Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

المهارات العشر لوقاية الفكر (6) المرجعية الواعية

$
0
0
المهارات العشر لوقاية الفكر (6) المرجعية الواعية
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة السادسة: المرجعية الواعية




أكثر من 500 ألف فكرة يستقبلُها الشاب السعودي خلال سنِّ المراهقة: "متوسط عدد الساعات التي يقضيها الشاب السعوديُّ على النت 8 ساعات يوميًّا"[1]؛ أي: إنه خلال سنِّ المراهقة - من عمر 12إلى 18[2] (المرحلتين: المتوسطة والثانوية) - سيقضي أكثرَ من 17280 ساعة؛ أي: أكثر من مليون دقيقة، فلو تصوَّرنا أنه سيستقبِلُ فكرة واحدة كلَّ خمس دقائق، فهذا يعني: أكثرَ من 200 ألف فكرة من مختلف المواقع وبشتى الطرق، وقريبًا منها - أو أقل - في ميدان التعليم، وكذلك في الحياة الاجتماعية مع الأصحاب والأحباب، وغيرها من ميادينِ الحياةِ؛ فيكون مجموع ما يتلقَّاه الشاب يقارب 500 ألف فكرة خلال تلك السنوات؛ أي: إنها ليست أفكارًا، بل سيولًا من الأفكار!

هذه السيولُ قد تكون كارثيَّة؛ كما في سيول الأمطار، فالمطرُ نعمة لكنه قد يتحوَّل إلى نقمة؛ حين يؤدِّي إلى فيضانات وسيول تقتل وتدمِّر، ولا يقف شيءٌ في وجهها، فكان الحلُّ الأنسب هو توجيهَ تلك المياه إلى مجاري مقنَّنة، وحصرها في سدودٍ للاستفادة منها عند الحاجة، واستثمار طاقتها، وبذلك تتحوَّل السيول إلى نعمة بدلَ أن تكون نقمةً، وكذلك سيولُ الأفكار يمكن توجيهها واستثمارها، أو حبسُها واستخراجها عند الحاجةِ؛ فتكون تلك السيولُ نعمةً ربَّانية، وليس نقمةً إلهية!

وأول خطوات التوجيه والاستثمار لسيولِ الأفكار هو التدريبُ على المرجعيَّة الواعية:
عن خبَّاب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: "أتينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بُردةً في ظلِّ الكعبة، فشكونا إليه فقلنا: ألَا تَستنصِرُ لنا! ألا تدعو اللهَ لنا! فجلس مُحمَرًّا وجهُه، فقال: ((قد كان من قبلكم...)) صححه الألباني.

هكذا كانت التربيةُ على المرجعيَّة "فشكونا إليه"، فلا استسلامَ للأوهام وللأفكار والعيش في دائرةِ النفس والشيطان، بل الرجوع إلى أهل العلم والبيان والتقوى والإحسانِ، وهذا ليس خاصًّا بالأمور الكبيرة فقط:
فعن النعمانِ بن بشير رضي الله عنه قال: "أعطاني أبي عطيَّةً، فقالت عمرةُ بنت رواحة (الزوجة والأم): لا أرضى حتى تُشهِدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرةَ بنت رواحة عطيَّةً، فأمرَتْني أن أشهدَك يا رسولَ الله؟ قال: ((أعطيتَ سائرَ ولدِك مثلَ هذا؟))، قال: لا، قال: ((فاتقوا اللهَ، واعدلوا بين أولادِكم))، قال: فرجع فردَّ عطيَّتَه"؛ رواه البخاري، نعم لقد تجذَّرت المرجعيَّة حتى عند النساء، وهذا كان أمام الابن؛ ليتربَّى هو كذلك على المرجعيَّة.

ولسنا نقصد المرجعية العمياءَ، بل نقصدُ المرجعيَّة الواعية، المبنيَّة على الملاحظة والفهم والتحليل، والسعي في معرفةِ الجانب الحقِّ، ومن هنا فلا قدسيَّةَ في المرجعية تلغي العقلَ، بل مرجعية تفتِّح الذهن، وتسمح بنقاش المستشار، وأحيانًا بطلب توضيح بعض مواقفه:
فهذا الحُبابُ بنُ المنذرِ رضي الله عنه يرجع إلى النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلوا مكانًا في غزوة بدر، فيقول: أرأيتَ هذا المنزلَ، أمنزلًا أنزلَكَه اللهُ، ليس لنا أن نتقدَّمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأيُ والحرب والمكيدةُ؟ قال: ((بل هو الرأيُ والحرب والمكيدة))، قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزلٍ، امضِ بالناس حتى نأتيَ أدنى ماء من القوم، فنعسكر فيه، ثم نعوِّر ما وراءَه من الآبار، ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أشَرْتَ بالرأي)) ثم أمر بإنفاذِه.

وفي موقفٍ من أعظم مواقف السيرة: بعد غزوةِ حنين وزَّع الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائمَ، وأعطى قريشًا ولم يعطِ الأنصار؛ فدخل عليه سعدُ بن عُبادة رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحيَّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسِهم؛ لِمَا صنعتَ في هذا الفيء، قسمتَ في قومِك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكُ في هذا الحيِّ من الأنصار منها شيء! قال: ((فأين أنت من ذلك يا سعدُ؟))، قال: يا رسولَ الله، ما أنا إلا من قومي، قال: ((فاجمع لي قومَك في هذه الحظيرة))، قال: فخرج سعدٌ، فجمَع الأنصار في تلك الحظيرة... وفي حوار من أجمل الحوارات التاريخية، بيَّن لهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم السببَ، وزال العجبَ، وأبكى الأنصارَ، فلا أدري أأتعجبُ من صراحةِ الأنصار - ومنهم سعد رضي الله عنه - ووضوحهم؟ أم من تجاوبِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقبولِه، ثم بيانه وتوضيحه؟!

نعم، إنها المرجعيَّة الواعية التي تستشيرُ وتناقش، وتتحاور وتستوضِحُ، وتستجيب.
فمع تعدُّد الأفكار وتكاثرها، ومع سَعة المعارف وتنوُّعها، ومع زخم المعلومات وتناثرها، أليس من الضروري تدريب أنفسنا وأبنائِنا على المرجعية الواعية للاستثمار، قبل أن تدمِّرهم وتدمِّرنا سيولُ الأفكار؟


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] البوابة العربية لأخبار التقنية.

[2] البعض يقسم المراهقة إلى ثلاثة أقسام، تبدأ من سنِّ 11 إلى 21.







Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles