تدهْوُر حالتي سبَّب لي الاكتئاب!
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعيشُ حياةً تعيسةً للغاية؛ فأنا لستُ جميلةً، وصِحَّتي متدهْوِرةٌ، والأهمُّ مِن ذلك أنني أُعاني مِن مشاكلَ نفسيَّةٍ كثيرةٍ، سببُها الفشلُ الدراسي، وعدم إتقاني للغات الأجنبيَّة، وفوق هذا كله شخصيتي ضعيفةٌ للغاية، وأُعاني مِن خَجَلٍ شديدٍ، إضافةً إلى مُستواي المادي الضعيف، كلُّ هذه الأشياء جعلتْ لديَّ كآبةً شديدةً؛ مما دفعني إلى الغرَق في أحلام اليقظة، وتخيُّل أنَّ الكلَّ يهتم بي، وأنني جميلة، لدرجة أنَّ ذلك أثَّر على مستواي الدراسي، والأسوأ أنني أتخيَّل أن الجميع معجبون بي! أصبحتُ مُدمِنةً لهذه الأحلام، وأريد أنْ أصيرَ محورَ اهتمام الجميع، وحلمي أن أصبحَ مشهورة.
باختصارٍ: تحوَّلتْ حياتي إلى سلسلةٍ مِن أحلام اليقظة.
أرجوكم أرشدوني إلى حلٍّ لتقوية شخصيتي، وللتخلُّص مِن هذه الأحلام، كما أني أشْعُر بالكآبة؛ لأنَّ جميع صديقاتي أفضل مني! أرجوكم أنقدوني مِن هذا المأزق.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يُسعدنا انضمامكِ إلى شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يستخدمَنا ويُسَخِّرَنا في تقديم ما ينفعكِ وينفع جميع المستشيرين.
وأودُّ أنْ أُحَيِّي إقراركِ بالأخطاء السلوكيَّة والفكرية والنفسية التي تجتاحكِ، ومُواجهتك لها، بل وسَعْيكِ الجاد للكفِّ عنها بأساليبَ سليمةٍ، بدليلِ سؤالك المختصِّين عنها، وهي سماتٌ إيجابيةٌ تُحسَب لكِ، ولا تتوفر لدى الكثيرين للأسف؛ لذا أتمنَّى منكِ تعزيزها في نفسِك والمحافَظة عليها، واعتمادها كأساسٍ لبناء خطوات الحل بإذن الله تعالى.
عزيزتي، إنَّ أحلام اليقَظة تعدُّ مِن الوسائل الدفاعية التي يلجأ إليها الإنسانُ - لا سيما في المراحل الأولى مِن حياته - للتخفيف مِن ضُغُوطٍ نفسيَّةٍ مُعينة، يُسَبِّبها الحرمانُ غالبًا؛ فإن كان هذا الأمرُ بشكلٍ مؤَقَّتٍ، فلا بأس به، بل إنه يكون دافعًا أحيانًا للتغيُّر نحو الأفضل، ومُحَفِّزًا للطُّموح، لكنه يُصبح مشكلةً إذا اكتفى صاحبُه به دون أخْذِه خطوات حقيقيَّة وجادَّة نحو التغيُّر الذي يتمنَّاه في أحلام اليقَظة، كما أنه يُعَدُّ مشكلةً إذا اتخذ الإنسانُ نموذجًا أو قدوةً غير صالحة، ويضع نفسه محلَّها في تلك المخيلات.
وقد لمستُ مِنَ استقرائي لرسالتكِ أنكِ تتخذين نماذجَ تتميَّز بالشُّهرة واستقطاب الأنظار، ليس في خلْقهِنَّ أو عَطائهنَّ الإيجابي، بل في الجمال ونحوه، وهو أمرٌ أراه قد زاد فيك إحساسَ الحِرمان، فانْعَكَس سلبًا على مُستوى ثقتكِ بنَفْسِكِ، وعلى دافعيتكِ في الأداء، فتردَّى مُستواكِ الدِّراسيُّ، ولم يكنْ ذلك بسببِ قلَّة في مُستوى الذكاء الذي أرى أنكِ تتَّسمين به، بدليل أُسلوبكِ المميَّز في نقْدِ وضْعِكِ النفسيِّ، بل بسبب الخطأ في اختيار النموذج مِن ناحية، وفي إجرائكِ المقارَنات الداخلية مع الآخرين، والتي تُرَكِّز فقط على ما لديهم مِن مزايا، مِن جهةٍ ثانيةٍ.
ولذلك - يا عزيزتي - أنصحكِ بعد أن اتَّخَذْتِ الخطوةَ الأولى الصائبة في اتجاه الحلِّ، وهي الرغبة والدافعية في التغيُّر - أن تتَّخِذي قرارًا داخليًّا في السَّعْي نحوه بإصرارٍ، مهما شعرتِ بصعوبتِه وإخفاقك أحيانًا في ذلك، وبعد ذلك أنصحكِ بالاطِّلاعِ على سِيَر حياة بعض الصحابيَّات وقراءتها؛ مثل: أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - واستبطني أثناء قراءتكِ مَشاعرَها في كلِّ موقفٍ، وأسلوبَها الفكري والحواري، واتركي لمخيلتكِ تصوُّر كلِّ ذلك.
كما أنصحكِ بقراءة قصص نجاح كثيرٍ مِن النساء الناجِحات، وكيف تحدَّين الظروفَ الصعبة مِن أَجْل تحقيق أهدافٍ ساميةٍ، ونَيْل مراتب نجاح عالية، فحصدْنَ بذلك إعجابَ المحيطين، ليس بسبب جمالٍ سيزول مهما طالتْ سنواتُه، ولكن بسبب تميُّزهنَّ في أفكارهنَّ وإصرارهنَّ على الوُصول لتلك الأهداف.
فإنَّ قِيامَكِ بذلك عن قناعةٍ ودافعيَّةٍ، سيعمل على استبدالِ النموذج الوهميِّ الذي تَبَنَّيْتِه في مُخيلتكِ - والذي أجده سببًا في مشاعركِ السلبية - بآخرَ إيجابيٍّ وواقعيٍّ، يكون بإذن الله تعالى - سببًا في تغيير شخصيتكِ وأسلوبكِ الفكري على نحوٍ سليمٍ ومتَّزِنٍ، وهو ما أتمنى أن يكونَ سببًا في تحسُّن وضْعكِ الصحيِّ أيضًا، بسبب التأثير النفسيِّ المهم للصحة النفسية على الصحة البدنيَّةِ.
كذلك أنصحكِ بالالتِفات إلى حالاتٍ لها مُعاناة كبيرة ممن حولكِ؛ مثل: الفتيات اللائي هنَّ في عُمُركِ، ويَعِشْنَ في ملاجئ الأيتام، أو المُعاقَات جسديًّا، أو عقليًّا بشكل لا يُمكِنهن معه القيام بأبسط أمورِهنَّ، وغير ذلك كثير، ثم استشعري مُعاناة كلِّ حالة، وعيشي في خيالكِ موقعها وآلامها؛ فإنك إن قُمتِ بهذه العملية - والتي تسمى بـ: المقارَنة التحتيَّة - على الوجه السليم فستشعرين بنِعَم الله تعالى الكثيرة عليكِ، والتي لا يُمكنكِ إحصاؤها، وستعودين إلى واقعكِ بسعادةٍ، كمَن يصحو مِن "كابوسٍ" مُخيفٍ فيشعر بسعادة؛ لأنَّ ما رآه كان "كابوسًا" فقط.
وأخيرًا، أختم بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يُصلِح شأنَك كله، ويَهْدِيَكِ سُبُل الخير، وينفع بكِ، وسنسعد بسماع أخباركِ الطَّيِّبة مجدَّدًا.
أ. شروق الجبوري |
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعيشُ حياةً تعيسةً للغاية؛ فأنا لستُ جميلةً، وصِحَّتي متدهْوِرةٌ، والأهمُّ مِن ذلك أنني أُعاني مِن مشاكلَ نفسيَّةٍ كثيرةٍ، سببُها الفشلُ الدراسي، وعدم إتقاني للغات الأجنبيَّة، وفوق هذا كله شخصيتي ضعيفةٌ للغاية، وأُعاني مِن خَجَلٍ شديدٍ، إضافةً إلى مُستواي المادي الضعيف، كلُّ هذه الأشياء جعلتْ لديَّ كآبةً شديدةً؛ مما دفعني إلى الغرَق في أحلام اليقظة، وتخيُّل أنَّ الكلَّ يهتم بي، وأنني جميلة، لدرجة أنَّ ذلك أثَّر على مستواي الدراسي، والأسوأ أنني أتخيَّل أن الجميع معجبون بي! أصبحتُ مُدمِنةً لهذه الأحلام، وأريد أنْ أصيرَ محورَ اهتمام الجميع، وحلمي أن أصبحَ مشهورة.
باختصارٍ: تحوَّلتْ حياتي إلى سلسلةٍ مِن أحلام اليقظة.
أرجوكم أرشدوني إلى حلٍّ لتقوية شخصيتي، وللتخلُّص مِن هذه الأحلام، كما أني أشْعُر بالكآبة؛ لأنَّ جميع صديقاتي أفضل مني! أرجوكم أنقدوني مِن هذا المأزق.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يُسعدنا انضمامكِ إلى شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يستخدمَنا ويُسَخِّرَنا في تقديم ما ينفعكِ وينفع جميع المستشيرين.
وأودُّ أنْ أُحَيِّي إقراركِ بالأخطاء السلوكيَّة والفكرية والنفسية التي تجتاحكِ، ومُواجهتك لها، بل وسَعْيكِ الجاد للكفِّ عنها بأساليبَ سليمةٍ، بدليلِ سؤالك المختصِّين عنها، وهي سماتٌ إيجابيةٌ تُحسَب لكِ، ولا تتوفر لدى الكثيرين للأسف؛ لذا أتمنَّى منكِ تعزيزها في نفسِك والمحافَظة عليها، واعتمادها كأساسٍ لبناء خطوات الحل بإذن الله تعالى.
عزيزتي، إنَّ أحلام اليقَظة تعدُّ مِن الوسائل الدفاعية التي يلجأ إليها الإنسانُ - لا سيما في المراحل الأولى مِن حياته - للتخفيف مِن ضُغُوطٍ نفسيَّةٍ مُعينة، يُسَبِّبها الحرمانُ غالبًا؛ فإن كان هذا الأمرُ بشكلٍ مؤَقَّتٍ، فلا بأس به، بل إنه يكون دافعًا أحيانًا للتغيُّر نحو الأفضل، ومُحَفِّزًا للطُّموح، لكنه يُصبح مشكلةً إذا اكتفى صاحبُه به دون أخْذِه خطوات حقيقيَّة وجادَّة نحو التغيُّر الذي يتمنَّاه في أحلام اليقَظة، كما أنه يُعَدُّ مشكلةً إذا اتخذ الإنسانُ نموذجًا أو قدوةً غير صالحة، ويضع نفسه محلَّها في تلك المخيلات.
وقد لمستُ مِنَ استقرائي لرسالتكِ أنكِ تتخذين نماذجَ تتميَّز بالشُّهرة واستقطاب الأنظار، ليس في خلْقهِنَّ أو عَطائهنَّ الإيجابي، بل في الجمال ونحوه، وهو أمرٌ أراه قد زاد فيك إحساسَ الحِرمان، فانْعَكَس سلبًا على مُستوى ثقتكِ بنَفْسِكِ، وعلى دافعيتكِ في الأداء، فتردَّى مُستواكِ الدِّراسيُّ، ولم يكنْ ذلك بسببِ قلَّة في مُستوى الذكاء الذي أرى أنكِ تتَّسمين به، بدليل أُسلوبكِ المميَّز في نقْدِ وضْعِكِ النفسيِّ، بل بسبب الخطأ في اختيار النموذج مِن ناحية، وفي إجرائكِ المقارَنات الداخلية مع الآخرين، والتي تُرَكِّز فقط على ما لديهم مِن مزايا، مِن جهةٍ ثانيةٍ.
ولذلك - يا عزيزتي - أنصحكِ بعد أن اتَّخَذْتِ الخطوةَ الأولى الصائبة في اتجاه الحلِّ، وهي الرغبة والدافعية في التغيُّر - أن تتَّخِذي قرارًا داخليًّا في السَّعْي نحوه بإصرارٍ، مهما شعرتِ بصعوبتِه وإخفاقك أحيانًا في ذلك، وبعد ذلك أنصحكِ بالاطِّلاعِ على سِيَر حياة بعض الصحابيَّات وقراءتها؛ مثل: أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - واستبطني أثناء قراءتكِ مَشاعرَها في كلِّ موقفٍ، وأسلوبَها الفكري والحواري، واتركي لمخيلتكِ تصوُّر كلِّ ذلك.
كما أنصحكِ بقراءة قصص نجاح كثيرٍ مِن النساء الناجِحات، وكيف تحدَّين الظروفَ الصعبة مِن أَجْل تحقيق أهدافٍ ساميةٍ، ونَيْل مراتب نجاح عالية، فحصدْنَ بذلك إعجابَ المحيطين، ليس بسبب جمالٍ سيزول مهما طالتْ سنواتُه، ولكن بسبب تميُّزهنَّ في أفكارهنَّ وإصرارهنَّ على الوُصول لتلك الأهداف.
فإنَّ قِيامَكِ بذلك عن قناعةٍ ودافعيَّةٍ، سيعمل على استبدالِ النموذج الوهميِّ الذي تَبَنَّيْتِه في مُخيلتكِ - والذي أجده سببًا في مشاعركِ السلبية - بآخرَ إيجابيٍّ وواقعيٍّ، يكون بإذن الله تعالى - سببًا في تغيير شخصيتكِ وأسلوبكِ الفكري على نحوٍ سليمٍ ومتَّزِنٍ، وهو ما أتمنى أن يكونَ سببًا في تحسُّن وضْعكِ الصحيِّ أيضًا، بسبب التأثير النفسيِّ المهم للصحة النفسية على الصحة البدنيَّةِ.
كذلك أنصحكِ بالالتِفات إلى حالاتٍ لها مُعاناة كبيرة ممن حولكِ؛ مثل: الفتيات اللائي هنَّ في عُمُركِ، ويَعِشْنَ في ملاجئ الأيتام، أو المُعاقَات جسديًّا، أو عقليًّا بشكل لا يُمكِنهن معه القيام بأبسط أمورِهنَّ، وغير ذلك كثير، ثم استشعري مُعاناة كلِّ حالة، وعيشي في خيالكِ موقعها وآلامها؛ فإنك إن قُمتِ بهذه العملية - والتي تسمى بـ: المقارَنة التحتيَّة - على الوجه السليم فستشعرين بنِعَم الله تعالى الكثيرة عليكِ، والتي لا يُمكنكِ إحصاؤها، وستعودين إلى واقعكِ بسعادةٍ، كمَن يصحو مِن "كابوسٍ" مُخيفٍ فيشعر بسعادة؛ لأنَّ ما رآه كان "كابوسًا" فقط.
وأخيرًا، أختم بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يُصلِح شأنَك كله، ويَهْدِيَكِ سُبُل الخير، وينفع بكِ، وسنسعد بسماع أخباركِ الطَّيِّبة مجدَّدًا.