آداب السفر (2)
(5) التوبة والتحلل من المظالم:
قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58].
ينبغي للمسافرِ أن يبدأ بالتوبةِ من جميعِ المعاصي والمكروهات، ويخرجَ من مظالم الخلق، ويقضي ديونَه، ويردَّ الودائع، ويستحلَّ كلَّ من كان بينه وبينه معاملةٌ في شيء أو مصاحبة؛ أي: يطلب المسامحة من النَّاس.
ويكتب وصيتَه، ويُشهدُ عليها، وإذا لم يتمكَّن من قضاءِ جميع ديونِه، فيوكل من يقضي عنه؛ قال الخطابي - رحمه الله -: "ولا يخرجُ إلى الغزوِ إلا بإذن الغُرَماء إذا كان عليه لهم دَيْن عاجل، كما لا يخرجُ إلى الحجِّ إلا بإذنهم، فإن تعيَّن عليه فرضُ الجهادِ، لم يعرج على الإذن"[1].
ويترك النفقةَ لأهله ومَن تلزمه نفقته عليهم إلى حينِ رجوعه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرءِ إثمًا أن يحبسَ عمن يملك قوتَه))، وفي رواية: ((كفى بالمرءِ إثمًا أن يضيعَ مَن يقوت))[2].
(6) إرضاء والديه:
ينبغي عليه أن يرضي والديه؛ فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصَّلاةُ على وقتِها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((برُّ الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهادُ في سبيلِ الله))[3].
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء رجلٌ إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهادِ، فقال: ((أحيٌّ والداك؟))، قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهِدْ))[4].
وعنه - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: جئتُ أبايعك على الهجرةِ، وتركتُ أبويَّ يبكيان، فقال: ((ارجع إليهما فأضحِكْهما كما أبكيتَهما))[5].
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً من أهلِ اليمن هاجر إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((هل لك أحدٌ باليمن))، قال: أبواي، قال: ((قد أَذِنَا لك؟))، قال: لا، قال: ((فارجع إليهما فاستأذنهما، فإنْ أذِنَا لك فجاهد، وإلا فبرَّهما))[6].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رغِمَ أنفُه، ثم رغم أنفُه، ثم رغم أنفه))، قيل: مَن يا رسولَ الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكِبَرِ أو أحدهما ثم لم يدخل الجنَّة))[7].
قُلتُ: وإرضاء الأبوين من حُسنِ الصُّحبة، وهم أحقُّ النَّاس بحسنِ الصحبة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ الله، من أحقُّ النَّاسِ بحسن صحبتي؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك))[8].
وورد في "طبقات الشَّافعية": لا يجوزُ للولدِ السَّفر في تعلُّمِ ما هو من فرضِ كفاية، ولا في تجارةٍ إذا منعه أحدُ الوالدين.
وأمَّا إذا كان سفرُه للجهادِ، ففيه تفصيلٌ بيَّنه الإمامُ الخطابي - رحمه الله - فقال: "الجهادُ إذا كان الخارجُ فيه متطوعًا، فإنَّ ذلك لا يجوزُ إلا بإذنِ الوالدين، فأمَّا إذا تعين عليه فرضُ الجهادِ، فلا حاجةَ به إلى إذنِهما، وإن منعاه من الخروجِ، عصاهما وخرجَ في الجهاد، وهذا إذا كانا مسلمَيْنِ، فإن كانا كافرين فلا سبيلَ لهما إلى منعِه من الجهاد فرضًا كان أو نفلاً، وطاعتهما حينئذ معصيةٌ لله، ومعونة للكفَّار، وإنما عليه أن يبرَّهما ويطيعَهما فيما ليس بمعصية"[9].
إياك وعقوق الوالدين:
فالعاق لا ينظرُ الله إليه؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "ثلاثة لا ينظرُ الله إليهم يوم القيامة؛ العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنَّان"[10].
والعاق حرَّمه الله على الجنَّة؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوث، والرَّجُلة))[11].
ومعنى ((الديُّوث)): الذي يقرُّ أهلَه على الزِّنا.
و((الرَّجُلة)): هي المترجِّلة المتشبهة بالرِّجال.
وعقوق الوالدين يحولُ بين العبدِ وبين الدرجاتِ العالية:
عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليتُ الخمس، وأدَّيتُ زكاةَ مالي، وصمتُ رمضانَ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات على هذا كان مع النَّبيين والصِّديقين والشُّهداءِ والصَّالحين يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعقَّ والديه))[12].
قصة عجيبة:
تأمَّل هذه القصةَ العجيبة التي أوردها الحافظُ المنذري في كتابِه "الترغيب والترهيب" وعلَّق الألباني - رحمه الله - على الإسنادِ بأنه: حسن[13]: عن العوام بن حوشب قال: "نزلتُ مرة حيًّا وإلى جانبِ ذلك الحي مقبرة، فلمَّا كان بعد العصرِ انشقَّ فيها قبرٌ، فخرج رجلٌ رأسُه رأس حمار، وجسده جسد إنسان، فنهق ثلاث نهقات، ثم انطبقَ عليه القبر، فإذا عجوزٌ تغزل شعرًا أو صوفًا، فقالت امرأة: ترى تلك العجوز؟ قلت: ما لها؟ قالتْ: تلك أمُّ هذا، قلتُ: وما كان قصتُه؟
قالت: كان يشربُ الخمر، فإذا راح تقولُ له أمُّه: يا بني، اتق الله، إلى متى تشربُ الخمر؟! فيقول لها: إنما أنتِ تنهقين كما ينهقُ الحمار، قالت: فمات بعد العصرِ، قالت: فهو ينشقُّ عنه القبرُ بعد العصر كلَّ يوم فينهق ثلاث نهقات، ثم ينطبقُ عليه القبر"؛ قال المنذري - رحمه الله -: رواه الأصبهاني وغيره، حدَّث به أبو العباس الأصم إملاءً بنيسابور بمشهدٍ من الحفَّاظِ، فلم ينكروه.
(7) ولتكن نفقته من حلال:
قال النووي - رحمه الله -: "إذا سافر لحجٍّ أو غزو أو غيرِهما، فينبغي أن يحرصَ أن تكون نفقتُه حلالاً خالصة من الشُّبهة، فإن خالفَ وحجَّ أو غزا بمالٍ مغصوب عصى، وصحَّ حجه وغزوه في الظَّاهر، لكنَّه ليس حجًّا مبرورًا"[14].
ومعنى هذا أنه قد أبرأ ذمتَه بأداءِ الفرض، لكن أين القَبول، وهل ينفعُه حجُّه إذا لم يكن مبرورًا؟
لقد كان السَّلف يحرصون على قَبولِ الأعمال، فهذه هي الغايةُ المطلوبة لنيلِ الثَّواب، وهل يليقُ بالعاقلِ أن يحرصَ على إصلاحِ هيئته، حتى إنه ليسعى في إصلاحِ نعله، ثم لا يسعى في إصلاحِ عملِه وقلبه؟!
قال عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "لو أعلمُ أنَّ الله تقبَّل مني سجدةً واحدة، لكان أحب غائب أنتظرُه الموت؛ لأنَّ الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]".
واعلم - أخي الحبيب - أنَّ كلامَ النووي السابق لا يعني إباحته للنفقةِ الحرام في غير الغزو والحج، ولكن المقصود مزيد الاعتناء والاهتمام بأمورِ العبادة.
وقد ثبت في الحديثِ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفر؛ أشعثَ أغبر يمدُّ يديه إلى السَّماءِ: يا رب يا رب، وملبسُه حرام، ومطعمه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك))[15].
الشيخ عادل يوسف العزازي |
(5) التوبة والتحلل من المظالم:
قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58].
ينبغي للمسافرِ أن يبدأ بالتوبةِ من جميعِ المعاصي والمكروهات، ويخرجَ من مظالم الخلق، ويقضي ديونَه، ويردَّ الودائع، ويستحلَّ كلَّ من كان بينه وبينه معاملةٌ في شيء أو مصاحبة؛ أي: يطلب المسامحة من النَّاس.
ويكتب وصيتَه، ويُشهدُ عليها، وإذا لم يتمكَّن من قضاءِ جميع ديونِه، فيوكل من يقضي عنه؛ قال الخطابي - رحمه الله -: "ولا يخرجُ إلى الغزوِ إلا بإذن الغُرَماء إذا كان عليه لهم دَيْن عاجل، كما لا يخرجُ إلى الحجِّ إلا بإذنهم، فإن تعيَّن عليه فرضُ الجهادِ، لم يعرج على الإذن"[1].
ويترك النفقةَ لأهله ومَن تلزمه نفقته عليهم إلى حينِ رجوعه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرءِ إثمًا أن يحبسَ عمن يملك قوتَه))، وفي رواية: ((كفى بالمرءِ إثمًا أن يضيعَ مَن يقوت))[2].
(6) إرضاء والديه:
ينبغي عليه أن يرضي والديه؛ فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصَّلاةُ على وقتِها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((برُّ الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهادُ في سبيلِ الله))[3].
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء رجلٌ إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهادِ، فقال: ((أحيٌّ والداك؟))، قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهِدْ))[4].
وعنه - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: جئتُ أبايعك على الهجرةِ، وتركتُ أبويَّ يبكيان، فقال: ((ارجع إليهما فأضحِكْهما كما أبكيتَهما))[5].
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً من أهلِ اليمن هاجر إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((هل لك أحدٌ باليمن))، قال: أبواي، قال: ((قد أَذِنَا لك؟))، قال: لا، قال: ((فارجع إليهما فاستأذنهما، فإنْ أذِنَا لك فجاهد، وإلا فبرَّهما))[6].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رغِمَ أنفُه، ثم رغم أنفُه، ثم رغم أنفه))، قيل: مَن يا رسولَ الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكِبَرِ أو أحدهما ثم لم يدخل الجنَّة))[7].
قُلتُ: وإرضاء الأبوين من حُسنِ الصُّحبة، وهم أحقُّ النَّاس بحسنِ الصحبة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ الله، من أحقُّ النَّاسِ بحسن صحبتي؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك))[8].
وورد في "طبقات الشَّافعية": لا يجوزُ للولدِ السَّفر في تعلُّمِ ما هو من فرضِ كفاية، ولا في تجارةٍ إذا منعه أحدُ الوالدين.
وأمَّا إذا كان سفرُه للجهادِ، ففيه تفصيلٌ بيَّنه الإمامُ الخطابي - رحمه الله - فقال: "الجهادُ إذا كان الخارجُ فيه متطوعًا، فإنَّ ذلك لا يجوزُ إلا بإذنِ الوالدين، فأمَّا إذا تعين عليه فرضُ الجهادِ، فلا حاجةَ به إلى إذنِهما، وإن منعاه من الخروجِ، عصاهما وخرجَ في الجهاد، وهذا إذا كانا مسلمَيْنِ، فإن كانا كافرين فلا سبيلَ لهما إلى منعِه من الجهاد فرضًا كان أو نفلاً، وطاعتهما حينئذ معصيةٌ لله، ومعونة للكفَّار، وإنما عليه أن يبرَّهما ويطيعَهما فيما ليس بمعصية"[9].
إياك وعقوق الوالدين:
فالعاق لا ينظرُ الله إليه؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "ثلاثة لا ينظرُ الله إليهم يوم القيامة؛ العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنَّان"[10].
والعاق حرَّمه الله على الجنَّة؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوث، والرَّجُلة))[11].
ومعنى ((الديُّوث)): الذي يقرُّ أهلَه على الزِّنا.
و((الرَّجُلة)): هي المترجِّلة المتشبهة بالرِّجال.
وعقوق الوالدين يحولُ بين العبدِ وبين الدرجاتِ العالية:
عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليتُ الخمس، وأدَّيتُ زكاةَ مالي، وصمتُ رمضانَ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات على هذا كان مع النَّبيين والصِّديقين والشُّهداءِ والصَّالحين يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعقَّ والديه))[12].
قصة عجيبة:
تأمَّل هذه القصةَ العجيبة التي أوردها الحافظُ المنذري في كتابِه "الترغيب والترهيب" وعلَّق الألباني - رحمه الله - على الإسنادِ بأنه: حسن[13]: عن العوام بن حوشب قال: "نزلتُ مرة حيًّا وإلى جانبِ ذلك الحي مقبرة، فلمَّا كان بعد العصرِ انشقَّ فيها قبرٌ، فخرج رجلٌ رأسُه رأس حمار، وجسده جسد إنسان، فنهق ثلاث نهقات، ثم انطبقَ عليه القبر، فإذا عجوزٌ تغزل شعرًا أو صوفًا، فقالت امرأة: ترى تلك العجوز؟ قلت: ما لها؟ قالتْ: تلك أمُّ هذا، قلتُ: وما كان قصتُه؟
قالت: كان يشربُ الخمر، فإذا راح تقولُ له أمُّه: يا بني، اتق الله، إلى متى تشربُ الخمر؟! فيقول لها: إنما أنتِ تنهقين كما ينهقُ الحمار، قالت: فمات بعد العصرِ، قالت: فهو ينشقُّ عنه القبرُ بعد العصر كلَّ يوم فينهق ثلاث نهقات، ثم ينطبقُ عليه القبر"؛ قال المنذري - رحمه الله -: رواه الأصبهاني وغيره، حدَّث به أبو العباس الأصم إملاءً بنيسابور بمشهدٍ من الحفَّاظِ، فلم ينكروه.
(7) ولتكن نفقته من حلال:
قال النووي - رحمه الله -: "إذا سافر لحجٍّ أو غزو أو غيرِهما، فينبغي أن يحرصَ أن تكون نفقتُه حلالاً خالصة من الشُّبهة، فإن خالفَ وحجَّ أو غزا بمالٍ مغصوب عصى، وصحَّ حجه وغزوه في الظَّاهر، لكنَّه ليس حجًّا مبرورًا"[14].
ومعنى هذا أنه قد أبرأ ذمتَه بأداءِ الفرض، لكن أين القَبول، وهل ينفعُه حجُّه إذا لم يكن مبرورًا؟
لقد كان السَّلف يحرصون على قَبولِ الأعمال، فهذه هي الغايةُ المطلوبة لنيلِ الثَّواب، وهل يليقُ بالعاقلِ أن يحرصَ على إصلاحِ هيئته، حتى إنه ليسعى في إصلاحِ نعله، ثم لا يسعى في إصلاحِ عملِه وقلبه؟!
قال عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "لو أعلمُ أنَّ الله تقبَّل مني سجدةً واحدة، لكان أحب غائب أنتظرُه الموت؛ لأنَّ الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]".
واعلم - أخي الحبيب - أنَّ كلامَ النووي السابق لا يعني إباحته للنفقةِ الحرام في غير الغزو والحج، ولكن المقصود مزيد الاعتناء والاهتمام بأمورِ العبادة.
وقد ثبت في الحديثِ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفر؛ أشعثَ أغبر يمدُّ يديه إلى السَّماءِ: يا رب يا رب، وملبسُه حرام، ومطعمه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك))[15].
[1] معالم السنن (2/38 - هامش أبي داود).
[2] مسلم (996)، وأبو داود (1692)، واللفظ له.
[3] البخاري (2782) (527)، ومسلم (85)، والترمذي (173)، (1898).
[4] البخاري (3004)، ومسلم (2549)، وأبو داود (2529)، والترمذي (1671)، والنسائي (6/10).
[5] صحيح: رواه أبو داود (2528)، والنسائي (7/143)، وابن ماجه (2782).
[6] رواه أبو داود (2530)، وأحمد (3/75)، وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الجامع (892).
[7] مسلم (2551)، والترمذي (3545).
[8] البخاري (5971)، ومسلم (2548).
[9] معالم السنن (2/38 - هامش سنن أبي داود).
[10] رواه النسائي (5/80)، والبيهقي في السنن (8/288)، والحاكم (2/43)، وقال: صحيح الإسناد، وابن حبان (7340) في صحيحه، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح؛ انظر الصحيحة (674).
[11] هو تتمة الحديث السابق.
[12] رواه أحمد في زوائد السنن (2/243)، غاية المقصد في زوائد المسند للهيثمي، والطبراني في مسند الشاميين رقم (2939)، وابن حبان (3438)، وابن خزيمة (2212)، وقال الألباني: صحيح؛ انظر صحيح الترغيب (2515).
[13] انظر صحيح الترهيب والترغيب (2/665)، رقم (2517).
[14] المجموع (4/385).
[15] مسلم (1015)، والترمذي (2989)، وأحمد (2/328).