بمن نحتمي؟
أ. منى مصطفى
كلُّنا يعاني من إزعاج الأطفال، خاصة في عطلة الصيف الطويلة وفي رمضان، ويزيد ذلك عندما يجتمع أطراف العائلة كلُّها في غالب هذه الأيام، بل إن هناك بعضَ الأسر ممن امتنَّ عليهم الله بالمودَّة والألفة يقضون الشهر كاملًا معًا في بيت الجد أو الأخ الأكبر وما شابه.
فلا نترك الأطفال يهنؤون بجَمعهم، ولا يتركوننا هم نهنَأ بخلوتنا مع الله، فتبرَّعت لأتولَّى أمر الأطفال في هذا اليوم؛ إذ بلغ التعب من أمهاتهم مبلغًا!
فجمَّعتهم وجلستُ معهم وحدَنا، وكانوا من سنِّ الخامسة إلى العاشرة؛ وذلك في محاولة يائسة لإشاعة الهدوء في البيت.
فكرت: فيمَ أتحدَّث معهم؟
طرأ في ذهني (الدعاء)؛ لأننا كنا في وقت السحر تقريبًا، فقلت لهم:
كلُّ واحد منكم يدعو دعوةً، ويظل ذاكرًا لها، وسيرى أنها ستتحقَّق على مدار عمره.
وأعطيتهم خمس دقائق، ثم سألت كل واحد:
بمَ دعوتَ حبيبي؟
فما وجدت غالبَهم يعرفون بماذا يدعون، وهذا خلل بيِّن في التربية!
فأوضحتُ لهم أن الدعاء: (أن نطلب من الله ما نريده بعد حمدِه والصلاة على رسوله)؛ ولأن الإنسان سيعيش الدنيا ثم يذهب للمقرِّ النهائي في الآخرة، فأكدت عليهم أنه:
كلما لجأنا إلى الله بالدعاء، فعلينا أن ندعوَ بدعوة للدنيا ودعوة للآخرة، وأن أفضلَ ما في الآخرة الجنةُ بنعيمها؛ فلتكن الجنة مطلبًا ثابتًا في كل دعوة، ثم يُتبعها بما اشتهى من الدنيا.
وجددت لهم المدة دون استفاضةٍ، وكنت أسهِّل لهم الأمور بما يناسب عمرهم؛ حتى لا ينصرفوا أو لا يتحقق الهدف من الجلسة (مراعاة الحال)، وجدَّدْت لهم المدَّة وانتظرت، ثم سألت ثانيةً:
• ماذا طلبتم من ربكم أحبابي؟
• فسألني أحدهم: هل نستطيعُ أن نطلب من الله أيَّ شيء حتى لو صعبًا؟
انتهزتها فرصة؛ لأثبِّت عقيدتهم، فحدَّثتهم قليلًا عن صفات الله عز وجل ...
• وتلقفتني إحداهن: هل ربُّنا يستجيب كلَّ الدعوات؟ ولماذا لا أرى ذلك؟
وأنا أنتشي بكل سؤال؛ إذ يقرِّبُني من هدفي، ويجعل الفائدة أعظم!
فوضَّحت لهم أن جميع الدعاء مجابٌ، إما أن يحدث كما طلَبْنا من الله السميع البصير، وإما أن يؤخِّره للوقت المناسب؛ لأنه يعلم الغيب، وإما يجعله لكم رصيدًا للحسنات في الآخرة ولا يحققه في الدنيا؛ لأن تحقيقه سيكونُ فيه ضرر أنت لا تعلمه، ورويت لهم بعض صور جزاء الله للعبد الذي يدعو ويكون على يقين بالإجابة حتى لو كانت في الآخرة، حتى أصبح كلٌّ منهم يتراقص أنه طلب من الله أشياء ولم تتحقق، وسيكون له قصرٌ في الجنة بدعائه الذي لم يُستجَب، وعمَّقت في أنفسهم أن الدعاء في ذاته عبادة وغاية، وما تحقق منه في دنيانا خير، وما تأجل فهو خير أوفر.
ثم جدَّدتُ السؤال: ماذا طلبتم من الله؟
نانسي قالت: اللهم اجعلني مقيمة للصلاة ومن ذريتي.
سارة قالت: أريد الجنةَ، وأن يكون زوجي مثلَ خالي فلان.
• نلاحظ: (هاتان الفتاتان تذهبان لمركز تحفيظ).
هدى قالت: أريد أن أموت أنا وماما في يوم واحد.
مريم قالت: خواتيم سورة آل عمران، ثم توجه فكرها بتوجه فكر سارة، وقالت:
يكون زوجي كخالي فلان خالها الثاني (العجيب أن كلَّ واحد اختارت من يناسب شخصيتها فعلًا من أخوالها، وهنا نقف وننتبه أن الفتاة من سن التاسعة فعلًا تبدأ في إدراك الفروق والشخصيات).
• نلاحظ: (هاتان البنتان أمُّهما كثيرة الحوار معهما، ولا تترك شاردةً ولا واردة إلا وربطتها لهم بالدين).
• محمد: صامتٌ لا يعرف بمَ يدعو؟
• مصطفى: بعد حيرة وتردُّد كرر إحدى الدعوات السابقة، وهو أكبر الأطفال سنًّا.
• نلاحظ: أمُّهم لا تجلس معهم إلا لضرورة، وإن حدث فهي آمرةٌ ناهية معنِّفة فقط.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يمارس فيها الأطفال هذه العبادة رغم وصول أغلبهم إلى سنِّ العاشرة وأكثر.
والله إنها عبادةٌ عظيمة لو عقلنا؛ فهي دواء مجَّانيٌّ للقلوب، وتحقيق سريع للرغبات، وباب عظيم لترسيخ حسن التوكُّل على الله تلازمًا مع الأخذ بالأسباب.
• وحفَّظتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض)).
أنبِّه أخواتي الأمهات: سن العاشرة ولا يعرف بمَ يدعو؟! والله إنه لتقصير منكنَّ عظيم!
أيها الآباء، لو تأملتم الصلاة لوجدتموها كلَّها دعاء، فعلِّموا أولادكم الدعاء، علِّموهم أن هناك مجيبًا قديرًا رحمانًا رحيمًا يفرح بالعطاء لك، وإجابة دعائك، كما تفرح أنت بالأخذ.
فلا يكون ملجؤهم كله للبشر حتى لو كان الأب أو الأم؛ فالحماية الحقيقية من الله، والملجأُ الأول والأخير له، وستجد ثمار هذا الغرس لاحقًا، حيث سيعمِّق في نفسه قدرة الله، فيتجنَّب لاحقًا الرشوة والخضوع للمادة وغيرها.
علموهم دومًا: أن اللهَ أعظمُ من كل عظيم.
علِّموهم: أن للدعاء أوقاتٍ وأحوالًا يكون الغالب فيها الإجابة؛ وهي: السَّحَر، ووقت الاضطرار، وما بين الأذان والإقامة، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء، ووقت الإفطار، وأوقات السفر، ووقت نزول المطر، وأثناء المرض.
الجميل في الموضوع أنهم جمَّعوا أنفسهم في اليوم الثاني، وأتوا إليَّ يطلبون مني جلسة ثانية مثل الأمس، مصرِّين على ذلك، وكأن أرواحهم عطشى، وكيف لا وهو حديث تحفُّه الملائكة؟!
• سعدت بكم، ونلتقي دومًا في خير حال على أرض دنيانا، وتحت مظلَّة ديننا.
أ. منى مصطفى
كلُّنا يعاني من إزعاج الأطفال، خاصة في عطلة الصيف الطويلة وفي رمضان، ويزيد ذلك عندما يجتمع أطراف العائلة كلُّها في غالب هذه الأيام، بل إن هناك بعضَ الأسر ممن امتنَّ عليهم الله بالمودَّة والألفة يقضون الشهر كاملًا معًا في بيت الجد أو الأخ الأكبر وما شابه.
فلا نترك الأطفال يهنؤون بجَمعهم، ولا يتركوننا هم نهنَأ بخلوتنا مع الله، فتبرَّعت لأتولَّى أمر الأطفال في هذا اليوم؛ إذ بلغ التعب من أمهاتهم مبلغًا!
فجمَّعتهم وجلستُ معهم وحدَنا، وكانوا من سنِّ الخامسة إلى العاشرة؛ وذلك في محاولة يائسة لإشاعة الهدوء في البيت.
فكرت: فيمَ أتحدَّث معهم؟
طرأ في ذهني (الدعاء)؛ لأننا كنا في وقت السحر تقريبًا، فقلت لهم:
كلُّ واحد منكم يدعو دعوةً، ويظل ذاكرًا لها، وسيرى أنها ستتحقَّق على مدار عمره.
وأعطيتهم خمس دقائق، ثم سألت كل واحد:
بمَ دعوتَ حبيبي؟
فما وجدت غالبَهم يعرفون بماذا يدعون، وهذا خلل بيِّن في التربية!
فأوضحتُ لهم أن الدعاء: (أن نطلب من الله ما نريده بعد حمدِه والصلاة على رسوله)؛ ولأن الإنسان سيعيش الدنيا ثم يذهب للمقرِّ النهائي في الآخرة، فأكدت عليهم أنه:
كلما لجأنا إلى الله بالدعاء، فعلينا أن ندعوَ بدعوة للدنيا ودعوة للآخرة، وأن أفضلَ ما في الآخرة الجنةُ بنعيمها؛ فلتكن الجنة مطلبًا ثابتًا في كل دعوة، ثم يُتبعها بما اشتهى من الدنيا.
وجددت لهم المدة دون استفاضةٍ، وكنت أسهِّل لهم الأمور بما يناسب عمرهم؛ حتى لا ينصرفوا أو لا يتحقق الهدف من الجلسة (مراعاة الحال)، وجدَّدْت لهم المدَّة وانتظرت، ثم سألت ثانيةً:
• ماذا طلبتم من ربكم أحبابي؟
• فسألني أحدهم: هل نستطيعُ أن نطلب من الله أيَّ شيء حتى لو صعبًا؟
انتهزتها فرصة؛ لأثبِّت عقيدتهم، فحدَّثتهم قليلًا عن صفات الله عز وجل ...
• وتلقفتني إحداهن: هل ربُّنا يستجيب كلَّ الدعوات؟ ولماذا لا أرى ذلك؟
وأنا أنتشي بكل سؤال؛ إذ يقرِّبُني من هدفي، ويجعل الفائدة أعظم!
فوضَّحت لهم أن جميع الدعاء مجابٌ، إما أن يحدث كما طلَبْنا من الله السميع البصير، وإما أن يؤخِّره للوقت المناسب؛ لأنه يعلم الغيب، وإما يجعله لكم رصيدًا للحسنات في الآخرة ولا يحققه في الدنيا؛ لأن تحقيقه سيكونُ فيه ضرر أنت لا تعلمه، ورويت لهم بعض صور جزاء الله للعبد الذي يدعو ويكون على يقين بالإجابة حتى لو كانت في الآخرة، حتى أصبح كلٌّ منهم يتراقص أنه طلب من الله أشياء ولم تتحقق، وسيكون له قصرٌ في الجنة بدعائه الذي لم يُستجَب، وعمَّقت في أنفسهم أن الدعاء في ذاته عبادة وغاية، وما تحقق منه في دنيانا خير، وما تأجل فهو خير أوفر.
ثم جدَّدتُ السؤال: ماذا طلبتم من الله؟
نانسي قالت: اللهم اجعلني مقيمة للصلاة ومن ذريتي.
سارة قالت: أريد الجنةَ، وأن يكون زوجي مثلَ خالي فلان.
• نلاحظ: (هاتان الفتاتان تذهبان لمركز تحفيظ).
هدى قالت: أريد أن أموت أنا وماما في يوم واحد.
مريم قالت: خواتيم سورة آل عمران، ثم توجه فكرها بتوجه فكر سارة، وقالت:
يكون زوجي كخالي فلان خالها الثاني (العجيب أن كلَّ واحد اختارت من يناسب شخصيتها فعلًا من أخوالها، وهنا نقف وننتبه أن الفتاة من سن التاسعة فعلًا تبدأ في إدراك الفروق والشخصيات).
• نلاحظ: (هاتان البنتان أمُّهما كثيرة الحوار معهما، ولا تترك شاردةً ولا واردة إلا وربطتها لهم بالدين).
• محمد: صامتٌ لا يعرف بمَ يدعو؟
• مصطفى: بعد حيرة وتردُّد كرر إحدى الدعوات السابقة، وهو أكبر الأطفال سنًّا.
• نلاحظ: أمُّهم لا تجلس معهم إلا لضرورة، وإن حدث فهي آمرةٌ ناهية معنِّفة فقط.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يمارس فيها الأطفال هذه العبادة رغم وصول أغلبهم إلى سنِّ العاشرة وأكثر.
والله إنها عبادةٌ عظيمة لو عقلنا؛ فهي دواء مجَّانيٌّ للقلوب، وتحقيق سريع للرغبات، وباب عظيم لترسيخ حسن التوكُّل على الله تلازمًا مع الأخذ بالأسباب.
• وحفَّظتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض)).
أنبِّه أخواتي الأمهات: سن العاشرة ولا يعرف بمَ يدعو؟! والله إنه لتقصير منكنَّ عظيم!
أيها الآباء، لو تأملتم الصلاة لوجدتموها كلَّها دعاء، فعلِّموا أولادكم الدعاء، علِّموهم أن هناك مجيبًا قديرًا رحمانًا رحيمًا يفرح بالعطاء لك، وإجابة دعائك، كما تفرح أنت بالأخذ.
فلا يكون ملجؤهم كله للبشر حتى لو كان الأب أو الأم؛ فالحماية الحقيقية من الله، والملجأُ الأول والأخير له، وستجد ثمار هذا الغرس لاحقًا، حيث سيعمِّق في نفسه قدرة الله، فيتجنَّب لاحقًا الرشوة والخضوع للمادة وغيرها.
علموهم دومًا: أن اللهَ أعظمُ من كل عظيم.
علِّموهم: أن للدعاء أوقاتٍ وأحوالًا يكون الغالب فيها الإجابة؛ وهي: السَّحَر، ووقت الاضطرار، وما بين الأذان والإقامة، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء، ووقت الإفطار، وأوقات السفر، ووقت نزول المطر، وأثناء المرض.
الجميل في الموضوع أنهم جمَّعوا أنفسهم في اليوم الثاني، وأتوا إليَّ يطلبون مني جلسة ثانية مثل الأمس، مصرِّين على ذلك، وكأن أرواحهم عطشى، وكيف لا وهو حديث تحفُّه الملائكة؟!
• سعدت بكم، ونلتقي دومًا في خير حال على أرض دنيانا، وتحت مظلَّة ديننا.