خطبة عن الإجازة
الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ المسلم الحق ليدركُ أن أوقات دنياه لا بد أن تكون زادا لآخرته، فهذه الدنيا ليس فيها راحة؛ وإنما تكون الراحة لأحدنا حينما يطأ بقدميه الجنة، أما ما دام في هذه الدنيا فهو في دار التكليف والعمل؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99] فالمسلم مهمته عبادة الله؛ وهي وسام عزه؛ وتاج شرفه؛ وعنوان سعادته؛ وسر وجوده؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. فحيثما كان وحَلَّ، وأينما وُجِد وارتحل، فإنه يضعُ العبوديةَ لله وطاعته شعارَه، وعلامة ذلك ثباتُه على دينه وعقيدته؛ واعتزازُه بمبادئه وثوابته، لا يصده عن دينه زمانٌ؛ ولا يحول بينه وبين عبوديته لربه أيُّ مكان، فمَحْياه كلُّه لله؛ وأعماله جميعُها لمولاه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
غير أن البعض غلب عليهم ضعفٌ في تكوين شخصياتهم الإسلامية، في انهزامية ظاهرة؛ وتبعية ممقوتة، خلف سراب موضات التشبه والتقليد؛ وبهارج العلمنة والتغريب، حتى أضاعوا هويتهم الدينية، وتعلقوا بالدنيا ونسوا الآخرة.
إخوة الإيمان، إن الوقت هو مادة الحياة؛ والزمن هو وعاء العمر، فالواجب استثماره في مرضاة الله، وشغله بطاعته سبحانه، فإن الإنسان مسؤول بين يدي الله ومحاسب عن عمره فيم أفناه؛ وعن شبابه فيم أبلاه، فالمستفيدون من الوقت هم الذين أعدوا لكل يوم أعماله المباركة؛ وجعلوا من أوقات الفراغ لحظاتٍ نافعة؛ وفرصاً نحو الخير دافعة. يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: (السَّنة شجرة؛ والشهور فروعها؛ والأيام أغصانها؛ والساعات أوراقها؛ والأنفاس ثمارها؛ فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يَتبين حلو الثمار من مرها ). أ. هـ.رحمه الله.(الفوائد 164). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي؛ ولم يزدد فيه عملي ).
عباد الله، من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه؛ أو فرضٍ أدّاه؛ أو فعل محمود حصّله؛ أو علم اقتبسه، فقد فَقَدَ يومه وظلم نفسه. وليعلم الذيـن أهدروا أوقاتِهم وبدَّدوا أعمارَهم في غير مرضات مولاهم أنَّ أيام العمر قليلة، وأقلَّ منها أيام هذه الإجازات، وهي شاهدة لهم أو عليهم؛ فليعمروها بالطاعات.
إخوة الإيمان، في هذه الإجازات يكثر الفراغ؛ ويكثر تضييع الأوقاتِ لدى كثير من الكبار والصغار، والواجب أن يُنظَرَ إلى الفراغ أنه نعمة من نعم الله تعالى على العبد يجب استغلالها، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحةوالفراغ ).فهو نعمة يجب استغلالها بالطاعة والعبادة، أو بالأمور المباحة شرعًا، ففيما أحلَّ الله غنيةٌ عما حرم، وقد أرشد المولى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى استغلال الفراغ بقوله: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، فمن فرغ من الفريضة فلينصب إلى النافلة؛ ومن فرغ من الصلاة فلينصَبْ إلىالدعاء؛ ومن فرغ من أمر الدنيا فلينصَبْ إلى أمر الآخرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( اغتنم خمساً قبل خمس )، وذكر منها: (وفراغك قبل شغلك) رواه الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس. فالفراغ بشتى صوره عند استثماره يكون نعمة، أما إذا ضُيّع فيما لا يفيد كان ذلك حسرة، وإذا استغِلَّ في معصية الله فهو نقمة وبلاء.
اللهم وفقنا لنعمر أوقاتِنا بما يرضيك.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله.
• • •
الخطبة الثانية
إن كثيرًا من الناس يسافرون في هذه الإجازات؛ والسفر للطاعة مشروع، ومن ذلك أداء العمرة؛ والصلاة في الحرمين الشريفين، وصلة الأرحام، والتعلُّم والتعليم، ويكون السفر مباحا لمجرد النـزهة إذا كان في بلاد المسلمين المحافظة على دينها، وقد يكون السفر محرما؛ حينما يكون بقصد الحرام؛ وكذلك يكون السفر محرمًا إذا كان لمجرد النـزهة في بلاد الكفار؛ أو المناطق التي تعج بالمنكر وتختفي فيها شعائر الإسلام.
أيها الأولياء، إن الشباب هم عماد الأمة وقلوبها النابضة وشرايِيْنُها المتدفقة؛ هم جيل اليوم؛ ورجال المستقبل؛ وبناة الحضارة، وصُنَّاع الأمجاد، وثمرات الفؤاد، وفلذات الأكباد، فاحرصوا على تربيتهم تربية صحيحة شاملة، واشغلوا أوقاتهم ببرامج هادفة ونشاطات مفيدة؛ تكسبهم المهارات، وتنمِّي فيهم القدرات، تقوِّي إيمانهم؛ وتصقُل فِكْرَهم؛ وتُثْرِي ثقافتَهم. وإن هذه البرامج متاحة؛ والمجالات مفتوحة لاستثمار الوقت؛ وشغل الفراغ في هذه الإجازة؛ وقد يقوم على مباشرة هذه البرامج الوالدان مع أولادهم حتى في داخل المنـزل مع تشجيعهم ومشاركتهم، ومن ذلك: البرامج الشرعية المباحة وهي كثيرة بحمد الله، كجلسات تدارس القرآن الكريم والسنة المطهرة، والالتحاق بالدورات العلمية؛ والدورات التدريبية؛ وتعلم العلوم النافعة، والقراءة في الكتب النافعة، والالتحاق بالمحاضن التربوية كحلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية والمخيمات الدعوية، ومن هذه البرامج والتي تدخل بها السرور عليهم الذهاب بهم إلى بيت الله الحرام في عمرة أو صلاة، أو إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في رحلة إلى أحد مصائف هذه البلاد في بيئة سياحة بريئة، في محافظةٍ على الدين والأخلاق؛ بعيدا عن المظاهر السيئة، ومن الرحلات الجميلة التي تكون لصلة الأقارب والأرحام مع تعليمهم أهمية صلة الأرحام دينيا ودنيويا، وكذلك صلة الأقارب والأرحام.
والخلاصة أن إشغالهم بما يفيدهم ويحتوي طاقاتهم خير من أن تضيع عليهم أوقاتهم أو يقعوا فريسة لسبل الضياع التي كثرت وتنوعت في هذا الزمان.
اللهم احفظنا وأهلينا في كل أوقاتنا.
واجعل أوقاتنا عامرة بما يرضيك عنا.
أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي |
الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ المسلم الحق ليدركُ أن أوقات دنياه لا بد أن تكون زادا لآخرته، فهذه الدنيا ليس فيها راحة؛ وإنما تكون الراحة لأحدنا حينما يطأ بقدميه الجنة، أما ما دام في هذه الدنيا فهو في دار التكليف والعمل؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99] فالمسلم مهمته عبادة الله؛ وهي وسام عزه؛ وتاج شرفه؛ وعنوان سعادته؛ وسر وجوده؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. فحيثما كان وحَلَّ، وأينما وُجِد وارتحل، فإنه يضعُ العبوديةَ لله وطاعته شعارَه، وعلامة ذلك ثباتُه على دينه وعقيدته؛ واعتزازُه بمبادئه وثوابته، لا يصده عن دينه زمانٌ؛ ولا يحول بينه وبين عبوديته لربه أيُّ مكان، فمَحْياه كلُّه لله؛ وأعماله جميعُها لمولاه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
غير أن البعض غلب عليهم ضعفٌ في تكوين شخصياتهم الإسلامية، في انهزامية ظاهرة؛ وتبعية ممقوتة، خلف سراب موضات التشبه والتقليد؛ وبهارج العلمنة والتغريب، حتى أضاعوا هويتهم الدينية، وتعلقوا بالدنيا ونسوا الآخرة.
إخوة الإيمان، إن الوقت هو مادة الحياة؛ والزمن هو وعاء العمر، فالواجب استثماره في مرضاة الله، وشغله بطاعته سبحانه، فإن الإنسان مسؤول بين يدي الله ومحاسب عن عمره فيم أفناه؛ وعن شبابه فيم أبلاه، فالمستفيدون من الوقت هم الذين أعدوا لكل يوم أعماله المباركة؛ وجعلوا من أوقات الفراغ لحظاتٍ نافعة؛ وفرصاً نحو الخير دافعة. يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: (السَّنة شجرة؛ والشهور فروعها؛ والأيام أغصانها؛ والساعات أوراقها؛ والأنفاس ثمارها؛ فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يَتبين حلو الثمار من مرها ). أ. هـ.رحمه الله.(الفوائد 164). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي؛ ولم يزدد فيه عملي ).
عباد الله، من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه؛ أو فرضٍ أدّاه؛ أو فعل محمود حصّله؛ أو علم اقتبسه، فقد فَقَدَ يومه وظلم نفسه. وليعلم الذيـن أهدروا أوقاتِهم وبدَّدوا أعمارَهم في غير مرضات مولاهم أنَّ أيام العمر قليلة، وأقلَّ منها أيام هذه الإجازات، وهي شاهدة لهم أو عليهم؛ فليعمروها بالطاعات.
إخوة الإيمان، في هذه الإجازات يكثر الفراغ؛ ويكثر تضييع الأوقاتِ لدى كثير من الكبار والصغار، والواجب أن يُنظَرَ إلى الفراغ أنه نعمة من نعم الله تعالى على العبد يجب استغلالها، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحةوالفراغ ).فهو نعمة يجب استغلالها بالطاعة والعبادة، أو بالأمور المباحة شرعًا، ففيما أحلَّ الله غنيةٌ عما حرم، وقد أرشد المولى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى استغلال الفراغ بقوله: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، فمن فرغ من الفريضة فلينصب إلى النافلة؛ ومن فرغ من الصلاة فلينصَبْ إلىالدعاء؛ ومن فرغ من أمر الدنيا فلينصَبْ إلى أمر الآخرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( اغتنم خمساً قبل خمس )، وذكر منها: (وفراغك قبل شغلك) رواه الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس. فالفراغ بشتى صوره عند استثماره يكون نعمة، أما إذا ضُيّع فيما لا يفيد كان ذلك حسرة، وإذا استغِلَّ في معصية الله فهو نقمة وبلاء.
اللهم وفقنا لنعمر أوقاتِنا بما يرضيك.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله.
• • •
الخطبة الثانية
إن كثيرًا من الناس يسافرون في هذه الإجازات؛ والسفر للطاعة مشروع، ومن ذلك أداء العمرة؛ والصلاة في الحرمين الشريفين، وصلة الأرحام، والتعلُّم والتعليم، ويكون السفر مباحا لمجرد النـزهة إذا كان في بلاد المسلمين المحافظة على دينها، وقد يكون السفر محرما؛ حينما يكون بقصد الحرام؛ وكذلك يكون السفر محرمًا إذا كان لمجرد النـزهة في بلاد الكفار؛ أو المناطق التي تعج بالمنكر وتختفي فيها شعائر الإسلام.
أيها الأولياء، إن الشباب هم عماد الأمة وقلوبها النابضة وشرايِيْنُها المتدفقة؛ هم جيل اليوم؛ ورجال المستقبل؛ وبناة الحضارة، وصُنَّاع الأمجاد، وثمرات الفؤاد، وفلذات الأكباد، فاحرصوا على تربيتهم تربية صحيحة شاملة، واشغلوا أوقاتهم ببرامج هادفة ونشاطات مفيدة؛ تكسبهم المهارات، وتنمِّي فيهم القدرات، تقوِّي إيمانهم؛ وتصقُل فِكْرَهم؛ وتُثْرِي ثقافتَهم. وإن هذه البرامج متاحة؛ والمجالات مفتوحة لاستثمار الوقت؛ وشغل الفراغ في هذه الإجازة؛ وقد يقوم على مباشرة هذه البرامج الوالدان مع أولادهم حتى في داخل المنـزل مع تشجيعهم ومشاركتهم، ومن ذلك: البرامج الشرعية المباحة وهي كثيرة بحمد الله، كجلسات تدارس القرآن الكريم والسنة المطهرة، والالتحاق بالدورات العلمية؛ والدورات التدريبية؛ وتعلم العلوم النافعة، والقراءة في الكتب النافعة، والالتحاق بالمحاضن التربوية كحلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية والمخيمات الدعوية، ومن هذه البرامج والتي تدخل بها السرور عليهم الذهاب بهم إلى بيت الله الحرام في عمرة أو صلاة، أو إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في رحلة إلى أحد مصائف هذه البلاد في بيئة سياحة بريئة، في محافظةٍ على الدين والأخلاق؛ بعيدا عن المظاهر السيئة، ومن الرحلات الجميلة التي تكون لصلة الأقارب والأرحام مع تعليمهم أهمية صلة الأرحام دينيا ودنيويا، وكذلك صلة الأقارب والأرحام.
والخلاصة أن إشغالهم بما يفيدهم ويحتوي طاقاتهم خير من أن تضيع عليهم أوقاتهم أو يقعوا فريسة لسبل الضياع التي كثرت وتنوعت في هذا الزمان.
اللهم احفظنا وأهلينا في كل أوقاتنا.
واجعل أوقاتنا عامرة بما يرضيك عنا.