Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

المهارات العشر لوقاية الفكر (7) تحرير العبودية

$
0
0
المهارات العشر لوقاية الفكر (7) تحرير العبودية
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة السابعة: تحرير العبودية


أكثر من 10.000 دين: عدد الأديان على مدى التاريخ البشريِّ، وذلك بحسب الموسوعة المسيحيَّة العالميَّة "باريت" طبعة 2001م؛ أي: إن البشرَ عبَدوا كلَّ ما يخطر على البال وما لا يخطر: الحجر والشجر، الشمس والقمر، الإنسان والحيوان، الموجود والمفقود، الملائكة والشياطين، وغيرها كثير، وهذا يعطي دلالةً واضحة على أن الإنسان مجبولٌ على العبودية؛ فهو يبحث عن إلهٍ يلجأ إليه؛ لجَلْب منفعةٍ، أو دَفْع مضرَّةٍ، أو هما معًا، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحقيقة بصورة واضحة فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فالخطابُ لكلِّ الناس بلا استثناء، فالفقرُ وصف ذاتي للإنسان، كما أن الغنى وصفٌ ذاتي لله تعالى.

ومن هنا كان كلامُ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس، وإذا شيكَ فلا انتقشَ))، يُبيِّن نوعًا من العبودية يخفى على الكثير؛ إنها عبودية المال (الدرهم والدينار)، وعبودية المظهر (الخميصة والخميلة)؛ وهما نوعان من الثياب، فكيف تكون عبوديتُهما؟ لم نرَ ولم نسمع مَن يسجدُ للمال أو للثياب! إن معنى عبوديتهما هو تقديمُهما على كلِّ مراد، وجعلهما هما القائدَ في كل حركة وسَكنة للعبد في حياته، فلُبُّ العبوديَّة الاستسلامُ والاتباع والطاعة، فكلُّ مَن أطاع شيئًا فقد تحقَّق فيه صورة العبودية، وإن لم يقل ذلك بلسانه، ولعل هذا أحد الأسرار في قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]؛ أي: اتَّخذ هواه إلهًا له لا يخالف له أمرًا، قال عكرمة: "أفرأيت مَن جعل إلهَه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنُه؛ فإذا استحسن شيئًا وهَوِيَه، اتخذه إلهًا؟"، ومن هذه الآية ندرك أن مَن يقول: إنه لا دينيٌّ؛ أي: لا يعبد أحدًا، فهو حقيقةً يعبد هواه، وعلى المنوالِ ذاته جاء حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه حين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصرانيٌّ، فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، قال: فقلتُ له: إنَّا لسْنا نعبدُهم، قال: ((أليس يحرِّمون ما أحَلَّ اللهُ فتحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرَّم الله فتُحِلُّونه؟))، قال: قلتُ: بلى، قال: ((فتلك عبادتُهم))[1].

وبناء على هذا المفهوم للعبوديَّة، نحن بحاجة ماسَّة لمراجعة عبوديتنا لله، وتحريرها من عبودية غيره، وبحاجة أكثر إلى تدريب شبابنا وأبنائنا على تحرير عبوديَّتهم، وجعلها خالصة لله وحده، ومما أذكر أنه في رمضان 1435هـ كنت أستغرب من قلَّة الزحمة في المسجد النبوي في المدينة المنورة، فقال لي أحد أبنائي: بسبب مباريات كأس العالم - والتي تصادف ليلًا - فقلت له: لا يمكن أن يتركوا فضل الصلاة في هذا المكان وفي هذا الزمان، وأن يكون بهذا العدد الواضح في المسجد النبوي! وبعد عدة أيام حصل الزحام، فقلت لابني: لاحِظ، الحمد لله! فقال: البارحة كانت المباراة النهائية لكأس العالم.

وإذا أردْتَ التأكد من العبودية، فتأمَّل في حالة تزاحم الأعمال في الوقت ذاته، أو عند تعارض المصالح، ما الذي يُقدَّم؟ فالمقدَّم هو المعبود وإن زعم العبد غيرَ ذلك، على الأقل معبودٌ في تلك اللحظة أو في ذلك الموقف.

يا تُرى كم من المعبودات التي نحتاجُ لتحريرها من أذهان الشباب: الكرة، المال، المظهر، النت، الميديا شو، الجوال، الألعاب الإلكترونية، مواقع التواصل الاجتماعي، وسلسلة قادمة اللهُ أعلم بها!

أليس من الأَوْلى التدريب على تحرير العبودية، وجعلها خالصةً لله وحده فقط، بدل التعامل مع كل معبودٍ جديد؟

أتركُ لك الإجابة

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



[1] حسَّنه ابن تيمية: حقيقة الإسلام والإيمان، ص: 111.







Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles