Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

الخطبة بين المباح والمحظور

$
0
0
الخطبة بين المباح والمحظور


الشيخ حسن عبدالعال محمود




تعتبر الخطبة من مقدمات الزواج، وهى وعدٌ به وليست عقداً ملزماً، شُرعت في الإسلام كمقدمة ليتعرف كل من الزوجين بطباع الآخر، وبها يكون الإقدام على الزواج على بينة ووضوح، وعلى هذا لا يترتب عليها ما يترتب على النكاح، وإنما هناك حدود شرعية لعلاقة الخاطب بخطيبته تتأرجح بين ما هو مباح وما هو محظور في العلاقة بينهما... وفى هذه الدراسة الوجيزة سوف نتعرض إلى تلك الأمور على النحو التالي:
أولاً/ النظر إلى المخطوبة
ثانياً/ الخلوة بين الطرفين
ثالثاً/ محادثة المخطوبة
رابعاً/ الخطبة على الخطبة
خامساً/ خطبة المعتدة من وفاة أو طلاق

أولاً / النظر إلى المخطوبة: اتفق جمهور أهل العلم على أن من أراد نكاح امرأة يشرع له ويباح أن ينظر إليها ليعرف جمالها، وما يدعوه إلى الاقتران بها.

والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ [الأحزاب: 52].

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم، فأتاه رجلٌ، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار. فقال له رسول الله: «أنظرت إليها؟». قال: لا. قال: «فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً".

والمراد قيل: أن في أعينهن صغر في الحجم، وقيل عمش يكون في العين.

روى جابر أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها" رواه ابو داود واحمد.

والحكمة في مشروعية النظر إلى المخطوبة أن يحصل له اطمئنان نفسه إلى الإقدام على الزواج منها.... وهذا يؤدى في الغالب إلى دوام العشرة بخلاف إذا لم يرها حتى عقد عليها، فإنه ربما يفاجئ بما لا يناسبه فتجفوها نفسه.

والنظر ليس على إطلاقه بل المباح في ذلك كما نص عليه جمهور العلماء أن ينظر الرجل إلى الوجه والكفين، ولأن الوجه مجمع المحاسن وموضع النظر ولدلالته على الجمال، ودلالة الكفين على خصوبة البدن ولأنهما يظهران عادة فلا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة.[1]

وقد تباينت آراء العلماء في ذلك: فأجاز بعضهم النظر إلى جميع البدن عدا السوءتين ومنع ذلك قوم على الإطلاق.

"والسبب في اختلافهم أنه ورد الأمر بالنظر إليهن مطلقا، وورد بالمنع مطلقا، وورد مقيدا "[2]

وعلى ذلك يحظر على الرجل أن يمعن في النظر وأن يدقق في مواضع الجسد، فينبغي أن يتقيد في هذا بقدر الحاجة، وهى التأكد من مدى قبوله لها، فلو اكتفى بنظرة أو أكثر، وحصل له القبول حرم ما زاد على ذلك لأنها أجنبية عنه حتى يعقد عليها.

وعلى الرجل إذا نظر فلم تعجبه الفتاة فليسكت، فلا يباح له أن يذيع ما يسوؤها وأهلها، فربما منها.

أما بقية الصفات (الخلقية) بكسر الخاء وسكون اللام فتعرف بالوصف والإستيصاف وسؤال من خالطوها من أقارب وجيران وأصدقاء ممن هم يؤتمنوا على ذلك... ولقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية، فقال: "شمي عوارضها، وانظري إلى عرقوبها".

(وفى رواية ) "شمي عوارضها " رواه أحمد.

فالمباح في كل ذلك التحري في السؤال، وسؤال أهل الصدق ممن ليس لهم ميل إلى المخطوبة فيفرط في الثناء عليها، وقل من يصدق فيه بل الخداع والإغراء أغلب، فالاحتياط فيه مهم.[3]

ونظر المخطوبة إلى الخاطب كحكم نظره إليها، لأنه يعجبها منه ما يعجبه منها.

ويحظر كذلك أن يصافحها أو أن يمس شئ منها وإن أمن الشهوة، لأنها أجنبية عنه، ولوجود الحرمة وانعدام الضرورة في ذلك.

ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لَأنْ يُطعَنَ في رأسِ أحدِكم بمِخيَطٍ من حديدٍ خيرٌ لهُ مِنْ أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ لهُ " رواه الطبراني.


ثانيا / الخلوة بالمخطوبة: يحظر الخلوة بالمخطوبة لما فيها من خطورة، ولبقاء الحرمة بينهما، فلم يبح الشرع بغير النظر، فبقيت على التحريم، ولأنه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور، ولا يغرنك تلك الأصوات التي تعالت تنادى بالتحرر والتحضر وعدم الجمود والرجعية ولا شك أن الرجعية والانحطاط في كل ما يدعون إليها من التحرر من قيمنا وعقيدتنا ولا شك أن في ذلك تكشف واطلاع على ما ستره الله تعالى، فنجد أن الشرع يحفظ الحرمات ويحيط البيوت بسياج متين من الأمن والتستر.

والخلوة المحرمة هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه لا يكون معهما ثالث بحيث يحتجبان عن الأنظار، وقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة، بالتحذير من ذلك، من ذلك ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.

وقال صلى الله عليه وسلم: ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان". رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس وبينه محرم بينها.

ولا شك أن ما يحدث الآن من تهاون وترك الحابل على الغارب في هذا الأمر جر على المجتمعات ويلات ومفاسد لا حصر لها.

وهذا الأمر لا يقره الشرع فنجد أن الخاطب ربما اصطحب خطيبته إلى الأماكن العامة ويذهبا إلى السهرات وخلافه دون محرم متعللين في ذلك أنه أمر يؤدى إلى التوافق والتعارف والتآلف... لكن نقول ربما لا يتم الزواج بعد ذلك وهذا يحدث فنجد كوارث هائلة تهز كيان الأسر من تفش الأسرار وكثرة القيل والقال وتفويت الفرصة على المخطوبة في الزواج.

علما بأن الشرع يحظر أيضا على ولى الأمر التشدد والتضييق فليس من حقه عدم السماح للخاطب أن يرى خطيبته إلا بعد الزفاف والعقد عليها.

فالإسلام فيه الرعاية الكاملة لحق كل من الطرفين في رؤية كل منهما للآخر مع تجنب الخلوة حماية للشرف وصيانة للعرض.

ثالثا / محادثة المخطوبة: يباح للخاطب أن يحادث المخطوبة في وجود المحرم للتعرف على صوتها، وليعلم ثقافتها، ويقف على رأيها فيما له أثر في الحياة الزوجية المقبلة، ولها كذلك أن تحادثه بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية فيكون الكلام بقدر الحاجة من غير خضوع بالقول أو لين أو تمييع الحديث.

قال تعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32].

ومما يدل على جواز هذا الأمر قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53].

وإن استدعى الأمر الحديث عبر الهاتف فلا مانع بالضوابط السابقة وينبغى أن يكون ذلك بعلم الأهل وأن تكون بقدر الحاجة فيحظر أن يتخذ هذا الأمر ذريعة للتخلي عن تلك القيود الشرعية التي تكفل الحماية للطرفين، ناهيك عن ما استحدث في تلك الأيام من وسائل الاتصال عبر الإنترنت بالصوت والصورة فيحدث تكشف لما أمر الله بستره.[4]

وعلى هذا إذا تكلَّم الخاطب مع مَخطوبته كلامًا فيه مصلحة، فهذا لا مانعَ منه ما لم يتجاوَزْ حدود الحاجة المقصودة، وبِضوابطَ شرعيَّةٍ، ومنها:
1- أن لا يتجاوز الكلامُ قدرَ الحاجة.
2- أن لا تكون هناك خلوة.
3- أن لا يحدث بينهما مُصافحة وغيرها.
4- الالتزام بغضّ البصر بين الطرفيْنِ.
5- أن لا تكون هناك رِيبةٌ وشهوةٌ في قلبَيْهما أو أحدهما.
6- أن لا يكونَ من المرأة خضوعٌ بالقول.
7- أن تكون المرأةُ بكامِلِ الحِجابِ والحِشمةِ، أو يخاطبها من وراء حجاب.
فإذا تحققت هذه الشروط، وأُمِنَتِالفتنة فلا بأس من حديثِكَ معها.[5]

رابعا / الخطبة على الخطبة: يحظر كذلك أن يخطب الإنسان على خطبة أخيه رعاية لحقه وعدم التعدي والإساءة إليه وعليه جاء النهى في قوله صلى الله عليه وسلم:".... وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ " رواه البخاري ومسلم.

فمجرد تقدم المسلم لخطبة امرأة يجعل خطبة غيره لها حرام شرعا إذا علم بذلك، ولا يجوز له التقدم لخطبتها إلا إذا علم أن أمر الخطبة الأولى لم تتم أو تم العدول عنها.

ولو تقدم رجل لخطبة امرأة وخطب آخر على تلك الخطبة مع علمه بالخطبة الأولى وتم الزواج للخاطب الثاني وتم رفض الخاطب الأول فجمهور الفقهاء يرون أن العقد صحيح ويأثم العاقد ويعتبر آثم وحسابه على الله.

خامسا / خطبة المعتدة من وفاة أو طلاق: يحظر التصريح بخطبة المعتدة سواء أكانت معتدة من وفاة أو طلاق، وسواء أكان الطلاق طلاقا رجعيا أو بائنا، إلا أنه يباح التعريض بخطبة المعتدة من طلاق بائن دون التصريح عند بعض الفقهاء، وإن كانت معتدة من وفاة يباح كذلك التعريض بالخطبة دون التصريح، لأن صلة الزوجين هنا قد انقطعت بالوفاة، وإنما يحظر التصريح رعاية لحزن الزوجة، وكونها في حالة حداد على زوجها، وأيضا محافظة على شعور أهل الميت وورثته.

يقول تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].

ومعنى التعريض: أن يذكر في كلامه ما يدل على مراده دون أن يصرح بذلك. قال ابن عباس:" التعريض أن يقول: إني أريد الزواج، وإني أحب امرأة من أمرها كذا وكذا، يعرض لها بالقول بالمعروف "[6]

فوائد:
إذا استشير إنسان في خاطب أو مخطوبة يباح له أن يذكر مساوؤه التي يعرفها ويصدق فيها، ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة إذا قصد بذلك النصيحة والتحذير. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس.

فعن فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فلم يَجْعَلْ لها رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُكْنَى ولا نَفَقَةً قالت قال لي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا حَلَلْتِ فآذنيني فَآذَنْتُهُ فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وأبو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ بن زَيْدٍ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ له وَأَمَّا أبو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَلَكِنْ أُسَامَةُ بن زَيْدٍ فقالت بِيَدِهَا هَكَذَا أُسَامَةُ أُسَامَةُ فقال لها رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ قالت فَتَزَوَّجْتُهُ فَاغْتَبَطْتُ" رواه مسلم.

وكذلك إذا استشير في أمر نفسه بينه كأن يكون فيه شح أو تعصب أو نحو ذلك، وإن رأى أنه لا يصلح لهم يقول لهم ذلك دون الإفصاح، ويستحب كذلك للخاطب والمخطوبة أن يستخيرا في أمر الزواج، ويستحب الإخلاص فيها في الدعاء والإلحاح ولا بأس بتكرارها.

ويباح أيضا العدول عن الخطبة لأنها ليست عقدا ملزما عند جمهور أهل العلم، ولا يكره للمخطوبة كذلك أن تعدل عن موافقتها لأن النكاح عقد عمري يدوم فكان الاحتياط لنفسها وإعادة النظر في شأنها، ولكن يترتب على هذا العدول أن الخاطب إذا كان قد دفع مهرا أو جزءا منه يسترده كاملا هذا إن سماه مهرا باتفاق أهل العلم.

أما ما دفعه على سبيل الإهداء فالأقوال متباينة في ذلك ما بين استرداده إن كان قائما لم يستهلك وما بين عدم الرد، وهناك من يذهب إلى التفصيل بمعنى إذا كان العدول من جانب المخطوبة فله أن يسترد ما دفعه لها لأن السبب الذي من أجله الإهداء لم يتم، وربما كان هذا الرأي أميل للصواب والله تعالى أعلى وأعلم.


[1] راجع صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - أبو مالك كمال بن السيد.

[2] راجع بداية المجتهد ونهاية المقتصد -ابن رشد - المكتبة التوفيقية ج 2 ص 27.

[3] راجع إحياء علوم الدين لأبى حامد الغزالي - مكتبة التقوى ج2.


[4] صحيح فقه السنة مرجع سابق.

[5] أحكام وضوابط فترة الخطوبة - للشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي.

[6] راجع مختصر تفسير ابن كثير - اختصار وتحقيق محمد على الصابوني - دار التراث العربي.








Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles