لا تصدقوه فإنه كذاب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل على النبي المصطفى والرسول المجتبى:
أما بعد فيا أيها الإخوة:
إن مما انتشر بين الناس منذ قديم ولا يزال الانشغال بمتابعة الحديث عن الأبراج والنجوم وما يتبع ذلك من كلام عن الحظوظ والمقادير، فما من مجلة اليوم ولا جريدة إلا وخصصت جزءاً من صفحاتها للحديث عن هذا الموضوع، بل زاد الطين بلة أن أفسحت له كثير من الفضائيات المجال في برامج ولقاءات جعلت الناس يفتتنون أكثر بهذه المسألة [1] وهذا يقتضي منا - أيها الإخوة - أن نعرف حكم الشرع الحنيف في هذا السلوك ونفصل القول فيه فإنه يتعلق بعقيدة الإسلام فلنفسح الصدر والعقل لقبول حكم الشرع المبني على دقة وإحكام نظر في هذه المسألة من خلال الأدلة وأقوال الأئمة.
وسأتناول الحديث عن هذا الموضوع في العناصر التالية:
أولاً: النجوم فوائد ومنافع.
ثانياً: أنا وأنت والنجوم.
ثالثاً: لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله.
فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن أوتي بصيرة فصار له سراج يضيء له الظلمات حتى نصل إلى الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، محفوظين بعين الله التي لا تنام، مكلوئين بكلئه الذي لا يرام ولا يضام.
أولاً: النجوم فوائد ومنافع:
أيها الإخوة:
ما خلق الله - تبارك وتعالى - شيئاً في الكون صغيراً أو كبيراً عظيماً أو غير ذلك يخلو أبدًا عن منفعة سواء ظهرت لنا هذه المنفعة أم لم تظهر أو ظهر لنا بعضها وخفي عنا البعض الآخر.
وقد يحسن الناس استغلال هذه الأشياء التي خلقها الله - عز وجل - وقد يسيئون استغلالها والواجب - أيها الإخوة - على كل مؤمن أن يعتقد حكمة الله تعالى في خلق الأشياء ويؤمن بذلك ويوقن به.
وعلى المؤمن كذلك أن ينتفع بما خلق الله في طاعة الله وعبادته حتى يكون حجة له لا حجة عليه.
لكن كثيراً من الناس للأسف الشديد يحرصون على ما يضرهم ولا ينفعهم ويشترون الضلال المبين ويبيعون الهدى النفيس الثمين.
ومن ذلك - أيها الإخوة - الانصراف عن الاعتبار بخلق النجوم وما فيها من الفوائد وما أودعها الله من الأسرار والمنافع والمعارف.
نعم فقد خلق الله - عز وجل - هذه النجوم وجعلها دليلاً يسوق إليه ويعرف الناس عليه عز شأنه، فالنجوم آية من آيات الله المبثوثة في الكون دليلاً على الله، ومصابيح تنير الطريق وترشد الناس إليه سبحانه جل في علاه.
كل الوجود على وجودك شاهد، وكل الكائنات لك تقر وتشهد.
ومما يظهر لنا - أيها الإخوة - من حكمة خلق النجوم ومن منافعها وفوائدها:
أولاً: أنها زينة للسماء:
قال عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾ [الملك: 5] قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - تعالى: "وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت [2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ [الصافات: 6] أي زين الله السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16] انظر يا أخي في السماء وتمتع بالنظر إليها ورحم الله ورضي عمن قال في حقهم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران: 190 - 192]، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر النظر إلى السماء يتأمل فيها وهو يقرأ هؤلاء الآيات، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث ابن عباس أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَامَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِى السَّمَاءِ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ فِى آلِ عِمْرَانَ ﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.[3]
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ - قَالَ - فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ "مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا". قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ "أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ". قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فَإِذَا ذَهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ".[4]
ولهذا قال الله - عز وجل -: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].
فمن منافع النجوم أنها زينة للسماء، ولا زلت أتذكر حوارًا لطيفًا دار بين رجلين أحدهما مثقف له دراية بالأشياء والآخر عاميّ منعته أشغاله ومهامه أن يلتفت إلى شيء من هذا إلا فيما ندر وكان الاثنان جالسين بينما نظر الثاني في الفضاء فرأى ضوءًا مشعًّا يأتي من السماء إلى الأرض فنظر إلى مصدر الضوء وقال مستفهمًا: ألا تختلف هذه النجمة عن ما حولها من النجوم؟ فنظر المثقف حيث نظر صاحبه فابتسم وهز رأسه بالنفي قائلا: هذه ليست نجمة وإنما هذا هو القمر الصناعي.
أيها الإخوة!
هذا مثال صغير لكن لا ينبغي أن نمر به دون أن نفيد منه فائدة فدعونا أيها الإخوة نتساءل: ترى لو أن السماء خلت من النجوم وبدا لأهل الأرض أن يزينوا السماء والبشر اليوم مولعون بوضع الزينات في كل مكان بسبب وبغير سبب ترى لو بدا لهم أن يزينوا السماء ولا يدعونها هكذا ظلاما حالكا كم كان يكفيهم ذلك من أموال؟! وبحسبة صغيرة دعونا نعود إلى قصة الرجلين مع القمر الصناعي ونقول: إن تكلفة إيجار قناة إعلامية واحدة لمدة سنة واحدة يكلف خمسة ملايين جنيها تقريبا هذه قناة واحدة لمدة سنة واحدة إيجارًا، فماذا لو كانت تمليكا؟ ثم كم تكلفة قنوات القمر التي تزيد عن ألف قناة؟ وهذا كله في النهاية لصناعة قمر صناعي واحد يشبه النجم وليس هو النجم فكم تكون الحسبة في ملايين أو قل بلايين أو ما شاء الله من النجوم؟؟ إننا أمام هذه الآية الربانية لا نملك إلا أن نردد في يقين وخضوع قول ربنا وأحق القول قول ربنا: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].
ثانياً: أنها رجوم للشياطين ترجم من تسول له نفسه من الشياطين أن يقترب ليسترق السمع من السماء:
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ قال الحافظ ابن كثير: عاد الضمير في قوله ﴿ وَجَعَلْنَاهَا ﴾ على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها والله أعلم.
وهذه أحبتي نقطة في غاية الأهمية أن بعض الناس نسمعه يقول حين يرى شهاباً ينزل من السماء يقول: سقط النجم أو النجوم سقطت أو نزلت وهذا خطأ فليس النجم هو الذي سقط وإنما هو شهاب من دون النجوم وليست النجوم.
ومن هدي النبوة الذي علمنا إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأينا ذلك أن ندعو الله - تبارك وتعالى - بدعاء فحين نرى هذا الشهاب نقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
ففي الحديث الذي أخرجه ابن السني عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكوكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.[5]
قال النووي في الأذكار:
وروى الشافعي - رحمه الله - في الأم بإسناده عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشر إليه وليصف وليثبت.
قال الشافعي: ولم تزل العرب تكرهه أي الإشارة والنظر إلى الشهاب إذا انقض أو إلى البرق.
ولكن - أيها الإخوة -.. لماذا ينقض شهاب من الكوكب؟ أو لماذا نرى الشهب تسقط من السماء؟
والجواب: كما قال ربنا سبحانه: ﴿ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ وقال - عز وجل -: ﴿ وَحَفِظْنَاهَا ﴾ أي السماء ﴿ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [الحجر: 17] وقال - عز وجل - ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الصافات: 6 - 10] ، وتفصيل ذلك له قصة ذكرتها سورة الجن على ألسنة شهود من أهلهم أخبروا عما كان من حالهم كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 8 - 11].
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء مُلئَت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق. وهذا من لطف الله بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ أي: من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا له، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه، ﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ أي: ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله - عز وجل -. وقد ورد في الصحيح: "والشر ليس إليك".[6]
فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله. [7]
فيرمون بالشهب إذا ارادوا استراق السمع ومن أدركه الشهاب قتله هذا ما لهم في الدنيا، ومن ظل على عمله ذك منهم قال الله تعالى في حقه ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴾ أي جعلنا للشياطين فوق خزي الدنيا عذاب السعير في الآخرة.
إذاً النجوم لها فوائد:
أولاً: زينة للسماء.
ثانياً: رجوم للشياطين.
ثالثاً: علامات يهتدى بها في البر والبحر.
قال الله - عز وجل -: ﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16].
فمن نعم الله - عز وجل - ومننه على عباده أنهم يهتدون بالنجوم في سيرهم، في أسفارهم يستدلون بها على صحة طريقهم، وكذا يستخدمها إلى اليوم أصحاب الفلك في البحر والطيارون في الجو إلى غير ذلك من الاستخدامات النافعة المفيدة فمن فوائد النجوم ومنافعها أنها علامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر.
فهي علامات هداية في الدنيا إلى صالح العباد وآيات هداية في الدين إلى رب العباد - سبحانه وتعالى - لمن تفكر فيها وتأملها وتدبر الحكم والعبر التي خلقها الله فيها وأودعها إياها.
رابعاً: النجوم أمنة للسماء كما في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي موسى قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ - قَالَ- فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ: " أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ ". قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فَإِذَا ذَهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ".[8]
فالنجوم أمنة للسماء إذا ذهبت كان ذلك إيذانًا بزوال الدنيا وفنائها، كما قال ربنا سبحانه في سورة التكوير: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾ أي انتثرت وانصبت وتساقطت وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: ست آيات قبل يوم القيامة: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن بالإنس والإنس بالجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض [9]، سبحانك سبحانك سلم يا رب سلم.
وقال ربنا - سبحانه وتعالى - أيضاً في سورة الانفطار: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴾ [الانفطار: 1، 2] إلى آخر الآيات.
أيها الإخوة!
هذه بعض فوائد النجوم ومنافعها وقد أجمل الثلاث الأول منها قتادة فيما أخرجه البخاري في صحيحه عنه قال: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به". [10]
قال أهل العلم: وهذا ليس حصراً فإن ثبتت فوائد وعلل أخرى فلا مانع من إثباتها، بشرط أن يدل عليها دليل من الشرع.
هذه إخوتي فوائد ومنافع النجوم، ولأجل هذا - أيها الإخوة - كان للنجوم مكانة عظيمة في القرآن الكريم حتى أقسم الله - عز وجل - بها غير مرة في كتابه فمن ذلك قوله - عز وجل -: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ [البروج: 1]: قال ابن كثير: يقسم - تبارك وتعالى - بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام. [11]
ومن ذلك قوله - عز وجل -: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ [الطارق: 1 - 3] قال ابن كثير: يقسم الله - تبارك وتعالى - بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة، ولهذا قال والسماء والطارق ثم قال وما أدراك ما الطارق ثم فسره بقوله النجم الثاقب أي المضيء وقال بعضهم: الثاقب الذي يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وقال عكرمة تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم: هو مضيء ومحرق للشيطان، ومن ذلك أيضاً قوله - عز وجل -: ﴿ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ [التكوير: 15، 16]، قال علي بن أبي طالب: هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل.[12]
ومن ذلك أيضاً قوله - عز وجل -: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ (اسمع وانتبه) ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة: 75، 76] .
وقال عز شأنه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾ [الفرقان: 61].
أي عظمة هذه التي تحتلها النجوم وأي مكانة تلك التي تتبوؤها ما أعظمها منزلة وأفضل بها من مكانة وأجدر بها، ولذلك كان الصواب والحق أن يهدينا ذلك الجندي على سيده العظيم الجليل وأن يأخذ بأيدينا إليه وقد استفاد العلماء منه ما هو كذلك فعلاً وهو علم التسيير وهو علم مفيد في أحوال دينية ودنيوية أيضاً وعلم التسيير المقصود به الاستدلال بالنجوم وسيرها على المصالح المباحة فالاستفادة من النجوم وعلومها وما أودعت من العلوم والمعارف على نوعين:
النوع الأول: علم التأثير.
والنوع الثاني: علم التسْيير.
أولا: علم التأثير:
أي تأثير النجوم علي الحوادث الأرضية كأن يعتقد أن النجم فاعل في الأشياء ومؤثر في الكون ويخلق الأحداث ونحو ذلك. وهذا كفر بالإجماع لقوله تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر:3]، و"هل" هنا استفهام بمعني النفي، أي لا خالق إلا الله - سبحانه وتعالى -.
أو أن يُستدل بحركة النجوم طلوعًا وغروبًا واجتماعًا وافتراقًا على بعض الغيب.
كأن يقال: من ولد من نجم الجوزاء سيكون من السعداء، ومن تزوج من برج كذا سيكون كذا، فهذا شرك أكبر، لأنه ادعاء لعلم الغيب والله تعالي يقول: ﴿ قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السموات وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ [النمل:65]، وهذا قد ادعى علم الغيب ومن قام به فهو كافر كفرا أكبر.
وهناك من يعتقد أن النجوم سبب في الأشياء ولكنه موقن أن الله هو الفاعل فهو يجعلها سببًا للحوادث فإذا وقع أمر ما نسبه للنجم، كأن يسلم الزرع مثلًا من الهلاك فينسب المزارع هذا الذي حدث إلى نجم الثريا على أنه سبب السلامة، وهذا أيضًا حرام بل هو شرك أصغر.
ثانيًا: علم التسيير:
ومعناه الاستدلال بسير النجوم علي المصالح الدينية المباحة كالاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية، كمعرفة اتجاه القبلة، ووقت دخول ثلث الليل الآخر، ودخول أوقات الصلاة. فهذا فرض كفاية، ويستحب، وهذا ليس محل نزاع. بل كثير منه نافع قد حث عليه الشارع إذا كان وسيلة إلى معرفة أوقات العبادات. [13]
وأيضًا مثل الاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية والدنيوية، كالاستدلال على الجهات الأربع والفصول الأربعة، والفصول الزراعية، وفصول السنة ونحوها. فهذا لا بأس به إن اقتصر الأمر على ذلك مع صحة عقيدة وخلو الزمان عن الافتتان بالتنجيم وصحة إيمان الناس بالعزيز العليم سبحانه.
هذه هي منافع النجوم وفوائدها - أيها الإخوة -.. لكن نفراً من الناس قد أعمى الله أبصارهم وطمس على بصيرتهم فلم يروا هذه الفوائد والمنافع التي دل عليها كتاب ربنا وأرشدت إليها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فراحوا يخترعون ويصدقون اختراعات بعضهم البعض فتعلموا التنجيم - وهو نوع من أنواع السحر - وفتنوا به الناس وللأسف تبعهم كثيرون على هذا الطريق، وليس أدل على هذا كما قدمنا في أول اللقاء من كثرة الأبواب والنوافذ واللقاءات والبرامج التي تهرف بما لا تعرف في هذا الباب بغير هدى عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو عنصرنا الثاني: أنا وأنت والنجوم:
أيها الإخوة:
أنت والنجوم، حظك اليوم، بنك الحظ، مع النجوم، حظك من نجمك، عالم الأبراج... كلمات كثيرة صارت في الآونة القريبة جدّاً من الماضي القريب وإلى اليوم تشغل أذهان القراء والمستمعين والمشاهدين نعم.. تطاردهم في الإعلام بكافة أشكاله وصوره المقروء والمسموع والمشاهد.
وخلاصة فكرة هؤلاء العارضين وهؤلاء المعروض عليهم أنهم يعتقدون في هذه النجوم والأبراج والفلكيات تأثيراً يؤثر على الأشياء، وأنها كذلك باب للاطلاع على شيء من مستقبل الإنسان وما يصير إليه، حتى صرنا نسمع والله سخفاً من القول لا يقبله عقل عاقل بل شين في عقل المجنون قبوله.
واسمعوا معي إلى بعض هذا السخف: مواليد نجم الجوزاء سيكونون من السعداء، لابد من الاتحاد في الأبراج بين كل من الزوجين حتى يضمنا كامل السعادة الزوجية، تقابلك اليوم مشكلة تتغلب عليها وتمضي بسلام، مشكلة عاطفية تخرج منها سريعًا.... إلى آخر هذا السخف والهراء الذي من اعتقد فيه أشرك مع الله تعالى ولذلك قال العلماء: يلزم الحذر من هذه المجلات لأنها تروج الشرك في بيوت المسلمين فيجب مقاطعتها والإنكار عليها والإنكار على المتعاطي لها.
بل من أعجب ما قرأت في ذلك ما كتبه العلامة الألباني في كتابه القيم التوسل قال: ومن أمثلة الوسائل الباطلة شرعاً وكوناً في آن واحد، ما يراه المار في شارع النصر في دمشق في كثير من الأحيان، إذ يجد بعض الناس قد وضعوا أمامهم مناضد صغيرة، وعليها حيوان صغير يشبه الفأر الكبير، وقد وضع بجانبه بطاقات مضمومة كتب فيها عبارات فيها توقعات لحظوظ الناس، كتبها صاحب الحيوان، أو أملاها عليه بعض الناس كما شاء لهم جهلهم وهواهم، فيمر الصديقان الحميمان فيقول أحدهما للآخر: تعال لنرى حظنا ونصيبنا، فيدفعان للرجل بضعة قروش، فيدفع الحوين لسحب بطاقة ما، ويعطيها أحدهما فيقرؤها، ويطالع حظه المزعوم فيها!
ترى ما مبلغ عقل هذا الإنسان الذي يتخذ الحيوان دليلاً ليعلمه ما جهله، وليطلعه على ما غُيّب عنه من قدره؟
إنه إن كان يعتقد فعلاً أن هذا الحيوان يعلم الغيب فلا شك أن الحيوان خير منه، وإن كان لا يعتقد ذلك ففعله هذا عبث وسخف وإضاعة وقت ومال يتنزه عنه العقلاء. كما أن تعاطي هذا العمل تدجيل وتضليل وأكل لأموال الناس بالباطل. [14]
ما مبلغ عقل هذا الإنسان؟ وقبل هذا ما عمق إيمانه؟ وهذا سؤال مفتوح لا أبغي الجواب عنه، بل ليجب كل منا في نفسه عن نفسه لو كان في حاله أو في مثل حاله، وللحديث صلة بعد جلسة الاستراحة وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.
أما بعد، فيا أيها الإخوة..
إن النجوم خلق من خلق الله تعالى لا ينبغي أن يطلب منها ما هو حق خالص للخالق - سبحانه وتعالى -: فهل من خالق غير الله؟ ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].
فلا يجوز الاستدلال بحركة النجوم طلوعاً وغروباً واجتماعاً وافتراقاً على ما هو من خصائص الله - عز وجل -، لا ينبغي أن نتكهن ونفتري على الله أننا نعلم شيئاً من الغيب لا عن طريق النجوم ولا غيرها والله - عز وجل - يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
ويقول عن سائر رسله عليهم الصلاة والسلام: "﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 26 - 28].
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
"الله عز وجل يعلم الغيب والشهادة ولا يطلع أحد من خلقه أبداً على شيء من علمه إلا على ما أطلعه عليه هو عز وجل".
فهل يقول لنا هؤلاء المنجمون من أين يأتيهم الغيب وبأي واسطة يتعرفون على الحظ والسعادة والشقاوة والذي حدث ويحدث للإنسان؟ أجيبونا يا من تطالعون جرائدهم ومجلاتهم وتتشوقون وتتعلق قلوبكم بهذه السخافات؟ هل من مجيب؟ ألا من راد؟
أنا أجيب أحبتي، أجيب الذين يريدون معرفة ذلك أنهم يقتبسون ذلك من النجوم بطريق السحر نعم بطريق السحر الذي هو كفر كما أوضحنا في الجمعات السابقات عن السحر والسحرة وقد قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود بسند صحيح من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر". [15]
وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه بسند حسن من حديث أبي موسى كذلك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يدخلون الجنة.. انتبه أيها الحبيب يا من تطالع هذه الجرائد لتعرف حظك وتطمئن على حالك ومستقبلك وتعلق قلبك بها.
ثلاثة لا يدخلون الجنة: "مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر". [16]
وربما يقول بعض الأحبة الآن: الحمد لله أنا لا أطالعها مصدقاً بها إنما هو حب الاستطلاع والشوق إلى معرفة ما يقول هؤلاء فقط ولا أصدقهم فيما يقولون بل ربما أقرؤه وأنا أضحك وأهزأ منهم، مجرد حب استطلاع يعني.
إن ذلك حرام أيضاً فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ أَوْ أَتَى امْرَأَةً وفي لفظ: امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ في دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ".[17]
وعند الترمذي: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ".[18]
وروى مسلم عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شيء لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ".[19]
هذا هو حكم الإسلام في المنجم ومن أتاه ولله در التاج الكندي إذ يقول:
فليحذر كل امرئ لنفسه وليحتط لدينه، واتقوا الله في أنفسكم يا أولي الألباب واعلموا أنه لا يعلم الغيب إلا الله وهذا هو عنصرنا الثالث والأخير بإيجاز.
أيها الإخوة.. وقد اخترع بعض بني آدم طرقاً أخرى زعموا أنهم بها يتعرفون على شيء من الغيب، من هذه الطرق:
• ضرب الرمل والودع أو الطرق وهو الخط في الأرض ويسمى أيضاً علم الرمل حيث يقوم أصحابه بأشكال الرمل على أطوال المسألة حيث السؤال وهذه الأشكال تدل على أحكام مخصوصة يعرفونها تناسب أوضاع البروج والنجوم.
وهذا الأمر - أيها الإخوة - مبني على التعلق بالغيب الذي لا يمكن التحقق منه حيث يبني أصحابه أحكامهم على تأثيرات النجوم ودلالاتها المزعومة المدعاة وهذا نوع من التنجيم والسحر فيكون كفراً بالله تعالى.
• ومن هذه الطرق: حروف أبي جاد وهي حروف مرتبة ترتيباً معيناً يستدل بها أصحابها - زعموا - على المغيبات فيطلعون على سعود فلان ونحوس علان ومن هذه الطريقة أيضاً ما عند الشيعة هداهم الله أو هدهم مما يسمونه أسرار الحروف أو علم الجفر الذي ينسبونه إلى جعفر الصادق - رحمه الله - وهو وآله براء من الشيعة وأعمالهم إلى يوم القيامة.
• ومن هذه الطرق كذلك: قراءة الكف ويعتمد أصحابه على قراءة الخطوط الموجودة في الأكف والأقدام والجباه بحسب التقاطيع وخلافه، ومثله قراءة الفنجان وكل ذلك مما روج له إعلامنا المصون، لا حفظ الله الإعلام الذي من هذا النوع ولا أبقاه.
إلى غير هذه الطرق التي ما أنزل الله بها من آية في كتابه ولا عرفنا إياها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ولا أقرها أحد من الأئمة ولا يقبلها عقل عاقل فضلاً عن إنسان محترم فاضل.
بل ستعجبون إذا علمتم أن الأمريكان اخترعوا عرافًا سموه العراف الإليكتروني، وهو عبارة عن جهاز يعتمد على مجموعة من المعلومات عن الدورة النفسية والعصبية وغيرها، يجري عليها حسابات خاصة، ثم يخرج النتيجة التي هي عبارة عن توجيه لصاحب هذه المعلومات وفيها افعل ولا تفعل!! فوا أسفاه على العقل يوم يكون بعيدًا عن دين الله تعالى.
هذا كله حرام، بل قرر العلماء والفقهاء أن علم التنجيم وما يلحق به كالخط على الرمل ومعرفة الطالع وقراءة الفنجان والكف وما أشبه ذلك كلها كلها من أعمال الجاهلين ومن طرق الشرك التي حرمها الإسلام وجاء بإبطالها والتحذير منها ومن إتيان من يتعاطاها وسؤاله عنها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به وصدق ربي إذ يقول: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].
فاتقوا الله يا أولي الألباب اتقوا الله يا ذوي العقول السليمة، ويا أصحاب الفكر السام احجبوا عنا فكركم ويا قراءنا السعداء أنكروا هذا بقلوبكم وأقوالكم وأحوالكم يسد عنكم ويغلق بابه دونكم.
أقول قولي هذا وأدعو الله أن يحفظ علينا ديننا وأن يحفظ بالدين حياتنا وأن يجعلنا من حفظة دينه... الدعاء.
أحمد الجوهري عبد الجواد |
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل على النبي المصطفى والرسول المجتبى:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ![]() يا سماء ما طاولتها سماءُ ![]() إنما مثلوا صفاتك للناس ![]() كما مثل النجوم الماءُ ![]() حن جذع إليك وهو جماد ![]() فعجيب أن يجمد الأحياءُ ![]() |
أما بعد فيا أيها الإخوة:
إن مما انتشر بين الناس منذ قديم ولا يزال الانشغال بمتابعة الحديث عن الأبراج والنجوم وما يتبع ذلك من كلام عن الحظوظ والمقادير، فما من مجلة اليوم ولا جريدة إلا وخصصت جزءاً من صفحاتها للحديث عن هذا الموضوع، بل زاد الطين بلة أن أفسحت له كثير من الفضائيات المجال في برامج ولقاءات جعلت الناس يفتتنون أكثر بهذه المسألة [1] وهذا يقتضي منا - أيها الإخوة - أن نعرف حكم الشرع الحنيف في هذا السلوك ونفصل القول فيه فإنه يتعلق بعقيدة الإسلام فلنفسح الصدر والعقل لقبول حكم الشرع المبني على دقة وإحكام نظر في هذه المسألة من خلال الأدلة وأقوال الأئمة.
وسأتناول الحديث عن هذا الموضوع في العناصر التالية:
أولاً: النجوم فوائد ومنافع.
ثانياً: أنا وأنت والنجوم.
ثالثاً: لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله.
فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن أوتي بصيرة فصار له سراج يضيء له الظلمات حتى نصل إلى الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، محفوظين بعين الله التي لا تنام، مكلوئين بكلئه الذي لا يرام ولا يضام.
أولاً: النجوم فوائد ومنافع:
أيها الإخوة:
ما خلق الله - تبارك وتعالى - شيئاً في الكون صغيراً أو كبيراً عظيماً أو غير ذلك يخلو أبدًا عن منفعة سواء ظهرت لنا هذه المنفعة أم لم تظهر أو ظهر لنا بعضها وخفي عنا البعض الآخر.
وقد يحسن الناس استغلال هذه الأشياء التي خلقها الله - عز وجل - وقد يسيئون استغلالها والواجب - أيها الإخوة - على كل مؤمن أن يعتقد حكمة الله تعالى في خلق الأشياء ويؤمن بذلك ويوقن به.
لله في الآفاق آيات لعل ![]() أقلها هو ما إليه هداكَ ![]() ولعل ما في النفس من آياته ![]() عجب عجاب لو ترى عيناك ![]() الكون مشحون بأسرار إذا ![]() حاولت تفسيراً لها أعياك ![]() |
وعلى المؤمن كذلك أن ينتفع بما خلق الله في طاعة الله وعبادته حتى يكون حجة له لا حجة عليه.
لكن كثيراً من الناس للأسف الشديد يحرصون على ما يضرهم ولا ينفعهم ويشترون الضلال المبين ويبيعون الهدى النفيس الثمين.
ومن ذلك - أيها الإخوة - الانصراف عن الاعتبار بخلق النجوم وما فيها من الفوائد وما أودعها الله من الأسرار والمنافع والمعارف.
نعم فقد خلق الله - عز وجل - هذه النجوم وجعلها دليلاً يسوق إليه ويعرف الناس عليه عز شأنه، فالنجوم آية من آيات الله المبثوثة في الكون دليلاً على الله، ومصابيح تنير الطريق وترشد الناس إليه سبحانه جل في علاه.
كل الوجود على وجودك شاهد، وكل الكائنات لك تقر وتشهد.
فواعجباً كيف يعصى الإله ![]() أو كيف يجحده الجاحدُ ![]() وفي كل شيء له آية ![]() تدل على أنه الواحدُ ![]() |
ومما يظهر لنا - أيها الإخوة - من حكمة خلق النجوم ومن منافعها وفوائدها:
أولاً: أنها زينة للسماء:
قال عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾ [الملك: 5] قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - تعالى: "وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت [2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ [الصافات: 6] أي زين الله السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16] انظر يا أخي في السماء وتمتع بالنظر إليها ورحم الله ورضي عمن قال في حقهم: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران: 190 - 192]، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر النظر إلى السماء يتأمل فيها وهو يقرأ هؤلاء الآيات، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث ابن عباس أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَامَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِى السَّمَاءِ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ فِى آلِ عِمْرَانَ ﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.[3]
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ - قَالَ - فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ "مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا". قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ "أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ". قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فَإِذَا ذَهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ".[4]
ولهذا قال الله - عز وجل -: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].
فمن منافع النجوم أنها زينة للسماء، ولا زلت أتذكر حوارًا لطيفًا دار بين رجلين أحدهما مثقف له دراية بالأشياء والآخر عاميّ منعته أشغاله ومهامه أن يلتفت إلى شيء من هذا إلا فيما ندر وكان الاثنان جالسين بينما نظر الثاني في الفضاء فرأى ضوءًا مشعًّا يأتي من السماء إلى الأرض فنظر إلى مصدر الضوء وقال مستفهمًا: ألا تختلف هذه النجمة عن ما حولها من النجوم؟ فنظر المثقف حيث نظر صاحبه فابتسم وهز رأسه بالنفي قائلا: هذه ليست نجمة وإنما هذا هو القمر الصناعي.
أيها الإخوة!
هذا مثال صغير لكن لا ينبغي أن نمر به دون أن نفيد منه فائدة فدعونا أيها الإخوة نتساءل: ترى لو أن السماء خلت من النجوم وبدا لأهل الأرض أن يزينوا السماء والبشر اليوم مولعون بوضع الزينات في كل مكان بسبب وبغير سبب ترى لو بدا لهم أن يزينوا السماء ولا يدعونها هكذا ظلاما حالكا كم كان يكفيهم ذلك من أموال؟! وبحسبة صغيرة دعونا نعود إلى قصة الرجلين مع القمر الصناعي ونقول: إن تكلفة إيجار قناة إعلامية واحدة لمدة سنة واحدة يكلف خمسة ملايين جنيها تقريبا هذه قناة واحدة لمدة سنة واحدة إيجارًا، فماذا لو كانت تمليكا؟ ثم كم تكلفة قنوات القمر التي تزيد عن ألف قناة؟ وهذا كله في النهاية لصناعة قمر صناعي واحد يشبه النجم وليس هو النجم فكم تكون الحسبة في ملايين أو قل بلايين أو ما شاء الله من النجوم؟؟ إننا أمام هذه الآية الربانية لا نملك إلا أن نردد في يقين وخضوع قول ربنا وأحق القول قول ربنا: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].
ثانياً: أنها رجوم للشياطين ترجم من تسول له نفسه من الشياطين أن يقترب ليسترق السمع من السماء:
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ قال الحافظ ابن كثير: عاد الضمير في قوله ﴿ وَجَعَلْنَاهَا ﴾ على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها والله أعلم.
وهذه أحبتي نقطة في غاية الأهمية أن بعض الناس نسمعه يقول حين يرى شهاباً ينزل من السماء يقول: سقط النجم أو النجوم سقطت أو نزلت وهذا خطأ فليس النجم هو الذي سقط وإنما هو شهاب من دون النجوم وليست النجوم.
ومن هدي النبوة الذي علمنا إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأينا ذلك أن ندعو الله - تبارك وتعالى - بدعاء فحين نرى هذا الشهاب نقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
ففي الحديث الذي أخرجه ابن السني عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكوكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.[5]
قال النووي في الأذكار:
وروى الشافعي - رحمه الله - في الأم بإسناده عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشر إليه وليصف وليثبت.
قال الشافعي: ولم تزل العرب تكرهه أي الإشارة والنظر إلى الشهاب إذا انقض أو إلى البرق.
ولكن - أيها الإخوة -.. لماذا ينقض شهاب من الكوكب؟ أو لماذا نرى الشهب تسقط من السماء؟
والجواب: كما قال ربنا سبحانه: ﴿ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ وقال - عز وجل -: ﴿ وَحَفِظْنَاهَا ﴾ أي السماء ﴿ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [الحجر: 17] وقال - عز وجل - ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الصافات: 6 - 10] ، وتفصيل ذلك له قصة ذكرتها سورة الجن على ألسنة شهود من أهلهم أخبروا عما كان من حالهم كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 8 - 11].
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء مُلئَت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق. وهذا من لطف الله بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ أي: من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا له، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه، ﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ أي: ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله - عز وجل -. وقد ورد في الصحيح: "والشر ليس إليك".[6]
فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله. [7]
فيرمون بالشهب إذا ارادوا استراق السمع ومن أدركه الشهاب قتله هذا ما لهم في الدنيا، ومن ظل على عمله ذك منهم قال الله تعالى في حقه ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴾ أي جعلنا للشياطين فوق خزي الدنيا عذاب السعير في الآخرة.
إذاً النجوم لها فوائد:
أولاً: زينة للسماء.
ثانياً: رجوم للشياطين.
ثالثاً: علامات يهتدى بها في البر والبحر.
قال الله - عز وجل -: ﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16].
فمن نعم الله - عز وجل - ومننه على عباده أنهم يهتدون بالنجوم في سيرهم، في أسفارهم يستدلون بها على صحة طريقهم، وكذا يستخدمها إلى اليوم أصحاب الفلك في البحر والطيارون في الجو إلى غير ذلك من الاستخدامات النافعة المفيدة فمن فوائد النجوم ومنافعها أنها علامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر.
فهي علامات هداية في الدنيا إلى صالح العباد وآيات هداية في الدين إلى رب العباد - سبحانه وتعالى - لمن تفكر فيها وتأملها وتدبر الحكم والعبر التي خلقها الله فيها وأودعها إياها.
رابعاً: النجوم أمنة للسماء كما في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي موسى قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَهُ الْعِشَاءَ - قَالَ- فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " مَا زِلْتُمْ هَا هُنَا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّىَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ: " أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ ". قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأصحابي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أصحابي مَا يُوعَدُونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فَإِذَا ذَهَبَ أصحابي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ".[8]
فالنجوم أمنة للسماء إذا ذهبت كان ذلك إيذانًا بزوال الدنيا وفنائها، كما قال ربنا سبحانه في سورة التكوير: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾ أي انتثرت وانصبت وتساقطت وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: ست آيات قبل يوم القيامة: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن بالإنس والإنس بالجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض [9]، سبحانك سبحانك سلم يا رب سلم.
وقال ربنا - سبحانه وتعالى - أيضاً في سورة الانفطار: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴾ [الانفطار: 1، 2] إلى آخر الآيات.
أيها الإخوة!
هذه بعض فوائد النجوم ومنافعها وقد أجمل الثلاث الأول منها قتادة فيما أخرجه البخاري في صحيحه عنه قال: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به". [10]
قال أهل العلم: وهذا ليس حصراً فإن ثبتت فوائد وعلل أخرى فلا مانع من إثباتها، بشرط أن يدل عليها دليل من الشرع.
هذه إخوتي فوائد ومنافع النجوم، ولأجل هذا - أيها الإخوة - كان للنجوم مكانة عظيمة في القرآن الكريم حتى أقسم الله - عز وجل - بها غير مرة في كتابه فمن ذلك قوله - عز وجل -: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ [البروج: 1]: قال ابن كثير: يقسم - تبارك وتعالى - بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام. [11]
ومن ذلك قوله - عز وجل -: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ [الطارق: 1 - 3] قال ابن كثير: يقسم الله - تبارك وتعالى - بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة، ولهذا قال والسماء والطارق ثم قال وما أدراك ما الطارق ثم فسره بقوله النجم الثاقب أي المضيء وقال بعضهم: الثاقب الذي يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وقال عكرمة تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم: هو مضيء ومحرق للشيطان، ومن ذلك أيضاً قوله - عز وجل -: ﴿ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾ [التكوير: 15، 16]، قال علي بن أبي طالب: هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل.[12]
ومن ذلك أيضاً قوله - عز وجل -: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ (اسمع وانتبه) ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة: 75، 76] .
وقال عز شأنه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾ [الفرقان: 61].
أي عظمة هذه التي تحتلها النجوم وأي مكانة تلك التي تتبوؤها ما أعظمها منزلة وأفضل بها من مكانة وأجدر بها، ولذلك كان الصواب والحق أن يهدينا ذلك الجندي على سيده العظيم الجليل وأن يأخذ بأيدينا إليه وقد استفاد العلماء منه ما هو كذلك فعلاً وهو علم التسيير وهو علم مفيد في أحوال دينية ودنيوية أيضاً وعلم التسيير المقصود به الاستدلال بالنجوم وسيرها على المصالح المباحة فالاستفادة من النجوم وعلومها وما أودعت من العلوم والمعارف على نوعين:
النوع الأول: علم التأثير.
والنوع الثاني: علم التسْيير.
أولا: علم التأثير:
أي تأثير النجوم علي الحوادث الأرضية كأن يعتقد أن النجم فاعل في الأشياء ومؤثر في الكون ويخلق الأحداث ونحو ذلك. وهذا كفر بالإجماع لقوله تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر:3]، و"هل" هنا استفهام بمعني النفي، أي لا خالق إلا الله - سبحانه وتعالى -.
أو أن يُستدل بحركة النجوم طلوعًا وغروبًا واجتماعًا وافتراقًا على بعض الغيب.
كأن يقال: من ولد من نجم الجوزاء سيكون من السعداء، ومن تزوج من برج كذا سيكون كذا، فهذا شرك أكبر، لأنه ادعاء لعلم الغيب والله تعالي يقول: ﴿ قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السموات وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ [النمل:65]، وهذا قد ادعى علم الغيب ومن قام به فهو كافر كفرا أكبر.
وهناك من يعتقد أن النجوم سبب في الأشياء ولكنه موقن أن الله هو الفاعل فهو يجعلها سببًا للحوادث فإذا وقع أمر ما نسبه للنجم، كأن يسلم الزرع مثلًا من الهلاك فينسب المزارع هذا الذي حدث إلى نجم الثريا على أنه سبب السلامة، وهذا أيضًا حرام بل هو شرك أصغر.
ثانيًا: علم التسيير:
ومعناه الاستدلال بسير النجوم علي المصالح الدينية المباحة كالاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية، كمعرفة اتجاه القبلة، ووقت دخول ثلث الليل الآخر، ودخول أوقات الصلاة. فهذا فرض كفاية، ويستحب، وهذا ليس محل نزاع. بل كثير منه نافع قد حث عليه الشارع إذا كان وسيلة إلى معرفة أوقات العبادات. [13]
وأيضًا مثل الاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية والدنيوية، كالاستدلال على الجهات الأربع والفصول الأربعة، والفصول الزراعية، وفصول السنة ونحوها. فهذا لا بأس به إن اقتصر الأمر على ذلك مع صحة عقيدة وخلو الزمان عن الافتتان بالتنجيم وصحة إيمان الناس بالعزيز العليم سبحانه.
هذه هي منافع النجوم وفوائدها - أيها الإخوة -.. لكن نفراً من الناس قد أعمى الله أبصارهم وطمس على بصيرتهم فلم يروا هذه الفوائد والمنافع التي دل عليها كتاب ربنا وأرشدت إليها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فراحوا يخترعون ويصدقون اختراعات بعضهم البعض فتعلموا التنجيم - وهو نوع من أنواع السحر - وفتنوا به الناس وللأسف تبعهم كثيرون على هذا الطريق، وليس أدل على هذا كما قدمنا في أول اللقاء من كثرة الأبواب والنوافذ واللقاءات والبرامج التي تهرف بما لا تعرف في هذا الباب بغير هدى عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو عنصرنا الثاني: أنا وأنت والنجوم:
أيها الإخوة:
أنت والنجوم، حظك اليوم، بنك الحظ، مع النجوم، حظك من نجمك، عالم الأبراج... كلمات كثيرة صارت في الآونة القريبة جدّاً من الماضي القريب وإلى اليوم تشغل أذهان القراء والمستمعين والمشاهدين نعم.. تطاردهم في الإعلام بكافة أشكاله وصوره المقروء والمسموع والمشاهد.
وخلاصة فكرة هؤلاء العارضين وهؤلاء المعروض عليهم أنهم يعتقدون في هذه النجوم والأبراج والفلكيات تأثيراً يؤثر على الأشياء، وأنها كذلك باب للاطلاع على شيء من مستقبل الإنسان وما يصير إليه، حتى صرنا نسمع والله سخفاً من القول لا يقبله عقل عاقل بل شين في عقل المجنون قبوله.
واسمعوا معي إلى بعض هذا السخف: مواليد نجم الجوزاء سيكونون من السعداء، لابد من الاتحاد في الأبراج بين كل من الزوجين حتى يضمنا كامل السعادة الزوجية، تقابلك اليوم مشكلة تتغلب عليها وتمضي بسلام، مشكلة عاطفية تخرج منها سريعًا.... إلى آخر هذا السخف والهراء الذي من اعتقد فيه أشرك مع الله تعالى ولذلك قال العلماء: يلزم الحذر من هذه المجلات لأنها تروج الشرك في بيوت المسلمين فيجب مقاطعتها والإنكار عليها والإنكار على المتعاطي لها.
بل من أعجب ما قرأت في ذلك ما كتبه العلامة الألباني في كتابه القيم التوسل قال: ومن أمثلة الوسائل الباطلة شرعاً وكوناً في آن واحد، ما يراه المار في شارع النصر في دمشق في كثير من الأحيان، إذ يجد بعض الناس قد وضعوا أمامهم مناضد صغيرة، وعليها حيوان صغير يشبه الفأر الكبير، وقد وضع بجانبه بطاقات مضمومة كتب فيها عبارات فيها توقعات لحظوظ الناس، كتبها صاحب الحيوان، أو أملاها عليه بعض الناس كما شاء لهم جهلهم وهواهم، فيمر الصديقان الحميمان فيقول أحدهما للآخر: تعال لنرى حظنا ونصيبنا، فيدفعان للرجل بضعة قروش، فيدفع الحوين لسحب بطاقة ما، ويعطيها أحدهما فيقرؤها، ويطالع حظه المزعوم فيها!
ترى ما مبلغ عقل هذا الإنسان الذي يتخذ الحيوان دليلاً ليعلمه ما جهله، وليطلعه على ما غُيّب عنه من قدره؟
إنه إن كان يعتقد فعلاً أن هذا الحيوان يعلم الغيب فلا شك أن الحيوان خير منه، وإن كان لا يعتقد ذلك ففعله هذا عبث وسخف وإضاعة وقت ومال يتنزه عنه العقلاء. كما أن تعاطي هذا العمل تدجيل وتضليل وأكل لأموال الناس بالباطل. [14]
ما مبلغ عقل هذا الإنسان؟ وقبل هذا ما عمق إيمانه؟ وهذا سؤال مفتوح لا أبغي الجواب عنه، بل ليجب كل منا في نفسه عن نفسه لو كان في حاله أو في مثل حاله، وللحديث صلة بعد جلسة الاستراحة وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.
أما بعد، فيا أيها الإخوة..
إن النجوم خلق من خلق الله تعالى لا ينبغي أن يطلب منها ما هو حق خالص للخالق - سبحانه وتعالى -: فهل من خالق غير الله؟ ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].
فلا يجوز الاستدلال بحركة النجوم طلوعاً وغروباً واجتماعاً وافتراقاً على ما هو من خصائص الله - عز وجل -، لا ينبغي أن نتكهن ونفتري على الله أننا نعلم شيئاً من الغيب لا عن طريق النجوم ولا غيرها والله - عز وجل - يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
ويقول عن سائر رسله عليهم الصلاة والسلام: "﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 26 - 28].
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
"الله عز وجل يعلم الغيب والشهادة ولا يطلع أحد من خلقه أبداً على شيء من علمه إلا على ما أطلعه عليه هو عز وجل".
فهل يقول لنا هؤلاء المنجمون من أين يأتيهم الغيب وبأي واسطة يتعرفون على الحظ والسعادة والشقاوة والذي حدث ويحدث للإنسان؟ أجيبونا يا من تطالعون جرائدهم ومجلاتهم وتتشوقون وتتعلق قلوبكم بهذه السخافات؟ هل من مجيب؟ ألا من راد؟
أنا أجيب أحبتي، أجيب الذين يريدون معرفة ذلك أنهم يقتبسون ذلك من النجوم بطريق السحر نعم بطريق السحر الذي هو كفر كما أوضحنا في الجمعات السابقات عن السحر والسحرة وقد قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود بسند صحيح من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر". [15]
وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه بسند حسن من حديث أبي موسى كذلك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يدخلون الجنة.. انتبه أيها الحبيب يا من تطالع هذه الجرائد لتعرف حظك وتطمئن على حالك ومستقبلك وتعلق قلبك بها.
ثلاثة لا يدخلون الجنة: "مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر". [16]
وربما يقول بعض الأحبة الآن: الحمد لله أنا لا أطالعها مصدقاً بها إنما هو حب الاستطلاع والشوق إلى معرفة ما يقول هؤلاء فقط ولا أصدقهم فيما يقولون بل ربما أقرؤه وأنا أضحك وأهزأ منهم، مجرد حب استطلاع يعني.
إن ذلك حرام أيضاً فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ أَوْ أَتَى امْرَأَةً وفي لفظ: امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ في دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ".[17]
وعند الترمذي: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ".[18]
وروى مسلم عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شيء لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ".[19]
هذا هو حكم الإسلام في المنجم ومن أتاه ولله در التاج الكندي إذ يقول:
دع المنجم يكبو في ضلالته ![]() إن ادعى علم ما يجري به الفلك ![]() تفرد الله بالعلم القديم فلا ال ![]() إنسان يشركه فيه ولا الملك ![]() أعد للرزق من إشراكه شركًا ![]() وبئست العدتان: الشِّرك والشَرَك[20] ![]() |
فليحذر كل امرئ لنفسه وليحتط لدينه، واتقوا الله في أنفسكم يا أولي الألباب واعلموا أنه لا يعلم الغيب إلا الله وهذا هو عنصرنا الثالث والأخير بإيجاز.
أيها الإخوة.. وقد اخترع بعض بني آدم طرقاً أخرى زعموا أنهم بها يتعرفون على شيء من الغيب، من هذه الطرق:
• ضرب الرمل والودع أو الطرق وهو الخط في الأرض ويسمى أيضاً علم الرمل حيث يقوم أصحابه بأشكال الرمل على أطوال المسألة حيث السؤال وهذه الأشكال تدل على أحكام مخصوصة يعرفونها تناسب أوضاع البروج والنجوم.
وهذا الأمر - أيها الإخوة - مبني على التعلق بالغيب الذي لا يمكن التحقق منه حيث يبني أصحابه أحكامهم على تأثيرات النجوم ودلالاتها المزعومة المدعاة وهذا نوع من التنجيم والسحر فيكون كفراً بالله تعالى.
• ومن هذه الطرق: حروف أبي جاد وهي حروف مرتبة ترتيباً معيناً يستدل بها أصحابها - زعموا - على المغيبات فيطلعون على سعود فلان ونحوس علان ومن هذه الطريقة أيضاً ما عند الشيعة هداهم الله أو هدهم مما يسمونه أسرار الحروف أو علم الجفر الذي ينسبونه إلى جعفر الصادق - رحمه الله - وهو وآله براء من الشيعة وأعمالهم إلى يوم القيامة.
• ومن هذه الطرق كذلك: قراءة الكف ويعتمد أصحابه على قراءة الخطوط الموجودة في الأكف والأقدام والجباه بحسب التقاطيع وخلافه، ومثله قراءة الفنجان وكل ذلك مما روج له إعلامنا المصون، لا حفظ الله الإعلام الذي من هذا النوع ولا أبقاه.
إلى غير هذه الطرق التي ما أنزل الله بها من آية في كتابه ولا عرفنا إياها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ولا أقرها أحد من الأئمة ولا يقبلها عقل عاقل فضلاً عن إنسان محترم فاضل.
بل ستعجبون إذا علمتم أن الأمريكان اخترعوا عرافًا سموه العراف الإليكتروني، وهو عبارة عن جهاز يعتمد على مجموعة من المعلومات عن الدورة النفسية والعصبية وغيرها، يجري عليها حسابات خاصة، ثم يخرج النتيجة التي هي عبارة عن توجيه لصاحب هذه المعلومات وفيها افعل ولا تفعل!! فوا أسفاه على العقل يوم يكون بعيدًا عن دين الله تعالى.
هذا كله حرام، بل قرر العلماء والفقهاء أن علم التنجيم وما يلحق به كالخط على الرمل ومعرفة الطالع وقراءة الفنجان والكف وما أشبه ذلك كلها كلها من أعمال الجاهلين ومن طرق الشرك التي حرمها الإسلام وجاء بإبطالها والتحذير منها ومن إتيان من يتعاطاها وسؤاله عنها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به وصدق ربي إذ يقول: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].
فاتقوا الله يا أولي الألباب اتقوا الله يا ذوي العقول السليمة، ويا أصحاب الفكر السام احجبوا عنا فكركم ويا قراءنا السعداء أنكروا هذا بقلوبكم وأقوالكم وأحوالكم يسد عنكم ويغلق بابه دونكم.
أقول قولي هذا وأدعو الله أن يحفظ علينا ديننا وأن يحفظ بالدين حياتنا وأن يجعلنا من حفظة دينه... الدعاء.
[1] هذه الأمور وغيرها مما يعالج قضايا العقيدة لها مناسباتها من السيرة، والمواضع التي يتناول إجماليها الدعاة في المواسم المختلفة، غير أن الخطبة الموسمية - للأسف الشديد - ضعفت كثيرَا، وصارت لما يعمد إليه فيها من التكرار والسرد ضعيفة الأثر مملولة رغم ما لها من التأثير الذي لو وظف لخدم قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق جميعها بلا مبالغة، وقد ظن من لا يحسن أن الإبداع في اختراع موضوعات بعيدة عن هذه المواسم فعمد - على ما يقال-: يتحدث عن شرق والناس في غرب فكان كما قيل:
مثل القوم نسوا تاريخهم ![]() كلقيط عي في الحي انتسابا ![]() أو كمغلوب على ذاكرة ![]() يشتكي من صلة الماضي انقضابا ![]() |
ولذا ففي النية - بمشيئة الله تعالى - عمل مجموعة من الخطب تحت عنوان: "رؤية جديدة للخطبة الموسمية" أحاول فيها بعث الشعور من جديد بالمعاني الواقعية لهذه المواسم والمناسبات ومعالجة قضايا الحاضر – خاصة قضايا العقيدة والحضارة - من خلالها أسأل الله تمامها.
[2] تفسير ابن كثير - (8 / 177).
[3] أخرجه مسلم 619.
[4] أخرجه مسلم (2531).
[5] ذكره النووي في الأذكار باب ما يقول إذا انقض الكواكب.
[6] أخرجه مسلم 1848.
[7] تفسير ابن كثير (8 / 240).
[8] أخرجه مسلم (2531).
[9] تفسير ابن كثير - (8 / 329).
[10] صحيح البخارى - (11 / 339)
[11] تفسير ابن كثير - (8 / 362).
[12] تفسير ابن كثير - (8 / 336).
[13] يراجع: القول السديد: ص 83، 84.
[14] التوسل أنواعه وأحكامه (9).
[15] أخرجه أبو داود (3905)، وحسنه الألباني.
[16] أخرجه أحمد المسند (2 /134) وسنن النسائي (8 /80)، وابن حبان 7 / 366، وحسنه الألباني، انظر"الصحيحة": (2 /295).
[17] أخرجه أبو داود 3904، وابن ماجة (639)، وصححه الألباني في صحيحيهما، وفي آداب الزفاف (31)، الإرواء (2006)، المشكاة (551)
[18] أخرجه الترمذي 135، وابن ماجة (639)، وصححه الألباني في صحيحيهما.
[19] أخرجه مسلم 5957.
[20] سير أعلام النبلاء - (22 / 40).