Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

المخاوف

$
0
0
المخـــــــــــــــــــاوف


مفيدة مناعي








ما الذي نتوجس منه في هذه الحياة؟ إنها بالدرجة الأولى مخاوفنا، تلك التي لا نجد لها تفسيرات أحيانًا سوى أنها إحدى وساوس الشيطان الذي يجري في عروقنا مجرى الدماء، بل إن بعض هذه المخاوف قد تتحول إلى مرض إن لم تُقتَلْ في مهدها، لكن للأسف فإن أغلب هذه المخاوف تتغذى وتنمو بفضلِ البيئة السلبية التي تدعمها، وهذه المخاوف هي التي نبرِّر بها التصرفات التي قد تنمُّ عن الجشع، أو العدائية، أو الانطوائية، أو مظاهر سلبية غيرها.



ولكنا دَعْنا نتساءل: ما هي أعلى هذه المخاوف وأشدها خطرًا؟ وما هي أكثر المخاوف المنتشرة في الوسط من حولنا؟

إن مخاوفَ المجتمع المتقدِّم ليست كمخاوف المجتمع المتخلِّف، ومخاوف الرجل ليست كمخاوف المرأة، ومخاوف الطفل ليست كمخاوف الراشد، ومخاوف الشباب ليست كمخاوف الشيوخ، إن المخاوفَ متعدِّدة ومتباينة، ولا تكاد تحصى، بل إن بعض هذه المخاوف قد تم القضاء عليها نهائيًّا، مثل الأمراض التي كانت تفتِك بالأطفال وتم اكتشافُ علاجات لها، وبعض المخاوف قد ظهرت فقط في عصرنا نتيجة تغيُّر وتطوُّر ثقافات العالم، مثل: الإسلام فوبيا، أو فوبيا الطيران؛ ولذلك سنتحدَّث عن مخاوف الإنسان القديم، أو المخاوف الأوليَّة البسيطة، والمخاوف التي ظهرت مع تطوُّر الحياة على وجه الأرض.



الخوف غريزة في الإنسان، وهو أحد المشاعر المهمة لبقائِه واستمراره، والإنسان الأولُ عاش في الجنة، لا شقاء فيها ولا حزن، ورغم ذلك وجَد الشيطان له مدخلًا، وهو الخوف من الفَناء؛ لأن الإنسان عمره محدود، وهو بالتالي يخشى مِن حلول أجله، يخاف الموت، ولما وقعتِ الخطيئةُ وأكل آدمُ من الشجرة المحرمة، ونزل إلى الأرض، وفقَد المزايا التي كانت له في داره الأولى - فعليه الآن أن يكدَّ ويعمل؛ من أجل تحصيل رزقه؛ كيلا يهلِكَ، وهنا نشأ الخوف الثاني، وهو الخوف من الهلاك بالجوع أو العطش، كما أن الأرضَ كانت مأوى لغيره من المخلوقات المتوحِّشة، فكان عليه أن يسعى إلى الأمان؛ كيلا يفترسَه أحدُ الوحوش الضارية، وهذا خوف جديد، وإلى الآن نجد أن مخاوفَ الإنسان الأول كانت أشبهَ بغريزة؛ لحمايته في هذا الوسط الجديد الذي لم يألَفْه بعدُ، ثم يحكي لنا القرآنُ عن أول جريمة ارتُكبت على وجه الأرض، وهي قتل قابيل لأخيه هابيل، وهذا لأن قابيل أحبَّ أخته التوءَم، التي لا يحلُّ له الزواج بها، وخطبها هابيل، فخوفُه مِن فقدِ محبوبتِه هو الذي دفعه لأن يقتل أخاه كيلا يتزوَّجَها أحد غيره، وهذا خوفٌ جديد، لكنه طائش، وهو ضد الإنسان، وليس لمصلحته، والنتيجة أكبر برهان، فهل الخوفُ مِن فقد مَن نحب مبرِّر لسفك الدماء المحرمة؟!



لقد خاض الإنسان حروبًا طويلة على مر التاريخ، أُبِيدت فيها دول بطريقة وحشية، واستباحَتْ دولٌ قوية دولًا ضعيفة، وما هذا إلا بسببِ الخوف على مصالحها التي تتجسَّد في الزعامة والسيطرة، ونشأ مفهوم السيد والعبد، والأبيض والأسود، والقوميات والقبَليَّات، والطوائف، والتفرقة بين الجنسين... إلخ.



لقد كان للطبيعة دورٌ في نشأة المخاوف لدى الإنسان؛ فالكوارثُ الطبيعية من زلازلَ وبراكين وتسونامي وأعاصير وفيضانات - جعلَتِ الإنسان يبتعد عن هذه الأماكن، ويسعى إلى أخذ احتياطاته؛ فاليابان مثلًا تشهد زلازلَ باستمرار، متفاوتة الخطورة، ورغم ذلك فقد استطاعَتْ - بفضل تقدُّمها العلمي - التعايش مع هذا الوضع الطبيعي بخَلْق وسائلَ دفاعية تحمي من خطَره؛ فلديها أجهزة للتنبيه قبل حدوث الزلزال، وأبنية مضادة للزلازل، إضافة إلى الوعي بالاحتياطات اللازمة قبل وأثناء وبعد حدوثه، وكذلك تعاملت دول أخرى مع الفيضانات ببناء السدود، ومع التصحُّر بالتشجير، لكن هناك أزمات طبيعية أخرى ظهرت في العصر الحديث بسبب التلوث، وهي تهدِّد حياةَ الإنسان على الأرض، كما يقول العلماء، مثل: ذوبان الجليد في القطب الشَّمالي، الذي يهدِّد بغرق اليابسة، واتساع ثقب الأوزون الذي سيتسبب في تحطُّم كوكبنا بأحد النيازك التي تهاجمه في كل حين، إننا نواجه مخاوفَ من نوع جديدٍ، فهل سيمكِننا أن نواجهَ هذا الخطر؟!



هناك فئةٌ قليلة من البشر لديها مخاوفُ تجعلها تستبدُّ وتقتل وتتحكَّم في الفئة الكبرى، إنهم الحكامُ الذي يخافون أن يفقدوا امتيازاتهم وسلطتهم، وهم أعداء للدِّين، إن لم يكُنْ هذا الدِّين داعمًا لحكمهم، فهم قتلة الأنبياء والأمم الموحدة، وهم الذين يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، أسماء كثيرة لطُغَاةٍ عرَفتهم البشرية: النمرود، فرعون، الحجاج، هتلر، بشار الأسد... والقائمة تطول.



ويبدو أن هذا العالَم لن يعرف السلام يومًا إلى أن يبعث سيدنا عيسى عليه السلام ليكمل رسالته، ومن ثمة يعود الفساد من جديد، لكنه في أبشع صوره، وتلك هي نهاية قصة الإنسان على وجه الأرض، كما جاءت بذلك السنَّة النبوية.



لقد ضرَب المجتمع بيد من حديد على كائن اسمه المرأة منذ عصور خلَتْ، رغم أن جميعَ الأديان أنصفتها فإن أيديَ التحريف والتأويل الباطل مسَّتِ الكتب المقدسة؛ فصارت المرأة تُهان وينتقص من حقوقها باسم الدِّين أو العُرف أو الجنس، ولا أعتقد أن الرجل نجح وحده في ذلك، بل لقد تسبَّبَتِ المرأة لنفسها في ذلك حين رضِيَتْ بأن تذعن له كأنه إله وجب أن يطاع ولا يُسأَل عما يفعل، إن مخاوفَ المرأة تكبُرُ منذ أن تكتشف ذاتها، وتعرف موهبتها، وتقرأ وتتعلم، فهي بعد كل خطوة تؤمِن بوجودها تمامًا مثل الرجل، تخاف المرأةُ أن تُحرَم من التعليم والعمل، تخاف المرأة مِن أن تظلَّ بلا زوج ولا أبناء، تخاف المرأة مِن أن تكون ذريتها إناثًا، تخاف المرأة أن تظل حبيسةَ العادات، تخاف المرأة أن يكون جسدها هو معيارَ جمالها، أن يُهمَل عقلها ورُوحها، تخاف المرأة من غضب الرجل، من تحرُّشه، من أن يفرض نفسه عليها بلا حب أو رحمة، مخاوف الطلاق، مخاوف زيادة الوزن، مخاوف تربية الأبناء، مخاوف كثيرة ترهقها؛ لأنها تُعتَبرَ الحلقة الضعيفة دومًا.



الرجل محبٌّ لعمله؛ لذلك أكبرُ مخاوفه أن يفقد مصدر رزقه هو وعياله، يخاف الرجل أيضًا من خيانة شريكة حياته، أما خيانته لها فيعتبرها إحدى نزواته التي ستغفرها له، أو ستتغاضى عنها، يخاف الرجل مِن غدر صديقه الذي يعتبره بمنزلة أخيه، يخاف الرجل من الاعتراف بخطئه أمام الأضعف منه؛ زوجته أو ابنه، يخاف الرجل من الوَحْدة والعجز والفقر؛ لأنها تُهيِن كرامته.



يخاف الأطفال مِن الابتعاد عن الأمهات، ويخافون الوحوش الخيالية التي يشاهدونها على شاشة التلفاز، ويخافون مِن ضرب أوليائهم أو معلميهم إذا لم يُنجزوا واجباتهم، أو أساؤوا التصرف، يخافون مِن نفاد قِطع الحلوى والبسكويت، يخافون من ضياع لُعَبهم أو إتلافها؛ فمخاوفُ الأطفال صغيرة مثلهم.



يخاف الشبابُ من ضياع مستقبلهم بعد طول الدراسة، ويخافون أن تسرق أحلامهم منهم، يخافون مِن ضياع وقتهم رغم أنهم بارعون في تضييعه بكل وسائل الترفيه والتسلية، يخافون النصائح وينفِرون منها، يخافون أن يعيشوا قصص حب كاذبة أو بائسة، يخافون الزواج؛ لِمَا يترتب عليه من مسؤوليات، يخافون أي نعم، ولكن كثير من خوفهم عن قلة تجرِبة.



أن يحمل جسمُك علاماتِ الوهن والضعف، وتفقد تواصلك معه بشكل طبيعي - فتلك أكبَرُ مخاوف الشيخوخة، بل إن الزهايمر من أشد المخاوف التي تواجه المسنين، فكلُّ مَن بلغ سن العجز فإنه يبدأ بالتفكير فيما قدم في حياته، هل أحسن أم أساء؟ هل عرَف طريق الحق أم ضل عنه؟ هل عاش كما ينبغي أم أن سنينه ضاعت هباءً؟! ويا للحسرة على الشباب!



هناك خوف من نوع خاص، وهو خاص بالمؤمنين الذي يؤمنون باليوم الآخر والحساب والجنة والنار، وهو خوفُ العودة إلى الكفر بعد الإيمان، والخوف مِن الضلال بعد الهداية، وهو الخوفُ المحمود على الإطلاق.



فالخوفُ من خلال الصور السابقة بعضُه طبيعي، وله مسوِّغُه؛ فالإنسان ليس بالكامل، والأرض ليست بالجنة، وبعضه يمكن معالجته، كما واجه الإنسانُ مخاوف الطبيعة، والأمراض القاتلة، ومخاوف وهمية ينبغي التصدي لها ودحضُها قبل أن تتحوَّلَ إلى خلايا سرطانية، وهناك مخاوفُ علاجها الإيمان بالقضاء والقدر؛ خيرِه وشره.









Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles