Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

البيمارستان النوري الكبير

$
0
0
البيمارستان النوري الكبير


عبدالوهاب مصطفى ضاهر










أنشأه السلطان الملك العادل نور الدين محمود عام 549هـ/1154م. وكان يقع في الجانب الغربي من الجامع الكبير بدمشق. واشترط فيه أن يكون مقصوراً على الفقراء والمساكين وإذا لم يوجد بعض الأدوية التي يعز وجودها إلا فيه فلا يمنع منه الأغنياء، ومن جاء إليه مستوصفاً فلا يمنع من شرابه.






أولاً: نبذة تاريخية:
كان السلطان نور الدين محمود قد وقع له في الأسر في إحدى الغزوات ملك من ملوك الفرنج، فاستشار الأمراء فيه: هل يقتله أو يأخذ منه ما يبذله من المال في الفداء؛ فاختلفوا عليه ثم حسن له رأيه بإطلاقه وأخذ الفداء. وابتنى نور الدين من ذلك المال البيمارستان الكبير الذي عرف بإسمه.

ولقد كان البيمارستان يحتوي على أروقة منفصلة خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء. كما كان يحتوي قاعات متخصصة شملت قاعة للطوارئ، وقاعة للكحالة، وقاعة للجراحة، وقاعة للتجبير، وقاعة للأمراض الباطنية. وكانت هذه القاعة أكبر القاعات وهي تنقسم بدورها إلى شعب تخصصية منها شعبة للمحمومين، وشعبة للممرورين، وشعبة للمبرودين، وشعبة للإسهال. هذا بالإضافة إلى قاعة للنقاهة. وكان يتوافر في البيمارستان حمام عام وخزان مياه متصل بإيوانات تجري المياه من خلالها لتصب في الفسافي وتجري إلى قاعات المرضى للتنزيه عنهم وترفيههم.


ويلاحظ الزائر أن قاعة الطيور والحيوانات المحنطة هي تعليمية أكثر من كونها تاريخية، علماً أنها تشير إلى اهتمام العرب بعلم الحيوان وفن البيطرة وكذلك إتقانهم لفنون الصيد والقنص والمؤلفات العربية الزاخرة بهذه المعارف وافرة ومتعددة ويكفي أن يذكر في هذا المجال الجاحظ والقزويني والدميري، وأضيف إلى المتحف بعض المشاهد الجديدة المعبرة ومنها التعليم الطبي في البيمارستان في الإيوان الشرقي الكبير ومشهد الفحص السريري في الطب العربي في قاعة الطب ومشهد الاستشارة الطبية من المعاينة إلى وصف الدواء في قاعة الصيدلة.

كما كان بالبيمارستان قاعة واسعة جعلها نور الدين للاجتماعات التي يجلس فيها كبير الأطباء لمناقشة الحالات المرضية مع معاونيه، وجعل لها مكتبتين كبيرتين جمعت فيهما كتب كثيرة في صدر الديوان، ولقد كان نور الدين محمود يهتم بهاتين المكتبتين كثيراً، وكان كلما زار البيمارستان يجتمع إلى الأطباء وتلامذة الطب، ويجري حوارات طبية معهم مقدار ثلاث ساعات، وفي عام 597هـ/1201م. جاءت زلزلة من مصر امتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاسة والبيمارستان النوري. فقام بتجديده الملك الجواد مظفر الدين ابن الملك العادل الذي حكم دمشق خلفاً لأبيه، وجعل رياسة البيمارستان لبدر الدين ابن قاضي بعلبك عام 635هـ/1238م.


وقد اجتهد القاضي كثيراً في أمر البيمارستان حتى اشترى دوراً كثيرة ملاصقة للبيمارستان، واجتهد بنفسه وماله حتى أضاف هذه الدور المشتراة إليه، وجعلها من جملته، وكبر بها قاعات كانت صغيرة وبناها أحسن البناء وشيدها وجعل الماء فيها جارياً فتكمل بها البيمارستان، وفي عام 728هـ/1328م. جاء سيل عظيم على دمشق خرَّب سوق التجار والبيمارستان وسوق الدباغة وبعض الجامع، ثم أعيد تجديده على مكان وزيد فيه. وفي عام 1020هـ/1611م. وليَّ حسن باشا بن عبد الله الأمين المعروف بشوريزه حسن، أحد صدور دمشق وأعيانها، وقف البيمارستان الكبير النوري فأقام شعائره بعد أن كانت اضمحلت وعمر أوقافه وأتى فيه من حسن التنمية بما لا مزيد عليه.


ولقد ظل البيمارستان الكبير النوري عامراً يعالج فيه المرضى إلى عام 1317هـ/ 1899م وكان أطباؤه وصيادلته لا يقلون عن العشرين حتى قامت بلدية دمشق في عهد ولاية حسين ناظم باشا والي سوريا بإنشاء مستشفى للغرباء في الجانب الغربي من تكية السلطان سليمان، المطلة على المرج الأخضر، وجمعت له الإعانات بأساليب مختلفة، من واردات البلدية وأوقاف البيمارستان النوري لتنفق عليه، وسمي المستشفى الحميدي نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الذي بني المستشفى الجديد في عهده وهكذا خلف المستشفى الحميدي البيمارستان النوري نفسه فقد جعل مدرسة للبنات ولا تزال واجهته على حالها وبها بعض الحجرات والنوافذ من البناء القديم وسطت الأيام على بقية البيمارستان فعفا أثرها.



ثانياً: الإشرافالطبي:
جعل الملك العادل أمر الطب في البيمارستان إلى أبي المجد بن أبي الحكم بن عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي، وأطلق له جامكية و جراية، وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه، وكان أبو المجد ابن أبي الحكم يدور عليهم ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم، وبين يديه المشرفون والقوام لخدمة المرضى، فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك. وكان بعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي يبكّرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية، ثم يحضرون للجلوس بالإيوان.

كانت البيمارستانات تقسم إلى قسمين منفصلين؛ أحدهما للذكور والآخر للإناث. وكان كل قسم مجهزاً بما يحتاج إليه من آلات وخدم ومشرفين من الرجال والنساء. وينقسم كل قسم من هذين القسمين إلى قاعات تخصصية؛ فهناك قاعة للأمراض العقلية، وقاعة للأمراض الباطنية، وقاعة للجراحة، وقاعة للكحالة، وقاعة لتجبير العظام وقاعة للبرص. وكانت كل قاعة مقسمة بدورها لتخصصات أدق؛ فقاعة الأمراض الباطنية، على سبيل المثال، بها قسم للحُمَّيَات، وقسم للمبرودين (المتخومين)، وقسم للإسهال... وهكذا.

وكانت هذه البيمارستانات فسيحة جيدة البناء وباحاتها الداخلية وأبهاؤها واسعة، وكانت تعتمد على الأوقاف في نفقاتها؛ سواء ما ينفق على المرضى أو الأطباء أو الطلاب. وكانوا يسجلون هذه الأوقاف في حجج مكتوبة ينقشونها على حجارة للتأكيد على توثيقها. وكان الماء فيها جاريًا بصورة مستمرة، ولكل بيمارستان رئيس يطلق عليه ساعور البيمارستان، ولكلّ قسم رئيس؛ فهناك رئيس للجرائحية (الجراحين) ورئيس للكحالين ورئيس للأمراض الباطنة، ورئيس للتمريض، وقد كان للبيمارستان الكبير النوري من المكانة بحيث كان النظر عليه لنائب السلطنة بدمشق، فتولى نظر البيمارستان شيخ الإسلام شهاب الدين الغزي كما تولى الشيخ المؤرخ تقي الدين المقريزي كاتب التوقيع في ديوان الإنشاء بمصر، نظر وقف القلانسي والبيمارستان الكبير النوري مع كون شرط نظره لقاضيها الشافعي، وهذا يشبه بالتمام نظر البيمارستان المنصوري الذي بالقاهرة فإنه لقاضيها الشافعي.

ويماثل البيمارستان النوري القصور بترفه ووسائل الراحة المتوفرة وأنواع الطعام التي تقدم للمرضى والمصابين كما أن العلاج كان مجانا للفقراء والأغنياء على حد سواء، بل كانوا يمنحون لدى خروجهم من البيمارستان ثياباً ونقوداً تكفيهم للعيش دونما اضطرار للعمل مدة أسبوعين هي مدة فترة النقاهة، وتقديراً لمكانة هذا البناء الفريد ولدوره الكبير الذي لعبه في تطور العلوم الطبية والصيدلانية وغيرها قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميم البيمارستان النوري وجهزته واعدته ليكون مقراً لمتحف الطب والعلوم عند العرب، حيث تعرض فيه أهم المساهمات والابتكارات والأدوات والكتب التي قدهما العلماء العرب في مجال الطب والصيدلة والفلك والرياضيات والجغرافيا وتبرز دور الأجداد الريادي في حمل مشعل الحضارة الإنسانية وتطور البشرية.

ويضم المتحف أربع قاعات رئيسية الأولى للعلوم والثانية للطب والثالثة للصيدلة والرابعة للطيور والحيوانات المحنطة إضافة إلى غرفة صغيرة تضم مكتبة علمية متخصصة، ولدى زيارة المتحف يلاحظ قاعة العلوم وفيها نماذج وأدوات عربية ولوحات فنية تدل على تطور العلوم عند العرب مثل علم الفلك والضوء والمعادن والوزن النوعي والميكانيك فقد عاشت الأمة العربية والإسلامية في العصور الوسطى أعظم تجربة علمية على مر العصور، هذه العلوم أغنت الحضارة العربية والإسلامية.

والسمة الثقافية لهذه العصور كانت سمة عربية إسلامية بصرف النظر عن الانتماءات القومية أو العرقية أو الدينية للأعلام المساهمين الذين هم من ثمرات النهضة العلمية آنذاك لقد كانت اللغة العربية لغة العلم وتناسب التعبير العلمي أكثر من أية لغة أخرى، وهكذا كانت هذه اللغة هي بمثابة العمود الفقري الذي يوحد الناس كافة من مختلف الأجناس والمذاهب والأوطان ويعرض في قاعة الطب مجموعة الأدوات والنماذج الطبية العربية ومخطوطات طبية قديمة بالإضافة إلى صور مأخوذة من مخطوطات قديمة تمثل عملية الفصد وحساب كمية الدم المسحوبة من المريض وتشريح العين وجهاز الدوران والهضم والجهاز العصبي ويوجد في وسط القاعة مشهد يمثل الفحص السريري في الطب العربي وطبيب يجس نبض المريض.

وقد كان الطب عند العرب في العصور الوسطى صناعة نبيلة لا يسمح بتعاطيها إلا لمن حصل على خبرة واسعة عالما بالتشريح ملما بعلم وظائف الأعضاء خبيرا بالنبض محيطا بجميع العلوم التي لها صلة قريبة أو بعيدة بالطب، ويعرض بقاعة الصيدلة نماذج تمثل بعض الأدوات والأجهزة التي كان يقوم العلماء العرب بواسطتها بمزج ودق وتركيب الأدوية المستخرجة من الأعشاب الطبية مثل الواوين والمدقات والملاعق والقوارير إضافة إلى الميزان لتحديد العبارات الدقيقة للمزاد قبل مزجها وإجراء التجارب عليها وكذلك جهاز التقطير.

ومن المعروف أن العرب هم المؤسسون الحقيقيون للصيدلة وهم الذين انشئوا المدارس لتعليمها والحوانيت لبيع الأدوية وصرفها، كما أنهم أول من وضعوا كتباً خاصة بتركيب الأدوية أطلقوا عليها الأقرباذين و أخضعوا هذه الصناعة لرقابة المحتسب.

ثالثاً: الرعاية الطبية:
لما أنشأ الملك العادل نور الدين محمود البيمارستان الكبير جعل جرايته في اليوم نحو الخمسة عشر ديناراً، وله قومة وبأيديهم الأزمة المحتوية على أسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك حسبما يليق بكل إنسان منهم. وكان هناك من يقوم بتنظيف غرف المرضى وقاعات البيمارستان، وغرف المعالجة، بالإضافة إلى الحمّامات وكان هناك خدم يساعدون المرضى في الاستحمام ويزودونهم بثياب نظيفة. وترسل ثيابهم القديمة إلى الغسيل ثم تحفظ في مخزن خاص حتى الشفاء التام.

وكان الطبيب المختص يمر لتفقد أحوال مرضاه مع المعاونين من الأطباء والممرضين والآسيات في أقسام النساء، حيث يصف الداء على سجل خاص، ويصف الدواء ويأمر للمريض من صيدلية البيمارستان، ولم تكن أساليب العلاج قاصرة على العقاقير فقط، فقد عمد الأطباء إلى المعالجة بصوت الماء وضوء الشمس، وكان القائمون على البيمارستان يجلبون القصاص إلى قاعات المرضى للترويح عنهم كما كان مقرئو القرآن يطوفون بالمرضى ويتلون عليهم من كتاب الله، ويذكرونهم بالله تعالى، كما رتب على المؤذنين أن ينشدوا في المآذن بأنغام وتواشيح شجية قبل الفجر بساعتين للتسرية عن المرضى المؤرقين، ولقد وصل أمر العناية بهذا البيمارستان أنه صادف في عام 831هـ/1427م أن رجل أعجمياً من أهل الفضل والذوق واللطافة كان يقصد الحج في تلك السنة فلما دخل البيمارستان ونظر ما فيه من المآكل والتحف واللطائف التي لا تحصى، أراد اختبار رجال البيمارستان فتمارض وأقام به ثلاثة أيام، ورئيس الطب يتردد إليه ليختبر ضعفه فلما جس نبضه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والدجاج المسمنة والحلوى والأشربة والفواكه المتنوعة. ثم بعد ثلاثة أيام كتب له ورقة من معناها: أن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام.

رابعاً: التعليم الطبي:
ألحق بالبيمارستان النوري مدارس طبية متخصصة، أنشأها أطباء من العاملين في البيمارستان. وكانت هذه المدارس تعد المرحلة الأولى في التعليم الطبي وهي مرحلة الدراسة النظرية لكتب الأطباء الأقدمين التي تبحث في العلوم الأساسية والعلوم السريرية. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة والتي كانت تستغرق في العادة قرابة ثلاث سنوات، ينتقل الطالب إلى مرحلة التدريب العملي وكانت تتم في البيمارستانات تدعمها الدراسة النظرية والمذاكرة في المدرسة، وبعد أن يكتسب الطالب الخبرة بطول التمرس والمران، ينتقل بعدها إلى المرحلة العملية في البيمارستان تحت إشراف أساتذته.

ومن تلك المدارس الطبية التي اشتهرت، كانت المدرسة الدخوارية التي أوقفها مهذب الدين عبد الرحيم علي بن حامد المعروف بالدخوار عام 621هـ/1224م. وكان موقعها عند الصناعة العتيقة شرقي سوق المناخليين بدرب العجل قبلي الجامع الأموي الموجود بدمشق.

وكان قد وقف لها ضياعاً وعدة أماكن يستغل منها ويتصرف في مصالحها من المدرسين والمشتغلين بها. وهو أول من درس فيها، كما درس فيها من العلماء بدر الدين محمد ابن قاضي بعلبك، وشيخ الأطباء ابن النفيس، ونجم الدين بن المنفاخ، وموفق الدين البغدادي. وعند وفاته أوصى الشيخ الدخوار أن يكون المدرس فيها الحكيم شرف الدين علي بن الرحبي، وكان الشيخ الدخوار يقوم بالإشراف العملي في البيمارستان الكبير النوري، فإذا تفرغ منه، يأتي داره ثم يشرع في القراءة والدرس والمطالعة، فإذا فرغ منه أذن للجماعة فيدخلون إليه، ويأتي قوم بعد قوم من الأطباء والمشتغلين. وكان يقرأ كل واحد منهم درسه، ويبحث معه فيه، ويفهمه إيّاه بقدر طاقته، ويبحث في ذلك مع المتميزين منهم إن كان الموضع يحتاج إلى فضل بحث. وكان لا يقرئ أحداً إلا وبيده نسخة من ذلك الكتاب يقرأه ذلك التلميذ، ينظر فيه ويقابل به، فإن كان في نسخه الذي يقرأ غلط أمره بإصلاحه، وكانت نسخ الشيخ الدخوار التي تقرأ عليه في غاية الصحة، وكان أكثرها بخطه.

أما الكتب الدراسية التي كان يتدارسها طلاب الطب في مدرسة الدخوار فقد كانت على ثلاث فئات: الكتب الموسوعية وهي الكتب التي تغطي جميع فروع الطب النظري من أمراض ومدواة ومن أمثلتها كتاب القانون في الطب للشيخ الرئيس ابن سينا. والفئة الثانية الكتب العملية التي تناقش الملاحظات السريرية أو جميع فروع الطب التطبيقي ومن أمثلتها كتاب الحاوي في الطب للطبيب الرازي. والفئة الثالثة هي الكتب المتخصصة في فرع من فروع الطب ومن أمثلتها كتاب العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق. وقد كانت تدرس جميع هذه الكتب تباعاً وفق المراحل الدراسية المختلفة، كما كان هناك من الكتب المساعدة ومعظمها في اللغة، فكان الشيخ الدخوار إلى جانبه أبداً لا يفارقه ما يحتاج إليه من كتب اللغة، فكان هناك كتاب الصحاح للجوهري، والجمل لابن فارس، وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري فكان إذا جاءت في الدرس كلمة لغة يحتاج إلى كشفها وتحقيقها، نظرها في تلك الكتب، وكانت هناك من المدارس الطبية أيضاً المدرسة الدنيسرية التي أنشأها عماد الدين أبو عبد الله محمد بن عباس بن أحمد الربعي المعروف بالدنيسري عام 680هـ/1282م. وقد أقامها غربي باب البيمارستان الكبير النوري والصلاحية بآخر الطريق من قبلة بدمشق. كما كان هناك المدرسة اللبودية النجمية التي أنشأها نجم الدين يحيى بن محمد اللبودي عام 664هـ/1266م. وكان موقعها خارج البلد لبستان الفلك المشيري بدمشق. وكان كلاً من الدنيسيري واللبودي من الأطباء العاملين في البيمارستان الكبير النوري. وكانا يجلسان للعلم بعد قضاء عملهما في البيمارستان.

وقد كانت جميع هذه المدارس إيوانات خاصة معدة ومجهزة بالآلات والكتب أحسن تجهيز، فيقعدون بين يدي معلمهم بعد أن يتفقدوا المرضى وينتهوا من علاجهم فيقرؤون عليهم من كتبهم. ولم تكن دروس الطب قاصرة على التلاميذ وحدهم، بل يدخلها أيضاً الأطباء الممارسون ليستزيدوا من خبرة الشيخ الذي يدير الحلقة. وكانت المناقشات التي تعقد في الحلقات التعليمية مفيدة لكلا الطرفين إذ من المألوف أن الطلاب ينتقلون بين شيوخ مختلفين يقرءون عليهم كتبهم. وكان لهذا الخليط من المستمعين فائدة كبيرة جداً.

خامساً: أطباء البيمارستان:
خدم في البيمارستان النوري نفر كبير من مشاهير الأطباء، من أشهرهم مهذب الدين النقاش وهو عالم بعلم العربية والأدب واشتغل بصناعة الطب، وموفق الدين بن المطران وكان أبوه أيضاً طبيباً، وخدم السلطان صلاح الدين وأسلم في أيامه. وابن حمدان الجرائحي وكان معاصراً لموفق الدين بن المطران وعمل معه بالبيمارستان، وأبو الفضل بن عبد الكريم وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب، وكانت له جامكية لطبه في البيمارستان الكبير النوري، وموفق الدين عبد العزيز السلمي وكان كثير الخير شديد الشفقة على المرضى وكان في أول الأمر فقيها ثم اشتغل بعد ذلك بصناعة الطب، وكمال الدين الحمصي واشتغل بصناعة الطب والأدب وكان محباً للتجارة وأكثر معيشته منها ويكره التكسب بصناعة الطب، وبقي سنين يتردد إلى البيمارستان الكبير النوري ويعالج المرضى فيه احتساباً. ورشيد الدين بن علي اشتغل بصناعة الطب، وباشر المرضى في البيمارستان وجعل له مجلساً لتدريس صناعة الطب. أما أشهر من خدموا بالبيمارستان فكان مهذب الدين عبد الرحيم بن علي الدخوار وكان أبوه كحالاً مشهوراً. وعمل هو كحالاً بالبيمارستان ثم اشتغل بصناعة الطب وتولى العلاج فيه، ثم شرع في تدريس الطب واجتمع إليه كثير من أعيان الأطباء ووقف داره وجعلها مدرسة للطب. وشمس الدين بن اللبودي وكان قد أتقن الحكمة وصناعة الطب وكان له مجلس لتدريس هذه الصناعة وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر. وأقام عنده بحلب، ثم أتى إلى دمشق وأقام بها يدرس الطب. وسديد الدين بن رقيقة وكانت له معرفة بصناعة الكحل والجراحة، وحول كثيراً من أعمال الحديد في مداواة أمراض العين وقدح الماء وكان القدح الذي يعانيه مجوفاً وله عطفة ليتمكن في وقت القدح من امتصاص الماء. والجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي اشتغل بالفقه وبرع فيه وكان فاضلاً في الطب وقد ولي الدخوارية وعاد المرضى بالبيمارستان على قاعدة الأطباء، وكان مدرساً للشافعية بالفرخشاهية ومعيداً بعدة مدارس. وشرف الدين بن الرحبي واشتغل بصناعة الطب وخدم مدة في البيمارستان ودرس بالمدرسة الدخوارية، وعماد الدين الدنيسري واشتغل بصناعة الطب وتميز في الأدب والفقه، ثم أنشأ المدرسة الدنيسيرية في الطب وعمل فيها. وبدر الدين بن قاضي بعلبك اشتغل بصناعة الطب وخدم في البيمارستان الذي بالرقة. ثم أتى وولي رياسة جميع الأطباء والكحالين والجرائحيين والبيمارستان الكبير النوري وقرأ الفقه والتفسر.







Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles