الحرب .. والأزمة الاقتصادية
جحافل جيش التتار تجتاح بلاد المسلمين بلدة بلدة تسفك فيها الدماء وتهتك الأعراض وتدمر كل شيء وتقضي على كل شيء ، في إبادة مأساوية شاملة يعجز القلم عن وصفها واللسان عن التعبير عنها ، حتى خلت كثير من بلاد المسلمين من أهلها ، ابتداء من دولة خوارزم شاه ومرورا بخرسان ونهر السند ووصولا إلى عاصمة الخلافة بغداد وبلاد الشام .
وعند وصول جيش التتار على مشارف مصر أرسل قائدهم ( هولاكو ) إلى حاكم مصر المسلم القائد ( قُطُز ) رسالة تهديد ووعيد وازدراء واستخفاف مضمونها : الرغبة في الاستيلاء على بلاده ، وكأنه بلسان حاله يقول له :
استولينا على جميع بلاد المسلمين ولم يبق أمامنا إلا أنتم فإما الاستسلام أو قتلكم والدمار لبلادكم .
حينها جمع ( قطز ) القادة والأمراء والوزراء مع العلماء والفقهاء بعد أن اتخذ قرار الحرب والمواجهة لاستشارتهم في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي لا يمكن من خلالها خوض المعركة ، وكان المقترح : " أن يأخذ من الرعيّة ما يستعين به على قتال هؤلاء " وهي ما يسمى في عرف اليوم ( ضرائب )!
لقد كان لقطز ما يبرر به هذا المقترح ؛ إذ العدو على الحدود ، وميزانية الدولة بها عجز لا يسمح بالقيام برد العدوان .
أفاض الجميع في الحديث حول هذا المقترح ومباركته ، إلا أن الكلمة النهائية فيه والاعتماد كان على ما يقوله سلطان العلماء العالِم المقاصدي العز بن عبد السلام ، فكانت فتواه على ما يلي :
" إنّه إذا طرق العدوّ بلاد الإسلام وجب على العالَم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعيّة ما تستعينون به على جهادكم ، بشرط ألّا يبقى في بيت المال شيء ، وتبيعوا مالكم من الحوائص المُذَهّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كلّ الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامّة . وأمّا أخذ الأموال من العامّة مع بقايا في أيدى الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا "( ) .
انفضّ المجلس على أنه لا يجوز أخذ المال من الرعية إلّا بشرطين :
الأول : أن يُستفرغ جميع بيت المال بحيث لا يبقى فيه شيء .
الثاني : أن يتساوى الأمراء والوزراء والجند مع الرعية ويرجعوا جميع أموالهم ومخصصاتهم إلى بيت المال .
جاءت هذه الفتوى لتوازن بين المصلحة العامة من رد العدوان ووجوب مقارعة الأعداء المعتدين وحاجة الدولة للمال ، وبين المصلحة الخاصة وحُرمة الأموال ، وفق نظر مقاصدي معتمد على نصوص الشريعة .
بدأ ( قطز ) بنفسه وتبعه الأمراء والوزراء والقادة ، فحصلت الكفاية وفاض المال ولم يحتاجوا لأموال الرعية ولم يضيقوا عليهم ، وحصل النصر بإذن الله وانكسر التتار وأعز الله الإسلام وأهله .
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ .
د عبدالعزيز عرب/ لجينيات |
![]() |
جحافل جيش التتار تجتاح بلاد المسلمين بلدة بلدة تسفك فيها الدماء وتهتك الأعراض وتدمر كل شيء وتقضي على كل شيء ، في إبادة مأساوية شاملة يعجز القلم عن وصفها واللسان عن التعبير عنها ، حتى خلت كثير من بلاد المسلمين من أهلها ، ابتداء من دولة خوارزم شاه ومرورا بخرسان ونهر السند ووصولا إلى عاصمة الخلافة بغداد وبلاد الشام .
وعند وصول جيش التتار على مشارف مصر أرسل قائدهم ( هولاكو ) إلى حاكم مصر المسلم القائد ( قُطُز ) رسالة تهديد ووعيد وازدراء واستخفاف مضمونها : الرغبة في الاستيلاء على بلاده ، وكأنه بلسان حاله يقول له :
استولينا على جميع بلاد المسلمين ولم يبق أمامنا إلا أنتم فإما الاستسلام أو قتلكم والدمار لبلادكم .
حينها جمع ( قطز ) القادة والأمراء والوزراء مع العلماء والفقهاء بعد أن اتخذ قرار الحرب والمواجهة لاستشارتهم في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي لا يمكن من خلالها خوض المعركة ، وكان المقترح : " أن يأخذ من الرعيّة ما يستعين به على قتال هؤلاء " وهي ما يسمى في عرف اليوم ( ضرائب )!
لقد كان لقطز ما يبرر به هذا المقترح ؛ إذ العدو على الحدود ، وميزانية الدولة بها عجز لا يسمح بالقيام برد العدوان .
أفاض الجميع في الحديث حول هذا المقترح ومباركته ، إلا أن الكلمة النهائية فيه والاعتماد كان على ما يقوله سلطان العلماء العالِم المقاصدي العز بن عبد السلام ، فكانت فتواه على ما يلي :
" إنّه إذا طرق العدوّ بلاد الإسلام وجب على العالَم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعيّة ما تستعينون به على جهادكم ، بشرط ألّا يبقى في بيت المال شيء ، وتبيعوا مالكم من الحوائص المُذَهّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كلّ الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامّة . وأمّا أخذ الأموال من العامّة مع بقايا في أيدى الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا "( ) .
انفضّ المجلس على أنه لا يجوز أخذ المال من الرعية إلّا بشرطين :
الأول : أن يُستفرغ جميع بيت المال بحيث لا يبقى فيه شيء .
الثاني : أن يتساوى الأمراء والوزراء والجند مع الرعية ويرجعوا جميع أموالهم ومخصصاتهم إلى بيت المال .
جاءت هذه الفتوى لتوازن بين المصلحة العامة من رد العدوان ووجوب مقارعة الأعداء المعتدين وحاجة الدولة للمال ، وبين المصلحة الخاصة وحُرمة الأموال ، وفق نظر مقاصدي معتمد على نصوص الشريعة .
بدأ ( قطز ) بنفسه وتبعه الأمراء والوزراء والقادة ، فحصلت الكفاية وفاض المال ولم يحتاجوا لأموال الرعية ولم يضيقوا عليهم ، وحصل النصر بإذن الله وانكسر التتار وأعز الله الإسلام وأهله .
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ .