تفسير: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق
تفسير قوله تعالى
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].
يقول الله عز وجل: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]؛ وهذه الآية الكريمة هي إحدى آيات الشفاء التي أنـزلها الله على المؤمنين ليشفي بها قلوبهم، وينير بها عقولهم.
علم سبحانه وتعالى أن سيصيب هذه الأمة أمراض فتاكة، وأوبئة مهلكة فشخص لهم الداء ووصف لهم الدواء ليستعمل المريض الدواء فيشفى. وهذه الآية الكريمة تتضمن الوصية بعدم قتل الأولاد خوف الفقر.
وقد أوصى الله سبحانه تعالى الآباء بالعناية والإحسان إلى الأولاد بعد أن وصى الأولاد بالإحسان إلى الآباء في الآية السابقة بقوله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ لتكون المحبة متبادلة من الطرفين فأمر سبحانه وتعالى الآباء بعدم قتل الأولاد في هذه الآية الكريمة، وكانت العرب تقتل أولادها خوف الفقر والفاقة وجاء عن هارون بن معاوية قال إن الرجل في الجاهلية كان يربي كلبه ويقتل ولده. روى الدارمي في مسنده عن الوضين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان فكنا نقتل الأولاد وكانت عندي ابنة لي.
فلما أجابت وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها فدعوتها يوماً فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئراً من أهلي غير بعيد فأخذت بيدها فرميت بها في البئر وكان آخر عهدي بها أن تقول يا أبتاه يا أبتاه، فبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وكف[1] دمع عينيه فقال له رجل من جلساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له كف فإنه يسأل عما أهمه ثم قال له أعد علي حديثك فأعاده فبكى حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته ثم قال له: إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك.
بطلت عادة قتل الأولاد والبنين خوف الفقر والفاقة بالإسلام، غير أنه لما قست القلوب وطال الأمد عاد بعض الناس إلى قتل أولادهم في عصرنا، وقتلهم الآن يختلف عن قتل الجاهليين قبل الإسلام، فأولئك كانوا يقتلونهم قتلاً سريعاً فيريحونهم، وهؤلاء يقتلونهم قتلاً بطيئاً فيعذبونهم، وقد يستغرب القارئ كيف يقتل الناس أولادهم في هذا العصر عصر التمدن والرقي؟؟
إن كل من يرتكب إثماً وكبيرة لأجل أولاده فإنما يقتل أولاده قتلاً معنوياً فهو يرتكب الموبقات لأجلهم فيفقرهم الله تعالى لأجل عمله ويوقعهم في الضنك الشديد فيكون قد قتلهم قتلاً معنوياً مع أن الله تعالى حذرنا ونهانا عن ذلك بقوله: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].
يجمع بعض الناس ثروة طائلة من حلال وحرام ولا يتورع من القرض بالربا والفوائد الفاحشة، فإن سئل فاعل ذلك: لما تقدم على هذا العمل؟ لأجاب بلسان المقال أو الحال ليربي ثورة طائلة يعيش بها في رغد العيش ثم تبقى لأولاده بعده فيكون هذا الرجل قد قتل أولاده قتلاً معنوياً وسبب لهم الفقر كما هو مشاهد في ذرية المرابين والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ ﴾.
يضع بعض الناس أولادهم في المدارس الأجنبية التي تسل من أفئدة أولادهم دينهم ولغتهم وقوميتهم وأخلاقهم كما تسل الشعرة من العجين - كل ذلك لأجل أن يأخذوا شهادة يستعينون بها على التوظف بإحدى الوظائف العالية أو ليؤمنوا مستقبل أولادهم على زعمهم فهؤلاء يقتلون أولادهم من حيث لا يشعرون، يهربون من الفقر ولكن يدفعون بأولادهم إليه، يضعون أولادهم في تلك المدارس الهدامة، التي تذهب بعفة أولادهم الصغار وبكرامتهم، وعقولهم وأخلاقهم وتفسد عليهم أذواقهم فيرون الفضيلة رذيلة والرذيلة فضيلة، فهؤلاء يقتلون أولادهم بوضعهم في تلك المدارس وهم لا يشعرون يأخذ الولد المسكين الشهادة من تلك المدرسة ويتوظف بعدها في إحدى الوظائف فيأخذ في الشهر عشرين ديناراً أو ثلاثين أو مائة أو مائتين ولكن ويا للأسف ماذا تفيد المائة من الدنانير والمئات بعد أن انغمس في حمأة الرذيلة فتعلم في تلك المدارس شرب الخمر والرقص والقمار وجميع أنواع الفحش ماذا يعمل ذلك المسكين ومائة دينار لا تكفيه في الشهر، إنه يوجه وجهه شطر ثروة أبيه وأمه الذين قتلاه هذا القتل المعنوي الشنيع، فيطالبهما بالمال لأن عليه ديوناً كثيراً ومصاريف عديدة، فإذا تأخرا عليه بالطلب هددهما بالانتحار، وقد يهددهما بقتلهما! وماذا بعد ذلك؟
إذا قدر لهما الوفاة يرثهما ولكن بعد أن يكون قد استدان سلفاً على حساب موت أبيه وأمه فتحجز الدائنون سلفاً على تلك التركة الموهومة وحينئذ يكون قد خسر الدنيا والآخرة. وقد يدفعه سوء الطالع لأن يرتكب سوء الاستعمال في وظيفته حباً بالمال فتكف يده عن العمل ويحاكم ويكون قد قتل قتلاً معنوياً وأبواه هما المسببان لذلك والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31] فكل من جمع مالاً محرماً أو وضع ولده في جهة يأخذ منها مالاً محرماً فيكون قتل ولده لأن الله تعالى يمحق لهم ما يجمعون ويجعلهم يقعون فيما منه يفرون كما هو مشاهد دائماً في أحوال من يجمع المال المحرم.
وكل من لا يعلم أولاده الفرائض الدينية والأخلاق المحمدية فقد قتلهم قتلاً معنوياً.
وإذا أردنا أن نستخرج مفهوم الآية الكريمة فيكون المستخرج منها: أحيوا أولادكم حياة طيبة ولا تخشوا الفقر من ذلك إن إحياءهم لهو الرشد والتوفيق.
[1] وكف: تقاطر.
محمد أحمد دهمان |
تفسير قوله تعالى
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].
يقول الله عز وجل: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]؛ وهذه الآية الكريمة هي إحدى آيات الشفاء التي أنـزلها الله على المؤمنين ليشفي بها قلوبهم، وينير بها عقولهم.
علم سبحانه وتعالى أن سيصيب هذه الأمة أمراض فتاكة، وأوبئة مهلكة فشخص لهم الداء ووصف لهم الدواء ليستعمل المريض الدواء فيشفى. وهذه الآية الكريمة تتضمن الوصية بعدم قتل الأولاد خوف الفقر.
وقد أوصى الله سبحانه تعالى الآباء بالعناية والإحسان إلى الأولاد بعد أن وصى الأولاد بالإحسان إلى الآباء في الآية السابقة بقوله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ لتكون المحبة متبادلة من الطرفين فأمر سبحانه وتعالى الآباء بعدم قتل الأولاد في هذه الآية الكريمة، وكانت العرب تقتل أولادها خوف الفقر والفاقة وجاء عن هارون بن معاوية قال إن الرجل في الجاهلية كان يربي كلبه ويقتل ولده. روى الدارمي في مسنده عن الوضين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان فكنا نقتل الأولاد وكانت عندي ابنة لي.
فلما أجابت وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها فدعوتها يوماً فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئراً من أهلي غير بعيد فأخذت بيدها فرميت بها في البئر وكان آخر عهدي بها أن تقول يا أبتاه يا أبتاه، فبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وكف[1] دمع عينيه فقال له رجل من جلساء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحزنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له كف فإنه يسأل عما أهمه ثم قال له أعد علي حديثك فأعاده فبكى حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته ثم قال له: إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك.
بطلت عادة قتل الأولاد والبنين خوف الفقر والفاقة بالإسلام، غير أنه لما قست القلوب وطال الأمد عاد بعض الناس إلى قتل أولادهم في عصرنا، وقتلهم الآن يختلف عن قتل الجاهليين قبل الإسلام، فأولئك كانوا يقتلونهم قتلاً سريعاً فيريحونهم، وهؤلاء يقتلونهم قتلاً بطيئاً فيعذبونهم، وقد يستغرب القارئ كيف يقتل الناس أولادهم في هذا العصر عصر التمدن والرقي؟؟
إن كل من يرتكب إثماً وكبيرة لأجل أولاده فإنما يقتل أولاده قتلاً معنوياً فهو يرتكب الموبقات لأجلهم فيفقرهم الله تعالى لأجل عمله ويوقعهم في الضنك الشديد فيكون قد قتلهم قتلاً معنوياً مع أن الله تعالى حذرنا ونهانا عن ذلك بقوله: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].
يجمع بعض الناس ثروة طائلة من حلال وحرام ولا يتورع من القرض بالربا والفوائد الفاحشة، فإن سئل فاعل ذلك: لما تقدم على هذا العمل؟ لأجاب بلسان المقال أو الحال ليربي ثورة طائلة يعيش بها في رغد العيش ثم تبقى لأولاده بعده فيكون هذا الرجل قد قتل أولاده قتلاً معنوياً وسبب لهم الفقر كما هو مشاهد في ذرية المرابين والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ ﴾.
يضع بعض الناس أولادهم في المدارس الأجنبية التي تسل من أفئدة أولادهم دينهم ولغتهم وقوميتهم وأخلاقهم كما تسل الشعرة من العجين - كل ذلك لأجل أن يأخذوا شهادة يستعينون بها على التوظف بإحدى الوظائف العالية أو ليؤمنوا مستقبل أولادهم على زعمهم فهؤلاء يقتلون أولادهم من حيث لا يشعرون، يهربون من الفقر ولكن يدفعون بأولادهم إليه، يضعون أولادهم في تلك المدارس الهدامة، التي تذهب بعفة أولادهم الصغار وبكرامتهم، وعقولهم وأخلاقهم وتفسد عليهم أذواقهم فيرون الفضيلة رذيلة والرذيلة فضيلة، فهؤلاء يقتلون أولادهم بوضعهم في تلك المدارس وهم لا يشعرون يأخذ الولد المسكين الشهادة من تلك المدرسة ويتوظف بعدها في إحدى الوظائف فيأخذ في الشهر عشرين ديناراً أو ثلاثين أو مائة أو مائتين ولكن ويا للأسف ماذا تفيد المائة من الدنانير والمئات بعد أن انغمس في حمأة الرذيلة فتعلم في تلك المدارس شرب الخمر والرقص والقمار وجميع أنواع الفحش ماذا يعمل ذلك المسكين ومائة دينار لا تكفيه في الشهر، إنه يوجه وجهه شطر ثروة أبيه وأمه الذين قتلاه هذا القتل المعنوي الشنيع، فيطالبهما بالمال لأن عليه ديوناً كثيراً ومصاريف عديدة، فإذا تأخرا عليه بالطلب هددهما بالانتحار، وقد يهددهما بقتلهما! وماذا بعد ذلك؟
إذا قدر لهما الوفاة يرثهما ولكن بعد أن يكون قد استدان سلفاً على حساب موت أبيه وأمه فتحجز الدائنون سلفاً على تلك التركة الموهومة وحينئذ يكون قد خسر الدنيا والآخرة. وقد يدفعه سوء الطالع لأن يرتكب سوء الاستعمال في وظيفته حباً بالمال فتكف يده عن العمل ويحاكم ويكون قد قتل قتلاً معنوياً وأبواه هما المسببان لذلك والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31] فكل من جمع مالاً محرماً أو وضع ولده في جهة يأخذ منها مالاً محرماً فيكون قتل ولده لأن الله تعالى يمحق لهم ما يجمعون ويجعلهم يقعون فيما منه يفرون كما هو مشاهد دائماً في أحوال من يجمع المال المحرم.
وكل من لا يعلم أولاده الفرائض الدينية والأخلاق المحمدية فقد قتلهم قتلاً معنوياً.
وإذا أردنا أن نستخرج مفهوم الآية الكريمة فيكون المستخرج منها: أحيوا أولادكم حياة طيبة ولا تخشوا الفقر من ذلك إن إحياءهم لهو الرشد والتوفيق.
[1] وكف: تقاطر.