Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

كيفية أتغير وأرتقي بنفسي

$
0
0
كيفية أتغير وأرتقي بنفسي


أ. مروة يوسف عاشور






السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلى الأستاذة الفاضلة مروة عاشور، هل يمكنكِ مساعدتي على التغيير في بعض الأشياء؛ مثل:

الثبات وعدم الضعف تحت أية ضغوط، خصوصًا النفسية.

تعلم حسن الكلام واللين، مع الاختصار في الكلام، خصوصًا مع الوالدَيْن؛ حيث إنه أفضل الوسائل لتقليل الاحتكاك والتوتر والمشكلات.

الصبر والحلم في جميع أموري، سواء كانتْ مع الأهل أو الأولاد، وغيرها من الأمور التي تُعينُنِي على الرُّقِي بنفسي، بارك الرحمن فيكِ.




الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

حياكِ الله - أختي الفاضلة - ومرحبًا بكِ في شبكة الألوكة، وأشكر لكِ ثقتكِ الغالية، وأرجو أن يجعلني الله عند حُسْن ظنكِ، ومستشيرينا الكرام كافَّة.

1- الثبات وعدم الضعف تحت الضغوط النفسية.

2- حُسن ولين واختصار الحديث مع الوالدين وغيرهما.

3- الصبر والحلم.

أولًا: كيف نَثبُت في وجهِ الضغوط المستمرَّة؟

لسنا بحاجة لعلاج الضغوط النفسية، إلا في حالة أنْ ظَهَر تأثيرها على حياتنا وطغى عليها؛ فمحى أثر سعادتنا، وحطَّم معنوياتنا أو كاد، أو أصابنا باضطرابات النوم أو الطعام، أو غيرهما، أو عاقنا عن الاستمرار في حياتنا على وتيرةٍ جيدةٍ، وإلا فالحياةُ جُبلت على الكدر، وطُبعتْ على المشقة، وجعلها الله تعالى سِمةً مِنْ سِماتها، وصفة ملازمة لها؛ ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].

يُخطئ مَن يظن أنَّ بإمكانه التغلُّب على ضغوط الحياة أو النجاة منها، والحقيقة أنَّ أقصى ما يُمكِننا القيامُ به حيال الضغوط هو التَّأَقْلُم مع بعضها، والتحكم في ردود أفعالنا تجاه البعض الآخر، بما يقلِّل تأثيرها السلبي على حياتنا، ويؤثِّر على قدراتنا اليومية وطاقاتنا الجسدية أو الذهنية.

ويشير الدكتور الكندي "Hanse Sele" إلى المراحل التي يتَّخذها الضغط النفسي معنا، وكيفية سَيره وتطوره داخل النفس البشرية؛ وهي:

أ- مرحلة إدراك مَكْمَن الخطر ومَنْبَع القلَق؛ فغالبًا ما نكون على يقينٍ مسبق بما سيثير في أنفسنا التوتر، ويملؤها بالضيق، ويُثِير دوافع الحزن؛ كمحادثة صديقة أو قريبة سبق وأن تكرَّر الحديث معها على غير ما نُحب، أو الذهاب لمكانٍ ندرك أننا سنتعرض فيه لمضايقات محدَّدة، أو استفزازات معينة، أو القيام بعمل سبَق وأن تعرَّضنا للحرج منه... وهكذا.

فعليكِ أن تحدِّدي - على مراحل متعدِّدة ومواقفَ مختلفة - أشخاصًا أو أماكن أو أوقات إثارة القلق والمشاعر السلبية لديكِ؛ للوقوفِ عليها كافَّة، أو حصر معظمها في نطاق واحد.

ب- مرحلة التكيُّف أو الدفاع؛ فالمرءُ في مواجهته للضغوط عليه أن يصنِّفها إلى صنفين:

الأول: ما يمكنه التخلُّص منه وتجنبه.

الثاني: ما لا يمكن التخلُّص منه؛ فيسعى للتكيُّف معه ولو بصورةٍ مؤقتة.

وحيث إنَّ غالب ما يواجهنا من النوع الثاني؛ فقد يُفِيدنا في أن نتعامل معها بمبدأ: "كُن قويًّا لمُواجَهة العالم، وكُن ضعيفًا للتعامل معه".

ولستُ أعني أن نعيشَ تحت وطأة الحدث المؤلِم لمجرد أننا عَجَزنا عن مواجهته، وإنما تدريب النفس على تحمُّل بعض الألم الممكن تحمله؛ فصراخ الأطفال أو شجارهم - على سبيل المثال - قد تجدين نفسكِ قادرة على تحمُّله في بعض الأحيان، في حين تشعرين ببداية الانهيار منه في أحيان أخرى، والسبب ليس في الدافع نفسه، وإنما في استعدادكِ النفسي وحالتكِ المزاجية، والتي أدَّت إلى اختلاف ردة فعلكِ لنفس الدافع.

ويُفِيد للتدريب على ذلك تذكير النفس بنصائح بعض المختَصِّين؛ ومنهم الدكتور "خالد الراشد"، وأستخلص لكِ منها:

"تمر علينا عشرات بل مئاتُ الحوادث كلَّ يوم، فلو أننا اتخذنا موقفًا سلبيًّا مِن كل حادثة، فسوف يقتلنا القلَقُ، وتتآكل أعصابنا".

"تذكر أن الناس من حولك ليسوا جميعًا متفهمين ومتعلمين ومؤدبين، وسل نفسك: هل أنت أفضل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ تأمل نفسك وأنت تغضب، وقارن ردود أفعالك بقدوتك".

"مرِّن نفسك على الاسترخاء من حين لآخر".

"لا تُضخِّم كلَّ ما يثير قلقك، وحاول أن تضعه في حجمه الطبيعي".

ومتى ذكَّرنا أنفسنا بأن مَن نتعامل معهم ليسوا سواسية عقلًا أو فكرًا أو قلبًا؛ فلن نتوقع منهم الأفضل.

جـ- مرحلة الانهيار: وهي المرحلة الأخيرة التي تصيبنا عندما لا نَتَنَبَّه للمراحل السابقة.

ثانيًا: كيف نختصر في الحديث؟ ومتى؟

"كتب عمرو بن مسعدة إلى حمزة الشاري كتابًا فَقَلَّله، فوقَّع جعفر على ظهر الكتاب: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرًا، وإذا كان الإيجاز كافيًا كان الإكثار عِيًّا"؛ (البصائر والذخائر).

فالإيجازُ مطلوبٌ، لكن لكلِّ مقام مقال؛ فقد نحتاج للاستكثار من الحديث في مواضعَ، ونؤثر الإيجاز في مواضع أُخر، وخير وسيلة لإدراك ذلك، والوقوف على أفضل السُبل لتجنب المشكلات؛ لن يتأتَّى إلا باسترجاع بعض حواراتنا بُعيد انقضائها، واستخلاص مواطن الزلل فيها.

على سبيل المثال: عاتبتكِ والدتكِ لتأخركِ في الزيارة الأسبوعية بعد أن علمتْ بذَهابكِ إلى السوق، فقلتِ لها: "لم أكن أعلم أن ذَهابي إلى السوق سيثيركِ إلى هذا الحد، وقد كنت في حاجة لذلك؛ فالبيتُ كان خاليًا من الأغراض، واضطررتُ للذهاب؛ لهذا تأخرتُ عليكِ".

لو أعدتِ تأمله لوجدتِ أن عبارة: "كُنت مضطرة وسأحاول ألا أكررها" أكثر اختصارًا وأفضل؛ مِن حيث تجنبُ فتح المزيد من الحوارات.

هذا مجرد مثال من عندي، وعليكِ أن تطبقيه مع الحوارات الحقيقية بينكما.

وقد يحتاج ذلك لتدوينٍ في بداية الأمر، ثم لا يلبث أن يكونَ عادة بإمكانكِ استعراضها في عقلكِ، واستحضارها في ذهنكِ بصورة تلقائية، على ألا يكون الإيجاز مبالَغًا فيه مع الوالدين بما يحول دون برِّهما والإحسان إليهما؛ فحقُّهما أعظم مِن أن يُحدد بشروط معينة، أو يُفصل في نقاط واضحة.

- أنصحكِ قُبَيل محادثةِ مَن تبغين الإيجازَ معه أن تستعرضي ما قد يدور في تلك المحاورة، وتتوقعي النقاط المفترض مناقشتها، ثم تتهيئي لها بتدوينِ ما تودِّين قولَه على حسب ما يستحضره ذهنكِ، ثم أعيدي صياغة العبارات مِن جديد واقرئيها عدة مرات.

- بإمكانكِ التدرُّب على ذلك من خلال محادثاتِ الإنترنت؛ حيث إن المكتوب أكثر سهولة ووضوحًا، وما أكثر ما ننسى ما ننطق به!

- أيضًا قراءة موضوع أو مقال أعجبكِ، ومحاولة كتابته في ربع أو نصف ما فعل كاتبه؛ وهذا من أكثر ما ينمِّي مهارة الاختصار بوجهٍ عامٍّ.

- استخدام لغة الإشارة فيما لا يحتاج للنطق؛ كتحريك الرأس بالموافقة أو الرفض مثلًا، وقد لا يناسب هذا بعض الناس ممن لهم مقام عالٍ في بعض الأحيان، فيرجى الانتباه واستخدامه بحذَر، وفي مَواضِعه المناسبة فقط.

* وأما لين الحديث، فلا شيء خير من مُطالَعة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - العطِرة، والسعي إلى محاكاة بعض المواقف، وتخيلها وتَكْرارها على الذهن بأكثر من صورة؛ ولنأخذ مثالًا على ذلك موقف الشابِّ الذي أتاه يستأذنه في الزنا، وما أظن الواحدُ منَّا لو كان مكانه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يسبَّ ذلك الشابَّ، أو يحتقره أمام الناس، واستعراض ذلك الموقف مع وضْعِ نفسكِ مكانه لتخيُّل صعوبة الموقف وتحكمه - صلى الله عليه وسلم - في ردود فعله وحسن تصرُّفه مع المواقف الحرجة - قد يعينكِ كثيرًا على مجاهدة النفس، وتليين الحديث، وكبح جماحِ الغضبِ.

* وكذلك كتابة بعض العبارات اللطيفة، ووضعها نُصْب عينيكِ؛ لتكرار قراءتها؛ كدعوةٍ طيبة قبل بداية كل حديث ونهايته، وكلمات الشكر وغيرها، مما يرقِّق نفوس متحدثيكِ، ويجعلهم أكثر قبولًا لكلامكِ.

* مما يُعِين على تليينِ الحديث وترقيقِه: وَضْعُ النفس موضعَ الطرفِ الآخر؛ فتحاولين مثلًا تقمُّص دَوْر الوالدة، وتخيُّل موقفها، وكيف تنظر للأمر مِنْ منظورٍ يختلف تمامًا عما تنظرين أنتِ منه، بصرف النظر عن المخطئ والمصيب هنا، لكن مجرد القيام بدورها يدفعكِ - لا شعوريًّا - إلى التعاطُف معها، أو فَهْم وجهة نظرها على الأقل، ومِن ثَمَّ تليين المعاملة لها، وإن بدتْ أفعالها غير مُقنعة وأقوالها غير عادلة.

ثالثًا: الصبر يكون أحيانًا نتيجةً للحلم، ويكون الشكر نتيجتهما معًا؛ فيا لها مِنْ عاقبة! ويا له مِن مغنم!





قَدْ حَلُمْنَا فَأَثْمَرَ الحِلْمُ صَبْرًا *** وَصَبَرْنَا فَأَثْمَرَ الصَّبْرُ شُكْرًا






((إنما العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومَن يتوقَّ الشر يُوقَه))؛ حسَّنه الألباني.

وأرى - أيتها الفاضلة - أنَّ كل ما تَسْعَين له مِنْ مكارم الأخلاق ومحاسنها، فاللينُ والصبر والاعتدال في كافة شؤون الحياة هو مِنْ أَجَلِّ وأعظم ما يُعِين على الارتقاء بنفسكِ، والبلوغ لها إلى درجة رفيعة المقام عالية المنزل.

- التحلِّي بالصبر والحلم لا يتأتَّى بخطوات محدَّدة، وإنما بتعويد النفس وتمرينها وتذكيرها، واستعادة المواقف وتحليلها لاستخلاص الصواب، ونَبْذ الخطأ؛ منعًا لتَكْراره.

وعندما سأل الرجلُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الوصيةَ؛ قال له: ((لا تغضب))؛ أي: إن عليه تمرين نفسه على تجنُّب الغضب، وهذا ما عليه فعله لتجنب الغضب.

- لا شيء أنفع لنفسٍ ترومُ فضيلةً مِنْ تذكُّر ثمرتها، والتفكُّر في نتيجتها؛ فتذكر ثمرة الصبر وحسن عاقبته في الدنيا والآخرة، وتكرار ذلك على نفسكِ وكثرة إمراره على قلبكِ يثبِّت الرغبةَ، ويقوِّي العزيمة، ويُعِين على التطبيق العملي.

- التأسِّي بمَن سَبَقنا مِنَ السَّلَف الصالح، والقراءة في سِيَرهم، وإن عَجَزت النفس عن اتِّباع هَدْي مَن مضى عصره، فلن نعدم أن نجدهم حولنا فيمَن عَلَتْ نفوسهم، وسَمَتْ هِمَمُهم، وارتقتْ قلوبهم؛ فتطهَّرتْ مِنَ الآفات والعِلَل الدنيوية الحقيرة، وأنصحكِ إن ظفرتِ بإحداهن أن تَعَضِّي عليها بالنواجذ، وأن تلزمي صحبتها، وتحرصي على الانتفاع بما لديها، والتحدُّث إليها بما في نفسكِ بُغْيَة الإصلاح؛ فالمرء على دين خليله؛ ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 28].


- الدعاء؛ فأنفسنا ضعيفةٌ، وقلوبنا واهنةٌ، وعقولنا قاصرة لا تملك نفعًا ولا ضرًّا، إلا أن يمدَّها الله بعونِه، ويقوِّيها بنصره؛ بَيْدَ أنَّ العزْمَ الصادق والرغبة الحقيقية في الارتقاء بالنفس لا بد وأن تنبع مِنَ القلب، وتبزغ من الداخل؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: ((أنتَ ربي وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنتَ، واهدني لأحسنِ الأخلاق لا يَهدِي لأحسنِها إلا أنتَ، واصرف عني سيِّئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، أستغفرُكَ وأتوب إليك))؛ رواه مسلم.

أخيرًا: يقول - تعالى -: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 199 - 201].

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل







Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles