Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

المسلم وحركة الحياة

$
0
0
المسلم وحركة الحياة


د. طارق محمد حامد







الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الإنسان في خلال رحلته مع حركة الحياة يحتاج إلى الطاقة الداخليَّة المُستمدَّة من عوامل خارجيَّة وداخلية على السواء؛ لكي يستمرَّ في مواصلة سَيره في رحلته المرسومة الخطوات، المحدَّدة المعالم، ومن الطبيعي أن يَنفَذ مخزون الطاقة الإيجابيَّة لديه، ومع العمل المتواصل والحركة الدائبة والجُهد البشري المبذول - حتمًا - ستتلاشى هذه الطاقة وتنتهي، ويعود المُحرِّكان الرئيسان للإنسان، وهما القلب والعقل، يَعودان فيمتلئان بالطاقة السلبيَّة، بشرط ألا يتَّصِلا بمصدر متجدِّد للطاقة الإيجابية الفعَّالة، وبذلك يؤول الأمر إلى نموذجين، أحدهما: مُتَّصل بمصادر الطاقة الإيجابيَّة المتجددة، والآخر: غير موصول بهذا المصدر، وهذه الصِّلة هي في الأساس صِلة بمانح هذه الطاقة، ألا وهو الله تعالى، وهذا ما أقرَّه المنقول والمعقول على حد سواء.

فالإنسان مقطوع الصِّلة بالله - عز وجل - تَنضُب بداخله الطاقة الإيجابيَّة، ويمتلئ بطاقة سلبية تُصيبه بالنكد، ويَعْتوِره الاكتئاب، وتنطمس لديه البصيرة؛ فيَضِل ويشقى، وهذا حال البشر الذين لا يتَّصِلون بالله - عز وجل - بجسرَي الإيمان والعبادة، فهذا الإنسان خاوي القلب والفِكر والعقل، يَفتقِر إلى القوة والطاقة التي تُحرِّكه وتهديه، وتجعله يستمر في تناغُم مع حركة الحياة، وهذا بلا شك يحيا حياة نكدٍ، لا يصل إلى خير أبدًا.

على الجانب الآخر نجد الصِّنف المتَّصِل بالله تعالى يحيا على مراد الله، ويعبد الله على مراد الله، فتتنزل عليه السكينة، وهي طاقة إيجابيَّة فعَّالة تُحيل الحياة إلى حركة من البِناء والعُمران، وهذا عكس ما حدث للمؤمنين في صُلْح الحديبية، حينما امتلأت قلوبهم بالطاقة السلبيَّة نتيجة عصيانهم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتحلل من الإحرام والذبح وتحليق الرؤوس، فبدا بينهم العصبية، حتى كاد يقتلهم الغمُّ، ولكن سرعان ما أنابوا إلى ربهم وإلى طاعة أمر نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله السكينة عليهم، وكانوا أحقَّ بها وأهلها، فهدأتْ نفوسهم، ونشطتْ أجسادهم؛ فكانوا طيِّعين، وزادهم الله إيمانًا مع إيمانهم، وفَهْمًا وفِقهًا.

وفي عصرنا الحديث، قال الشيخ المفسِّر الشيخ الشعراوي - رحمه الله تعالى -: "الثائر الحق هو الذي يثور ليَهدِم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد"، فالثورة الأولى ثورة ممزوجة بطعم الظُّلم، ولذلك كانت طاقة هدْم إيجابيَّة، ولكن بها كثير من الشوارد الحرة والإشارات السلبية؛ وذلك لأننا نستطيع التحكم في قراراتنا، ولكن لا نستطيع التحكم في النتائج، فكانت الثورة لهدم الفساد، ولكن لم تهدأ وتتحوَّل إلى الطاقة البانية للأمجاد، ولكن انحرفت عن مسارها، واختلَط بها كما النهر في مجراه بكثير من الأشياء المعكِّرة لصفو مائه، فتكدَّرت مياهه، وانحرفت الثورات عن مسارها الصحيح والطبيعي مع حركة الحياة والبناء والتنمية، وكذلك كلَّت الأيادي عن تنقية هذا المسار من الغُثاء المُستهلِك للماء، ومن المعوِّقات التي تَسُد مسارَ الحركة، وتستنفِد الطاقةَ الإيجابيَّة، فتعطَّلت بسبب سيطرة النوع السلبي، والتي غلَّفت الطاقة الإيجابيَّة فتشرنقت وتحوصلت، وما زلنا نرزَح تحت وطأة الرِّشوة وغَيبة الضمير وتقلُّص الوازع الديني، فتوقف البناء، وكأننا - محلك سر - كالراقص على السُّلم لا يستطيع الصعود، ولا يهبط ليُعدِّل من مساره، ويبدو لي هنا مشهد إيجابي؛ لأننا لا نرجع القهقرَى؛ وذلك لأن الله - عز وجل - يمنحنا طاقة إيجابيَّة من خلال اتصال صالحينا وضعفائنا بالله تعالى، فإذا فقدنا الطاقة دعانا لنلتقي به في اليوم والليلة خمس مرات بخلاف التطوُّع، فنعي ونفهم عن الله أكثر من الآخرين اللاهين السادرين في غيِّهم وضلالهم، المُبدِّدين للطاقة الإيجابية، فبذلك لا يَنقطِع التناغم بيننا وبين حركة الحياة والبناء والعمران، فإذا فقدناها أو تقلَّصت، جدَّدها الله فينا من خلال شهر الصيام، والزكاة والعمرة والحج، والذِّكر وسائر النوافل، فنطرح عن كواهلنا الطاقة السلبية التي اكتسبناها مع حركة الحياة، ونَطرُد الشوارد الحرة الضارة من بيننا، ونَكتسِب طاقة إيجابية نقية فاعلة تجوب الدنيا بالإيمان والعلم والعمل، وهذا شأن المسلم الموصول بالله تعالى من خلال مثلث الإيمان والعلم والعمل البنّاء المُثمِر الحكيم.

وصلى الله على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين.

Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles