Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

صلاح الأبناء واستقامتهم

$
0
0
صلاح الأبناء واستقامتهم
د. شريف فوزي سلطان



الولد الصالح هو خير كنز يحصل عليه الأبوان في حياتهما، وخير كنز يتركانه بعد مماتهما، أما في حياتهما فهذا أمر ملاحظ، فكل إنسان مهما ساء فِكرُه ومهما ضعفت استقامته، يتمنى لو رُزِق ولدًا صالحًا يُبرُّه ويعبد ربَّه؛ لذلك قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].




قال ابن عباس: يعنون بذلك من يعمل بالطاعة، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة.

وقال الحسن البصري: "لا والله، ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدًا أو ولد ولدٍ، أو أخًا أو حميمًا مطيعًا لله".

وأما بعد مماتهما، فهو كذلك نافع لهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)؛ رواه مسلم وغيره.



الطريق إلى الولد الصالح:

1- اختيار الأم:

فعلى من رام الولد الصالح أن يختار له أُمًّا مؤمنة، تعرف حق ربِّها وحق زوجها وحق ولدها، وتعرف كيف تربِّي ولدها؛ لأنها هي المدرسة الأولى التي يتخرج منها هذا الولد.



الأم مدرسةُ إذا أعددتها

أعددتَ شَعبًا طيبَ الأعراقِ


الأم أستاذ الأساتذة الأُلي

شغلتْ مآثِرُهم مدى الآفاقِ





رُوي أن أبا الأسود الدؤلي قال لبنيه: "يا بَنيَّ، قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تُولدوا! قالوا: كيف أحسنت إلينا قبل أن نُولَد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات مَن لا تُسَبُّون بها".

وشكا رجل لصديقه عقوقَ ولده وسوءَ معاملته، ودناءةَ طبعه، فقال: لا تَلُمْ أحدًا، ولكن توجَّه باللوم على نفسك؛ لأنك لم تتخير أُمَّه".




وقديمًا قال الناس: "كادت المرأة أن تلد أخاها"، "فخلف كل عظيم أُمٌّ".




فلا تكاد ترى عظيمًا إلا وهو ينزع بعِرقه وخلقه إلى أمٍّ عظيمة، فمعاوية بن أبي سفيان أديب العرب وَرِث عن هند بنت عتبة ما لم يرث عن أبي سفيان، وهي القائلة وقد قيل لها - ومعاوية وليدُ بين يديها -: إن عاش معاوية ساد قومَه:

"ثكلته أمه إن لم يَسُدْ إلا قومه"، وكان معاوية إذا نوقِش في الفخر بالمقدرة والمباهاة بالرأي، انتسب إلى أمه، فصدَّع أسماع خَصمِه بقوله: "أنا الذي ربَّتني هند".




وعمر بن عبدالعزيز: أروع الملوك وأعدلهم وأجلُّهم، أمه أُم عاصم بنت عاصم بنت عمر بن الخطاب، وأمها هي التي اتخذها عمر بن الخطاب لابنه عاصم، وقد سمعها تقول لأمها: لا تخلطي اللبن بالماء؛ إن كان عمر لا يرانا، فإن الله يرانا.




سفيان الثوري: وما أدراك ما سفيان؟ فقيه العرب ومُحدثهم، هذا الإمام العلَم، ثمرة أم صالحة حفِظ التاريخ لنا مآثرها ومكانتها وفضائلها، وإن كان قد ضَنَّ علينا باسمها، فهي التي تقول له: "يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، فكانت تعمل وتقدِّم له؛ ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوَّله بالموعظة والنصيحة".




قالت له ذات مرة كما يَروي الإمام أحمد: يا بني، إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر هل ترى نفسك من زيادة في خشية وحلم ووقار، فإن لم ترَ ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك.




فلا غرابة أن نرى سفيان يتبوَّأ منصب الإمامة في الدين، وقد ترعرع في كنف هذه الأم الرحيمة، وتغذَّى بلِبان هذه الناصحة التقية؟!

وهذه الأمثلة الثلاثة قطر من سَيل لا يَنفَد من أولئك العظماء الذين ربَّتهم أمهاتهم، لذلك لَما سئل عمر بن الخطاب: ما حق الولد على والده؟ فقال: "أن يختار أُمَّه، ويُحسن اسمه، ويُعلمَه القرآن".




2- الدعاء:

فالمسلم عليه أن يدعوَ الله عز وجل أن يرزقه الولد الصالح الذي تقَرُّ به عينه، فينفعه في حياته وبعد مماته؛ والله عز وجل يقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].



3- أذكار الجماع:

ففي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (لو أن أحدكم إذا أتى أهله، قال: "بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا، فَقُضِي بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبدًا"؛ أي: لم يضره في دينه وبدنه كما يضُرُّ غيره، فلا يلزم من ذلك عصمة الولد، ولكن لا يُفعَل به كما يُفعَل بغيره.



4- التأذين في أُذنه:

ليكون أول ما يَقرع سمعه كلماتُ التوحيد وشعار الإسلام، فلذلك الأثر الكبير على قلب الولد وإن لم يشعر به أحد، فإن الشيطان - وقد ترصَّد له عند ولادته - يهرب من هذه الكلمات، فقد أذَّن النبي صلى الله عليه وسلم في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رضي الله عنها؛ رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني بشواهده؛ كما في الإرواء.



5- العقيقة:

ففي البخاري قال عليه الصلاة والسلام: (مع الغلام عقيقة، فأَهريقوا عنه دمًا، وأَميطوا عنه الأذى)، فهي كالقربان والشكر لله تعالى على نِعمة الولد، وفي قوله: (وأَميطوا عنه الأذى)؛ أي: إنها تُزيل الأذى والضرر الذي يتعرض له الولد.

وفي الحديث: (كل غلام مرتهن بعقيقته، تُذبح عنه يوم سابعه، ويُسمى فيه، ويُحلق رأسه)؛رواه أهل السنن، وسنده صحيح.

فمن فوائدها أنه يُفَكُّ بها رهان المولود، وإن كان الارتهان غير مفسر في الحديث، غير أننا نقول: الرهن هو الحبس، فقيل: محبوس للشيطان، وقيل: محبوس عن الشفاعة لوالديه.




6- التربية الإسلامية المتكاملة:

والمقصود بالتربية الإسلامية: ربط الولد منذ تعقُّله بالله وبأصول الإيمان، ومبادئ الإسلام، والحلال والحرام، وحب الله ورسوله، والمراقبة، فقد كان المسلمون الأوائل ينتقون أفضل المؤدبين علمًا وأميزهم أسلوبًا لأولادهم؛ قال عبدالملك بن مروان لمؤدب ولده: "علِّمهم الصدق كما تعلِّمهم القرآن، واحمِلهم على الأخلاق الجميلة...".




لما دفع هارون الرشيد ولده الأمين إلى المؤدب، قال له: "إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، أقرئه القرآن وعلِّمه السُّنن، وقَوِّه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباها فعليك بالشدة والغلظة...".




هذه العناية وهذه التربية واجبة، ففي البخاري قال عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد يَسترعيه الله رعية، فلم يُحطها بنُصحه، إلا لم يَرَحْ رائحة الجنة".




وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "أدِّب ولدك فإنك مسؤول عنه: ماذا أدَّبته؟ وماذا علَّمته؟ وهو مسؤول عن برِّك وطواعيته لك".

وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن تعليم الولد الخلق الحسنَ أفضل من كل عطاء، فقال: (ما نَحَل والدُ ولدًا أفضل من أدب حسنٍ)؛ رواه الترمذي، وضعَّفه الألباني.




أما تربية البنات فهي حجاب عن النار، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ثلاث بنات؛ يُؤْوِيهِنَّ، ويَكفيهنَّ، ويَرحمهنَّ، فقد وجبَت له الجنة، فقال رجل من بعض القوم: وثِنْتين يا رسول الله؟ قال: وثِنْتين).




النصيحة:

إذا كنت من السابقين وانتهوا، اجتهد في إصلاح زوجتك وولدك، واعمل بهذه الوصايا.

وإن لم يَسبق لك بعدُ، فاختَر أُمًّا لولدك، واعمل بالوصايا المذكورة.




Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles