تحذير الصفوة من أدران الغفلة
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: عقوبات الغافلين
العنصر الثاني: علامات الغفلة
العنصر الثالث: أسباب الغفلة
العنصر الرابع: علاج الغفلة
الأدلة و البيان
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خِلْفَة، ورفع عنَّا الكلفة، وأمرنا بالمودة والألفة، وحذَّرنا من الغفلة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاتباع، ونهانا عن الابتداع، وحذَّرنا من الضياع، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أرضى ربه وجاهد نفسه وحفظ وقته، صلى الله وسلم عليه كلما دامت الأُلفة، وحوربت الغفلة.
وبعد:
الغفلة سلطان إبليس على القلوب.. وفرحته التي يجدها من الخلق..
أخي المسلم: لقد عمَّت نار الغفلة.. حتى أصبح أكثرهم يعيش عيش البهائم! وقليل أولئك الذين عرفوا الغاية التي خُلقوا من أجلها.. فسعوا إلى تحقيقها؛ فسلموا من شرور الغفلة..
أخي المسلم: لقد استفحل داء الغفلة.. وكُثر أصحابه في كل مجمع وفي كل مكان!
الغفلة هي:
الانغماس في الدنيا والشهوات ونسيان الآخرة فيجتهد الغافل في تعمير الدنيا الفانية وتخريب الآخرة الباقية يقول الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾... (الأنبياء: 1 - 3).
فالغافل يريد أن يعيش عاملا علي إشباع شهواته، حريصا ألا يتعب جسمه إلا في شهوته.. حريصا علي ألا يفقد شيئاً من ماله إلا في ملذاته، حريصا علي ألا يفقد لحظة من عمره إلا وهو مستريح هادئ حتى ولو علي حساب دينه، فهو يريد أن يعيش متمتعا بحياته علي أقصي درجة.. هذا نوم القلب... لأن القلب اليقظ يعلم أنه لم يخلق في هذه الدنيا لينغمس فيها وينسى آخرته.. وأن هذه الدنيا قنطرة إلى الآخرة، وأن لذاتها مكدرة.. نعمها منغصة، فليست هناك لذة خالصة بدون تنغيص.. أما اللذات بدون تنغيص ففي الآخرة، ولذلك لما سئل الإمام أحمد متى الراحة؟ قال عند وضع أول قدم في الجنة.
العنصر الأول عقوبات الغافلين:
أخي المسلم إن للغفلة آثارا مدمرة على سعادة الإنسان في الدنيا و الآخرة و إليك طرفا منها حتى تحذرها و تحذر منها كل مسلم و مسلمة.
1 - أنها سبب الهلاك: اعلم زادك الله علما:أنه ما هلك القرون الخوالي إلا بغفلتهم عن الله تعالى و عن مصيرهم الأخروي اسمع إلى كلام الرب العلي جل جلاله قال الله تعالى مبينا هلاك الغافلين ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 135، 136].
لماذا أهلكتهم يا رب العالمين؟
الجواب: لأنهم من الغافلين.
عدم الانتفاع بالآيات و عدم الاتعاظ بالهالكين:
من أصيب بالغفلة الكاملة خُتِمَ على قلبه، وسمعه، وبصره، وكان أضل من الحيوان، والأنعام، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. فهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، فقلوبهم لا يصل إليها فقه ولا علم، وأعينهم لا ينتفعون بها فلا يبصرون آيات الله، وآذانهم لا يسمعون بها ما ينفعهم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأحقاف، 26]. وقال تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة، 18]. وقال تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة، 171]. ولم يكونوا صمّاً، ولا بكماً، ولا عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال، 23]. وقال تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44] وقال تعالى: ﴿ لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
فالغافل عبد الله لا ينفع فيه وعد و لا وعيد و لا تخويف ولا ترهيب لان الله تعالى ختم على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة.
3 - الغفلة بواب الدخول إلى التكذيب بالآيات و بالوعد و الوعيد.
و اعلم بارك الله فيك -: أن الدافع إلى تكذيب الرسل و عدم الإيمان بالمعجزات إنما هو الغفلة قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف، 146]، فالسبب التكذيب والغفلة، فالغفلة قرينة التكذيب بآيات الله تعالى.
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((فردهم لآيات الله وغفلتهم عما يُراد بها، واحتقارهم لها، هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشاد ما أوجب)) (تيسير الكريم الرحمن (ص 303).
4 -: الغفلة صفة من صفات أهل النار.
الرضا الدنيا و الركون إلى زخرفها صفة من صفات الأشرار الذين أعد الله تعالى لهم النار قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس، : 7، 8]. فهذه حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة، ولا يرجون في لقائه شيئاً، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم، وهم غافلون عن آيات الله الكونية، فلا يتفكرون فيها، وعن آياته الشرعية فلا يأتمرون بها..
سادساً: الحذر من الغفلة؛ لأن أكثر الناس وقعوا في الغفلة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ ([يونس: 92].
5 -: الغفلة تغلق على العبد أبواب الخير، وتفتح له أبواب الشر.
فكل شيء مفتاح و مفتاح الشر و المعاصي الغفلة عن الله و عن قدرته و سلطانه - جل جلاله - قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (سورة النحل، الآيات: 106 - 109.).
6 - أهل الغفلة لهم الحسرة يوم الحسرة.
و آخر المطاف حسرات و زفرات يوم لا ينفع الندم قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ (سورة مريم، الآيتان: 39، 40.)، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:((إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزناً إلى حزنهم)) وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم ((قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ (سورة مريم، 40.) وأشار بيده إلى الدنيا)).
العنصر الثاني: علامات الغفلة
اعلم علمني الله و إياك أن للغفلة علامات و إشارات من خلالها يتعرف المرء على حقيقة نفسه.
أولاً: التكاسل عن الطاعات:
وهذه العلامة من أهم العلامات، قال الله تعالى في شأن المنافقين: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾... (النساء: 142).
ثانياً: استصغار المحرمات والتهاون بها:
قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب مرّ على أنفه فقال به هكذا" فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه" رواه البخاري.
عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم لان محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه ) أخرجه أحمد (5/331، رقم 22860)،
ثالثاً: إلف المعصية ومحبتها والجهر بها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعملَ الرَّجلُ بالليل عملاً ثم يُصبحُ وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" متفق عليه.
((كلّ أمتي معافَى)) مِن العافية وأنّ الله سبحانه وتعالى يغفر الذنبَ ويقبل التوبَة، ((كلّ أمّتي معافى إلا المجاهرين))، هؤلاء لا يعافَون، المجاهرون بالمعاصي لا يعافَون، الأمّة يعفو العفوُّ عن ذنوبها، لكن الفاسقَ المعلن لا يعافيه الله عز وجلّ، وقال بعض العلماء: إنّ المقصودَ بالحديث كلُّ أمّتي يترَكون في الغيبة إلاّ المجاهرين، والعفو بمعنى الترك، والمجاهر هو الذي أظهر معصيتَه، وكشف ما ستر الله عليه، فيحدِّث به، قال الإمام النووي رحمه الله: "من جاهر بفسقِه أو بدعته جاز ذكرُه بما جاهر به".
هذه المجاهرة التي هي التحدُّث بالمعاصي، يجلس الرجلُ في المجلس كما أخبر النبي ويقول: عمِلتُ البارحة كذا وكذا، يتحدّث بما فعل، ويكشف ما سُتِر، وقد قال النبي: ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله)) رواه الحاكم، وهو حديث صحيح.
رابعاً: تضييع الوقت من غير فائدة:
فإن الوقت نعمة، ولا يضيعه إلا غافل، لأنه لا يعرف أن الوقت هو أغلى ما يملك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" رواه البخاري.
قال الحسن: "مِن علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانًا من الله - عز وجل - ". تمر الساعات والأيام ولا يحُسب لها حساب؛ للجهل بقيمة الوقت وأهميته، هناك من يدعوك: تعالَ نفوّت الوقت! يفرح عندما تغيب الشمس، وهو يدرك تمامًا أن يومًا فات من عمره لا يعود! ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
وما أحسن قول القائل:
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
العنصر الثالث: أسباب الغفلة:
أحباب رسول الله - صل الله عليه وسلم - فإن سألتم عن أسباب الغلفة المهلكة فهاكم الجواب بحول الملك الوهاب.
1 - حب الدنيا:
فحب الدنيا راس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة والغفلة هي ثمرة حب الدنيا قال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ. ﴾.. (الروم: 6 - 7).
يقول ابن كثير في تفسيره: فإن أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وإكسابها وشؤونها فهم فيها حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها وهم غافلون عن أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَبَلَغَ من أحدهم بدنياه أن يَقْلِبُ الدِّرْهَمَ عَلَى ظُفْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ.
قال نصر بن محمد السمرقندي:
(ويقال: الناس يصبحون على ثلاثة أصناف: صنف في طلب المال، وصنف في طلب الإثم، وصنف في طلب الطريق. فأما من أصبح في طلب المال؛ فإنه لا يأكل فوق ما رزقه الله تعالى، وإن أكثر المال. ومن أصبح في طلب الإثم؛ لحقه الهوان والإثم. ومن أصبح في طلب الطريق؛ آتاه الله تعالى الرزق والطريق!).
كلامه رحمه الله فبعض الناس يجلسون مع بعضهم البعض كل حديثهم عن الدنيا، عن المال، عن النساء، عن الشهوات، عن الربح عن الخسارة وهم عن الآخرة هم غافلون، فالإغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها سبب كبير للغفلة، قال الله عز وجل: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾... (الحجر: 3).
إن حال هؤلاء ليُنبئ عن سُكْر بحب الدنيا وكأنهم مخلدون فيها، وكأنهم لن يخرجوا منها بغير شيء من متاعها مع أن القرآن يهتف بنا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾.... (فاطر: 5).
إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين، وهؤلاء الصنف يقول عنهم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة" صحيح الجامع الجَعظري هو "الفظُّ الغليظ المتكبر" والجواظ "الجموع المنوع".
والسخَّاب كالصخَّاب أي: ( كثير الضجيج والخصام).
فهذا الرجل كأنه لم يخلق للعبادة وإنما خلق للدنيا وشهواتها فإنه إن فكر فكر للدنيا وإن أحب أحب للدنيا وإن عمل عمل للدنيا فمن أجلها يخاصم ويزاحم ويقاتل، وبسببها يتهاون ويترك كثيراً من أوامر الله عز وجل وينتهك المحرمات من أجلها.
وإن من الخسارة العظيمة أن تضيع حياة العبد ما بين أمل طويل وعمل سيء، فتراه في نهاره عاملاً ناصباً صاخباً جامعاً مانعاً، وللفرائض والآداب مضيعاً، فإذا جاء الليل ارتمى على فراشه كالخشبة الملقاة أو الجيفة القذرة، لا يقوم لصلاة فريضة فضلاً عن قيام ليل وعبادة رب كريم!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم، وهما مُهْلكاكُمْ» [رواه البزار/ صحيح الترغيب للألباني: 3258].
إن حال هؤلاء يصدق فيه قول القائل:
2 - الجهل بالله عز وجل:
من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي المؤمن أن يراه ربه على معصية، أو أن يراه غافلاً، فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، وأُنس العارفين بالذكر والطاعات.
قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: (ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمِّل الدنيا والموت يطلبه! وغافل ليس يُغْفل عنه! وضاحكٌ مِلءْ فيه ولا يدري أساخط ربُّ العالمين عليه أم راضٍ؟!
3 - المعاصي:
وهي من أعظم أسباب الغفلة، قال الله عز وجل: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] المطففين وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".
4 - صحبة السوء:
والعرب تقول الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾... (الفرقان: 27 - 29).
وحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة"... متفق عليه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"... رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي"... رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وما أحسن ما قال القائل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينة ♦♦♦ فكل قرين بالمقارن يقتدي
5 - طول الأمل:
فيعيش في الدنيا وهو يظن أنه لن يفارقها فهو مقبل عليها غافلا عن آخرته، قال الله تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾... (الحجر: 3).
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهرم ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر".... متفق عليه.
وقال عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدةٍ منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرةِ ولا تكون من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل"... رواه الترمذي.
6 - كثرة الكلام في غير ذكر الله تعالى:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي"... رواه الترمذي، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه وأَولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.
قال أيضا: (على قدر غفلة العبد عن الذكر يكون بُعْده عن الله).
وقال أيضًا: (إنَّ الغافل بينه وبين الله عزَّ وجلَّ وحشة، لا تزول إلا بالذكر).
فهل حاسبت نفسك أخي المسلم: هل أنت من الذاكرين لله تعالى؟! هل أنت من المنشغلين بالطاعات؟
7 - الغفلة عن الموت والدار الآخرة:
وقد أخبر الله عن هذا الصنف بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾... (يونس: 7 - 8).
وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن أشعر الناس أبو العتاهية حيث قال:الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحنُ.
ثامنا: ترك صلاة الجماعة:
لحديث عبدالله بن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين)).
العنصر الرابع: علاج الغفلة:
أمة الحبيب الأعظم - محمد - صلى الله عليه و سلم - القران الكريم و سنة النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - فيهما شفاء لكل ما انزل الله تعالى من بلاء، و هل هناك بلاء يصيب العبد أشد من الغفلة؟
اليكم الدواء من كتاب رب الأرض و السماء و من سنة سيد الأصفياء - صلى الله عليه وسلم -.
أولاً: العلم بالله:
معرفة الله عز وجل، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دينه وشرعه، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾... (الزمر: 9).
وعن معاوية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"... رواه البخاري.
ثانياً: ذكر الله تعالى على كل حال:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت".
ثالثا مجالس الذكر:
فهي العلاج الناجع لعلاج غفلة القلوب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا".
قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر".... أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
رابعاً: قراءة القرآن:
قال خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه: "تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحب عليه من كلامه".
وقال عثمان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم".
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله".
قال عامر بن ربيعة: «نزل بي رجل من الأعراب فأكرمته وأدخلته على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقطعه قطيعة من ألأرض، فجاء الأعرابي يومًا وقال: إني أريد أن أقطعك من هذه القطعة لك ولعقبك. قال عامر: لا حاجة لي فيها، لقد أنزل الله علينا اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا وذكَّرتنا بالآخرة، ثم قرأ: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1] ».
وجعل الله عقوبة أهل النار، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8].
خامسا: الدعاء والتضرع إلى الله تعالى:
حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي قال: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر" رواه البخاري.
سادساً:التوبة
التوبة النصوح، فقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب وأناب صقل قلبه..) رواه الترمذي بسند صحيح، ولكن المقصود بالتوبة هي التي تكون نصوحا، وتوصف بأنها نصوح إذا اجتمعت فيها شروطها المعتبرة، وقد وردت آية في كتاب الله عز وجل جامعة لكل شروط التوبة، ومبشرة لمن اجتمعت تلك الشروط في توبته أنه مغفور له، وهي قول الله تعالى: ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى).
سابعا: المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين"... رواه ابن خزيمة وصححه الألباني.
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف"... رواه أحمد بإسناد جيد.
ثامنا: الحرص على قيام الليل:
ولو بعشر آيات في قيامه، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين"... رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، واعلم أن شرفُ المؤمن قيام الليل، وأن عزُّهُ استغناؤُه عن الناس"... أخرجه الحاكم، وحسنه الألباني.
تاسعا: الإكثار من ذكر الموت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات "يعني الموت".
وفي لفظ لابن حبان: "أكثروا ذكر هاذِم اللذات، فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال: ((أحسنهم خلقاً)) قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لِمَا بعده استعداداً أولئك الأكياس)) (أخرجه ابن ماجه).
أسال الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع وأن يفقهنا وإياكم في الدين وأن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شئ قدير.
اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا اللهم لا تدع لأحد منا في هذا المقام الكريم ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا دينا إلا قضيته، ولا هما إلى فرجته، ولاميتا إلا رحمته، ولا عاصيا إلا هديته، ولا طائعا إلا سددته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيا أو محروما.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.
اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احمل المسمين الحفاة واكسوا المسلمين العراة وأطعم المسلمين الجياع.
اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان.
اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله..
هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصل اللهم وسلم وزد وبارك على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقم الصلاة.
السيد مراد سلامة |
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: عقوبات الغافلين
العنصر الثاني: علامات الغفلة
العنصر الثالث: أسباب الغفلة
العنصر الرابع: علاج الغفلة
الأدلة و البيان
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خِلْفَة، ورفع عنَّا الكلفة، وأمرنا بالمودة والألفة، وحذَّرنا من الغفلة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاتباع، ونهانا عن الابتداع، وحذَّرنا من الضياع، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أرضى ربه وجاهد نفسه وحفظ وقته، صلى الله وسلم عليه كلما دامت الأُلفة، وحوربت الغفلة.
وبعد:
الغفلة سلطان إبليس على القلوب.. وفرحته التي يجدها من الخلق..
أخي المسلم: لقد عمَّت نار الغفلة.. حتى أصبح أكثرهم يعيش عيش البهائم! وقليل أولئك الذين عرفوا الغاية التي خُلقوا من أجلها.. فسعوا إلى تحقيقها؛ فسلموا من شرور الغفلة..
أخي المسلم: لقد استفحل داء الغفلة.. وكُثر أصحابه في كل مجمع وفي كل مكان!
الغفلة هي:
الانغماس في الدنيا والشهوات ونسيان الآخرة فيجتهد الغافل في تعمير الدنيا الفانية وتخريب الآخرة الباقية يقول الله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾... (الأنبياء: 1 - 3).
فالغافل يريد أن يعيش عاملا علي إشباع شهواته، حريصا ألا يتعب جسمه إلا في شهوته.. حريصا علي ألا يفقد شيئاً من ماله إلا في ملذاته، حريصا علي ألا يفقد لحظة من عمره إلا وهو مستريح هادئ حتى ولو علي حساب دينه، فهو يريد أن يعيش متمتعا بحياته علي أقصي درجة.. هذا نوم القلب... لأن القلب اليقظ يعلم أنه لم يخلق في هذه الدنيا لينغمس فيها وينسى آخرته.. وأن هذه الدنيا قنطرة إلى الآخرة، وأن لذاتها مكدرة.. نعمها منغصة، فليست هناك لذة خالصة بدون تنغيص.. أما اللذات بدون تنغيص ففي الآخرة، ولذلك لما سئل الإمام أحمد متى الراحة؟ قال عند وضع أول قدم في الجنة.
العنصر الأول عقوبات الغافلين:
أخي المسلم إن للغفلة آثارا مدمرة على سعادة الإنسان في الدنيا و الآخرة و إليك طرفا منها حتى تحذرها و تحذر منها كل مسلم و مسلمة.
1 - أنها سبب الهلاك: اعلم زادك الله علما:أنه ما هلك القرون الخوالي إلا بغفلتهم عن الله تعالى و عن مصيرهم الأخروي اسمع إلى كلام الرب العلي جل جلاله قال الله تعالى مبينا هلاك الغافلين ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 135، 136].
لماذا أهلكتهم يا رب العالمين؟
الجواب: لأنهم من الغافلين.
عدم الانتفاع بالآيات و عدم الاتعاظ بالهالكين:
من أصيب بالغفلة الكاملة خُتِمَ على قلبه، وسمعه، وبصره، وكان أضل من الحيوان، والأنعام، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. فهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، فقلوبهم لا يصل إليها فقه ولا علم، وأعينهم لا ينتفعون بها فلا يبصرون آيات الله، وآذانهم لا يسمعون بها ما ينفعهم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأحقاف، 26]. وقال تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة، 18]. وقال تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة، 171]. ولم يكونوا صمّاً، ولا بكماً، ولا عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال، 23]. وقال تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44] وقال تعالى: ﴿ لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
فالغافل عبد الله لا ينفع فيه وعد و لا وعيد و لا تخويف ولا ترهيب لان الله تعالى ختم على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة.
3 - الغفلة بواب الدخول إلى التكذيب بالآيات و بالوعد و الوعيد.
و اعلم بارك الله فيك -: أن الدافع إلى تكذيب الرسل و عدم الإيمان بالمعجزات إنما هو الغفلة قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف، 146]، فالسبب التكذيب والغفلة، فالغفلة قرينة التكذيب بآيات الله تعالى.
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((فردهم لآيات الله وغفلتهم عما يُراد بها، واحتقارهم لها، هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشاد ما أوجب)) (تيسير الكريم الرحمن (ص 303).
4 -: الغفلة صفة من صفات أهل النار.
الرضا الدنيا و الركون إلى زخرفها صفة من صفات الأشرار الذين أعد الله تعالى لهم النار قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس، : 7، 8]. فهذه حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة، ولا يرجون في لقائه شيئاً، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم، وهم غافلون عن آيات الله الكونية، فلا يتفكرون فيها، وعن آياته الشرعية فلا يأتمرون بها..
سادساً: الحذر من الغفلة؛ لأن أكثر الناس وقعوا في الغفلة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ ([يونس: 92].
5 -: الغفلة تغلق على العبد أبواب الخير، وتفتح له أبواب الشر.
فكل شيء مفتاح و مفتاح الشر و المعاصي الغفلة عن الله و عن قدرته و سلطانه - جل جلاله - قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (سورة النحل، الآيات: 106 - 109.).
6 - أهل الغفلة لهم الحسرة يوم الحسرة.
و آخر المطاف حسرات و زفرات يوم لا ينفع الندم قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ (سورة مريم، الآيتان: 39، 40.)، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:((إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزناً إلى حزنهم)) وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم ((قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ (سورة مريم، 40.) وأشار بيده إلى الدنيا)).
العنصر الثاني: علامات الغفلة
اعلم علمني الله و إياك أن للغفلة علامات و إشارات من خلالها يتعرف المرء على حقيقة نفسه.
أولاً: التكاسل عن الطاعات:
وهذه العلامة من أهم العلامات، قال الله تعالى في شأن المنافقين: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾... (النساء: 142).
ثانياً: استصغار المحرمات والتهاون بها:
قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب مرّ على أنفه فقال به هكذا" فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه" رواه البخاري.
عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم لان محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه ) أخرجه أحمد (5/331، رقم 22860)،
ثالثاً: إلف المعصية ومحبتها والجهر بها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعملَ الرَّجلُ بالليل عملاً ثم يُصبحُ وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" متفق عليه.
((كلّ أمتي معافَى)) مِن العافية وأنّ الله سبحانه وتعالى يغفر الذنبَ ويقبل التوبَة، ((كلّ أمّتي معافى إلا المجاهرين))، هؤلاء لا يعافَون، المجاهرون بالمعاصي لا يعافَون، الأمّة يعفو العفوُّ عن ذنوبها، لكن الفاسقَ المعلن لا يعافيه الله عز وجلّ، وقال بعض العلماء: إنّ المقصودَ بالحديث كلُّ أمّتي يترَكون في الغيبة إلاّ المجاهرين، والعفو بمعنى الترك، والمجاهر هو الذي أظهر معصيتَه، وكشف ما ستر الله عليه، فيحدِّث به، قال الإمام النووي رحمه الله: "من جاهر بفسقِه أو بدعته جاز ذكرُه بما جاهر به".
هذه المجاهرة التي هي التحدُّث بالمعاصي، يجلس الرجلُ في المجلس كما أخبر النبي ويقول: عمِلتُ البارحة كذا وكذا، يتحدّث بما فعل، ويكشف ما سُتِر، وقد قال النبي: ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله)) رواه الحاكم، وهو حديث صحيح.
رابعاً: تضييع الوقت من غير فائدة:
فإن الوقت نعمة، ولا يضيعه إلا غافل، لأنه لا يعرف أن الوقت هو أغلى ما يملك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" رواه البخاري.
قال الحسن: "مِن علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانًا من الله - عز وجل - ". تمر الساعات والأيام ولا يحُسب لها حساب؛ للجهل بقيمة الوقت وأهميته، هناك من يدعوك: تعالَ نفوّت الوقت! يفرح عندما تغيب الشمس، وهو يدرك تمامًا أن يومًا فات من عمره لا يعود! ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
وما أحسن قول القائل:
تزوَّد من التُّقَى فإنَّك لا تدري ![]() إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر ![]() فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ ![]() وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهر ![]() |
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
العنصر الثالث: أسباب الغفلة:
أحباب رسول الله - صل الله عليه وسلم - فإن سألتم عن أسباب الغلفة المهلكة فهاكم الجواب بحول الملك الوهاب.
1 - حب الدنيا:
فحب الدنيا راس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة والغفلة هي ثمرة حب الدنيا قال تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ. ﴾.. (الروم: 6 - 7).
يقول ابن كثير في تفسيره: فإن أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وإكسابها وشؤونها فهم فيها حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها وهم غافلون عن أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَبَلَغَ من أحدهم بدنياه أن يَقْلِبُ الدِّرْهَمَ عَلَى ظُفْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ.
قال نصر بن محمد السمرقندي:
(ويقال: الناس يصبحون على ثلاثة أصناف: صنف في طلب المال، وصنف في طلب الإثم، وصنف في طلب الطريق. فأما من أصبح في طلب المال؛ فإنه لا يأكل فوق ما رزقه الله تعالى، وإن أكثر المال. ومن أصبح في طلب الإثم؛ لحقه الهوان والإثم. ومن أصبح في طلب الطريق؛ آتاه الله تعالى الرزق والطريق!).
كلامه رحمه الله فبعض الناس يجلسون مع بعضهم البعض كل حديثهم عن الدنيا، عن المال، عن النساء، عن الشهوات، عن الربح عن الخسارة وهم عن الآخرة هم غافلون، فالإغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها سبب كبير للغفلة، قال الله عز وجل: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾... (الحجر: 3).
إن حال هؤلاء ليُنبئ عن سُكْر بحب الدنيا وكأنهم مخلدون فيها، وكأنهم لن يخرجوا منها بغير شيء من متاعها مع أن القرآن يهتف بنا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾.... (فاطر: 5).
إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين، وهؤلاء الصنف يقول عنهم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة" صحيح الجامع الجَعظري هو "الفظُّ الغليظ المتكبر" والجواظ "الجموع المنوع".
والسخَّاب كالصخَّاب أي: ( كثير الضجيج والخصام).
فهذا الرجل كأنه لم يخلق للعبادة وإنما خلق للدنيا وشهواتها فإنه إن فكر فكر للدنيا وإن أحب أحب للدنيا وإن عمل عمل للدنيا فمن أجلها يخاصم ويزاحم ويقاتل، وبسببها يتهاون ويترك كثيراً من أوامر الله عز وجل وينتهك المحرمات من أجلها.
وإن من الخسارة العظيمة أن تضيع حياة العبد ما بين أمل طويل وعمل سيء، فتراه في نهاره عاملاً ناصباً صاخباً جامعاً مانعاً، وللفرائض والآداب مضيعاً، فإذا جاء الليل ارتمى على فراشه كالخشبة الملقاة أو الجيفة القذرة، لا يقوم لصلاة فريضة فضلاً عن قيام ليل وعبادة رب كريم!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم، وهما مُهْلكاكُمْ» [رواه البزار/ صحيح الترغيب للألباني: 3258].
إن حال هؤلاء يصدق فيه قول القائل:
نهارك يا مغرور سهو وغفلةٌ ![]() وليلك نومٌ والردى لك لازمٌ ![]() وشغلك فيما سوف تكره غبه ![]() كذلك في الدنيا تعيش البهائم ![]() |
2 - الجهل بالله عز وجل:
من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي المؤمن أن يراه ربه على معصية، أو أن يراه غافلاً، فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، وأُنس العارفين بالذكر والطاعات.
قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: (ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمِّل الدنيا والموت يطلبه! وغافل ليس يُغْفل عنه! وضاحكٌ مِلءْ فيه ولا يدري أساخط ربُّ العالمين عليه أم راضٍ؟!
3 - المعاصي:
وهي من أعظم أسباب الغفلة، قال الله عز وجل: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] المطففين وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".
4 - صحبة السوء:
والعرب تقول الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾... (الفرقان: 27 - 29).
وحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة"... متفق عليه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"... رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي"... رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وما أحسن ما قال القائل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينة ♦♦♦ فكل قرين بالمقارن يقتدي
5 - طول الأمل:
فيعيش في الدنيا وهو يظن أنه لن يفارقها فهو مقبل عليها غافلا عن آخرته، قال الله تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾... (الحجر: 3).
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهرم ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر".... متفق عليه.
وقال عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدةٍ منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرةِ ولا تكون من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل"... رواه الترمذي.
6 - كثرة الكلام في غير ذكر الله تعالى:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي"... رواه الترمذي، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه وأَولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.
قال أيضا: (على قدر غفلة العبد عن الذكر يكون بُعْده عن الله).
وقال أيضًا: (إنَّ الغافل بينه وبين الله عزَّ وجلَّ وحشة، لا تزول إلا بالذكر).
فهل حاسبت نفسك أخي المسلم: هل أنت من الذاكرين لله تعالى؟! هل أنت من المنشغلين بالطاعات؟
7 - الغفلة عن الموت والدار الآخرة:
وقد أخبر الله عن هذا الصنف بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾... (يونس: 7 - 8).
وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن أشعر الناس أبو العتاهية حيث قال:الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحنُ.
ثامنا: ترك صلاة الجماعة:
لحديث عبدالله بن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين)).
العنصر الرابع: علاج الغفلة:
أمة الحبيب الأعظم - محمد - صلى الله عليه و سلم - القران الكريم و سنة النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - فيهما شفاء لكل ما انزل الله تعالى من بلاء، و هل هناك بلاء يصيب العبد أشد من الغفلة؟
اليكم الدواء من كتاب رب الأرض و السماء و من سنة سيد الأصفياء - صلى الله عليه وسلم -.
أولاً: العلم بالله:
معرفة الله عز وجل، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دينه وشرعه، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾... (الزمر: 9).
وعن معاوية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"... رواه البخاري.
ثانياً: ذكر الله تعالى على كل حال:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت".
ثالثا مجالس الذكر:
فهي العلاج الناجع لعلاج غفلة القلوب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا".
قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر".... أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
رابعاً: قراءة القرآن:
قال خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه: "تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحب عليه من كلامه".
وقال عثمان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم".
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله".
قال عامر بن ربيعة: «نزل بي رجل من الأعراب فأكرمته وأدخلته على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقطعه قطيعة من ألأرض، فجاء الأعرابي يومًا وقال: إني أريد أن أقطعك من هذه القطعة لك ولعقبك. قال عامر: لا حاجة لي فيها، لقد أنزل الله علينا اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا وذكَّرتنا بالآخرة، ثم قرأ: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1] ».
وجعل الله عقوبة أهل النار، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8].
خامسا: الدعاء والتضرع إلى الله تعالى:
حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي قال: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر" رواه البخاري.
سادساً:التوبة
التوبة النصوح، فقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب وأناب صقل قلبه..) رواه الترمذي بسند صحيح، ولكن المقصود بالتوبة هي التي تكون نصوحا، وتوصف بأنها نصوح إذا اجتمعت فيها شروطها المعتبرة، وقد وردت آية في كتاب الله عز وجل جامعة لكل شروط التوبة، ومبشرة لمن اجتمعت تلك الشروط في توبته أنه مغفور له، وهي قول الله تعالى: ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى).
سابعا: المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين"... رواه ابن خزيمة وصححه الألباني.
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف"... رواه أحمد بإسناد جيد.
ثامنا: الحرص على قيام الليل:
ولو بعشر آيات في قيامه، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين"... رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، واعلم أن شرفُ المؤمن قيام الليل، وأن عزُّهُ استغناؤُه عن الناس"... أخرجه الحاكم، وحسنه الألباني.
تاسعا: الإكثار من ذكر الموت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات "يعني الموت".
وفي لفظ لابن حبان: "أكثروا ذكر هاذِم اللذات، فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال: ((أحسنهم خلقاً)) قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لِمَا بعده استعداداً أولئك الأكياس)) (أخرجه ابن ماجه).
أسال الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع وأن يفقهنا وإياكم في الدين وأن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شئ قدير.
اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا اللهم لا تدع لأحد منا في هذا المقام الكريم ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا دينا إلا قضيته، ولا هما إلى فرجته، ولاميتا إلا رحمته، ولا عاصيا إلا هديته، ولا طائعا إلا سددته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيا أو محروما.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.
اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احمل المسمين الحفاة واكسوا المسلمين العراة وأطعم المسلمين الجياع.
اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان.
اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله..
هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصل اللهم وسلم وزد وبارك على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقم الصلاة.