Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

فقه الأذكار الشرعية

$
0
0
فقه الأذكار الشرعية


د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين، وبعد اسأل الله أن يجعلني وإياكم من الذين إذا أنعم عليهم شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا؛ فإن هذه الثلاث هي عنوان السعادة.

فهذا درس بعنوان " فقه الأذكار الشرعية "[1]، ولا يخفاكم أيها الإخوة فضل الذكر ثم لا يخفاكم كذلك أنه لابد للمسلم من تعـلم فقـه الأذكار، وتظهر هذه الأهمية من عدة جهات:
أولاً: أن الأذكار توقيفية تتوقف على ما جاء في النصوص، ويشهد له حديث البراء رضي الله عنه في الصحيحين في أذكار النوم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا تقول: اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت، قال البراء: فقلت: وبرسولك الذي أرسلت، قال: فطعن بيده في صدري، ثم قال: ونبيك الذي أرسلت، هذا لفظ الترمذي، قال ابن تيمية رحمه الله: لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسان ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرمًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون فيه شرك، مما لا يهتدي إليه أكثر الناس[2].

ثانيا: أن للأذكار أوقاتاً وأسباباً وأعداداً وكيفياتٍ تتفاضل بها، لا تعلم لنا إلا من جهة موافقة الشارع في أمره، قال النووي رحمه الله في الأذكار/ 9 - 10: معنى الذاكرين لله كثيرًا: يذكرون الله في أدبار الصلوات وغدوًا وعشيًا..، أ.هـ

وثالثا: كثرة الأوراد المبتدعة في هذا الباب، إذا كان كل من لم يحسن فقـه باب الأذكار الشرعية يخترع لنفسه ولغيره أورادًا وفواتح مبتدعة، قال ابن تيمية رحمه الله: ومن أشد الناس عـيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان حزبًا لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني آدم وإمام الخلق وحجة الله على عباده[3].

فضائل الذكر:
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41] وقال سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقد سمى الله تعالى الصلاة ذكرًا قال عز وجل: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9]، بل ما شرعت الصلاة إلا لإقامة ذكر الله يقول سبحانه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، ومن السنة يقول النبي: "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:الذاكرون الله كثيرًا و الذاكرات" رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن معاذ رضي الله عنه قال رسول الله: "ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربواأعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:" ذكر الله عز وجل"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قال: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر." رواه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم عن مجالس الذكر: " هم القـوم لا يشقى بهم جليسهم" رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم عن غيرها من المجالس: " من قعد مقعدًا لم يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة." رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب/ 61: وفي الذكر أكثر من مائة فائدة: إحداها أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، الثانية: أنه يرضي الرحمن عز وجل، الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، الرابعة: أنه يجلب للقلب الفـرح والسرور والبسط، الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن، السادسة: أنه ينور الوجه والقلب، السابعة: أنه يجلب الرزق، الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة، التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين.. إلى آخر ما عدد رحمه الله.

وقال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم/ 225: قد تكاثرت النصوص بتفـضيل الذكر على الصـدقة بالمال وغيرها من الأعمال، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله.

وقال الشوكاني رحمه الله في تحفة الذاكرين/ 15 بعد أن ساق حديث: مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر كمثل الحي والميت قال: منقبة الذكر جليلة وفضيلة له نبيلة، وأنه بما يقع منه من ذكر الله يحس في حياة ذاتية وروحية لما يغشاه من الأنوار ولما يصل إليه من الأجور كما أن التارك للذكر وإن كان في حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالأموات.

أدب الذكر:
يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205] في هذه الآية ذكر سبع آداب ٍمن آداب ذكر الله:
الأول: الإخلاص، والثاني: التضرع والإلحاح وترك الاستعجال، والثالث: اقتران الدعاء بالخوف والتعظيم لله؛ وذلك باستحضار كريم أسمائه وصفاته وعظيم أفعاله سبحانه، والرابع: أن يكون الذكر بين الجهر والإخفاء، والخامس: أن يكون باللسان والقـلب ليس بالقـلب وحده، كما عليه المحققون كشيخ الإسلام وغيره، والسادس: أن يكون في أوقات الغدو والآصال لما فيهما من تفرغ القلب عن الشواغـل قبل زحمة الأعمال واستحضار معاني الدعاء، والسابع: ترك الغـفلة عن ذكر الله أو أثناء ذكره سبحانه[4].

قال ابن القـيم رحمه الله في الفوائد/ 247: وأفضل الذكر وأنفـعه ما واطأ القلب اللسان وكان من الأذكار النـبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده.

معنى ذكر الله:
ذكر الله قسمان:
الأول ذكر الله بلسان المقال: وهو الذي يفـهمه السامع عند الإطلاق، ومنه التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وغير ذلك، وأعظمه قراءة القرآن.

والثاني ذكر الله بلسان الحـال: بأن يستشعر الإنسان في عباداته تذكر مراقبة الله ومشاهدته له، ويستحضر فيها ربه سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته؛ ويدخل في هذا كل عبادة يقـوم بها العبد مع الاستحضار والمراقبة كالصـلاة والزكاة وطلب العـلم والجهـاد في سبيل الله، يشهد لهذا قلت حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا، أو صلى ركعتين جميعا كتبا في الذاكرين والذاكرات، رواه أبو داود.

مراتب الذكر:
قال النووي رحمه الله: قال القاضي: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب؟ فقيل: تكتبه، ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها، وقيل: لا يكتبونه؛ لأنه لا يطلع عليه غير الله، قلت: الصحيح أنهم يكتبونه، وأن ذكر اللسان مع حضور القـلب أفضل من القـلب وحـده، والله أعـلم[5].

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف على النطق الذكر بالقـلب فهو أكمل، لكن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالاً، فإن وقع ذلك في عمل صالح مما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالاً، فإن صحح التوجه واخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال[6].

وقال أيضًا: الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله سبحانه وتعالى.

فقـه تفضيل الأذكـار:
وقبل عرض مسائل هذا الفقه أنبه على مسألة:
هل الأفضل قراءة القرآن أو ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير ونحوها..
الجواب: لا شك أن قراءة القرآن أفضل الذكر لأنه كلام الله، قال أبو عبد الرحمن السلمي:فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرب على خلقه؛ذلك أنه منه[7]،هذا هو الأصل،وإن كان قد يعرض للفاضل ما يجعله الأفضل.

قال النووي رحمه الله: قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل[8]، وقد روى الطبري عن عمرو بن أبى سلمة قال: سألت الأوزاعي عن قراءة القرآن أعجب إليك أم الذكر؟ فقال: سل أبا محمد- يعني سعيد بن المسيب- فسألته، فقال: بل القرآن، قال الأوزاعي: إنه ليس شيء يعدل القرآن، ولكن إنما كان من هدي من سلف يذكرون الله تعالى قبل طلوع الشمس وقبل الغـروب[9].

و تفاضل العبادات أمر دلت عليه نصوص الشريعة، ومرد ذلك لأمور:
1. بحسب الأشخاص واستعـداداتهم، فمنهم من يحسن الصلاة، ومن من يقوم بأمر الجهاد أو الدعوة، ومنهم من تفرغه لذكر الله وانشغاله به أولى.

2. ثم باختلاف الأحـوال فإذا حضر وقت عبادة أو قام سببها فهي أولى بأدائها من غيرها، لأن ذلك من مراد الشارع الحكيم، والمقام يختلف بحسب المصالح والمفاسد المترتبة عليه[10].

3. ثم تتفاضل الأذكار بحسب ما تشتمل عليه من ثناء لله تعالى أو تحـميده أو تمجيده، ومن ذلك:
1 - ذكر الله تعالى باسمه الأعظم، وقد اختلف فيه على أربعين قولاً، أقواها ما أشارت إليه النصوص:
" اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163] وفاتحة سورة آل عمران ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2] " رواه أبو داود عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.

"اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه"، رواه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه.

"وحديث أنس رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي، فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى " رواه الأربعة.

فأقوى الأقوال أنه لا إله إلا الله أو الحي القيوم، ويقوي الأول:
1- حديث بريدة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول:اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد، الصـمد، الذي لم يـلد، ولم يـولـد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب ". رواه الترمذي وأبو داود.

2- وحديث ابن عباسرضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية، وكان اسمها برة فحول اسمها، فخرج وهي في مصلاها ودخل وهي في مصلاها، فقـال: " ألم تـزالي في مصـلاك هذا "؟ قـالت: نـعم، قال: " قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

3- وحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات و ما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء و الحمد لله ملء كل شيء، و تسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك، رواه الطبراني.

4- وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت"، رواه مسلم زاد النسائي: وهن من القرآن.

1- فأما لا إله إلا الله: فهي الكلمة الطيبة، والقول الثابت، والـعـروة الوثقى، والكلمة الباقية،وكلمة التقوى، ودعوة الحق،وقد فسر بها ابن عباس رضي الله عنه قوله تعالى:( إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)، وقوله:( إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا).

ومعناها: لا معبود حق إلا الله عز وجل الذي خلق ورزق واتصف بصفات الكمال سبحانه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله"، رواه الترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام عادًا شعب الإيمان:" أعلاها لا إله إلا الله".

وقد رد شيخ الإسلام على من قدم ذكر الله بالضمير المفرد على ذكره سبحانه بكلمة التوحيد، قال: وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات، حال لا يـُقتدى بصاحبها، فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه،ثم قال: والذكر بالاسم المفرد أبعد عن السنة وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان، فإن من قال:يا هو يا هو،ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدًا إلا إلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل[11].

2- وأما سبحان الله: فقد أمر به سبحانه: ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 42]، وأخبر عن خلقه بقوله: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الصف: 1]، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل؟ قال:" ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده ". رواه مسلم.

وأما معنى سبحان الله: فتنزيه الله وتقديسه عن كل ما لا يليق به من نقص أو سوء أو عيب، قال الأزهري في تهذيب اللغة 4/ 339: وجماع معناه بعده تبارك وتعالى عن أن يكون له مثل أو شريك أو ضد أو ند،وقال ميمون ابن مهران رحمه الله:سبحان الله:اسم يعظم الله به ويحاشى له من السوء، وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانًا كسبحت الله تسبيحًا.

3- وأما الحمد لله: فقد افتتح الله عز وجل أربع سور من القرآن بالحمد، وافتتح به الخلق؛ قال سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام: 1]، واختتم به الأمر قال سبحانه: ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].

ومعنى حمد الله: الثـناء عليه بالجميل على وجه المحبة والتعظيم، فله عز وجل المحامد كلها على أكمل ما تكون.
وحمد الله: تُسْتَفْتَح به الخطب، ويقال بعد الركوع وبعد الطعام والشراب واللباس والعطاس، وعند تجدد النعم واندفاع النقم، أو روية المبتلى.
ومن أفضل صيغ الحمد:
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى، رواه أبو داود عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه.

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا، رواه البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه.

اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق؛ اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت، متفق عليه.
وأما قول الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، فليس له إسناد متصل، وفي معناه نظر.
4- وأما الله أكبر: فقد أمر الله به عز وجل: فقال: ﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في الأعياد وإذا صعد مرتفعًا وفي الأذان والصلوات وغير ذلك.

ومعناه: الله أكبر وأعظم من كل شيء، قال ابن تيمية رحمه الله: وكذلك التكبير يراد به أن يكون الله عز وجل عند العبد أكبر من كل شيء[12]، ويتـنبه أن الكبرياء أعظم من العظمة، لأن الرداء أعظم من الإزار[13].

5- وقول لا حول ولا قوة إلا بالله: غراس الجنة (رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه)، وكنز من كنوز الجنة ( رواه أحمد عن أبي موسى رضي الله عنه)، وباب من أبواب الجنة ( رواه أحمد والترمذي عن قيس بن سـعد بن عبـادة رضي الله عنه)، وفي الحديث: إذا قال العبد لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: اسلم عبدي واستسلم، رواه الحاكم، وقال الحافظ في الفتح 11/ 501: قوي.

ومعنى لا حول ولا قوة إلا بالله: ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله، قال ابن حجر رحمه الله: لا تحويل للعبد عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله[14].

6. الاسـتغـفار: وله صيغ، من أجلها:
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفـرت ذنوبه، وإن كان قد فر من الزحف، رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وبسيد الاستغفار الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه: ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وابن عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،وأبوء لك بنعمتك علي،وأعترف بذنوبي،فاغفر لي ذنوبي،إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا يقولها أحد حين يمسي إلا وجبت له الجنة.

وانظر كم في هذا الدعاء: من الإقرار لله تعالى بالإلهية وأنه الخالق، والإقرار له بالعهد الذي أخذه على عباده، والرجاء فيما سبق به الوعـد، والاعتراف بنعم الله وبالتقـصير في شكرها، والرغبة في المغفرة، والاستعاذة بالله من شر الذنوب، كل هذا وغيره مما جعل هذا الدعاء جامعًا لمعـاني التوبـة، ومعنى ( وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) في سيد الاستغفار أي عهد ما أخذت من العباد حين أخرجتهم أمثال الذر وأشهدتهم على أنفسهم بالخضوع لطاعتك والانقياد لأمرك، وأما الوعد فهو وعده سبحانه بإدخال من مات لا يشرك بالله شيئًا الجنة، ذكره ابن بطال[15].

واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من وقوع بعض الصغائر أو من التقصير الذي لا يسلم منه أحد.
وهنا مسألة مهمة: ما يقع من اختلاف الأحاديث في ذكر الأجر المترتب على بعض الأذكار: فمرده على اختلاف أحوال الذاكرين، قال بعضهم: إنما يحصل الثواب الجسيم لمن قام بحق هذه الكلمات فاستحضر معانيها بقلبه، وتأملها بفهمه، ثم لما كان الذاكرون في ادراكاتهم وفهومهم مختلفين كان ثوابهم بحسب ذلك، وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الثواب في الأحاديث.

أما مسألة: خروج الذكر المطلق على عدد معين، فهو على صورتين:
1. أن يكون هذا العـدد قد خصه الشارع، فيلتزم به ويجتهد في عدم الزيادة عليه، ما لم يعرف إرادة الشارع له كحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين:"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشـر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه"، وهل يحصل له الأجر لو فرقها؟


قال النووي رحمه الله: وظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية، أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره، لكن الفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزًا له في جميع نهاره[16].

وأما ما أطلقه الشارع فلا يصح تخصيصه بعدد معين؛ فإن ظهر قصد القربة دخل في مسمى الابتداع، وإن قصد أمرًا معقولاً يقصد مثله أهل العقول السليمة كما في ترتيب الشخص أورادًا معينة يحافظ عليها ويضـبطـها، فيجوز بشروط ذلك:بأن لا يخالف قصد الشارع في إطلاقها، ولا يقصد بها القربة، ولا يوهم غيره مشروعيتها، وألا يكون الشرع قد نهى عن مثل هذا التخصيص.

ومسألة أخرى: وهي أن الأصل في الذكر خفض الصوت به، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه، ويشرع رفع الصوت فيما جاءت به الأدلة كما في التكبير بعد الفرائض وأيام الأعياد والتلبية وتشميت العاطس وغيرها، أو دعت له الحاجة كقصد التعليم أو الاقتـداء ونحو ذلك [17]..

وهنا إشكال: وهو الجمع بين أحاديث الفضائل وما فيها أن العبد إذا قال كذا غفرت ذنوبه ثم إذا قال كذا غفرت ذنوبه على أي شيء يقع التكفير في الثانية..

والجواب:أن يعلم أن العمل إذا وقع كاملاً يقع أجره كاملاً، وإنما يكمل العمل إذا توفرت شروطه من الإخلاص والاستحضار والتدبر ونحو ذلك، وارتفعت موانعه من العجب والغفلة والمن به،قال ابن القيم رحمه الله:تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه وبهذا يزول الإشكال.. ثم قال: وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه[18].

فقـه أذكار الصـلاة:

من ذلك ما جاء من أذكار الاستفتاح:
(وتبارك اسمك) أي كمل وتعاظم وتقدس، (وتعالى جدك) أي علت عظمتك وارتفعت بحيث لا يساميها أي عظمة لمخلوق[19].

وفي ذكر التعوذ:
(أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
فأعوذ أي ألتجئ وأعتصم بالله فهو الملاذ إلى الخير وهو المعاذ من الشر، (الشيطان) اسم جنس يشمل الشيطان الأول الذي امتنع من السجود لآدم ويشمل ذريته أيضًا، (الرجيم) بمعنى راجم أي يرجم غيره بالإغواء، ومرجوم أي مطرود من رحمة الله، (من همزه) فسره الراوي بالمؤتة وهي نوع من الجنون والصرع، ( ونفخه) أي الكبر، ( ونفثه) أي الشعر المذموم.

وفائدة الاستعاذة: أن يكون الشيطان بعيدًا عن قلب العبد، فيستحضر العبد ما يذكر الله به، وأيضًا فيه عجز العبد وضعفه واستعانته بالله من شر عدوه.

ومن أذكار الركوع:
( سبوح قدوس رب الملائكة والروح)، وسبوح: صيغة مبالغة من سبحان، وفيها تنزيه الله عن ثلاثـة أمـور: عن مطـلق النقص كالـجـهل والعـجز، وعن النقص في الكمال بالتعب والإعياء، وعن مشابهة المخلوقين، وقدوس: أي طاهر مبارك، والروح: ملك عظيم[20].

ومن أذكار الرفع من الركوع:
(سمع الله لمن حمده) أي استجاب الله دعاء من حمده وأثنى عليه.
وأيضًا فيه ( ملء ما شئت من شيء بعد) أي بعد السموات والأرض كالكرسي والعرش وما تحت الأرضين مما لا يعلمه إلا الله.
وفيه ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد) والمراد لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان فلا ينفعه حظه هذا من الدنيا، إذ النافع ما كان منك سبحانك من توفيق له أو قبول لأعماله.

وفيه (أحق ما قال العبد)أي أحق قول العبد، وفي العبارة تقديم وتأخير، وتقديره أحق ما قال العبد: لا مانع لما أعطيت، وكلنا لك عبد؛ فينبغي لنا أن نقوله.

ومن أذكار السجود:
(سبحان ربي الأعلى) وقد سبق معنى التسبيح، وأما علو الله فعلو مكان وقدر وغلبة، فيستحضر الساجد علو الله بذاته وصفاته.

ومن أذكار ما بين السجدتين:
( رب اغفر لي وارحمني وعافني) وطلب المعافاة يشمل: المعافاة من أمراض الأبدان وأمراض القلوب، والمعافاة من أهوال يوم القيامة ومن شؤم الذنب.

وفي صيغ التشهد:
(التحيات لله والصلوات والطيبات) أي كل تحية وتعظيم فالله أهل لها، وكل صلاة ودعاء فهو مستحق له، وكل طيب مما يتعلق بفعله فهو موصوف به، أو بفعل عباده فهو أحق به " لأن الله طيبًا لا يقبل إلا طيبًا".
وفيه ( السلام عليك) أي الله عليك؛ فالله هو السلام، والمراد عليك بحفظه وكلاءته وعنايته وما أشبه ذلك.

ومن أذكار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
ما جاء في حديث كعب بن عجرةرضي الله عنه خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا:يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد،وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد،متفق عليه.

ومعنى (اللهم):أي يا الله، والميم عوض عن حرف النداء، قال الحسن البصري رحمه الله: اللهم مجتمع الدعاء، وعن النضر بن شميل رحمه الله: من قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه.

ومعنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الثـناء عليه في الملأ الأعلى، كما قال أبي العالية، وأما آل النبي فهم من حرمت عليه الصدقة وأزواجه كما فسرت هذا بعض الروايات " وأزواجه وذريته"، أو المراد بهم أتباعه على دينه.

(إنك حميد مجيد) أي حامد لأوليائك،محمود تحمد على كمال ذاتك وصفاتك وأفعالك بألسنة خلقك،(مجيد) فهو ذو المجد أي العظمة وكمال السلطان.

مسألة: اختلاف ألفاظ هذا الذكر ونحوه من الأذكار:
قال الطبري: إن ذلك من الاختلاف المباح، فأي لفظ ذكره المرء أجزأ، والأفضل أن يستعمل أكمله وأبلغه، وقال ابن القيم: الأولى أن يستعمل كل لفظ ثبت على حده؛ فبذلك يحصل للإتيان بجميع ما ورد، بخلاف ما إذا قال الجميع دفعة واحدة فإن الغالب على الظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يقـله كذلك، وقال ابن حجر: والذي يظهر أن اللفظ إذا كان بمعنى اللفظ الآخر سواء؛ كما في أزواجه وأمهات المؤمنين فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما، وإن كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الآخر الـبتة، فالأولى الإتـيـان بـه ويحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر كما تقدم، وإن كان يزيد على الآخر في المعنى شيئًا ما فلا بأس بالإتيان به احتياطًا[21].

وقال الحافظ رحمه الله: وأقل ما وقع في الروايات: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم.
وما سبق هي أفضل صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها الواردة من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وأما تفضيل صيغة اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون وكلما سها عن ذكره الغافلون، فليس بصحيح.

وهنا إشكال: كيف يطلب النبي صلى الله عليه وسلم صلاة مثل صلاة الله على إبراهيم عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه؟

وأجيب عن ذلك بعدة أجوبة:
أقواها: أن المراد أصل الصلاة دون قدرها كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [النساء: 163] وقوله: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]، وقيل: ليس هذا التشبيه من باب إلحاق الناقص بالكامل بل من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر، فصلاة الله على إبراهيم معلومة في العالمين.

وتكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: في التشهد، وصلاة الجنازة، وبعد إجابة المؤذن، ومع الدعاء، وعند دخول المسجد أو الخروج منه، وعند ذكره صلى الله عليه وسلم.

وفي أدعية ما قبل السلام: الاستعاذة بالله من المأثم والمغرم، والمأثم الأمر الذي يؤثم به العبد أو هو الإثم نفسه، والمغرم الدين.
ثم يقول:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ينوي السلام على الجماعة الذين يصلي معهم، فإن صلى منفردًا قصد به السلام على من على يمينه وشماله من الملائكة[22].

مسألة: قد يطول الذكر وخاصة في مقام الدعاء، وتجد كثيرًا من المنتخبين للأذكار يستغـنون عن ذلك بالذكر القصير، وفاتهم أن إطالة الدعاء تدل على محبة الداعي لمناجاة الله وعظيم افتـقاره إليه، ومقام الدعاء مقام بسط.

فقـه أذكـار النـوم:
جاء في حديث البراء رضي الله عنه الأمر بالوضوء عند النوم وهو محمول على الندب لأنه لغير الصلاة، ولأنه خرج على صورة الأدب، قال النووي رحمه الله: وإن كان متوضئًا كفاه لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه[23].

وأما مبيته على الشق الأيمن: فلأنه أسرع للانتباه، فالقلب متعلق إلى جهة اليمين فلا يثـقل بالنوم.
قال الطيبي رحمه الله فيما ورد في حديث البراء رضي الله عنه: في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان، فأشار بقوله: أسلمت نفسي إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وبقوله: وجهت وجهي إلى أن ذاته له بريئة من النفاق، وبقوله: وفوضت أمري إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره، وبقوله: ألجأت ظهري إلى أنه بعـد التفويض يلتجئ مما يضره أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري إليك رهبة[24].

قال الكرماني رحمه الله: هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إجمالاً من الكتب والرسل من الإلهيات والنبوات وعلى إسناد الكل إلى الله من الذوات والصفات والأفعال لذكر الوجه والنفس والأمر وإسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على الله والرضا بقضائه، وهذا كله بحسب المعاش، وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب خيرًا وشرًا وهذا بحسب المعاد[25].

وقد جاء في أجر هذا الذكر: فإن مت مت على الفطرة، وعند مسلم: وإن أصبح أصاب خيرًا، وعند أحمد: بني له بيتـًا في الجنة.

ومن أذكار النوم أيضـًا: باسمك أموت وأحيا: أي بذكر اسم الله أحيا ما أحييت وعليه أموت، أو يقال: بمقتضى اسم الله المحيي أحيا وبمقتضى اسم الله المميت أموت.

وكذلك فمن أذكار النـوم: التسبيح 33 مرة والتحميد كذلك، والتكبير 34 مرة كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه فما تركه رضي الله عنه حتى في ليلة صفـين، قال ابن بطال رحمه الله: هذا نوع من الذكر عند النوم، ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم كان يقول جميع ذلك عند النوم، وأشار لأمته بالاكتفاء ببعضها إعلامًا منها أن معناه الحض والندب لا الوجوب، وقال عياض: جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار عند النوم مختلفة بحسب الأحوال والأشخاص والأوقات، وفي كلٍ فضل[26].

ومما كان يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم: آية الكرسي، والكافرون، والسجدة وتبارك.
وكذا ينفض فراشه بداخلة إزاره، أي الحاشية التي تلي الجسد، قال القرطبي رحمه الله: ويقرب لي أن في ذلك خاصية طبية تمنع من قرب بعض الحيوانات كما أمر بذلك العائن، وذكر ابن الأثير رحمه الله غيره[27].

وأما حكمة النفض فقد صرح بها في الصحيحين: فإنه لا يدري ما خلفه عليه، أي من تراب أو قـذاة أو هوام.

فقه أذكار الخـلاء:
جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل الخلاء: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
وفي معناها أقوال، أقربها: أن المراد الاستعاذة من الشر كله وأهله من الشياطين ذكرانًا وإناثـًا، وأما متى يقـول ذلك؟، ففيه تفصيل، أما في الأمكنة المعـدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، وأما في غيرها فيقـوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلاً وهذا مذهب الجمهور، وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقـلبه لا بلسانه[28].

وأما عند الخروج فيقول: غفرانك، واختلف في الحكمة من الاستغفار بعد الخروج، قيل: لتركه ذكره الله جل وعلا وهو على حاجته، وقيل: لأنه قد ينظر لشيء من عورته، وقيل: لما تخـفف من أذية الدنيا تذكر عذاب الآخرة فسأل الله أن يغفره أيضًا، وهو أجودها.

فقه أذكار الجـماع:
جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: بسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقـتنا ثم قدر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره شيطان أبدًا.

فالمراد أن يقوله عند إرادة الوقاع لا أثنائه لئلا يذكر الله جل وعلا وهو جنب، ويشهد له رواية: إذا أراد أن يأتي أهله؛ فيكون كما في دخوله للخلاء.

وهنا إشكال في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لم يضره الشيطان أبدًا، فقيل: لا يسلط عليه بل يكون ممن قال الله فيهم:( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)، وقيل: لا يضره في بدنه، وقيل:ولا يفتنه عن دينه إلى الكفر، وقيل:لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه، قال الحافظ ابن حجر: ولعل هذا أقرب الأجوبة[29].


[1] أصل هذه الرسالة محاضرة ألقيت بمسجد عمار بن ياسر بالحوطة بتاريخ 6 شعبان 1424 هـ.

[2] مجوع الفتاوى 22/ 510-511.

[3] المصدر السابق 22/ 525.

[4] راجع محاسن التأويل للقاسمي 7/ 2936- 2937.

[5] شرح صحيح مسلم 17/ 18-19.

[6] فتح الباري 12/ 508.

[7] راجع الأسماء والصفات للبيهقي 1/ 504.

[8] شرح صحيح مسلم 17/ 51.

[9] التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي/ 59.

[10] راجع الفتاوى الكبرى 1/ 233-

[11] مجموع الفتاوى 10/ 227، و565.. مجموع الفتاوى 10/ 227، و565.

[12] الفتاوى 5/ 239.

[13] الفتاوى 1/ 253.

[14] فتح الباري 13/ 34.

[15] فتح الباري 12/ 378.

[16] شرح صحيح مسلم 17/ 20.

[17] راجع شرح صحيح مسلم للنووي 17/ 28.

[18] الوابل الصيب/ 20.

[19] راجع الشرح الممتع لابن عثيمين 3/ 54- 60.

[20] شرح صحيح مسلم للنووي 4/ 204.

[21] المصدر السابق 12/ 448.

[22] راجع رسالة 10 دروس في تدبر معاني أقوال الصلاة لقاسم الفهد.


[23] شرح صحيح مسلم 17/ 32، 35.

[25] فتح الباري 12/ 392.

[26] فتح الباري 12/ 394.

[27] المصدر السابق 12/ 407.

[28] المصدر السابق 12/ 410.

[29] فتح الباري 10/ 276-278.






Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles