Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

خطبة عن المناهي اللفظية

$
0
0
خطبة عن المناهي اللفظية


الشيخ أحمد الزومان





الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

عباد الله:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها وألطفها وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله فاختار لأمته اللفظ الحسن الذي لا يوهم مخالفة شرعية و كان النبي ينكر على من تفوه بلفظ فيه محذور شرعي وإن كان لا يقصده صاحبه ولا يعتقد ما تلفظ به فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله ما شاء الله وشئت فقال جعلتني لله عدلا بل ما شاء الله وحده رواه الإمام أحمد (2557) بإسناد حسن فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ الموهم معنى التشريك والمساواة وإن لم يقصد المتكلم جعل النبي صلى الله عليه وسلم ندا لله.

مما ينهى عنه من الألفاظ الدعاء بالبقاء والدوام كقول أبقاك الله وأدامك الله أدام الله عليك الصحة وتذييل الخطابات بـ"دمتم". قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: رَأَيْت أَبِي إذَا دُعِيَ لَهُ بِالْبَقَاءِ يَكْرَهُهُ، وَيَقُولُ هَذَا شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ. فالبقاء والدوام لله عز وجل فمن على الأرض من إنس وجن ودواب وسائر المخلوقات يفنى ويموت ويبقى الحي الذي لا يموت ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [سورة القصص: (88)]. فالمشروع أن يقال أطال الله عمرك على عمل صالح وأتم الله عليك نعمته ونحو ذلك من الألفاظ التي لا تدل على البقاء والدوام.

ومما ينهى عنه من الألفاظ الاستثناء في الدعاء فربما اعتاد لسان البعض على كلمة إن شاء الله فيكثر منها في كلامه ومن ذلك الدعاء فيقول جزاك الله خيرا إن شاء الله يوفقك إن شاء الله ونحو ذلك وربما نبه على ذلك فأعادها من لحظته لغلبة العادة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" رواه البخاري (6339) ومسلم (2679).

قال الحافظ ابن حجر فتح الباري (11 /140):
قال ابن عبد البر لا يجوز لأحد أن يقول اللهم اعطني ان شئت وغيرُ ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه لا يفعل إلا ما شاءه وظاهره أنه حمل النهي على التحريم وهو الظاهر وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى.

وإنما يشرع ذكر إن شاء الله في الخبر فيما يستقبل من الزمان كقول الشخص سوف أسافر إن شاء سأفعل كذا إن شاء لقوله تعالى مخاطبا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله ﴾.

ومما ينهى عنه من الألفاظ النهي عن سب الوجه وتقبيحه تشريفا له فعن أبي هريرة t عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام على صورته" رواه أحمد (9321) وحسن إسناده الألباني في الصحيحة (862) فالنهي مختص بالوجه للعلة المنصوص عليها فأما غيره فلا يحرم تقبيحه إذا كان أهلا لذلك وإن كان الأولى تركه وهذا الذي فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمارة بن رؤيبة لما رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه في الخطبة قال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة " رواه مسلم (874).

إخوتي:
يقول ربنا تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [سورة الإسراء: 0)] فكرم الله الآدميين على المخلوقات ومنها البهائم وسخرها لهم ينتفعون بها ويركبونها الخيل والبغال والحمير فهذا الذي كرمه ربه وخلقه في أحسن تقويم وفضله بالعقل لا يوصف بأنه بهيمة أو أنه حمار وبغير ذلك من البهائم التي خلقت له مذللة. قال النووي في الأذكار ص: 453 من الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه يا حمار يا تيس يا كلب ونحو ذلك فهذا قبيح لوجهين. أحدهما: أنه كذب والآخر: أنه إيذاء.

ومما ينهى عنه من الألفاظ هجر الأسماء الشرعية واستبدالها بأسماء محدثة فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل" رواه مسلم (644) فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن غلبة اسم العتمة على صلاة العشاء لأنها إذا غلبت نسي اسم العشاء ونزلت النصوص الشرعية الواردة في صلاة العشاء على غير محلها فأدى ذلك إلى اللبس والخطأ وهذا مشاهد في واقعنا فمثلاً حينما عبر بعض الفقهاء رحمهم الله في شروط الصلاة بستر العورة وبينوا أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة فهم البعض بسبب هذا التعبير المحدث أن المطلوب في الصلاة هو ستر ما بين السرة والركبة فقط فلذا تلبس في الصلاة الملابس الرثة و لابس الرياضة ويصلى بالسراويل مع أن الله عز وجل أمر بقدر زائد عن ستر العورة وهو أخذ الزينة والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بستر ما ليس بعورة في الصلاة.

ومثله حينما ذكر بعض أهل العلم في كتبهم من محظورات الإحرام لبس المخيط وقع عند البعض لبس وسوء فهم فظنوا أن المحرم ينهى عن أي شيء مخيط فهذا يسأل عن حكم لبس الحذاء الذي فيه خيوط وهذا يسأل عن لبس الحزام الذي فيه خيط ونحو ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعبر بذلك إنما نهى عن الألبسة المفصلة على قدر البدن للرجال ولم يتعرض للمخيط.

الخطبة الثانية

الحمد لله خالق كل شيء وما عداه مربوب له تحت أمره وقهره والصلاة السلام على من لم يكن فاحشا في كلامه ولا متفحشا.

وبعد: عباد الله:
مما ينهى عنه من الألفاظ ذم الدهر وسبه ووصفه بالغدر وأنه لا يؤمن جانبه و أنه يرفع الأسافل ويضع أهل المروءات وأنه يسعد مرة ويشقى مرات ونحو ذلك وهذا في كلام الشعراء كثير فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" رواه البخاري (4826) ومسلم (5274) فالدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره مذلل لتسخيره فسابه أولى بالسب منه لأنه سب من ليس أهلا للسب. والسب في الواقع يقع على من فعل هذه الأفعال فرب الدهر هو الله تعالى المعطي المانع الخافض الرافع المعز المذل والدهر ليس له من الأمر شيء فمسبتهم للدهر مسبة لله عز وجل ولهذا كانت مؤذية للرب تعالى.

ومما ينهى عنه من الألفاظ سب الناس والتحسر على تقصيرهم في دينهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكُهم " رواه مسلم (2623) فلا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم فهو أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم واحتقارهم وفي الغالب الحامل على هذا الكلام هو العجب بالنفس وما عندها من عمل فإذا وقع في نفسه ذلك تمكن منه الشيطان وأهلكه إن لم يتداركه الله برحمته. فلا ينبغي التركيز على أخطأ الآخرين بل ينظر لجوانب الخير التي فيهم وهي كثيرة والحمد لله فالثناء على الناس ومدحهم بما هو فيهم من خير مظنة انتفاعهم بالداعية والعمل بنصحه وتوجيهه بخلاف من جل وعظه وتذكيره بذكر المثالب ومواطن التقصير فالنفس إذا شعرت أن عندها ما يستحق المحافظة عليه نشطت للعمل و المحافظة على ذلك بخلاف إذا اشعرت أنها لا خير فيها و أنها مجمع الشر فليس هناك ما يدعو إلى المحافظ عليه.

و مما ينهى عنه من الألفاظ قول تعس الشيطان فعن تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عمن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت رديفه على حمار فعثر الحمار فقلت تعس الشيطان فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال صرعته بقوتي فإذا قلت بسم الله تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب رواه أحمد (20068) بإسناد صحيح. ومثل هذا قول القائل أخزى الله الشيطان وقبح الله الشيطان فإن ذلك كله يفرحه ويقول علم ابن آدم أني قد نلته بقوتي وذلك مما يعينه على إغواء القائل ولا يفيد القائل شيئا فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان أن يذكر الله تعالى ويذكر اسمه ويستعيذ بالله منه فإن ذلك أنفع له وأغيظ للشيطان فأمرنا بالتسمية بالله والاستعاذة منه أما لعن الشيطان فلم نؤمر بذلك وهو ملعون بلعنة الله فلعن اللاعن له لا يتأذى منه الشيطان ولا يعصم به اللاعن من الشيطان.






Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles