قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد
أبو الحسن هشام المحجوبي ووديع الراضي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله معلِّم الأصول، والممتنِّ على عباده بالمغفرة والقَبول، والصلاة والسلام على خير رسول، وعلى آله وصحبه أهل العلم والقلب العقول، واللسان السؤول، إلى يوم البعث والذهول، وبعد:
فإن نصوص الكتاب والسُّنة لَتدورُ جميعها على قاعدة عظيمة، وهي أن الشرع مبنيٌّ على جلبِ المصالح ودرء المفاسد، فكل آية من كتاب الله أو حديث من سُنة رسول الله يفيد هذه القاعدةَ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].
وضابط المصلحة والمفسدة عدمُ مخالفة الكتاب والسنة بفهم سلف الأمَّة، فالأصل جلبُ جميع المصالح ودرءُ جميع المفاسد، وعند تعارُض المصالح والمفاسد، فدرءُ المفاسد أَولى من جلب المصالح، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]، ومحلُّ الشاهد أنه تعالى نهى عن مصلحةِ سبِّ آلهة المشركين رُغم ما فيها من بيان حقيقتهم، وإسقاطِ هيبتهم في قلوب عُبَّادهم؛ دفعًا لمفسدة سبِّ المشركين اللهَ تعالى.
وعند تعارُض المصالح فالأَولى جلبُ المصلحة الأكبر، فمثلًا رجل تعارَضَ له صيام النفل مع طلب العلم والاجتهاد في نوافل الصلاة وتلاوة القرآن، فالأَولى هنا أن يترُك صيام النفل، ويجتهد في طلب العلم ونوافل الصلاة وتلاوة القرآن.
وعند تعارُض المفاسد فالأَولى درءُ المفسدة الأعظم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فلْيُغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))، فإن كان تغيير المنكر باليد يترتب عليه إيقاف الدعوة، أو التضييقُ عليها، أو فتنةٌ بين المسلمين، فلا يجوز ذلك التغيير؛ لأنه يجر إلى منكر أكبرَ منه، فهنا تُدفع المفسدة الأعظم بترك المفسدة الأخف، وقد مرَّ شيخ الإسلام ابن تيمية على قوم من التتار يشربون الخمر، فأراد أحدُ مرافقيه نهيهم، فقال له شيخ الإسلام: دَعْهم تَشغلهم عن سفك دماء المسلمين، أو كما قال.
فيتبين من هذه القواعد الرصينة أن الشريعة الغراء مبنيَّةٌ على أصول وقواعدَ تقبلُها الفِطَرُ والعقول السليمة، وتستنير بها في حل مشاكل البشرية التي عجَزتْ عن حلها جميعُ الأيديولوجيات الإنسانية، والقوانين الوضعية؛ الشرقية والغربية.
نسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع:
♦ قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أو القواعد الكبرى؛ للعز بن عبدالسلام.
♦ المجموع المذهب في قواعد المذهب؛ لصلاح الدين خليل كيكلدي العلائي الشافعي.
♦ تحفة الفقهاء؛ لأبي بكر علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي.
♦ الرسالة؛ لابن أبي زيد.
أبو الحسن هشام المحجوبي ووديع الراضي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله معلِّم الأصول، والممتنِّ على عباده بالمغفرة والقَبول، والصلاة والسلام على خير رسول، وعلى آله وصحبه أهل العلم والقلب العقول، واللسان السؤول، إلى يوم البعث والذهول، وبعد:
فإن نصوص الكتاب والسُّنة لَتدورُ جميعها على قاعدة عظيمة، وهي أن الشرع مبنيٌّ على جلبِ المصالح ودرء المفاسد، فكل آية من كتاب الله أو حديث من سُنة رسول الله يفيد هذه القاعدةَ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].
وضابط المصلحة والمفسدة عدمُ مخالفة الكتاب والسنة بفهم سلف الأمَّة، فالأصل جلبُ جميع المصالح ودرءُ جميع المفاسد، وعند تعارُض المصالح والمفاسد، فدرءُ المفاسد أَولى من جلب المصالح، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]، ومحلُّ الشاهد أنه تعالى نهى عن مصلحةِ سبِّ آلهة المشركين رُغم ما فيها من بيان حقيقتهم، وإسقاطِ هيبتهم في قلوب عُبَّادهم؛ دفعًا لمفسدة سبِّ المشركين اللهَ تعالى.
وعند تعارُض المصالح فالأَولى جلبُ المصلحة الأكبر، فمثلًا رجل تعارَضَ له صيام النفل مع طلب العلم والاجتهاد في نوافل الصلاة وتلاوة القرآن، فالأَولى هنا أن يترُك صيام النفل، ويجتهد في طلب العلم ونوافل الصلاة وتلاوة القرآن.
وعند تعارُض المفاسد فالأَولى درءُ المفسدة الأعظم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فلْيُغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))، فإن كان تغيير المنكر باليد يترتب عليه إيقاف الدعوة، أو التضييقُ عليها، أو فتنةٌ بين المسلمين، فلا يجوز ذلك التغيير؛ لأنه يجر إلى منكر أكبرَ منه، فهنا تُدفع المفسدة الأعظم بترك المفسدة الأخف، وقد مرَّ شيخ الإسلام ابن تيمية على قوم من التتار يشربون الخمر، فأراد أحدُ مرافقيه نهيهم، فقال له شيخ الإسلام: دَعْهم تَشغلهم عن سفك دماء المسلمين، أو كما قال.
فيتبين من هذه القواعد الرصينة أن الشريعة الغراء مبنيَّةٌ على أصول وقواعدَ تقبلُها الفِطَرُ والعقول السليمة، وتستنير بها في حل مشاكل البشرية التي عجَزتْ عن حلها جميعُ الأيديولوجيات الإنسانية، والقوانين الوضعية؛ الشرقية والغربية.
نسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع:
♦ قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أو القواعد الكبرى؛ للعز بن عبدالسلام.
♦ المجموع المذهب في قواعد المذهب؛ لصلاح الدين خليل كيكلدي العلائي الشافعي.
♦ تحفة الفقهاء؛ لأبي بكر علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي.
♦ الرسالة؛ لابن أبي زيد.