الحكمة من خلق إبليس وفوائد!
عبد الوهاب بن عبد الله آل غظيف
كيفَ يريدُ اللهُ أمراً؛ ولا يرضاهُ، ولا يحبهُ؟
وكيفَ تجتمعُ إرادتُه لهُ، وكراهيته لهُ؟
يجيبُ ابنُ أبي العز ِّ - رحمه اللهُ -، ويذكرُ أنَّ هذا السؤالَ افترقَ الناسُ لأجلِه فرقاً، وتباينتْ طرقُهم وأقوالُهم. (من كتاب: شرح العقيدة الطحاوية) كان جوابُه - باختصارٍ - أنَّ المرادَ نوعان: مراد ٌ لنفسه، ومرادٌ لغيره:
فالمرادُ لنفسِه: محبوبٌ لذاته، وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغاياتِ والمقاصدِ.
والمرادُ لغيره: قد لا يكون مقصوداً للمريدِ، وليسَ فيه مصلحة بالنظر إلى ذاته، لكنَّه وسيلة إلى مقصودِه ومراده، فهو مكروهٌ له من حيث نفسه، مطلوبٌ من حيث إفضاءه إلى مرادِه، ومقصودِه، فيجتمع فيه الأمران: الإرادة، والبغض، ولا يتنافيان.
قال: "وهذا كالدواءِ الكريه إذا علم المتناول له أنَّ فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه، فالعاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفى عليه خافية؟!"، ثم ضرب مثالاً بخلق ِ إبليس َ "... الذي هو مادةٌ لفساد الأديانِ، والأعمالِ، والاعتقاداتِ، والإراداتِ، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد، وعملهم بما يغضب الرب - تبارك وتعالى -، وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب - تبارك وتعالى - ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها" ذكر بعضاً من هذه المحابّ، أنقلها مختصرة:
1- تظهر للعباد قدرة الرب على خلق المتضادات المتقابلات، فخَلَقَ هذه الذات التي هي أخبث الذوات وشرها، وهي سبب كل شر في مقابلة ذات جبريل التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي مادة كل خير.
ومثله خلقه الداء والدواء، والحياة والموت، والحسن والقبيح وغير ذلك، فخلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وجعلها محالّ تصرفه وتدبيره، وفي هذا من الدليل على سلطانه، وملكه، وربوبيته ما هو جلي لذوي العقول!
2- ظهور آثار أسمائه القهرية مثل: القهَّار والمنتقم، والعدل والشَّديدِ العقابِ، وذي البطش الشديد والخافض ... الخ فإن هذه الأسماء والأفعال لا بد من ظهور متعلقها، ولو كان الإنس والجن على طبيعة الملائكة لما ظهر أثر لهذه الأسماءِ!
3- ظهور آثار أسمائه المتضمنةِ للعفو، والمغفرة، والحلم، والستر، والتجاوز عن حقه، وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: ((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون؛ فيغفر لهم)).
4- ظهور آثار أسماءِ الحكمةِ والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، ولو عطلت الأسباب لما فيها من الشر لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي فيها، وهذا كالشمس، والمطر، والرياح فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف الشر الذي فيها.
5- حصول العبودية المتنوعة التي لولا إبليس لما حصلت، فإن الجهاد من أحب أنواع العبودية لله، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها من الموالاة لله، والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفة هوى النفس، والصبر، والتوبة، والاستغفار، والعياذ بالله من العدو وكيده ... وغير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها، وفي الخامس ِ ما ينفي العجزَ واليأسَ حين انتشار ِ الشرِّ، وعموم ِ البلاءِ، فالمؤمن يعلمُ أنَّها فرصةٌ لمضاعفةِ أجر العبادةِ، ولذلك قال النبيُ - صلى الله عليه وسلم -: ((عبادة في الهرج كهجرة إليَّ)) وحديثٌ آخرَ أشار فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجال ٍ في آخر الزمانِ أجرهم كأجر خمسينَ منكم - يعني الصحابة -.
عبد الوهاب بن عبد الله آل غظيف
كيفَ يريدُ اللهُ أمراً؛ ولا يرضاهُ، ولا يحبهُ؟
وكيفَ تجتمعُ إرادتُه لهُ، وكراهيته لهُ؟
يجيبُ ابنُ أبي العز ِّ - رحمه اللهُ -، ويذكرُ أنَّ هذا السؤالَ افترقَ الناسُ لأجلِه فرقاً، وتباينتْ طرقُهم وأقوالُهم. (من كتاب: شرح العقيدة الطحاوية) كان جوابُه - باختصارٍ - أنَّ المرادَ نوعان: مراد ٌ لنفسه، ومرادٌ لغيره:
فالمرادُ لنفسِه: محبوبٌ لذاته، وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغاياتِ والمقاصدِ.
والمرادُ لغيره: قد لا يكون مقصوداً للمريدِ، وليسَ فيه مصلحة بالنظر إلى ذاته، لكنَّه وسيلة إلى مقصودِه ومراده، فهو مكروهٌ له من حيث نفسه، مطلوبٌ من حيث إفضاءه إلى مرادِه، ومقصودِه، فيجتمع فيه الأمران: الإرادة، والبغض، ولا يتنافيان.
قال: "وهذا كالدواءِ الكريه إذا علم المتناول له أنَّ فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه، فالعاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفى عليه خافية؟!"، ثم ضرب مثالاً بخلق ِ إبليس َ "... الذي هو مادةٌ لفساد الأديانِ، والأعمالِ، والاعتقاداتِ، والإراداتِ، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد، وعملهم بما يغضب الرب - تبارك وتعالى -، وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب - تبارك وتعالى - ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها" ذكر بعضاً من هذه المحابّ، أنقلها مختصرة:
1- تظهر للعباد قدرة الرب على خلق المتضادات المتقابلات، فخَلَقَ هذه الذات التي هي أخبث الذوات وشرها، وهي سبب كل شر في مقابلة ذات جبريل التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي مادة كل خير.
ومثله خلقه الداء والدواء، والحياة والموت، والحسن والقبيح وغير ذلك، فخلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وجعلها محالّ تصرفه وتدبيره، وفي هذا من الدليل على سلطانه، وملكه، وربوبيته ما هو جلي لذوي العقول!
2- ظهور آثار أسمائه القهرية مثل: القهَّار والمنتقم، والعدل والشَّديدِ العقابِ، وذي البطش الشديد والخافض ... الخ فإن هذه الأسماء والأفعال لا بد من ظهور متعلقها، ولو كان الإنس والجن على طبيعة الملائكة لما ظهر أثر لهذه الأسماءِ!
3- ظهور آثار أسمائه المتضمنةِ للعفو، والمغفرة، والحلم، والستر، والتجاوز عن حقه، وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: ((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون؛ فيغفر لهم)).
4- ظهور آثار أسماءِ الحكمةِ والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، ولو عطلت الأسباب لما فيها من الشر لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي فيها، وهذا كالشمس، والمطر، والرياح فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف الشر الذي فيها.
5- حصول العبودية المتنوعة التي لولا إبليس لما حصلت، فإن الجهاد من أحب أنواع العبودية لله، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها من الموالاة لله، والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفة هوى النفس، والصبر، والتوبة، والاستغفار، والعياذ بالله من العدو وكيده ... وغير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها، وفي الخامس ِ ما ينفي العجزَ واليأسَ حين انتشار ِ الشرِّ، وعموم ِ البلاءِ، فالمؤمن يعلمُ أنَّها فرصةٌ لمضاعفةِ أجر العبادةِ، ولذلك قال النبيُ - صلى الله عليه وسلم -: ((عبادة في الهرج كهجرة إليَّ)) وحديثٌ آخرَ أشار فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجال ٍ في آخر الزمانِ أجرهم كأجر خمسينَ منكم - يعني الصحابة -.