اصمت فالصمت فضيلة
د. زهرة وهيب خدرج
اصمُتْ.. اصمت لا تتكلَّم!
اصمت، احفَظْ نفسك، أَبْقِ عليك حريتَك وما تبقَّى من أيام عمرك؛ ففي هذا الزمانِ الكلامُ ممنوع، بل جريمة لا توازيها جريمة، اقتُل، اسرق، اغتصب، تحرَّش، بِعْ بلادَك كما تشاء ولمن تشاء، لا يهمُّ؛ فهذه ليست جرائمَ، ربما تُسجن فترة قصيرة وقد لا تُسجن نهائيًّا، بل ربما لن يدري عنك أحد، فمن يعبأ بما فعلت ودمَّرت؟! المهم هو أن تحذَرَ جريمة الكلام، وتبتعد عنها بُعد المرِّيخ عن الأرض، فحذار أن تقول أو تكتب كلمةً تُسيء فيها لأحد الكبار، أما إن سألت: من هم الكبار؟ فلأريحك أقول لك: قد يكون الكبير مُعلِّمَك أو مديرك، وقد يكون رئيسك، وربما هو المسؤول عنك، وربما هو من يتقلَّد أمرك، فهو ولي نعمتك، وهو من يحدِّد مستقبلك، ويرسم شكل يومك، ويعبَث بماضيك، الكبيرُ من لا تستطيع الوقوف أمامه، ولا تقدر على رفع نظرك فيه؛ فهو من يَمتلك زمام حياتك، بيده إصدار جميع القرارات التي تخصُّك، أليس هو لينوب عنك ويتصرف بك كما يشاء؟ ألست أحد ممتلكاته؟!
في أيامنا هذه هل مِن قنبلة أخطر وجريمة أكبر من الكلمة؟ منذ ولادتك - أقصد قبل خروجك من بطن أمك - مطلوب منك أن تلتزم بسيدة الفضائل (الصمت)، ممنوع أن تنطق بما يدور في عقلك، وممنوع أن تُعبِّر عن مشاعرك.
داخِلَ نفسك، قل ما شئت، اصرخ وعارِض كما أردت، ولكن انتبه: كل ذلك بصمت! حذار أن يسمعك أحد! فالويل كل الويل إن أصبح لفكرك صوت، ويا ويحَكَ إن سوَّلت لك نفسك بالبوح، احذر فالنتائج حتمًا ستكون مُرةً وخطيرة، وتذكَّرْ أن الصمت هو مفتاح النَّجاة.
تذكَّر النصائح الذهبية الآتية، واجعلها لحياتك محورًا، ولمسيرك ديدنًا، انتبه لها وطبِّقها حتى تعيش بسلام وأمان:
• أَلْغِ كلمة (لا) من مفرداتك، وحدِّد استعمالها بِــ "لا إله إلا الله".
• كن دائمًا في الوسط، لا تحدِّد لك موقفًا أو مبدأً أو حتى لونًا، حاول أن تكون دائمًا رماديًّا.
• كن كما يريدك الآخَرون حتى في أتفه الأمور.
• ألْغِ عقلَكَ ولا تفكِّر فيما يحدُث حولك؛ فهو لا يخصُّك، ما يعنيك فقط هي شؤونك.
• اقبَلْ كل ما يُعرَض عليك، وأبدِ إعجابك به، لا تُناقش، ولا تُعارض، ولا تقل: لا يُعجبني.
• أطع من عَلاك طاعةً عمياء، فكل ما يصدر عنه فهو صواب لا يقبل الخطأ، بل هو الصواب والعقل بعينهما، فكيف لا تطيعه إذًا؟!
وقبل أن أنهي كلامي أوَدُّ أن أحكي لكم عن دكتور متخصِّص في العلوم السياسية يُحاضر في طلبة العلوم السياسية في الجامعة، هذا الأستاذ سوَّلت له نفسه أن يخرج على الصمت، ويتمرَّد عليه، ربما لطبيعة التخصص الذي يَحمله، فأخذ يتكلَّم، ويعلي صوته، ويناقش، ويورد الأدلة، ويكتب وينشر ما يؤكِّد على صحة فكرته، وفي يوم عاصف اشتعلت النار بسيارته وترَكتْها أثرًا بعد عين، وفي مرة أخرى فُتحت النار على بيته ليلًا حتى ظنَّ أنه في قلب معركة هو فيها أعزل إلا من كلماته "طويلة اللسان"، ولم يلبث بعدها إلا قليلًا، فأُحرق مكتبه الذي يضم وثائق شتى لها من الأهمية ما يصنِّفها في قائمة "الخطيرة جدًّا"، وفي كل مرة كانت القضايا تُحال للتحقيق، إلا أن الملف كان يُغلق ويُقيَّد ضد مجهول، بعد أن تُعرِبَ النيابة عن عجزها عن إيجاد الفاعل، ولكن الأستاذ لم يتَّعظ، وتابَعَ ما هو عليه، وفي ذات ليلة ظلماء بكماء عمياء، انطلقت رصاصات مجهولة أصابته في مقتل عندما كان في طريقه لبيته، فأخرسَت لسانَه وقلمه إلى الأبد، وأغرقته في عالم الصمت رغم أنفه، ولم يكن هناك شهود أو أدلة تشير إلى حقيقة ما جرى؛ أليس الصمت فضيلة وحفاظًا على الحياة إذًا؟!
د. زهرة وهيب خدرج
اصمُتْ.. اصمت لا تتكلَّم!
اصمت، احفَظْ نفسك، أَبْقِ عليك حريتَك وما تبقَّى من أيام عمرك؛ ففي هذا الزمانِ الكلامُ ممنوع، بل جريمة لا توازيها جريمة، اقتُل، اسرق، اغتصب، تحرَّش، بِعْ بلادَك كما تشاء ولمن تشاء، لا يهمُّ؛ فهذه ليست جرائمَ، ربما تُسجن فترة قصيرة وقد لا تُسجن نهائيًّا، بل ربما لن يدري عنك أحد، فمن يعبأ بما فعلت ودمَّرت؟! المهم هو أن تحذَرَ جريمة الكلام، وتبتعد عنها بُعد المرِّيخ عن الأرض، فحذار أن تقول أو تكتب كلمةً تُسيء فيها لأحد الكبار، أما إن سألت: من هم الكبار؟ فلأريحك أقول لك: قد يكون الكبير مُعلِّمَك أو مديرك، وقد يكون رئيسك، وربما هو المسؤول عنك، وربما هو من يتقلَّد أمرك، فهو ولي نعمتك، وهو من يحدِّد مستقبلك، ويرسم شكل يومك، ويعبَث بماضيك، الكبيرُ من لا تستطيع الوقوف أمامه، ولا تقدر على رفع نظرك فيه؛ فهو من يَمتلك زمام حياتك، بيده إصدار جميع القرارات التي تخصُّك، أليس هو لينوب عنك ويتصرف بك كما يشاء؟ ألست أحد ممتلكاته؟!
في أيامنا هذه هل مِن قنبلة أخطر وجريمة أكبر من الكلمة؟ منذ ولادتك - أقصد قبل خروجك من بطن أمك - مطلوب منك أن تلتزم بسيدة الفضائل (الصمت)، ممنوع أن تنطق بما يدور في عقلك، وممنوع أن تُعبِّر عن مشاعرك.
داخِلَ نفسك، قل ما شئت، اصرخ وعارِض كما أردت، ولكن انتبه: كل ذلك بصمت! حذار أن يسمعك أحد! فالويل كل الويل إن أصبح لفكرك صوت، ويا ويحَكَ إن سوَّلت لك نفسك بالبوح، احذر فالنتائج حتمًا ستكون مُرةً وخطيرة، وتذكَّرْ أن الصمت هو مفتاح النَّجاة.
تذكَّر النصائح الذهبية الآتية، واجعلها لحياتك محورًا، ولمسيرك ديدنًا، انتبه لها وطبِّقها حتى تعيش بسلام وأمان:
• أَلْغِ كلمة (لا) من مفرداتك، وحدِّد استعمالها بِــ "لا إله إلا الله".
• كن دائمًا في الوسط، لا تحدِّد لك موقفًا أو مبدأً أو حتى لونًا، حاول أن تكون دائمًا رماديًّا.
• كن كما يريدك الآخَرون حتى في أتفه الأمور.
• ألْغِ عقلَكَ ولا تفكِّر فيما يحدُث حولك؛ فهو لا يخصُّك، ما يعنيك فقط هي شؤونك.
• اقبَلْ كل ما يُعرَض عليك، وأبدِ إعجابك به، لا تُناقش، ولا تُعارض، ولا تقل: لا يُعجبني.
• أطع من عَلاك طاعةً عمياء، فكل ما يصدر عنه فهو صواب لا يقبل الخطأ، بل هو الصواب والعقل بعينهما، فكيف لا تطيعه إذًا؟!
وقبل أن أنهي كلامي أوَدُّ أن أحكي لكم عن دكتور متخصِّص في العلوم السياسية يُحاضر في طلبة العلوم السياسية في الجامعة، هذا الأستاذ سوَّلت له نفسه أن يخرج على الصمت، ويتمرَّد عليه، ربما لطبيعة التخصص الذي يَحمله، فأخذ يتكلَّم، ويعلي صوته، ويناقش، ويورد الأدلة، ويكتب وينشر ما يؤكِّد على صحة فكرته، وفي يوم عاصف اشتعلت النار بسيارته وترَكتْها أثرًا بعد عين، وفي مرة أخرى فُتحت النار على بيته ليلًا حتى ظنَّ أنه في قلب معركة هو فيها أعزل إلا من كلماته "طويلة اللسان"، ولم يلبث بعدها إلا قليلًا، فأُحرق مكتبه الذي يضم وثائق شتى لها من الأهمية ما يصنِّفها في قائمة "الخطيرة جدًّا"، وفي كل مرة كانت القضايا تُحال للتحقيق، إلا أن الملف كان يُغلق ويُقيَّد ضد مجهول، بعد أن تُعرِبَ النيابة عن عجزها عن إيجاد الفاعل، ولكن الأستاذ لم يتَّعظ، وتابَعَ ما هو عليه، وفي ذات ليلة ظلماء بكماء عمياء، انطلقت رصاصات مجهولة أصابته في مقتل عندما كان في طريقه لبيته، فأخرسَت لسانَه وقلمه إلى الأبد، وأغرقته في عالم الصمت رغم أنفه، ولم يكن هناك شهود أو أدلة تشير إلى حقيقة ما جرى؛ أليس الصمت فضيلة وحفاظًا على الحياة إذًا؟!