Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

الأندلس

$
0
0
الأندلس


أ. منى مصطفى



اسم لا يطير إلى مسامعنا إلَّا ويجري معه إلى عيوننا بريقُ الدِّين والعلم والجهاد.

اسم تمتلئ معه نفوسنا بالعزَّة والكرامة.

اسم ما إن ننطِق به إلَّا وتكتحِل عيناك بأفانينِ العمارة والزخارف والحدائق الغنَّاء، ورائحةِ الزَّهر والورد وعطاء الزَّيتون!

الأندلس!
إن حاول العقل استجداءَ صورة للجنَّة، فلا تعدو أن تكون أندلسُنا هي تلك الصورة!
اسمٌ عَلا فأرهب أعداءَ الدِّين علُوُّه، فاستخدموا سَيْفَهم بطيءَ الوَقْعِ ناقِعَ الفعل والبَتْر، استخدموه ليسلبونا عطاءَ ربِّنا عندما كنا أهلَه، سَيْفُهم هو (الدنيا)، وما إن يتغلغَل حبُّها في النفوس إلا ويدبُّ الوهَن في الدِّين والمُلك، وتُنزع محبَّةُ الجهاد من النفس؛ فنخضع ونرضى لاستبقائها، ويا حسرةً عليها وعلينا، فما هي بباقية!

نعم، هذا سلاحهم الذي حاربونا به ولا زالوا، ونحن ما زلنا في غفوَتنا بين متَّهَم في دينه، أو ضالٍّ أو مضلٍّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهم كذلك ما زالوا ينفِّذون خطَّتهم؛ ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة: 32].

يجاهدون من أجل الباطِل، ويَهَبُون أعمارَهم وأموالهم في عزيمة ورضا، ونحن نعجز عن تَقليدهم في سبيل الحقِّ لا الباطل، حقًّا كما قال عمر أرضاه الله: (اللهمَّ إنِّي أشكو إليك عجزَ الثِّقة وجَلَد الفاجر).

تبًّا لنا إن لم نَستيقظ ونُفيق من غَفْوتنا، إنَّ الكفَّار والمشركين يمكرون لنا بالليل والنهار، ونحن نتَّبعُهم شبرًا بشبر وكأنَّنا مغيَّبون.
وأهل الكتاب كاللَّغَم، لا يمنحوننا فرصة الوجود إلا إن ضغَطنا عليهم بأحذيتنا، فإن وجدوا منَّا تهاونًا ثاروا وكانوا أشدَّ فتْكًا بنا!

لن أتحدَّث عن الأندلس من الزاوية التاريخية؛ فقد أُميتتْ بحثًا، فقط سأنقل مشهدين إليكم، يعبِّران عن مصيرنا إن لم ننفض غبار الدنيا عن أكتافنا، ونهُبَّ للدِّين الحقِّ الذي أتى به رسولُ الإنسانية صلى الله عليه وسلم، وعلى بصيرة من هَدْيِه.

المشهد الأول: من كتاب العبرات للمنفلوطي: مجرَّد شاب، صَعَقت قلبَه ذكرى طفولته، فقرَّر العودة لغرناطة سرًّا ليتلصَّص على قصر أبيه؛ علَّه يجد ريحًا منه يسكن معها قلبُه وينير بصيرته، فانظروا ماذا حدث له وكل جريمته حياة قلبه!

وقف الأمير أمام قضاة مَحكمة التَّفتيش، فسأله الرئيس عن تهمته، فأنكرها.

فلم يحفل بإنكاره وقال له: لا يدلُّ على براءتك إلَّا أمر واحد؛ وهو أن تترك دينَك وتأخذ بدين المسيح.

فطار الغضب في دماغه، وصرخ صرخةً دوَّت بها أرجاء القاعة قائلًا: في أيِّ كتاب من كتبكم وفي أيِّ عهد من عهود أنبيائكم ورسلكم أنَّ سفك الدَّم عقاب الذين لا يؤمنون بإيمانكم ولا يدينون بدينكم؟!

من أيِّ عالَم من عوالم الأرض أو السماء أتيتم بهذه العقول التي تصوِّر لكم أنَّ الشعوب تُساق إلى الإيمان سوقًا، وأن العقائد تسقى للناس كما يسقى الماء والخمر؟

أين العهد الذي اتَّخذتموه على أنفسكم يوم وطِئت أقدامكم هذه البلاد أن تتركونا أحرارًا في عقائدنا ومذاهبنا، وألَّا تؤذونا في عاطفة من عواطف قلوبنا ولا في شعيرةٍ من شعائر ديننا؟ أهذا الذي تَصنعون اليوم والذي صنعتم بالأمس هو كل ما عندكم من الوفاء بالعهود؟!

ثمَّ حاول الاستمرار في حديثه، فقاطعه الرئيسُ، وأمر أن يُساق لساحة الموت التي هلَك فيها من قبله عشرة آلاف من المسلمين قتلًا أو حرقًا.

فسِيق إليها، واجتمع الناس حول مصرعه رجالًا ونساء، وما جرَّد الجلَّاد سيفَه فوق رأسه حتى سمع الناس صرخةَ امرأة بين الصفوف، فالتفتوا فلم يعرفوا مصدرَها، وما هي إلَّا غمضة وانتباهة أن سقط ذلك الرأس الذي ليس له مثيل!

يرى المارُّ اليومَ بجانب مقبرة بني الأحمر في ظاهر غرناطة قبرًا جميلًا مزخرفًا؛ وهو قطعة من الرُّخام الأزرق الصافي، قد نُحتتْ في سطحها حفرة جوفاء تمتلئ بماء المطر، فيهوي إليها الطير ويَشرب منها، ونقشت على ضلع منه:
هذا قبر آخر بني الأحمر! انتهى.
المشهد الثاني:(لسُليمة) إحدى أبطال قصَّة "ثلاثية غرناطة"؛ لرضوى عاشور.

امرأة أذهلها موتُ أخيها وجدِّها، فوهبت حياتها لدِراسة الطبِّ ومعالجة الناس، ومجرد ما اكتشف القشتاليون وجودَ أعشاب وكتب في بيتها إلَّا واتَّهموها بالسِّحر، ولاقت من العذاب ما لا يَحتمله بشر، وإليكم نهايتها:
في يوم النُّطق بالحكم ساقوا سليمة مقيَّدة إلى ساحة باب الرملة، وشقَّ لها الحرَّاسُ الطريقَ وسط الجموع المحتشدة لمتابعة المحاكمة، ثم التنفيذ، وكانت سليمة تجتهد في تحمُّل مشقَّة السَّير على قدمين متورمتين ملتهبتين من جراء التعذيب، وتحاول أن تتحاشى احتكاك يديها المقيدتين من الرسغ خلف الظهر بعضهما ببعض أو بثوبها، كانت يداها ما زالتا تؤلمانها من أثَر القبض على قضيب الحديد المحميِّ بالنار.

لم تكن تتطلَّع لِمن حولها؛ بل شغلتها أفكارها، سيحكمون عليها بالموت، فلماذا لا تتزعزع أحشاؤها خوفًا ولا تصيح فزعًا أو ثورة؟
هل لأنها تمنَّت الموتَ وتضرَّعتْ إلى الله تطلبه حتى بدا الموت خلاصًا من عذاب لا تطيقه النَّفس ولا البدن؟
أم لأنها سلَّمتْ أمرها لله ككبار المؤمنين الذين تضيء السَّكينة والقبول قلوبهم، حتى وإن لم يكن قضاء الله مفهومًا؟!
أم أنَّ الأمر بعيد عن ذلك، وأنَّها قرَّرت بلا تفكير ولا تَدبير أنَّها لن تهين نفسَها بالصُّراخ والتضرُّع أو حتى بلا ارتياع؟!
فلن تضيف على المهانة مَهانة، والعقل في الإنسان زينة، والكبر في النفس جلال!

نطق القاضي:
حكمنا عليك وأنت واقفة أمامنا هنا في ميدان باب الرَّملة أنَّك كافرة لا تَوبة لها، عقابها الموت حرقًا!

وصخبت الأصوات، وحُكم عليها بالحرق حيَّة، وهي لا تزال تغض النَّظر حتى لا ترى ضحكات القشتاليين ونظرات الظفر في عيونهم!
أو ترى عيون المسلمين تفيض دمًا بدل الدمع... انتهى.
كل ما قرأت ليس عنك ببعيد إن لم تَعُد لدينك على منهج نبيِّك؛ فقد كانت الأندلس أولى بلاد زمَنها في كلِّ مجال، ونحن الآن في آخِر الصفوف؛ إذًا سقوطنا أسهل إلَّا أن يَبعث الله الدِّين على أيدي رجال منكم صدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، وهذا رجاؤنا.





Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles