Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

سامحني أرجوك!

$
0
0
سامحني أرجوك!
د. شادن شاهين











في تلك الليلة انزوى القمرُ في زاويةٍ قديمة من السماء، متدثرًا بلحافٍ مِن سحب مهترئةِ الأطراف، يرتعدُ شعاعه الهزيل من البرد، ويغمض عينَيْه هلعًا كلما أومضت شرارة برقٍ، وحيدًا في سماء كبيرة مظلمة، تباعدت عنه النجوم، ونسِيه الجميع، لا أحد أبدًا يذكره.







جلستُ في شرفتي أراقبه مُشفِقة، ليتني أستطيع أن أخبرَه أنني أفهمه، أنني أحبه وأذكره، ليتني أستطيع أن أحتويَه بين ذراعي لأدفئه.







انتشَلني من أفكاري صوتُه المعدِني البارد وهو يناديني فجأة، التفتُّ إليه ببرودٍ، ذلك الذي علَّمني إياه، وبعينينِ متسائلتين نظرتُ له، دون أن أكلف نفسي مؤنةَ الرد.







لم يبدُ عليه أن أسلوبي ضايقه، فتلك أشياء صغيرة لا يلقي لها بالًا! بادرني بقوله: "أريدك في أمر هام".



سحبتُ ببساطةٍ الكرسيَّ المجاور، في إشارة له بالجلوس، ما زلت لم أنطق كلمة واحدة.







جلس على الكرسي ونظر إليَّ في جديَّة وتكلم، قال أشهرَ جملةٍ في تاريخ اللُّغات البشرية، على مستوى الواقع، والروايات، والسينما، جملة قصيرة من كلمتين، طويلة جدًّا في معناها!







قال الجملة الفاصلة بين مرحلتين في حياة كل زوج من الأرواح تعاهدت يومًا على الحب، ثم عجزت عن الوفاء بالعهد.







قال الجملة التي يرددها كل الرجال بسطحيةٍ، كخيطٍ هزيل يُمسكون به، ولا يرون ذلك الصندوق الثقيل المتَّصل بطرفه من خلفِ جدار، جدار مِن الخَوَاء العقلي والنفسي يحيط بكثير منهم، فيُعْمِيهم تمامًا عن رؤية الصندوق، لكنهم يجيدون الإمساك بطرف الخيط جيدًا، يخشَون أن يتفلت منهم.







قال لي حبيبي: "لقد تغيَّرتِ"!



ابتسمتُ ابتسامةً خفيفة، لقد لاحظ أخيرًا ذلك، وضعتُ رأسي المتعبَ على راحتي، وثبتُّ عيني في عينَيْه، ثم قلت: "وماذا أيضًا؟!".







نظر إليَّ في مزيجٍ من الارتباك والدهشة والحيرة، يبدو أنه لم يتوقع ردة فعلي، يبدو أنه تصوَّر أنه سوف يفاجئني بتلك الجملة السخيفة القديمة، التي تحفظها كلُّ امرأة وتنتظرها، وتعلم يقينًا أنها ستُقال يومًا ما.







هو - ككلِّ رجلٍ - لا يفهم أبدًا ما الذي فعله بحبيبةِ العمر، وإلى أي مدى خيَّب آمالها في الحياة، يبدو أنها لا توجد إلا في حكايات الجدَّات.







تحيرتُ بماذا أرد، هل أخبره؟! هل أخبره أنه تركني عشر سنوات وحيدةً على قارعة الوهم أنتظر ولم يأتِ؟!



هل أخبره أنني حين كنتُ أقول له: إنني أحتاج إليه، كنت حقًّا أعنيها؟! وأنه حين كان لا يفهمها ولا يذكرها، كنت أموت ببطء؟!



هل أخبره أنني حين كنتُ أطلب منه أن نتحدث قليلًا، كانت لهفتي لكلماتِه تفوق تلك التي تحويها قصيدةُ عشق ساخنة؟!



هل أخبره أنني قطعتُ الطريق حافيةً على أرض ملتهبة أملًا في الوصول إليه، حين كان يسير على أرضه الباردة بتؤدة، منشغلًا بأشيائه، غير ملتفتٍ إليَّ، مغلقًا سمعه دون صرخاتي؟!



هل أخبره أنني زهرة ذابلةٌ، قتلها الجفاف، وماتت وهي ترنو نحو شلال على بعد خطوة؟!



هل سيفهم؟!



هل سيقتنع؟!




هل يمكنه أن يتغير، أو نبدأ من جديد؟!







تضاربَتْ في عقلي أفكارٌ كثيرة، وسيناريوهات متعارضة لردة فعله، حين أخبره بما في نفسي، لم يكن لديَّ رغبة حقيقية في إخباره؛ ربما لأنني أعلم أن الكلام لن يغير أي شيء، وأنه أبدًا لن يفهم.



فاختصرتُ على نفسي الطريق، ونحيتُ جانبًا كلَّ ذكرياتي وأفكاري ودموعي، وابتسمتُ له في حنان قائلة: "أنتَ محق، فسامحني أرجوك!".





Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles