن تكونَ زوجتي، حاولتُ أن أعرفَ سبب جُلوسها مع الشابِّ، وعرفتُ أن بينهما علاقة زمالة، وكان سبب الجلوس التحدُّث في أمور دراسية.
سألتُها عن حياتها، وهل لها علاقاتٌ سابقة أو لا، فأجابتْ بـ(لا)، فتقدمتُ لخطبتها وخطبتُها من أهلها، وبعد فترة راودتني شكوكٌ فيها، فسألتُها مرة أخرى إذا كانتْ لها علاقات سابقة أو لا، وطلبتُ منها المصارحة، فأخْبَرتني أنها كانتْ تعرف شابًّا عبر الإنترنت، وكان يريد الارتباط بها، لكنه اختفى لفترة طويلة، وتركَها.
حاولتُ أن أنسى الموضوع، ثم كررتُ عليها السؤال بعد فترة: هل لك أية علاقات أخرى في حياتك؟ فقالت: لا يوجد أي شيء آخر في حياتي غير هذا!
مَرَّ عام على الخطبة، وكدتُ أحدد موعد الزواج، لكن رأيتُ منها ما أغضبني، فبدأتُ أشك فيها أكثر، وجلستُ أبحث عن أشياء تفسِّر لي ش****، وبعد بحثٍ اكتشفتُ أنها كانتْ على علاقاتٍ كثيره قبلي، وعرفتُ أنها تعرف أشخاصًا كثيرين عبر الإنترنت، وكان بينها وبينهم أحاديث سيئة جدًّا، وهي متقبِّلة لهذه الأحاديث؛ لاعتقادها أن أحدهم سيتقدم للزواج منها!
كلَّمتُها بما عرَفتُ، فأخفتْ عني علاقتها، فأعطيتها الأمان لتبوحَ لي بكل ماضيها، وبالفعل أخبَرتني بكل شيء، فلم أتحمَّلْ وأخبرتُ والدها، فما كان منه إلا أن قال: هذه كانتْ علاقات عابرة، وكانت تظن أنها ستتزوج من الشاب، وأخبرني أن هذا لن يتكرر!
استغربتُ مِن التصرف، وقلتُ له كلامًا سيئًا نتيجة ردوده، فكيف رضي أن يدور بين ابنته وبين الرجال أحاديث عبر الإنترنت، ثم قال: لا يصلح أن أزوجك ابنتي وأنت شاكٌّ فيها! وفي نهاية الحوار أصبحتُ أنا المخطئ، ولم أكنْ أدري ماذا أفعل؛ فقد أحببتُها وبنيتُ معها علاقةً قوية، وكنا شبه زوجين، وخططنا في حياتنا لكلِّ شيء! لكن أفعالها تقف حاجزًا بيني وبينها.
فَسَخَتْ خطيبتي الخطبة مِن جِهَتِها، ووافق والدُها، لكني رفضتُ، وطلبتُ الحديثَ إليها، وعندما تحدثتُ إليها أخبرتني أنها تحبني وهي أخطأتْ بالفعل وتعترف بخطئها، ولم تكن تريد إخباري حتى لا تخسرني، وأخبرتني أنها أَنْهَتْ علاقتها كلها منذ أن عرَفَتْني، وعندما نتزوج ستكون زوجةً مطيعة ولن تعصي لي أمرًا.
أخبرتُها أني شكاكٌ، وهذا داء فيَّ، فقالتْ: سأتحمل كل ذلك، لنعيش معًا، فذهبتُ لوالدها وأخبرتُه بمرادي في إكمال الخطبة، لكنه قال: لا يصلح زواج مع الشكِّ، وهذه العلاقةُ مَحكوم عليها بالفشل، فرفضتُ كلامه، وقلتُ أمامه لها: أنا أريد الزواج منكِ، لكني سأظل شاكًّا فيك! فوافقتْ، وقالتْ: سأحاول إنهاء هذا الشك بعد الزواج.
اتفقنا على كل شيء، وحددنا موعد الزواج، وعُدنا للحديث نخطط لحياتنا، كلُّ هذا وأنا ما زلتُ أشكُّ فيها، وبيني وبين نفسي لا أستطيع تجاوُز ما حصل منها قبلَ ذلك، وأظل أفكِّر: لماذا أرتبط بها وهي بهذا السوء؟!
حاولتُ أن أقنع نفسي بأن كلَّ الشباب لهم علاقات عبر الإنترنت، وأني كذلك كانتْ لي علاقات محرَّمة، وأني عرفتُ عن الفتاة كل شيء، ولا يصح أن أتركها بعد كل ما عرفتُ عنها.
ظللتُ في حيرة مِن أمري، ولا أعلم هل أوقف علاقتي بها أو أكمل معها؛ لأنَّ الشك ما زال يكبر، فربما لم تكن العلاقةُ مجرد كلام مع الشباب فقط!
سارعتُ بالاتصال بها، وطلبتُ مني أن تحدثني صراحة لشكِّي فيها، وأني مُصِرٌّ على أن أعرفَ كل ماضيها بالتفصيل، وأخبرتُها أن تكون صريحةً ولا تكذب، ولا تُخفي شيئًا، فغَضِبتْ مِن كلامي وأنكرتْ، وبعد إلحاحٍ أخبرتني أنها كانتْ على علاقة جنسية مِن خلال الإنترنت بشابٍّ، وأدمنتْ هذه العلاقة، ثم اتجهتْ إلى الأفلام، وأخبرتني بعدما حَكَتْ كل شيء أنها قطعتْ كل ذلك وتابتْ منه.
صدمتُ صدمة عمري فيها، ولا أستطيع أن أتزوَّجها لأنها خائنة، وش**** كلُّها كانتْ في محلها، كما أن الفتاة لا ينطبق عليها حديثُ الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تُنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ونسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربتْ يداك))؛ يعني هي: ليستْ غنيةً، ولا جميلةً، ولا تنتسب لبيتٍ أو عائلة كبيرة ذات حسَب ونسَب، ولا تملك دينًا؛ يعني في المُجْمَل: هي فتاه عادية جدًّا!
فلا أعرف ماذا أفعل بعد أن عرفتُ عنها كل ذلك؟! وبالرغم من ذلك أخبرتُ أهلي وجيراني أن الزواج سيكون بعد شهرين!
أفكِّر في تركها، لكن أقول: قد عرفتُ عنها كل شيء، وهي أخبرتني أنها قطعتْ علاقتها بكلِّ مَن تعرف من أجلي، لكني غير مطمئن لها، وما زال داخلي شك أنها أَقْدَمَتْ على أمورٍ محرمة لم تخبرني بها، فكيف أتزوج مثلَ هذه؟!
صليتُ استخارةً، ودعوتُ الله كثيرًا، لكن الحال كما هو، أزداد توترًا وقلقًا مِن ناحيتها، ومِن ناحيةٍ أخرى أخاف أن أتركها، ولا أجد فتاةً أخرى في صراحتها لتخبرني عن ماضيها كما أخبرتني هي!
أفيدوني في حيرتي، أريد نصيحتكم ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف في هذا الموضوع؟!
أتمنى أن تُعرض استشارتي على مستشارٍ ومستشارة حتى لا ينحازَ طرف لآخر
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
الأخ الكريم، نرحِّب بك في شبكة الألوكة، ونشكر لك انضمامك لها، داعين الله تعالى أن يُسددنا في تقديم ما ينفعك، وبعدُ:
فقد قرأتُ رسالتك كاملةً مِن بدايتها إلى نهايتها، ويَحْسُن بي أن أبدأَ مما انتهيتَ منه.
كلُّ مرادِك ألا ينحازَ لك أو لخطيبتك مستشارٌ أو مستشارة، ويْ كأنَّ المستشارَ الرجل سينحاز لك، والمستشارة المرأة ستنحاز لخطيبتك؛ لذا طلبتَ أن يجيبك اثنان، هذا في زعمِك!
والحقيقةُ يا أخي أن المستشارَ مؤتمنٌ، سواء أكان رجلًا أم امرأة، فلا تقلقْ؛ فلن ينحازَ لك الرجلُ، ولن تنحازَ لها المرأة، وسيتبين ذلك مِن الجواب أدناه.
تدور قصتُك الطويلة حول تَمَسُّكك بفتاة أنتَ شاكٌّ فيها من البداية، منذ أن وجدتها تجلس مع شابٍّ في مكان عام، ليس لعيبٍ في الفتاة، ولكن لأنَّ حياتك هكذا مبنيةٌ على الشك، وقد اعترفتَ بذلك مرارًا في رسالتك الطافحة بكلمة (الشك)، وأقَرَّتْ بذلك خطيبتك، وأقر بذلك والدُها أيضًا!
كذلك ظللتَ تجري وراء الفتاة لمعرفة أسرارها، وقد كانتْ - كغيرها مِن الفتيات والشباب - مُبتلاةً ببعض المعاصي والأخطاء؛ كالتعرُّف على الشباب، ومشاهدة المحرَّمات وغيرها، ثم سَتَرَتْ على نفسها! لكن ما زلتَ وراءها تجري وتسعى؛ مرة بالرضا، ومرة بالغصب، ومرة بالهدوء، ومرة بالانفعال؛ لمعرفة تلك الأسرار التي كتَمَتْها عنك؛ لأنها أمورٌ ماضية قديمة انتهتْ؛ لكن وكأنك أبيتَ إلا أن يتأكد شكُّك فيها، فشككتَ أنها تعرف شبابًا، ولما أنكرتْ ألححتَ عليها لتعترفَ لك بهذا الشك، ولما اعتَرَفَتْ لك بأنها تعرف شبابًا حزنتَ وغضبتَ وتأكَّد شكك، وأردتَ تركها! ثم لم تتركها؛ لماذا؟
بحجة أنك عرفتَ سرَّها، ولا يَحسُن برجلٍ مثلك أن يترك الفتاة بعدما عرَف سرَّها! وما أعجبك!
ثم زاد شكُّك، وقلتَ في نفسك: لربما كان ماضيها أسوأ مِن ذلك، فاتصلتَ بها، وظللتَ تكرِّر عليها شكَّك فيها، حتى اعترفتْ لك بأنها كانتْ على علاقة جنسية عبر الإنترنت ببعض الشباب، وتُشاهد الأفلام الإباحية، و... و... و...، ولما تأكدتَ غضبتَ وقررتَ أن تتركها، ثم لم تتركها، بل سارعتَ إلى الزواج - مع شكك فيها - لماذا؟!
بحجة أنك عرفتَ سرها، ولا يَحسُن برجل مثلك أن يترك الفتاة بعدما عرَف سرَّها، وما أعجبك للمرة الثانية!
بل سيكون هذا زعمَك للمرة العاشرة، ولو شككتَ أنها وقعتْ في خطيئة أكبر مِن كونها تشاهد الأفلام الإباحية، وأصررتَ مرات على أن تعترف لك - حتى لو لم تفعلْ - ليتأكد لها شكك، فلن تتركها! لنفس الحجة السابقة، وقد قلتَ بنفسك: "ما زال داخلي شك أنها أقدمتْ على أمورٍ محرمة لم تخبرني بها"، فما المحرَّم الذي تراه أَقْدَمَتْ عليه بعد مشاهدة الأفلام الإباحية إلا الزنا؟!
مشكلتُك معها ليستْ في الشك فقط؛ بل في أنك لم تختَرْها بناء على أسسٍ أنت مقتنع بها، والأساس الوحيد الذي اخترتها مِن أجله هو التفتيش في ماضيها ليس إلا! فظللتَ تفتش وراءها حتى استبان لك مِن أمرها ما استبان، وليس كلامي هذا ضربًا من الخيال، لكن انظر في مقدمة استشارتك عندما قلت إن أول معرفتك بها عندما وجدتها تجلس مع شابٍّ في مكان ما فأعجبَتْك، وبدأتَ تبحث عن سر الجلوس حتى عرفت سببه، وتوالى التفتيش وراءها حتى عرفتَ سرَّ علاقتها بالشاب، ثم سر علاقتها بالشباب عبر الإنترنت، ثم سر أخطائها السابقة، حتى وصل الحال بك بعد أن كانتْ فتاة أحلامك وتُعجبك وتسعى للزواج منها، إلى أن قلت: "ليستْ غنية، ولا جميلة، ولا تنتسب لبيت أو عائلة، وليست ذات حسب أو نسب، وليس لديها دينٌ، وفي المجمل هي فتاة عادية"!
هكذا أصبحت الفتاة في نظرك: لا شيء! وما زلتَ مصرًّا على الزواج بها، بل أخبرتَ مَن حولك بموعد الزواج!
ظلمتَ الفتاة هداك الله.
لا أرى إلا حلًّا واحدًا قرره والدُها مسبقًا؛ لأنه رجل متزوج ويعلم كيف تسير البيوت - حتى وإن أخطأ أو قصَّر في تربية ابنته - لكنه لم يتخذْ موقفًا حازمًا مع ابنته وترَك الخيار لها، فقال لك: "لا يَصْلُح أن أزوجك ابنتي وأنت شاكٌّ فيها"، وهذا هو الحلُّ، فكيف ستتزوج الفتاة وأنت تشك فيها؟!
لا أدري!
كيف ستبني حياتك وتترك زوجتك وحدها في بيتها وأنت في عملك، وتكون مطمئنًا، وأنت تشك فيها؟!
لا أدري.
وأخيرًا: أجيب عن سؤالك الذي أنهيتَ به رسالتك الطويلة، وهو: ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟
وأقول لك مستعينًا بالله:
هذه الفتاة ليست زوجتك كما قلت في رسالتك: "كنا شبه زوجين، وخططنا لكل شيء"، بل علاقتك بها مجرد خطبة قد تتم أو لا، وبناء على كلامك رأيتَ أن تَمَسُّكك بها ليس لأنها خطيبتك، بل لأنها زوجتك، وهذا خطأ.
هذا أولًا.
ثانيًا: لم أرَ الفتاة أخطأتْ عندما أَخْفَتْ علاقتها السابقة، وليس مِن حقك بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه، أو بأي شكل من الأشكال أن تطلعَ على أسرارها الماضية، فما أَخْفَتْهُ سيحاسبها الله عليه، ولك الظاهر إن كانتْ حسنةً أو لا، لكن كونك طوال معرفتك بها تحاول التفتيش والاطلاع والتجسس عليها، فهذا سوء خُلُق منك!
ثالثًا: لا أرجح الزواج منها مطلقًا، ولا الإكمال معها، ليس مِن أجل علاقات الفتاة السابقة، لكن مِن أجل شكك فيها، فهل هناك عاقل في دنيانا يقول لفتاةٍ ستكون زوجته يومًا ما أمام أهلِها: أنا أريد الزواج منكِ، لكني سأظل شاكًّا فيك؟! أي عقل هذا الذي تفكِّر به؟! ولا أعلم كيف توافق الفتاة على شكك فيها وترضى بذلك؟!
وأغلب الظنِّ أن الفتاة لو تابتْ وغفَر الله لها، فلن تغفرَ أنت لها، وستظل حياتك هكذا مبنية على الشك، ولن تستقر، وستنتهي حياتك قبل أن تبدأَ بالطلاق لا غير، وهذا فيه ظلم للفتاة؛ لأنك تدري أن الحياة لن تكتمل قبل أن تبدأ، فلا أنت تركتَها تُكمل مع غيرك، ولا أنت سترتَ سرها، بل الأعجب أنك فضحتَها أمام والدها، وأخبرتَه - وأنت ما زلتَ خاطبًا لها - بحديثها مع الشباب، وقد أخبرتك هي أنها تركتْ ذلك منذ أن عرفتك لحبها لك!!
رابعًا: تُبْ إلى الله مما فعلتَ أنت أولًا مِن علاقاتك السابقة، وما وقعتَ فيه مِن أخطاء مثلها، وتُبْ إلى الله من إفشائك لسرها لأبيها بغير وجه حق، واترُكها لغيرك ليسترَ عليها ولا يشك فيها، فلعل الله أن يُصلح حالك على يد غيرها، ويصلح حالها على يد غيرك.
خامسًا: لا تظلم بنات الناس معك، واتق الله، فهذه مسؤوليةٌ كبيرة، والزواجُ ليس لعبة، لكنه حياة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...، وإن الرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم)).
سادسًا: لا يكنْ كل هَمِّك أن تجد فتاة تخبرك بكل أسرارها، وتُصارحك بماضيها كما فَعَلَتْ هذه الفتاة؛ فلا تتبَّع عورات الناس حتى لا يتتبعوا عورتك.
ونصيحتي لك أخيرًا: اجعلْ لك أساسًا لاختيار الزوجة التي ستستمر معك في حياتك، ولا تُفتِّشْ في حياة الآخرين، فلا يهمك ذنوبهم ولا أخطاؤهم.
فكلٌّ منا داخله ظلماتٌ لا يحبُّ أن تُضاء يومًا ما
وفقك الله وهداك وغفَر لنا ولك ولها