..بل كوني صديقتها..!
زهرة
عزيزتي الأم..
لا شك أن شكل العلاقة بين الأم وابنتها من القضايا التربوية التي تشغل بال الأمهات، فبين حنان الأمومة الغامر وخوف الأم على ابنتها، وما تمنحه الأمومة من سلطة التوجيه والضبط، وبين بحبوحة الصداقة وسمتها المغمور بالود إلى جانب مساحة البوْح والمصارحة، وما قد تزيله من حواجز يلزم الأم استمرارها حتى تستطيع القيام بدورها كأم..تتراوح رؤية الأم ومحاولاتها لبلورة وصياغة شكل علاقتها بابنتها، وتبلغ هذه الحيرة قمتها إذا كانت الابنة في مرحلة المراهقة، خاصة إذا كانت من ذوات الشخصية المستقلة، أو المتمردة أحيانا..!
فكيف يمكن للأمهات أن يحللن هذه المعادلة الصعبة ..؟
عزيزتي الأم المربية
إذا تخطت ابنتك مرحلة الطفولة، فقد غدت فتاة يافعة في مستهل الصبا ..وتلك المرحلة الهامة من حياتها والتي يطلق عليها (مرحلة المراهقة) تحتاج إلى عناية شديدة من قبل الوالدين وخصوصاً الأم.. لأنها الفترة التي يحدث فيها التغير البيولوجي والهرموني والجسماني الذي يصاحب الفتاة، كما تتبلور فيها شخصيتها وتتجه نحو السلوك الأنثوي الطبيعي، و دور الأم في هذه المرحلة منوط بالاحتواء والمساندة، والتوجيه الواعي، وامتصاص الغضب بدون أذى نفسي، وتشجيع الفتاة على توظيف طاقاتها وإمكاناتها لتحقيق ذاتها، ومنحها الأمان النفسي.
ولاشك أن العلاقة القائمة على الحب بين الوالدين والبنت بصفة خاصة، مهمة جداً وضرورية لنمو الفتاة نمواً طبيعياً بعيداً عن المشكلات النفسية والانفعالية التي تواجهها الفتاة إذا تعامل معها الأبوان بنوع من التسلط أو القسوة والشدة.(أسماء محفوظ:بناتي حياتي،ص:51)
عزيزتي الأم..بدايةً ماذا تعني الصداقة عند الفتاة المراهِقة ؟
الصداقة في مرحلة المراهقة هي جزء من عواطف الفتاة، وهي عبارة عن توجيه مشاعر المحبة والحنان والوفاء والإخلاص صوب شخصية واحدة تعتبرها بمثابة المرآة للذات حيث تبوح الفتاة لصديقتها بأسرارها وتبثها همومها وشجونها، وتتقاسمان الأحزان والأفراح .
لماذا تفضل البنت صديقتها عن أمها ؟
إنّ فترة المراهقة فترة حرجة يشعر فيها المراهق بالحزن والكآبة والرغبة في التمرد والتغيير – وهذا التمرد ما هو إلا تعبير عن النمو والاستقلال عن الكبار - فإذا كانت الأم متفهمة وقريبة من ابنتها مرت هذه المرحلة بسلام وإن كانت بعيدة عن ابنتها وقاسية ستتحول العلاقة بينهما إلي حرب وصراع وقد تفقد كل منهما الأخرى.. بينما تفضل الفتاة الصديقة التي تقاربها في العمر، وتتفهمها بدرجة أكبر، فهي ترتاح معها وتستطيع أن تبوح لها بأسرارها، فهيبة الأم تمنعنهن من أن يفشين لهن أسرارهن وهمومهن الخاصة، فتلجأ الفتاة إلى الأم البديلة التي هي الصديقة التي تقاربها في السن تفضي لها بأسرارها وما تستحي أن تبوح به إلى أمها..!
فلنبحث إذن عن الأسباب..
- ضعف علاقة الأم بابنتها:
وقد يرجع ذلك إلى أسباب كثيرة مثل: الطباع الحادة التي تخلو من العاطفة والتفرقة بين الأبناء أو الغيرة المرضية بين الأم وابنتها والعنف مع الأبناء أو كثرة الخلافات الزوجية أمامهم.. كل ذلك يحول دون تكوين علاقة صداقة وحب وتفاهم بينهما، كما يدفع الابنة للبحث عن البديل أو التعلق برفقة السوء أو الدخول في علاقات غير منضبطة شرعاً.
- انشغال الأم عن ابنتها:
أظهرت الأبحاث العالمية أنّ عدم تخصيص وقت معين يتفرغ فيه الوالدين للأبناء يوميًا لتقويم سلوكياتهم ومتابعة أداؤهم الدراسي نتيجة لانشغال الأبوين، يحول دون إشباع الحاجات الوجدانية للأبناء، بل كان يولد لديهم المشاعر العدوانية والرفض تجاه الوالدين.
هنا بدأت الدارسات تنصح باستخدام سياسة مختلفة تعتمد على المراقبة والمتابعة اليومية
للمراهقين بحيث يكون لدى الأم والأب الوقت والمساحة النفسية للقاء الأبناء بشكل شبه يومي، كما نصحت الأمهات بأن تتخلى عن نظام العمل ليوم كامل لتكون لديهن سعة من الوقت وقدرة نفسية للقيام بالجهد المطلوب لرعاية ومتابعة أبنائهنّ وبناتهنّ.
- افتقاد الأم للثقافة التربوية:
الأم المعاصرة متهمة بأنها تقصر تقصيرًا واضحًا تجاه ابنتها المراهقة، فالمرأة المعاصرة متعلمة ولكنه تعليم غير متخصص، ومن ذلك ما يتعلق بتربية الأبناء وفهم المراحل التي يمرون بها، وما قد يعترضها من متاعب في التربية، وكيف تتغلب عليها وتعبر بأبنائها إلى برّ الأمان.والثقافة التربوية لا تكتسب بالتعليم النظامي في المدارس فقط.. ولكن من خلال الاستمرار في القراءة واستشارة المختصين، والاستفادة من النماذج الناجحة، وهكذا.
وكيف تصادقين ابنتك..؟
تختلف صياغة العلاقة بين الأم وابنتها في قالب الصداقة عن مجرد المشاعر الفطرية بالحب والحنان والتي تتدفق تلقائياً من قلب الأم تجاه أبنائها، بل لذلك خطوات ومحاور على الأم أن تركز فيها وتهتم بتطبيقها.. وإليك - عزيزتي الأم - ..أهم النقاط التي تمهد الطريق لصداقة ناجحة بينك وبين ابنتك:
- عامليها باحترام وتقدير:
فالاحترام ومنح الاعتبار ضروريان في إشعار المراهِقة بالقبول والذي يعد مطلباً نفسياً هاماً لا تستغن عنه الفتاة؛ فهي ترفض أن تكون منبوذة أو مكروهة من والديها، أو تعامل معاملة الأطفال، هذه المعاملة تجعلها تشعر بالدونية والامتهان، وتؤدي إلى تكوين حاجز نفسي بينها وبين والديها؛ ومن ثم لا يستطيعان التأثير فيها بسهولة حيث لا تقبل توجيهاتهم لها بحال. (حنان الطوري:دور الوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة،ص:241)
-اجعلي لها نصيباً من وقتك واهتمامك:
يحذر علماء النفس الأم من انشغالها عن الأبناء، لأن تواجد الأم بين أبنائها يمنحهم الأمان النفسي، ويشعرهم بالاستقرار، وتحتاج الفتاة إلى وجود أمها بجوارها لوقت كافٍ على مدار اليوم والليلة، حتى يتحقق التواصل الفعلي بينهما، فدوام الرؤية تمكن الأم من إظهار الاهتمام لابنتها ومتابعة أخبارها ومساعدتها في شئون دراستها، ومشاركتها في الاهتمامات وغيرها..فلا تقوم الصداقة بغير هذا التواصل والاهتمام والمشاركة بين الأصدقاء.
- شاوريها واستشيريها:
من العوامل الهامة لكي تكسب الأم ود ابنتها تبادل الرأي والمشورة بينهما، فتقدم الأم لابنتها الخبرات التي تعدها أمًا للمستقبل ويجب أن تتعرف الأم علي صديقات ابنتها وأسرهن وتعطي للابنة قدرًا من حرية الاختيار وإذا حدث خلاف تتناقش معها بود وتقنعها بأسلوب منطقي وتشركها معها في الأعمال المنزلية وتشاركها في هوايتها.
- عوديها على المصارحة والوضوح:
ينبغي أن تعتمد الأم منهج الصراحة والمكاشفة مع ابنتها، على أن تكون مستودعًا لأسرارها، وتراقبها بدون أن تشعرها بذلك وإن وجدت خطأ فيمكن معالجته بطريقة الإيحاء غير المباشر أو بضرب المثل والقدوة، كما تقدم الأم لابنتها الخبرات التي تعدها أمًا للمستقبل، ومن الأفضل أن تتعرف الأم علي صديقات ابنتها وأسرهن وتعطي للابنة قدرًا من حرية الاختيار، وإذا حدث خلاف تتناقش معها بود وتقنعها بأسلوب منطقي دون ضغط أو إجبار.
- اعتمدي أسلوب الحوار والإقناع:
فقد أكدت الدراسات العلمية أنّ أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي تأتي كنتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آراؤهم وعاداتهم، ومن ثمّ يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم معرفة رأي أبنائهم في مشكلاتهم، أو أنهم لا يهمهم معرفة مشكلات أبنائهم من الأساس . (عاطف أبو العيد، عواصف المراهقة..كيف تعبرها إلى شاطيء الأمان؟،ص:35)
- اعتدلي بين الشدة واللين في معاملتها:
العاطفة المقترنة بالحزم أنسب إطار لإنجاح دور الأم نحو ابنتها المراهقة؛ فالأم الفطنة هي التي تعرف كيف توازن بين الرقة حيناً.. والشدة حيناً..وبينهما وعي الأم وقراءتها المدققة لفترة المراهقة ومخاطرها.. بعيداً عن التأرجح بين الشدة واللين، إما حرية وتسامح لا حدود لهما، وإما قسوة وشدة لا رحمة فيهما..! (خيراً عد.محمد فتحي: من مذكرات مراهقة،ص:50)
وأخيراً ..عزيزتي الأم
إليكِ التصريح لإحدى الفتيات وقد توصلت فيه إلى :
(أصبحت أنا وأمي صديقتين حينما كنت صغيرة عنها، لكنني في بداية المرحلة الثانوية شعرت برغبة في الاستقلال عنها، فكنت أريد أن أصبح مستقلة بنفسي، وكل من يراني يربطني بها بداية من ملامحي وانتهاء بالتصرفات، ولكنني وجدت أن الحياة ستسير باتجاه معاكس، فكنت أقف ضد أي قرار تتخذه وأخالفه لمجرد الخلاف، لكنها تناقشت معي عدة مرات وبدأت أقتنع بأهمية التوافق معها، وبدأت تقتنع هي بأهمية التفاهم معي.) (موقع لها أون لاين:علاقة الفتاة مع أمها صداقة أم تنافس؟)
فيا أيتها الأم العظيمة ..أنت المثل الأعلى والنموذج المحتذى عليك أن تستحوذي على قلب ابنتك بالحنان والمودة لا بغيرها من أمور، وأن تكوني صديقة حميمة لابنتك تسمع وتكتم الأسرار، وكذلك خير مستشارة تقدم لها الحلول إزاء ما تعرضه عليها من مشكلات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
المراجع:
خيراً عمن مذكرات مراهقة:د.محمد فتحي
عواصف المراهقة..كيف تعبرها إلى شاطيء الأمان؟:عاطف أبو العيد
أخطاء شائعة في تربية البنات:عادل فتحي عبد الله
بناتي حياتي:أسماء محفوظ
شبكة لها أون لاين/قسم:حوار بين جيلين:علاقة الم بابنتها..صداقة أم تنافس؟عواصفعو