Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

نوادر الخوارج (1)

$
0
0
نوادر الخوارج (1)


د. أحمد عبدالباسط





مقدمة السلسلة:

لا يُنكِر أحد من الدارسين ما للمخطوط العربي من قيَمٍ معرفية تتجلَّى في ما حمله إلينا من معارف شتَّى كانت بمثابة النِّبراس الذي أضاء به العالم، كما لا يُنكِر أحد ما له من قيمةٍ أثريةٍ تبدَّت في ذلك الوعاء المادِّي الذي حمل إلينا هذه القيم المعرفية منذ القرن الأول للهجرة النبوية.



غير أن كثيرًا من الدارسين لم تُصرف عنايتُهم قبل تلك النصوص الموازية التي وصلت إلينا على طُرر المخطوط وظهريته وغاشيته، وما تحويه هي - أيضًا - من قيمٍ معرفيةٍ وحضاريةٍ وتاريخية، لا تقل قيمةً عن النص المعرفي الأساس الذي حواه المخطوط.



وقد أطلق دارسو علم المخطوطات (الكوديكولوجيا) على هذا النَّوع من النصوص الموازية مصطلح (خوارج النص) "librisـ Ex"، ويعنون به: تلك النصوص التي هي ليست من كلام المؤلِّف الحقيقي للنصِّ؛ وبذلك تضمُّ ما دُوِّن على الصفحات الأولى (الظَّهريَّة)، والأخيرة (الغاشية) من المخطوط، من: إجازات، وسماعات، وتقييدات، ومناولات، ومطالعات، ومعارضات، وعلامات تملك ووقف، وقيود فراغ (حرود المتن)؛ بل يَرى البعضُ أنَّ ما كُتب على طُرر المخطوط وفي ثنايا صفحاته المختلفة - من تعليقاتٍ وإفاداتٍ وحواشٍ واستدراكاتٍ وتصويباتٍ - لصيقة بالنصِّ الأصلي وليست من لفظ المؤلِّف الحقيقي للنصِّ، هو داخل - أيضًا - في ما يُسمَّى (خوارج النص).



على أنَّ بعض الدارسين يفرِّقون بين هذين النمطين من النصوص؛ فيرى أنَّ النمط الأول هو الذي يَدخل تحت دائرة (خوارج النص)، بينما يُعد النمط الثاني - الذي هو لصيق الصلة بالنص - نصًّا موازيًا، وهو على اختلاف صوره وأشكاله (حاشية - استدراك - اختصار - ترجمة... إلخ) يُعدُّ نمطًا من أنماط التأليف العربي.



والفوائد المستنبطةُ من تلك "الخوارج" كثيرة ومتنوعة؛ فإليها يركنُ المفهرسُ للاهتداء إلى التاريخ الحقيقي أو التقريبي الذي كُتبَتْ فيه النسخة، وعليها يعتمدُ الدارسُ للتهدِّي إلى نقطة بدء المخطوط وكيف كانت رِحلتُه، ومنها ينطلقُ المؤرِّخ لاستكناه ما دُوِّن عليها من حوادث وتوقيعات، وبها يَستأنس دارسُ الخطوط العربية ويسترشد في معرفة سِمات الخط العربي وتطوره.



لذلك كله كانت هذه السلسلة المعنونة (نوادر الخوارج)، التي تُحاول إلقاء الضوء على بعض النَّوادر التي وقفتُ عليها أثناء عملي على المجموعات الخطِّيَّة الكاملة: درسًا وتحقيقًا وفهرسةً، وما يمكن أن يُؤخذ منها من دقائق ونِكات، وإفاداتٍ ومعلوماتٍ، ربَّما لا تصيبها أمَّهاتُ الكتب والمجموعات، واللهَ أسألُ أن يَنفع بها، وأن يرزقني البركة في الوقت والصحة والولد.



♦ ♦ ♦ ♦

والنادرة التي معنا وصلَتْ إلينا مدونة على ظهرية مخطوط رقم (96) بمكتبة فاضل أحمد التركية، وهي نسخة نفيسة من كتاب (الدر اللقيط من البحر المحيط)؛ لمؤلِّفه تاج الدين أبي محمد أحمد بن عبدالقادر بن أحمد بن مكتوم القيسي (ت 749هـ).






ونفاسة هذه النسخة من عدَّة أوجه:

منها أنَّها كُتبَتْ في حياة المؤلِّف؛ فقد كتبها خـالد بـن إسماعيل بن عبدالله، في السادس عشر من رجـب سنة 735 هـ، بطرابلس المحروسة.






ومنها: أن أحد مالكيها هو أبو الوليد محب الدين محمد بن الشحنة الحنفي (ت 815 هـ).




ومنها: أنَّها نسخة مصححة ومراجعة؛ لما يظهر على طررها من تصويبات.




ومن مَظاهر نفاستها أيضًا - وهو موضوعُ النادرة - ما قُيِّد على صفحة ما قبل الغلاف من كتابات، وهي قصيدة شكوى وذم لشخصٍ يُدعي (بدر الدين) استعار هذه النسخة من أحد ملاكها سنة 790 هـ، ومطله بها سنةً كاملةً لا يردها إليه؛ فما كان من المالك إلَّا أن كتب هذه القصيدة التي تظلُّ شاهدَ عيانٍ على ظاهرةٍ سلبيةٍ عانى منها القدماء، ولا زلنا نُعاني منها حتى يومنا هذا؛ ألا وهي الإغارة على الكُتب المعارة والضن بردِّها إلى أصحابها.

فعلى الرَّغم مما ذُكر من آثارٍ وأقوال تحث أصحابَ الكتب على إعارة كتبهم وعدم كتمانها عن طلبة العلم والمستفيدين، من قبيل ما ذكره الإمام السمعاني (ت 562هـ) في كتابه الماتع (أدب الإملاء والاستملاء) بسنده عن وكيع: "أولُ بركة العلم إعارةُ الكتب"، وما نقله عن أبي الكرم الحوزي:



كُتْبي لأهل العلم مَبذولةٌ

أيديهمُ مثلُ يدي فيها


متى أرادوها بلا منَّةٍ

عاريةً فليَستعيروها


حاشاي أنْ أكتُمَها عنهمُ

بُخلًا كما غيريَ يُخفيها


أعارنا أشياخُنا كُتْبَهم

وسُنَّةُ الأشياخ نُمضيها





أقول: على الرغم من ذلك، فإنَّ ثمة إطباقًا لدى القدماء على أنَّ إعارة الكتب غرم كبير، لا يرتكبه حصيف أبدًا، ولو عوتب في ذلك عتابًا شديدًا، يظهر ذلك جليًّا في ما سجَّلتْه لنا كتب الأدب والإملاء والاستملاء، وما قُيِّد في خواتيم المخطوطات وبعد قيود الفراغ من عباراتٍ وأبياتٍ، من ذلك قولُ القائل:



ألا يا مُستعير الكُتْبِ دَعْني

فإنَّ إعارتي للكُتب عارُ


فمحبوبي مِن الدنيا كِتابي

فهل أبصرتَ مَحبوبًا يُعارُ؟!





وقول الآخر:



إذا أنا كُتْبي أعرتُ الصَّديقَ

ثلاثةُ أرباعِها يَذهبُ


فما كل يومٍ أنا واجِد

كتابًا ولا كاتبًا يكتُبُ





ويبدو أنَّ صاحب النادرة رحمه الله كان يَدينُ بما يَدين به وكيع، من أنَّ بركة العلم في إعارة الكتب، فأعطى نُسخته النَّفيسة تلك انطلاقًا من هذا المنطلق، إلى أن ذاق وبال المطل وألَمَه، فقال ما قال:

قال رحمه الله:

"استعار هذا الكتاب منِّي الشيخ بدر الدين.

ومَطَلني به سنةً، فكتبتُ إليه في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة:

[الوافر]





أبدْرَ الدِّين قد أُنسيتَ ذكري

وإنِّي لم أزل لَهجًا بذِكركْ


وإن أسمَعْ بذكرك في مَكانٍ

يلذُّ ليَ الكلامُ ببث شُكركْ


نهاري مِن صُدودك مثلُ ليلي

بَهيمٌ لا يُضيءُ بغير بَدركْ


على الدُّرِّ اللقيط ازداد شَوقي

وفي تأخيره خفضٌ لقدركْ


ولما جئتني تَبغيه منِّي

أجبتُ وكُنتُ مُمتثلًا لأمركْ


وثقتُ بعَودِه ودعوتُ أنِّي

يمُدُّ الله في عُمري وعُمركْ


أظُنك مُستعيرًا مُستغيرًا

وغدرُك فيه تَصحيف لعُذركْ


كأنَّك قد نذرتَ المطلَ فيه

فأرسِلْه ولا توف بنَذركْ


فلا تنبِذ كتابي واستمِعْه

قريضًا فيه نفعُك طولَ دهركْ


أتَرضى أن يقولوا: فِيك قيل:

إلى نَبْذ الكتاب وراء ظهركْ؟"












Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles