سلبيات أفرزها انفلات حرية الإعلام
أ. عاهد الخطيب
أنهى انتشار البث الفضائي والإنترنت منذ منتصف تسعينيَّات القرن الماضي حقبةً زمنية طويلة من احتكار الجهات الرسمية في كثير من دول العالم - ومن ضمنها عالمنا العربي - لوسائل الإعلام المختلفة، وصار بوسع الفرد الوصولُ لمئات القنوات العربية والأجنبية لمشاهدة ما يرغب فيه من برامج في كلِّ المجالات؛ ممَّا دفع وسائلَ الإعلام الحكومية إلى إجراء تغييرات جوهرية لتعزيز مصداقيتها في كافة برامجها، ولا سيما تلك المتعلقة بالجانب الإخباري؛ لاستعادة ما فقدَتْه من جمهورها من المتابعين ولو بشكل جزئي، ولمسنا نقلةً نوعية في البرامج المباشرة التي يتم فيها استضافة مسؤولين رسميين، وفتح المجال أمام مقدِّمي البرامج والجمهور للحوار معهم بشفافية لم نَعْتَدْها من قبل، ووُضع كثير مما كان محظورًا في السابق تحت دائرة الضوء، للانطلاق قُدمًا في بناء مجتمعات يسُود فيها العدل بين الجميع، من خلال رفع الظلم وفضح الفساد، وصب هذا التجديدُ بطبيعة الحال في خدمة المصلحة العامة.
إلَّا أن هذا الانفتاح الزائد الذي يصل حدَّ الانفلات عند البعض بما حمله من إيجابيات عديدة في قطاعي الإعلام الرسمي والمستقل - نتج عنه أيضًا سلبيَّات كثيرة، خصوصًا في بعض قنوات القطاع الخاص، أبرزها الجرأة الزائدة على طرح قضايا حساسة في الجانب الأخلاقي بدون ضوابط ولا مراعاة لمشاعر الجمهور العربي المحافِظ؛ فبعض هذه البرامج تخطَّت كثيرًا من الحدود بعرضها مَشاهدَ وحوارات مع أناس لم يَكن يخطر ببالنا يومًا أن نراها على الشاشات، وسمحت للمتَّصلين أيًّا كانوا ليقولوا على الهواء ما يشاؤون من بذيء الكلام الذي يخدش الحياء.
وتقوم قنوات أخرى بتنظيم لقاءات ساخِنة بين فرقاء مختلفين في وجهات النَّظر حول قضايا سياسية واجتماعية يشارك فيها مقدِّمو البرامج ويساهِمون في تأجيج الوضع بين الضيوف؛ حتى تخرج الأمور عن السيطرة، ويلتهب الحوار، ويبدأ تبادل السباب والشتائم بين الأطراف، وقد يتطوَّر الأمر لحدِّ قيام أحدهم برشق الآخر بما تطوله يدُه مما وجد على طاولة الحوار، وأحيانًا ينتقل الجدال من تبادل للكَلِمات إلى تبادل للَّكمات بين الضيوف؛ مما يضطر مقدِّم البرنامج والعاملين في الأستوديو للتدخُّل لفضِّ الاشتباك، وقد يرى الجمهور أجزاء ممَّا يجري قبل أن يقطع البث المباشر عن هذه المشاهد المحزنة، التي لا تسر عدوًّا ولا صديقًا.
في المشهد الإعلامي الجديد أصبح سقف الحريات لا حدود له في بعض القنوات لِمن يتطاول على الدِّين والثوابت بحجَّة حرية الرأي؛ كمثل هذا المفكِّر والباحث في التراث الذي يرى أنَّ المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الآية الأولى من سورة الإسراء إنَّما هو مسجد آخر قريبًا من مكَّة المكرمة شرقًا على طريق الطائف، ويسوق أدلَّةً وبراهينَ على تفسيره الجديد للآية الكريمة، الذي يعارض ويناقض كلامَ كل مَن سبقوه من عهد النبوة إلى يومنا هذا.
ولا يفوتنا أن نذكر أن معظم فضائياتنا - ومنها تلك التي تحتل الصَّدارة باستحواذها على نسب عالية من المشاهدة - ما عادت تَكترث لتمرير مَشاهدَ محرَّمةٍ ومخلَّة بالآداب كما كان يفعل بعضها من قبل بحذف بعض المشاهد السيئة، وكأنه يراد بالمُشاهِد أن يعتاد الأمر ويعُدَّه من المسلَّمات.
أ. عاهد الخطيب
أنهى انتشار البث الفضائي والإنترنت منذ منتصف تسعينيَّات القرن الماضي حقبةً زمنية طويلة من احتكار الجهات الرسمية في كثير من دول العالم - ومن ضمنها عالمنا العربي - لوسائل الإعلام المختلفة، وصار بوسع الفرد الوصولُ لمئات القنوات العربية والأجنبية لمشاهدة ما يرغب فيه من برامج في كلِّ المجالات؛ ممَّا دفع وسائلَ الإعلام الحكومية إلى إجراء تغييرات جوهرية لتعزيز مصداقيتها في كافة برامجها، ولا سيما تلك المتعلقة بالجانب الإخباري؛ لاستعادة ما فقدَتْه من جمهورها من المتابعين ولو بشكل جزئي، ولمسنا نقلةً نوعية في البرامج المباشرة التي يتم فيها استضافة مسؤولين رسميين، وفتح المجال أمام مقدِّمي البرامج والجمهور للحوار معهم بشفافية لم نَعْتَدْها من قبل، ووُضع كثير مما كان محظورًا في السابق تحت دائرة الضوء، للانطلاق قُدمًا في بناء مجتمعات يسُود فيها العدل بين الجميع، من خلال رفع الظلم وفضح الفساد، وصب هذا التجديدُ بطبيعة الحال في خدمة المصلحة العامة.
إلَّا أن هذا الانفتاح الزائد الذي يصل حدَّ الانفلات عند البعض بما حمله من إيجابيات عديدة في قطاعي الإعلام الرسمي والمستقل - نتج عنه أيضًا سلبيَّات كثيرة، خصوصًا في بعض قنوات القطاع الخاص، أبرزها الجرأة الزائدة على طرح قضايا حساسة في الجانب الأخلاقي بدون ضوابط ولا مراعاة لمشاعر الجمهور العربي المحافِظ؛ فبعض هذه البرامج تخطَّت كثيرًا من الحدود بعرضها مَشاهدَ وحوارات مع أناس لم يَكن يخطر ببالنا يومًا أن نراها على الشاشات، وسمحت للمتَّصلين أيًّا كانوا ليقولوا على الهواء ما يشاؤون من بذيء الكلام الذي يخدش الحياء.
وتقوم قنوات أخرى بتنظيم لقاءات ساخِنة بين فرقاء مختلفين في وجهات النَّظر حول قضايا سياسية واجتماعية يشارك فيها مقدِّمو البرامج ويساهِمون في تأجيج الوضع بين الضيوف؛ حتى تخرج الأمور عن السيطرة، ويلتهب الحوار، ويبدأ تبادل السباب والشتائم بين الأطراف، وقد يتطوَّر الأمر لحدِّ قيام أحدهم برشق الآخر بما تطوله يدُه مما وجد على طاولة الحوار، وأحيانًا ينتقل الجدال من تبادل للكَلِمات إلى تبادل للَّكمات بين الضيوف؛ مما يضطر مقدِّم البرنامج والعاملين في الأستوديو للتدخُّل لفضِّ الاشتباك، وقد يرى الجمهور أجزاء ممَّا يجري قبل أن يقطع البث المباشر عن هذه المشاهد المحزنة، التي لا تسر عدوًّا ولا صديقًا.
في المشهد الإعلامي الجديد أصبح سقف الحريات لا حدود له في بعض القنوات لِمن يتطاول على الدِّين والثوابت بحجَّة حرية الرأي؛ كمثل هذا المفكِّر والباحث في التراث الذي يرى أنَّ المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الآية الأولى من سورة الإسراء إنَّما هو مسجد آخر قريبًا من مكَّة المكرمة شرقًا على طريق الطائف، ويسوق أدلَّةً وبراهينَ على تفسيره الجديد للآية الكريمة، الذي يعارض ويناقض كلامَ كل مَن سبقوه من عهد النبوة إلى يومنا هذا.
ولا يفوتنا أن نذكر أن معظم فضائياتنا - ومنها تلك التي تحتل الصَّدارة باستحواذها على نسب عالية من المشاهدة - ما عادت تَكترث لتمرير مَشاهدَ محرَّمةٍ ومخلَّة بالآداب كما كان يفعل بعضها من قبل بحذف بعض المشاهد السيئة، وكأنه يراد بالمُشاهِد أن يعتاد الأمر ويعُدَّه من المسلَّمات.