Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

التحليل السياسي لمبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

$
0
0
التحليل السياسي لمبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
عبدالستار المرسومي







التحليل السياسي










لمبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه



وخطبته الأولى











أولًا: الخطبة الأولى:



أصبح من العُرف السياسي في الخلافة الإسلامية أن يقوم أمير المؤمنين الجديد بإلقاءِ خطبة أمام الناس؛ يُوضِّح فيها مشروعَه السياسيَّ، ويُسمِّي المحاور العامة لخطته في إدارة الدولة، وكما فعلها رؤساءُ الدولة الإسلامية من قبله؛ فقد قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطيبًا في الناس على الرغم من تشنُّج الأوضاع السياسية، وتوتُّر الوضع في عاصمة الدولة الإسلامية.








لقد كانت "أول خطبة خطبها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين استخلف؛ حمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال:



إن الله أنزل كتابًا هاديًا يبيِّن فيه الخير والشر؛ فخذوا بالخير ودعوا الشرَّ، الفرائضَ الفرائضَ، أدُّوها إلى الله تعالى يؤدِّكم إلى الجنة.








إن الله حرَّم حرمات غيرَ مجهولة، وفضَّل حُرمة المسلم على الحُرَم كلِّها، وشدَّ بالإخلاص والتوحيد حقوقَ المسلمين؛ فالمسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويدِه إلا بالحقِّ.








لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم إلا بما يجب، بادروا أمرَ العامة، وخاصَّةُ أحدكم الموتُ، فإن الناس أمامكم، وإن ما خلفكم الساعة تحدوكم فخَفِّفوا تلحقوا؛ فإنما ينتظر بالناس أخراهم؛ اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده؛ إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله عز وجل فلا تعصوه، وإذا رأيتم الخيرَ فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدعوه، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 26]"[1].








ثانيًا: التحليل السياسي:



مثَّل عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه خامس رئيس للدولة الإسلامية، وقد كان ترشيحُه من قِبَل أهل الحَلِّ والعَقدِ، ثم أهل الشورى في عاصمة الدولة الإسلامية في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين ندرسُ هذا الحدث سياسيًّا، نصل إلى ما يأتي:



1- حِرصُ (الصحابة) أهل الحَلِّ والعقد والشورى على عدم ترك الأمور على غاربِها، وإصرارهم على اختيار رئيسٍ لدولتهم، وعدم تركِ دولتِهم وأمَّتِهم في حالة فراغ سياسيٍّ ولو لوقت قصير - فيه دلالةٌ واضحة على وعيهم السياسي الكبير، على الرغم من الحدث الجَلَل؛ المتمثِّل في اغتيال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلم يشغلهم هذا الأمرُ الذي صار في حسابات الماضي، وإن الأمةَ بحاجة اليوم لمن يأخذُ بيدها إلى برِّ الأمان، فتحكيمُ العقل والمنطق وتقديمُ مصلحة الأمةِ والدولة خيرٌ من تأجيج العواطفِ والتباكي على ما حصل، الذي ربما جرَّ الدولة ومواطنيها إلى منزلق خطير.







2- إصرارهم على اختيار عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه رئيسًا للدولة الإسلامية تحديدًا - كان فيه بُعدُ نظرٍ، ودقَّة في القرار الصحيح من الوجوه كافَّة، فبالإضافة إلى مؤهِّلات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكبيرة، وامتيازاته الجليَّة، ومواصفاته الخاصة - كما أشرنا - فهو محطُّ رضًا لجميع مواطني الدولة الإسلامية الخاصة منهم والعامة وحتى المعارضين، فالأمَّة في مرحلة اضطراب، والمجتمع في حالة غليان، فإنَّ أي خطوة سلبية في الاختيار قد تؤدِّي إلى تكوين بؤرٍ سياسية جديدة تضاف إلى البؤر الموجودة أصلًا، ربما استثمرها المتمرِّدون فيزدادُ الوضع السياسي الداخلي للدولة الإسلامية توترًا واضطرابًا وضعفًا.







3- النظرة السياسية الثاقبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في طلبه أن يكون ترشيحُه وبيعتُه في المسجد، حيث إن هذا الإجراء المهم يحقِّق أمرين:



الأول: إن اجتماع مواطني الدولة الإسلامية يكون في المسجد، فإقرارُ الخليفة في المسجد سيحقِّق العلنيةَ المطلوبة للرئاسة؛ (حتى لا يقال: بويع خلسةً) أو يقال: (إن الأمر دُبِّر بليل)، كما أنَّ ذلك يحقِّق المعرفة اللازمة إن كانت هناك توجُّهات معارضة وطرح القضية للنقاش.







الثاني: التأكيد على هُوية الدولة المدنية الدينيَّة التي تنطلق من المسجد، فأمير المؤمنين الجديد (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه يؤكِّد الأصل السياسي الذي وُضِعَ من أول تأسيس الدولة الإسلامية أنها دولة تنطلق من المسجد، وهي لا تفصلُ الدين عن الدولة أو السياسة، بل إنها لا تفصلُ الدين عن الحياة، وهذه الرسالة كانت موجَّهة للشعب المسلم بشكل عام، وللمتمرِّدين بشكل خاص.







4- أما خطبة رئيس الدولة الأولى، وهي كلمةٌ يوجِّهها لمواطني دولته، فقد كانت خطبةً جامعة حَذِرة، مثَّلَتِ المشروع السياسي لعمل الرئيس الجديد، وقد جاءت فيها المعاني السياسية الآتية:



جاء في أول الخطبة (إن الله أنزل كتابًا هاديًا)، والإشارة إلى القرآن الكريم فيه تصريحٌ بأنه لن يحيدَ مشروعه عما سبقه في مسيرة الدولة، فالدستور هو القرآنُ الكريم والسنة النبوية، وهو سيلتزم به وبأحكامه، وليس ذلك فحسب؛ بل يطالبُ جماهيرَ الأمة أن تتمسَّك بهذا الدستور الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.







يؤكِّد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جانب البناء الروحي لأفراد الأمة، وعَلاقتهم بالله سبحانه وتعالى، وخاصة في قضية الفرائض، وفي ذلك أيضًا ربطُ جماهير الدولة بالله تعالى، وأنَّ هذا الربط لن يكون عشوائيًّا أو كيفما اتفق، ولكن عن طريق القرآن الكريم الذي هو الركن الأساسي في دستور الأمة، وهذا البناء العقائديُّ الصحيح للأجيال ينبغي أن يكون على أساس الإخلاصِ في العمل لله تبارك وتعالى والتوحيد الذي هو أسُّ الاعتقاد.







شدَّد رضي الله عنه على أهمية الفرد أو المواطن المسلم في الدولة (فإن الله فضَّل حرمة المسلم)؛ فإن المسلمَ هو هدف السياسة الإسلامية، وهي قائمة من أجل حفظ الضروريَّات الخمس له، ومنها دمُه الذي ينبغي أن يكون من أهم الحرمات في التعاملات.







حدَّد الدور الإيجابي الاجتماعي للمواطن، ووضع معالمَ المواطنة، فالمسلم ((من سلم المسلمون من لسانه ويده))، فوجود الظواهر السلبية في إيذاء المواطنين شيءٌ ممنوع، والمطلوب إشاعةُ الفضيلة والتعاون، وتلك هي المثاليَّة في التعامل.







سمَّى طريق التنميةِ المستدامة في بناء الدولة بقوله رضي الله عنه: (وإذا رأيتم الخيرَ فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدَعوه).







إن الدور الإيجابي في التعامل للمواطن لا يقتصرُ على الجانب الاجتماعي البشري، وإنما قرَّر رئيس الدولة بأن المواطن مسؤول عن أمور أخرى؛ فهي تتجلى بقوله: (إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم)، وهذا إقرار للنظام البيئي والإنساني والتنموي.







نخلصُ إلى أن رئيس الدولة الجديد حدَّد معالم سياسته في إدارة الدولة من خلال اختيار طريقته في البيعة، وكذلك في خطبته؛ وهي:



أن الملكَ لله سبحانه وتعالى، وإنما البشر مستخلَفون في الأرض من أجل البناء والإعمار، وذلك بقوله رضي الله عنه: (اتقوا اللهَ عبادَ الله في بلاده وعباده)، فالبلادُ ملكٌ لله سبحانه وتعالى، والعباد عبادُه؛ فليس لأحد أن يستعبدَهم.







الشفافية في العمل وفي الأمور كافَّة، وأوَّلها وعلى رأسها اختيارُ رئيس الدولة.



البناءُ العقائدي السليم للأفراد.



اشتمال المشروع السياسي على أسسٍ إنسانية واجتماعية وبيئية وتنموية واقتصادية.







لم يتطرَّق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خطبته إلى موضوع اغتيال الرئيس السابقِ عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وذلك تحاشيًا لحدوث خلافات جديدة تؤدِّي إلى انشقاق الصف الإسلامي من جديد.








[1] الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج3، ص 84.







Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles