الطويل والتدوير
التدوير في الشعر.. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (9)
أ- في الجاهلي:
مِن جُملة إحصائيَّة الفترة استُخدم الطَّويل 2296 مرَّةً أي بيت، حيث جاءتْ نِسبته مِن جُملة الأبيات المُستخدَمة في كلِّ البُحور 25% تَقريبًا[1]، هذا الكمُّ المُستَخدَم من الطَّويل لم نَلمَح فيه أثرًا للتَدْوير؛ اللَّهم إلا في بيت واحد من أبيات عنترة دوَّر فيه مِن جُملة 404 بيت استخدمها عنترة في الطَّويل. والبيت المُدوَّر هو:
والبيت يؤكِّد قضيَّةً سابقةً حدَسْنا بها وهي أنَّ الإِشباع يَقطع التَّدْوير؛ لأنَّ الضَّمير "هِمُ" مِن قوله "عَلَيْهِمُ" لو أُشبِعتْ حركةُ ميمِهِ ما أصبح للتَدْوير مقام.
ب- في الأُمويِّ:
وقد اكتملتْ إحصائيَّة هذه الفترة مِن خِلال أربعة أعلام منهم ثلاثة يوضَعون في إطار واحد حيث جَمعهم طريقٌ أدبيٌّ اشتُهروا به هو النقائض الذي كان مِن أثره أنْ أضْحتْ مُعظَم الظَّواهر الإيقاعيَّة لديهم مُتشابِهةً؛ فالمُناقَضَة كانتْ تُلزمهم ثَبات الإِيقاع في كثير مِن قصائدهم، ومِن ثَمَّ تشابَه إحساسهم في الاعتماد على بعض البُحور، وكاد أن يتَّفق تمامًا في المُعارَضات. هؤلاء الثلاثة هم جَرير والأخْطَل والفَرزْدق، أما الأخير وهو عُمر بنُ أبي رَبيعة فكان مَذاقًا مُختلِفًا عنهم؛ وليس أدلَّ على ذلك مِن خُصوص مُعظَم ما قال بفنِّ الغزَل الذي برَع فيه بَراعةً خاصَّةً في الشِّعر العربيِّ حتَّى أصبح رائدًا وعلمًا موجِّهًا له حتَّى العصر الحديث؛ ومِن هُنا اختلفتْ تشكيلاته الإيقاعيَّة واستخدامه للبحور عن الشِّعراء الموجودين معه في الإحصائية اختلافًا ما.
وقد استُخدم الطَّويل في هذه الفترة بنسبةٍ وصلتْ إلى 45% تقريبًا، وكان للفَرزْدق الشأْوُ الكبير في استخدام هذا البحر؛ فجُملة ما استَخدم مِن أبيات للطَّويل "4927" بيت مِن جُملة ديوانه البالغ "7217" بيت، ونسْبة الطَّويل لديه حوالي 68% تقريبًا؛ ومِن ثمَّ فدِراسَة الطَّويل لديه تُفصِح عن المَظاهِر الإيقاعيَّة المتَّصلة بهذا البحْر[2].
وقدْ بانَ التَّدْوير مِن جُملة ما استُخدِم في هذه الفترة اثنتي عشرةَ مرَّةً من (9971) بيت، سبعة منها بانتْ في شِعر عُمر بنِ أبي رَبيعة وحده مِن ديوانه الذي استَخدَم فيه الطَّويل (843) مرَّة. وفواصل التَّدْوير كلُّها كانتْ بـ"أل".
جـ- في العصر العبّاسيِّ:
مِن جُملة أبيات الطَّويل المُستخدَمة والتي كان تَعدادها (14878) بيت مِن حصيلة الإِحصائيَّة وهي (54408) بيت بأنَّ التَّدْوير (37) مرَّة، وكان الفاصل "أل" في 32 بيتًا، وأكثر مَن دوَّر مِن شُعراء الإِحصائيَّة البُحتُريُّ الذي دوَّر (27) مرَّة مِن جُملة ما استَخدَم مِن الطَّويل (3567) بيت، ولمْ يَظهَر التَّدْوير لدى مجموعة من الشِّعراء هُم: التُّهاميُّ الذي استَخدم الطَّويل (1197) مرَّة مِن مُجمَل (3429) بيت هي جُملة ديوانه، وحميد بن ثور الهِلاليُّ الذي استَخدَم الطَّويل (394) مرَّة وهو استِخدام يَصِل إلى 67% مِن كمِّ ديوانه، والرَّقّيُّ الذي استَخدَم الطَّويل (54) مرَّة، وكذلك الباهِليُّ الذي استَخدَمه (76) مرَّة.
والمُلاحَظة الوارِدة أنَّ التَّدْوير رغْم نَدْرتِه في الطَّويل، وهي ندْرة تُثبِت نأْيَ هذه الظّاهِرة عن نِظام الطَّويل ألإِيقاعيِّ، وأنَّ ما استُخدِم مِن نَماذج النَّدْرة سوف يُؤوَّل إلى تَبريرٍ نحْويٍّ دَلاليٍّ - فإنَّ نِسبة ظهوره في العصر العباسيِّ أوضَح نِسبيًّا من وجوده في العصر الأُمويِّ[3].
د- في العصر الأندلسيِّ:
ولمْ يَحدُث التَّدْوير في جُملة ما استُخدم من الطَّويل إلا مرَّةً واحدةً؛ فقدْ ورَد الطَّويل 3578 مرَّةً مِن جُملة الإِحصائية (10146) بيت لمْ يُدوِّر مِن جُملة الأبيات إلا ابنُ هانئٍ الأنْدلُسيُّ الذي قال ( ص: 310):
فثَمَّ مَصابيحُ الظَّلامِ وَشِيعَةُ الإِمامِ وأُسْدُ المأزِقِ المُتَلاحِمِ[4].
هـ- في العصر المصريِّ المملوكيِّ:
مِن جُملة (3921) بيت من الطَّويل لم يُدوَّر في الطَّويل إلا مرَّةً واحدةً لدى البوصيري حيث يقول ( ص: 279):
ومُذْ غاضَ طُوفانُ العُلومِ بِمَوتِهِ اسْتَوى الفُلْكُ في ذاكَ الضَّريحِ عَلى الجُودِيِّ[5].
و- في الشِّعر الحديث:
وفي هذا الشِّعر بَدتْ نَدرةُ استِخدام الطَّويل واضحةً، وتلك ظاهِرة يَراها المُتتبِّع لِوادي الشِّعر؛ ولعلَّ السِّرَّ في نَدرتِه أنَّ الشِّعر الحُر الذي يَحكُم جُزءًا كبيرًا مِن أواصِر هذا الفنِّ الشِّعريِّ قد ضيَّع أمر الطَّويل، أو أنَّ عدَم الجَزء في الطَّويل لم يُتحْ للشّاعر المُعاصِر المُغرَم بالمَجزوءات أنْ يَستخْدمه، ودليل النَّدرة أو القِلَّة أنَّ الطَّويل ورد (1994) مرَّة مِن جُملة الإِحصائية التي عددُها (25715) بيت، ونسبته بين البُحور لا تصل إلى 8/1 ثُمُن ما استُخدِم مِن الشِّعر العمودي، فما بال البحر في بقيَّة الاتِّجاهات التي صُدَّتْ عن استخدامه! أما عن التَّدْوير فما كان له ظهورٌ في أبيات الطَّويل في هذا العصر. ولعلَّ رسْم جدول لمسار التَّدْوير مِن خِلال إحصاءاته يُفصِح عن كثيرٍ مِن الأمورِ التي توضِّح إيقاعَ الطَّويل[6]:
وفي الجدول إفْصاحٌ عن عِدَّة أمور:
1- نَدرة التَّدْوير في الطَّويل بعامَّة.
2- كَون الفاصِل "أل" غالبًا.
3- نَدرة استِخدام الطَّويل في الشِّعر الحديث.
4- كَثرة التَّدْوير النِّسْبيَّة في العصر العباسيِّ.
أبيات مِن الطَّويل المُدوَّر في ظِل النَّحْو والمعنى والإِيقاع.
كما أدركْنا من الوصف السّابق: اتَّجهتْ نَدرة التَّدْوير في الطَّويل إلى كَون الفاصِل المُحقِّق لتمام العَروض يأتي "أل" غالبًا، وهذا مؤداه أنَّ وصْل هَمزة "أل" مَطلَب مِن الناحية الصوتيَّة الإيقاعيَّة، وأنَّ التَّعريف بـ"أل" مَطلَب دَلاليٌّ يَرومه الشَّاعِر، وأنَّ عَلاقة المُحلَّى بـ"أل" السّابِق عليه عَلاقَةُ تَضامٍّ نَحْوي؛ إضافةً إلى اعتبار "أل" كلمةً مُستقلَّةً لا تُحسَب فاصِلاً يَقسِم الكلمة إلى قِسمين. وإلى البحث جُملةٌ من الأبيات المُدوَّرة نُحاوِل قراءتها نَحويًا ودَلاليًّا:
• يقول عنترة في (ص: 21):
فالقطْع الإِنْشاديُّ هُنا لا مَطلَب له لِبيان وقْفة العَروض؛ لأنَّ الاتصال يوجب أنَّ الخبر المُقدَّم "عليهم" وثيقُ الصِّلة إنشاديًّا بالمُبتدَأ المُتأخِّر. وقد كانَ بالإِمْكانِ افْتراض تَصوُّر التَّنكير لكَلمة "الحديد"، وهذا لا يُناقِض وَزنًا إذا ما جوَّزْنا إشباع الضَّمير "هُمْ" في كَلمة عليهم وبذلك تَكون وقْفة العَروض واضِحةً؛ لكنَّ الدَّلالة التي يَتكثَّف مِن خِلالها وصْف الرِّجال المُدجَّجين بالسَّلاح تَقتضي تعريفَ الحديد، ولعلَّ جنسية أل هنا جعلتْ الشمولَ سمةَ الحديد، فالمقصود به ما استُخدم في الحرب مِن كلِّ أنواع السِّلاح.
• يقول الفَرزْدق (1/ 414):
لو كان للثُّريَّا أنْ تُطلَق مُنكَّرةً دون تَحديد، لكان الإِحْساس بسكْتة العَروض وارِدًا؛ بَيدَ أنَّ التَّعريف في البيت مَطلب دَلاليٌّ. فالعهد بالثُّريا قائِم فهي نَجم في السَّماء يَرومه الشِّعراء.
• ويقولُ الفَرزْدقُ (383 /1):
ما كانَ مفعولاً أن يُوقَف على الفِعل عَروضًا، والفاعل قرين بداية الشَّطر الثاني مباشرةً، فالإِنشادُ يَسمح بالوصلةِ التي حقَّقتِ التَّدْوير، والفاصل حِين جاء "أل" بانتْ حتميتُه مِن خلال تتابُعِ الجُمَل الفِعليَّة في البيت مرتبطةً بفاعلٍ محليٍّ أيضًا، فالحديث عن فاعلٍ معهودٍ بَانَ في جملتين متصلتين هما: كُره الشغبُ - وطوط الضِّعافُ؛ ومِن هنا فالتَّدْوير مطلبٌ نحْويٌّ دَلاليٌّ، يُضاف إلى ذلك أنَّ البيتَ السابقَ رغم تعدُّدِ جُمله الداخليَّة، فإنَّها تمثِّل أمرًا واحدًا هو جُملة الشَّرْط التي يجب تمامُها حتَّى تتَّضح؛ فالوصلةُ النُّطقية أضْحَتْ مطلبًا، وقد تأكَّد ذلك في طلبِ الجوابِ المنوطِ بالبيتِ الثاني الذي يقول:
يتبع
أ. د. أحمد كشك |
التدوير في الشعر.. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (9)
أ- في الجاهلي:
مِن جُملة إحصائيَّة الفترة استُخدم الطَّويل 2296 مرَّةً أي بيت، حيث جاءتْ نِسبته مِن جُملة الأبيات المُستخدَمة في كلِّ البُحور 25% تَقريبًا[1]، هذا الكمُّ المُستَخدَم من الطَّويل لم نَلمَح فيه أثرًا للتَدْوير؛ اللَّهم إلا في بيت واحد من أبيات عنترة دوَّر فيه مِن جُملة 404 بيت استخدمها عنترة في الطَّويل. والبيت المُدوَّر هو:
وَسَارَتْ رِجَالٌ نَحْوَ أُخْرَى عَلَيْهِمُ الْ ![]() حَديدُ كَمَا تَمْشِي الْجِمَالُ الدَّوالِجُ ![]() |
والبيت يؤكِّد قضيَّةً سابقةً حدَسْنا بها وهي أنَّ الإِشباع يَقطع التَّدْوير؛ لأنَّ الضَّمير "هِمُ" مِن قوله "عَلَيْهِمُ" لو أُشبِعتْ حركةُ ميمِهِ ما أصبح للتَدْوير مقام.
ب- في الأُمويِّ:
وقد اكتملتْ إحصائيَّة هذه الفترة مِن خِلال أربعة أعلام منهم ثلاثة يوضَعون في إطار واحد حيث جَمعهم طريقٌ أدبيٌّ اشتُهروا به هو النقائض الذي كان مِن أثره أنْ أضْحتْ مُعظَم الظَّواهر الإيقاعيَّة لديهم مُتشابِهةً؛ فالمُناقَضَة كانتْ تُلزمهم ثَبات الإِيقاع في كثير مِن قصائدهم، ومِن ثَمَّ تشابَه إحساسهم في الاعتماد على بعض البُحور، وكاد أن يتَّفق تمامًا في المُعارَضات. هؤلاء الثلاثة هم جَرير والأخْطَل والفَرزْدق، أما الأخير وهو عُمر بنُ أبي رَبيعة فكان مَذاقًا مُختلِفًا عنهم؛ وليس أدلَّ على ذلك مِن خُصوص مُعظَم ما قال بفنِّ الغزَل الذي برَع فيه بَراعةً خاصَّةً في الشِّعر العربيِّ حتَّى أصبح رائدًا وعلمًا موجِّهًا له حتَّى العصر الحديث؛ ومِن هُنا اختلفتْ تشكيلاته الإيقاعيَّة واستخدامه للبحور عن الشِّعراء الموجودين معه في الإحصائية اختلافًا ما.
وقد استُخدم الطَّويل في هذه الفترة بنسبةٍ وصلتْ إلى 45% تقريبًا، وكان للفَرزْدق الشأْوُ الكبير في استخدام هذا البحر؛ فجُملة ما استَخدم مِن أبيات للطَّويل "4927" بيت مِن جُملة ديوانه البالغ "7217" بيت، ونسْبة الطَّويل لديه حوالي 68% تقريبًا؛ ومِن ثمَّ فدِراسَة الطَّويل لديه تُفصِح عن المَظاهِر الإيقاعيَّة المتَّصلة بهذا البحْر[2].
وقدْ بانَ التَّدْوير مِن جُملة ما استُخدِم في هذه الفترة اثنتي عشرةَ مرَّةً من (9971) بيت، سبعة منها بانتْ في شِعر عُمر بنِ أبي رَبيعة وحده مِن ديوانه الذي استَخدَم فيه الطَّويل (843) مرَّة. وفواصل التَّدْوير كلُّها كانتْ بـ"أل".
جـ- في العصر العبّاسيِّ:
مِن جُملة أبيات الطَّويل المُستخدَمة والتي كان تَعدادها (14878) بيت مِن حصيلة الإِحصائيَّة وهي (54408) بيت بأنَّ التَّدْوير (37) مرَّة، وكان الفاصل "أل" في 32 بيتًا، وأكثر مَن دوَّر مِن شُعراء الإِحصائيَّة البُحتُريُّ الذي دوَّر (27) مرَّة مِن جُملة ما استَخدَم مِن الطَّويل (3567) بيت، ولمْ يَظهَر التَّدْوير لدى مجموعة من الشِّعراء هُم: التُّهاميُّ الذي استَخدم الطَّويل (1197) مرَّة مِن مُجمَل (3429) بيت هي جُملة ديوانه، وحميد بن ثور الهِلاليُّ الذي استَخدَم الطَّويل (394) مرَّة وهو استِخدام يَصِل إلى 67% مِن كمِّ ديوانه، والرَّقّيُّ الذي استَخدَم الطَّويل (54) مرَّة، وكذلك الباهِليُّ الذي استَخدَمه (76) مرَّة.
والمُلاحَظة الوارِدة أنَّ التَّدْوير رغْم نَدْرتِه في الطَّويل، وهي ندْرة تُثبِت نأْيَ هذه الظّاهِرة عن نِظام الطَّويل ألإِيقاعيِّ، وأنَّ ما استُخدِم مِن نَماذج النَّدْرة سوف يُؤوَّل إلى تَبريرٍ نحْويٍّ دَلاليٍّ - فإنَّ نِسبة ظهوره في العصر العباسيِّ أوضَح نِسبيًّا من وجوده في العصر الأُمويِّ[3].
د- في العصر الأندلسيِّ:
ولمْ يَحدُث التَّدْوير في جُملة ما استُخدم من الطَّويل إلا مرَّةً واحدةً؛ فقدْ ورَد الطَّويل 3578 مرَّةً مِن جُملة الإِحصائية (10146) بيت لمْ يُدوِّر مِن جُملة الأبيات إلا ابنُ هانئٍ الأنْدلُسيُّ الذي قال ( ص: 310):
فثَمَّ مَصابيحُ الظَّلامِ وَشِيعَةُ الإِمامِ وأُسْدُ المأزِقِ المُتَلاحِمِ[4].
هـ- في العصر المصريِّ المملوكيِّ:
مِن جُملة (3921) بيت من الطَّويل لم يُدوَّر في الطَّويل إلا مرَّةً واحدةً لدى البوصيري حيث يقول ( ص: 279):
ومُذْ غاضَ طُوفانُ العُلومِ بِمَوتِهِ اسْتَوى الفُلْكُ في ذاكَ الضَّريحِ عَلى الجُودِيِّ[5].
و- في الشِّعر الحديث:
وفي هذا الشِّعر بَدتْ نَدرةُ استِخدام الطَّويل واضحةً، وتلك ظاهِرة يَراها المُتتبِّع لِوادي الشِّعر؛ ولعلَّ السِّرَّ في نَدرتِه أنَّ الشِّعر الحُر الذي يَحكُم جُزءًا كبيرًا مِن أواصِر هذا الفنِّ الشِّعريِّ قد ضيَّع أمر الطَّويل، أو أنَّ عدَم الجَزء في الطَّويل لم يُتحْ للشّاعر المُعاصِر المُغرَم بالمَجزوءات أنْ يَستخْدمه، ودليل النَّدرة أو القِلَّة أنَّ الطَّويل ورد (1994) مرَّة مِن جُملة الإِحصائية التي عددُها (25715) بيت، ونسبته بين البُحور لا تصل إلى 8/1 ثُمُن ما استُخدِم مِن الشِّعر العمودي، فما بال البحر في بقيَّة الاتِّجاهات التي صُدَّتْ عن استخدامه! أما عن التَّدْوير فما كان له ظهورٌ في أبيات الطَّويل في هذا العصر. ولعلَّ رسْم جدول لمسار التَّدْوير مِن خِلال إحصاءاته يُفصِح عن كثيرٍ مِن الأمورِ التي توضِّح إيقاعَ الطَّويل[6]:
العصر |
عدد أبيات الطَّويل |
عدد التَّدْوير |
توزيع التَّدْوير على أساس الأصوات الفاصله |
|||
أل |
ص |
م |
ل |
|||
الجاهلي |
2296 |
1 |
1 |
|||
الأموي |
9971 |
12 |
12 |
|||
العباسي |
14878 |
37 |
34 |
2 |
1 |
|
الأندلسي |
3578 |
1 |
1 |
|||
المصري المملوكي |
3921 |
1 |
1 |
|||
الحديث |
1994 |
ــ |
||||
المجموع العام |
36638 |
52 |
48 |
3 |
1 |
وفي الجدول إفْصاحٌ عن عِدَّة أمور:
1- نَدرة التَّدْوير في الطَّويل بعامَّة.
2- كَون الفاصِل "أل" غالبًا.
3- نَدرة استِخدام الطَّويل في الشِّعر الحديث.
4- كَثرة التَّدْوير النِّسْبيَّة في العصر العباسيِّ.
أبيات مِن الطَّويل المُدوَّر في ظِل النَّحْو والمعنى والإِيقاع.
كما أدركْنا من الوصف السّابق: اتَّجهتْ نَدرة التَّدْوير في الطَّويل إلى كَون الفاصِل المُحقِّق لتمام العَروض يأتي "أل" غالبًا، وهذا مؤداه أنَّ وصْل هَمزة "أل" مَطلَب مِن الناحية الصوتيَّة الإيقاعيَّة، وأنَّ التَّعريف بـ"أل" مَطلَب دَلاليٌّ يَرومه الشَّاعِر، وأنَّ عَلاقة المُحلَّى بـ"أل" السّابِق عليه عَلاقَةُ تَضامٍّ نَحْوي؛ إضافةً إلى اعتبار "أل" كلمةً مُستقلَّةً لا تُحسَب فاصِلاً يَقسِم الكلمة إلى قِسمين. وإلى البحث جُملةٌ من الأبيات المُدوَّرة نُحاوِل قراءتها نَحويًا ودَلاليًّا:
• يقول عنترة في (ص: 21):
وَسَارَتْ رِجَالٌ نَحْوَ أُخْرَى عَلَيْهِمُ الْ ![]() حَديدُ كَمَا تَمْشِي الْجِمَالُ الدَّوالِجُ ![]() |
فالقطْع الإِنْشاديُّ هُنا لا مَطلَب له لِبيان وقْفة العَروض؛ لأنَّ الاتصال يوجب أنَّ الخبر المُقدَّم "عليهم" وثيقُ الصِّلة إنشاديًّا بالمُبتدَأ المُتأخِّر. وقد كانَ بالإِمْكانِ افْتراض تَصوُّر التَّنكير لكَلمة "الحديد"، وهذا لا يُناقِض وَزنًا إذا ما جوَّزْنا إشباع الضَّمير "هُمْ" في كَلمة عليهم وبذلك تَكون وقْفة العَروض واضِحةً؛ لكنَّ الدَّلالة التي يَتكثَّف مِن خِلالها وصْف الرِّجال المُدجَّجين بالسَّلاح تَقتضي تعريفَ الحديد، ولعلَّ جنسية أل هنا جعلتْ الشمولَ سمةَ الحديد، فالمقصود به ما استُخدم في الحرب مِن كلِّ أنواع السِّلاح.
• يقول الفَرزْدق (1/ 414):
لَقَدْ لاحَ وَسْمٌ مِنْ غَوَاشٍ كَأنَّها الثْ ![]() ثُرَيَّا تَجَلَّتْ مِنْ غُيُومٍ نُجُومُهَا ![]() |
لو كان للثُّريَّا أنْ تُطلَق مُنكَّرةً دون تَحديد، لكان الإِحْساس بسكْتة العَروض وارِدًا؛ بَيدَ أنَّ التَّعريف في البيت مَطلب دَلاليٌّ. فالعهد بالثُّريا قائِم فهي نَجم في السَّماء يَرومه الشِّعراء.
• ويقولُ الفَرزْدقُ (383 /1):
إِذَا كَرِهَ الشَّغَبُ الشِّقَاقَ وَوَطوَطَ الضْ ![]() ضِعافُ وَكَانَ الْأَمْرُ جِدَّ بِرَازِ ![]() |
ما كانَ مفعولاً أن يُوقَف على الفِعل عَروضًا، والفاعل قرين بداية الشَّطر الثاني مباشرةً، فالإِنشادُ يَسمح بالوصلةِ التي حقَّقتِ التَّدْوير، والفاصل حِين جاء "أل" بانتْ حتميتُه مِن خلال تتابُعِ الجُمَل الفِعليَّة في البيت مرتبطةً بفاعلٍ محليٍّ أيضًا، فالحديث عن فاعلٍ معهودٍ بَانَ في جملتين متصلتين هما: كُره الشغبُ - وطوط الضِّعافُ؛ ومِن هنا فالتَّدْوير مطلبٌ نحْويٌّ دَلاليٌّ، يُضاف إلى ذلك أنَّ البيتَ السابقَ رغم تعدُّدِ جُمله الداخليَّة، فإنَّها تمثِّل أمرًا واحدًا هو جُملة الشَّرْط التي يجب تمامُها حتَّى تتَّضح؛ فالوصلةُ النُّطقية أضْحَتْ مطلبًا، وقد تأكَّد ذلك في طلبِ الجوابِ المنوطِ بالبيتِ الثاني الذي يقول:
أَمِنْتَ إِذَا خَالَطْتَ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ ![]() بِحَبْلِ بَنِي الجَوَّالِ رَهْطِ أَرَازِ ![]() |
يتبع