من أحكام النكاح
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فالغش كله حرام وإن كانت تتفاوت مراتب حرمته بحسب الضرر الحاصل به فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال ما هذا يا صاحب الطعام قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني " رواه مسلم. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته فكيف بالعيوب في النكاح فهي أولى بالبيان والضرر الذي يحصل بها أشد فالأصل السلامة من العيوب فإذا كان في أحد الزوجين عيب غيرَ ظاهر فيجب بيانه ويحرم كتمانه. فكل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والسكون وحصول الولد يوجب الخيار وهو أولى من البيع كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى من شروط البيع فإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيباً فله فسخ النكاح. فإعطاء الشارع حق التفريق بالعيب لكل من الزوجين يترتب عليه دفع كثير من المفاسد التي قد تنشأ عن الحكم على الزوجين بالبقاء معا فالشريعة الكاملة راعت هذه الجانب وقدمت درء المفاسد على جلب المصالح فالأسرة هي نواة المجتمع فاعتنى الشارع بها والمحافظة عليها ودوامها وإبعادها عن المشاكل التي تعصف بها لكن إذا وجد في أحد الزوجين عيب أو مرض معد أو منفر يمنع مقاصد النكاح من طلب الذرية والسكون والإعفاف فإن المصلحة تقتضي إعطاء كلٍ من الزوجين الحرية في إبقاء عقد النكاح أو فسخه.
فإن كان العيب في المرأة ولم يرض به الزوج فله فسخ النكاح فإن كان قبل الدخول بها فلا مهر لها وإن كان بعده فلها المهر بما استحل من فرجها وهو غرم على وليها إن غره فيرجع الزوج بالمهر على الولي وإن كانت هي الغارة سقط مهرها إن لم تكن قبضته أو رجع عليها به إن كانت قبضته. وإن كان العيب في الزوج ولم ترض به المرأة فإن كان قبل الدخول بها فلا مهر لها لأن الفرقة صدرت منها وإن كان بعده فلها المهر لأنه غار لها. والفسخ له أحكام تخالف أحكام الطلاق والمسألة من مسائل الخلاف.
فإذا كان الولي يحرص على أن لا ينكح ابنته أو أخته إلا شخصا خاليا من العيوب فقد وقع البعض منا في عدم الاهتمام بالتقصي عن الخاطب وهل هو من المصلين أم لا وإذا علم منه ترك الصلاة تعلل بصلاح حاله في المستقبل ولعمر الله إن الأمر عظيم فهو أعظم من العيوب التي تكون في الخاطب من مرض أو نقص في الخلقة فالأمر أمر إسلام أو كفر فعن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم والكافر لا تحل له المسلمة بإجماع أهل العلم لقوله تعالى ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10] قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في رسالة حكم تارك الصلاة: الرجل إن كان لا يصلي وتزوج امرأة مسلمة فإن زواجه غير صحيح ولا تحل له المرأة بهذا العقد وأنه إذا تاب إلى الله تعالى ورجع إلى الإسلام وجب عليه تجديد العقد.
ويجب على الزوجين أن يفي كل واحد منهما بما اشترطه للأخر ويتأكد الأمر فيما يتعلق بشروط المرأة على زوجها فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " رواه البخاري ومسلم.
فالشرط الصحيح الذي لا يخالف مقتضى عقد النكاح يجب الوفاء به وتحرم مخالفته إلا برضا من له الشرط.
عباد الله كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسط في المهر فلا يهضم المرأة حقها ويعطيها أقل من مهر مثلها لأن في ذلك كسرا لقلبها وشعورها بأنها أقل من غيرها ولا يسرف في ذلك بل كان هديه صلى الله عليه وسلم وسط بين طرفين فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان صداقه صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشًّا قالت [لأبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف] أتدري ما النَّشُّ قال [أبو سلمة] قلت لا قالت نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه " رواه مسلم. وخمسمائة درهم من الفضة تساوي 1488جراما ونظراً لقلة تعامل الناس بالفضة في هذا الزمن فقيمة الفضة الشرائية نازلة مقارنة بالذهب فقيمة 500 درهم الآن تزيد على1000 ريال شيئاً يسيراً لكن قيمتها الشرائية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم غالية 500 درهم يشترى بها خمسون شاة فعلى هذا قيمة ما كان يدفعه النبي صلى الله عليه وسلم مهراً لأزواجه بالأرواق النقدية - في هذا اليوم - يتراوح ما بين 20000 إلى 25000 ريال تقريباً.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي تنزه عن الظلم ونهى عنه والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي به رفع الجور الواقع على النساء و من ذلك إلزام المرأة بزوج لا ترضاه ولا تريده فلا تخفى مصلحة المرأة في تزويجها بمن تختاره وترضاه وحصول مقاصد النكاح لها به وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه فالمرأة هي التي ستعاشر الزوج وتكون تحت ولايته فغنمه لها وغرمه عليها لا على وليها فإن كان فيه من الصفات الحسنة ما تدوم به العشرة استمرت الحياة الزوجية في سعادة وراحة بال وإن كان بضد ذلك تحولت الحياة الزوجية إلى عنت ومشقة فينام البيت على شقاء وخصام ويستيقظ على ذلك فلذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم حق اختيار الزوج من حقوق المرأة الخاصة كما أنه حق للزوج فهو حق للمرأة بكراً كانت أو ثيبا فلها الحق أن تختار الزوج الذي ترضاه إذا كان مرضي الدين والخلق وليس لوليها أن يجبرها بمن لا ترضاه فغير الأب والجد كالأخ ليس له إجبارها بإجماع أهل العلم إنما اختلفوا في الأب والجد هل لهما إجبارها أم لا والصحيح أنَّه ليس لهما إجبارها فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها " رواه مسلم وهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في أوامره صلى الله عليه وسلم الوجوب فلا تجبر المرأة البالغ على النكاح ولا تزوج إلا برضاها. وإذا أجبرها وليها وأنكحها من لا ترضاه فلها الحق في فسخ هذا النكاح ثيبا كانت أو بكرا فعن خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه " رواه البخاري. وأن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم " رواه جمع مرسلاً وموصولاً يشد بعضها بعضا.
إخواني من سنن الدخول بالمرأة أن يضع الزوج يده على ناصية المرأة أي مقدم رأسها حين الدخول بها ويدعو بما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه. وفي رواية ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة " رواه أبو داود بإسناد حسن.
أما صلاة الزوجين ركعتين حين الدخول فرويت في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح فليس فيه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن ثبت الأمر بهما عن الصحابة رضي الله عنهم فهم نعم القدوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فلا يثرب عليه فعن أبي وائل قال جاء رجل إلى عبد الله [بن مسعود] رضي الله عنه فقال إني قد تزوجت جارية بكرا وإني قد خشيت أن تَفْرَكَني [أي تكرهَني] فقال له إذا أدخلت عليك فمرها فلتصل خلفك ركعتين " رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ورواته ثقات.
وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه قال تزوجت امرأة وأنا مملوك فدعوت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم .... فعلموني قالوا إذا أُدِخل عليك أهلُك فصل ركعتين ومرها فلتصل خلفك وخذ بناصيتها وسل الله خيرا وتعوذ بالله من شرها" رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ورواته ثقات.
الشيخ أحمد الزومان |
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فالغش كله حرام وإن كانت تتفاوت مراتب حرمته بحسب الضرر الحاصل به فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال ما هذا يا صاحب الطعام قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني " رواه مسلم. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته فكيف بالعيوب في النكاح فهي أولى بالبيان والضرر الذي يحصل بها أشد فالأصل السلامة من العيوب فإذا كان في أحد الزوجين عيب غيرَ ظاهر فيجب بيانه ويحرم كتمانه. فكل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والسكون وحصول الولد يوجب الخيار وهو أولى من البيع كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى من شروط البيع فإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيباً فله فسخ النكاح. فإعطاء الشارع حق التفريق بالعيب لكل من الزوجين يترتب عليه دفع كثير من المفاسد التي قد تنشأ عن الحكم على الزوجين بالبقاء معا فالشريعة الكاملة راعت هذه الجانب وقدمت درء المفاسد على جلب المصالح فالأسرة هي نواة المجتمع فاعتنى الشارع بها والمحافظة عليها ودوامها وإبعادها عن المشاكل التي تعصف بها لكن إذا وجد في أحد الزوجين عيب أو مرض معد أو منفر يمنع مقاصد النكاح من طلب الذرية والسكون والإعفاف فإن المصلحة تقتضي إعطاء كلٍ من الزوجين الحرية في إبقاء عقد النكاح أو فسخه.
فإن كان العيب في المرأة ولم يرض به الزوج فله فسخ النكاح فإن كان قبل الدخول بها فلا مهر لها وإن كان بعده فلها المهر بما استحل من فرجها وهو غرم على وليها إن غره فيرجع الزوج بالمهر على الولي وإن كانت هي الغارة سقط مهرها إن لم تكن قبضته أو رجع عليها به إن كانت قبضته. وإن كان العيب في الزوج ولم ترض به المرأة فإن كان قبل الدخول بها فلا مهر لها لأن الفرقة صدرت منها وإن كان بعده فلها المهر لأنه غار لها. والفسخ له أحكام تخالف أحكام الطلاق والمسألة من مسائل الخلاف.
فإذا كان الولي يحرص على أن لا ينكح ابنته أو أخته إلا شخصا خاليا من العيوب فقد وقع البعض منا في عدم الاهتمام بالتقصي عن الخاطب وهل هو من المصلين أم لا وإذا علم منه ترك الصلاة تعلل بصلاح حاله في المستقبل ولعمر الله إن الأمر عظيم فهو أعظم من العيوب التي تكون في الخاطب من مرض أو نقص في الخلقة فالأمر أمر إسلام أو كفر فعن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم والكافر لا تحل له المسلمة بإجماع أهل العلم لقوله تعالى ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10] قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في رسالة حكم تارك الصلاة: الرجل إن كان لا يصلي وتزوج امرأة مسلمة فإن زواجه غير صحيح ولا تحل له المرأة بهذا العقد وأنه إذا تاب إلى الله تعالى ورجع إلى الإسلام وجب عليه تجديد العقد.
ويجب على الزوجين أن يفي كل واحد منهما بما اشترطه للأخر ويتأكد الأمر فيما يتعلق بشروط المرأة على زوجها فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " رواه البخاري ومسلم.
فالشرط الصحيح الذي لا يخالف مقتضى عقد النكاح يجب الوفاء به وتحرم مخالفته إلا برضا من له الشرط.
عباد الله كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسط في المهر فلا يهضم المرأة حقها ويعطيها أقل من مهر مثلها لأن في ذلك كسرا لقلبها وشعورها بأنها أقل من غيرها ولا يسرف في ذلك بل كان هديه صلى الله عليه وسلم وسط بين طرفين فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان صداقه صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشًّا قالت [لأبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف] أتدري ما النَّشُّ قال [أبو سلمة] قلت لا قالت نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه " رواه مسلم. وخمسمائة درهم من الفضة تساوي 1488جراما ونظراً لقلة تعامل الناس بالفضة في هذا الزمن فقيمة الفضة الشرائية نازلة مقارنة بالذهب فقيمة 500 درهم الآن تزيد على1000 ريال شيئاً يسيراً لكن قيمتها الشرائية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم غالية 500 درهم يشترى بها خمسون شاة فعلى هذا قيمة ما كان يدفعه النبي صلى الله عليه وسلم مهراً لأزواجه بالأرواق النقدية - في هذا اليوم - يتراوح ما بين 20000 إلى 25000 ريال تقريباً.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي تنزه عن الظلم ونهى عنه والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي به رفع الجور الواقع على النساء و من ذلك إلزام المرأة بزوج لا ترضاه ولا تريده فلا تخفى مصلحة المرأة في تزويجها بمن تختاره وترضاه وحصول مقاصد النكاح لها به وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه فالمرأة هي التي ستعاشر الزوج وتكون تحت ولايته فغنمه لها وغرمه عليها لا على وليها فإن كان فيه من الصفات الحسنة ما تدوم به العشرة استمرت الحياة الزوجية في سعادة وراحة بال وإن كان بضد ذلك تحولت الحياة الزوجية إلى عنت ومشقة فينام البيت على شقاء وخصام ويستيقظ على ذلك فلذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم حق اختيار الزوج من حقوق المرأة الخاصة كما أنه حق للزوج فهو حق للمرأة بكراً كانت أو ثيبا فلها الحق أن تختار الزوج الذي ترضاه إذا كان مرضي الدين والخلق وليس لوليها أن يجبرها بمن لا ترضاه فغير الأب والجد كالأخ ليس له إجبارها بإجماع أهل العلم إنما اختلفوا في الأب والجد هل لهما إجبارها أم لا والصحيح أنَّه ليس لهما إجبارها فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها " رواه مسلم وهذا خبر بمعنى الأمر والأصل في أوامره صلى الله عليه وسلم الوجوب فلا تجبر المرأة البالغ على النكاح ولا تزوج إلا برضاها. وإذا أجبرها وليها وأنكحها من لا ترضاه فلها الحق في فسخ هذا النكاح ثيبا كانت أو بكرا فعن خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه " رواه البخاري. وأن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم " رواه جمع مرسلاً وموصولاً يشد بعضها بعضا.
إخواني من سنن الدخول بالمرأة أن يضع الزوج يده على ناصية المرأة أي مقدم رأسها حين الدخول بها ويدعو بما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه. وفي رواية ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة " رواه أبو داود بإسناد حسن.
أما صلاة الزوجين ركعتين حين الدخول فرويت في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح فليس فيه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن ثبت الأمر بهما عن الصحابة رضي الله عنهم فهم نعم القدوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فلا يثرب عليه فعن أبي وائل قال جاء رجل إلى عبد الله [بن مسعود] رضي الله عنه فقال إني قد تزوجت جارية بكرا وإني قد خشيت أن تَفْرَكَني [أي تكرهَني] فقال له إذا أدخلت عليك فمرها فلتصل خلفك ركعتين " رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ورواته ثقات.
وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه قال تزوجت امرأة وأنا مملوك فدعوت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم .... فعلموني قالوا إذا أُدِخل عليك أهلُك فصل ركعتين ومرها فلتصل خلفك وخذ بناصيتها وسل الله خيرا وتعوذ بالله من شرها" رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ورواته ثقات.