Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

خنجر الخيانة

$
0
0
خنجر الخيانة


د. نزار نبيل أبو منشار






صورة قاتمة، لا بد لنا أن نذكرها لنبصّر الناس بها حتى لا يقعوا في شَركها، والتاريخ والأيام دول، وما أشبه اليوم بالبارحة [1][2].



نحن نتحدث هنا عن شعب رفع لواء المقاومة، واستنفذ كل مجهوداته وكفاءاته وطاقاته لمواجهة عدو سلبه حقه، وشرّده عن بيته، وسَطا على حقله، وانتزع منه كرامته، حتى إذا بدت مرحلة الصراع، وتلاحم المعسكران، أُتِيَ شعبنا من الخلف، وطُعن بخنجر عربي مطبوعٍ على مقبضه شعارُ الصهيونية والماسونية الماكرة.



فسمة العدو أن يوجد أعواناً له يعينونه على الوصول لمبتغاه، وهذا لا يستغرب منه بحال، فهو رغم شراسته وعدته وعتاده، يريد أن يخفف مقدار الخسائر في صفوفه قدر المستطاع، فيعمد بالحيلة القديمة المتجددة في كل صراع إلى إيجاد الوجه الخائن الذي ينوب عنه لتنفيذ مخططاته العدوانية.



سلِ الشعب الفلسطيني كم قاسى وعانى من هذه الظاهرة؟؟

سل الثوار عن الغدر الذي أوصلهم إلى المنافي؟؟

سل جثامين الشهداء بأي رصاص أرديت؟

سل الشعب عينه بأي وجه مررت عليه سياسات العدو جهاراً نهاراً.



حين يتملكنا الذهول، وتشط بنا تيارات العجب، فإننا نوجه ذلك كله إلى طبيعة هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس دراهم معدودة، وإلى من تمالؤوا مع الخصم للقضاء على الأخ والقريب والجار [3].



إن مثل هؤلاء قد وصلوا درجة من الحقارة والوقاحة وصلت بهم إلى ضرب شواهد التاريخ بعرض الحائض، فضربوا الذكر صفحاً عن الوزير الرافضي في زمن الخلافة في بغداد، حين تأمر مع التتار لاحتلال حاضرة الخلافة، فكان جزاؤه أن كان أول مذبوح على بلاط الدولة.



وتناسى هؤلاء، من أمثال أبي رغال، أن عدوهم ماكر خبيث يعلم أن من يخون أرضه وشعبه وقضيته يمكن أن يخونه، وبالتالي، فهو لا يأمنهم مثقال حبة من خردل، وسيدوسهم ريثما يصل إلى النقطة التي وضعها لهم في برامجه ومخططاته.



لن أسترسل في الحديث، فحال الخيانة ومآله مسطور في كتب الأقدمين لمن أراد أن ينير بصيرته بمعرفته، ولكني أقف هنا مع ماضي شعبي الذي أكنّ له كل الاحترام والمحبة، فهذا الشعب أُخذ بجهله تارة، وأُخذ في مرحلة تحرره تارة أخرى، وقد دفع ضريبة ذلك في كلا الحالين من دم شبابه وحدود أرضه على حد سواء [4].



لن نكون مثاليين في طرحنا، بأن ندعي أن الشعب الفلسطيني طاهر كله، لا تجد فيه من يشذ عن القياس، فهذا أمر نفته جعبة التاريخ بما حملته من قصص وشواهد، ويأباه كل عقل راشد، فالمجتمع مزيج متداخل، تجد فيه الأناني والنفعي والوصولي والمتسلق والمنافق، شأنه شأن كل شعوب الأرض، وهذه هي الفئات التي يبحث عنها الاستعمار لجعل مآربه قابلة للتطبيق، فالمال عنده متوفر، ووعوده لا تنفد، ومتخصصوه في البحث والتنقيب والحوار والاستقطاب حصلوا على براعة جيدة.



وقد شهد القاصي والداني، والعجم قبل العرب أن هذا الشعب الصابر ما لانت له قناة في مقارعة خصومه، برغم قلة إمكانياته، ولكنه أُثقل من كثرة الهموم، وزلزلت أركانه عندما كان يفاجئ في كل مرحلة بوجود زمرة نفعية أو متواطئة قد قبلت بما في يد المستعمر، وحنت رأسها له ولرغباته، فصار يقلبها كيف شاء، ومتى شاء، دون أن تعصي له أمراً، حتى وضعت شعبها من خلفها في بوتقة معزولة، كالأعمى يسير إلى حيث أراد قائده، وفي نهاية المطاف يجد الشعب نفسه تحت مقصلة العدو [5].



كأن الشعب الفلسطيني لا يكفيه تخاذل العرب، وعمالة حكامهم - إلا من رحم ربي – لتنبعث من بين صفوفه أناس هوت بهم الرجولة الزائفة إلى وحل الخيانة، وزين لهم الاستعمار الشيطاني أعمالهم، فهم واحد من صنفين، إما خُدعوا وخَدعوا، وإما خانوا بإراداتهم فأجرموا..



وماذا يفعل شعب تمالأت عليه عصابات الإجرام، وكادت به دول العالم، وتخلي عنه القريب قبل البعيد؟

ماذا بيده؟ وبأي سلاح سيقاوم إذا كانت الخيانة من الرأس؟ [6][7].



إن الشعب الفلسطيني أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن ينكسر ويخسر روحه المعنوية، ويركن إلى القبول بالأمر الواقع، ويطأطئ رأسه إلى الأبد، وهذا ما لم يتم ولن يتم برغم التواطؤ الدائم. وإما أن يستمر رغم تخاذل مدّعي النخوة، ومن اختاروا الطريق الذي لا شوكة فيه، فأمنوا على أنفسهم وأموالهم وملذاتهم، وبالتالي؛ عليه أن يتعلم من الماضي حتى لا يلدغ من جحر الخونة في حياته وثوراته المستقبلية مرات ومرات.



فالعاقل الحكيم من اتعظ بغيره، فإن لم يأخذ ذلك فليتعظ بنفسه على أقل تقدير، وفي تراث شعبنا ما يكفيه من صور وأحداث تشكل لديه فهماً سليماً لطبيعة الصراع وأطرافه وعناصره، وبغير هذا لا يستقسم منطق، ولا تقوم حجة، واقرأ أبجديات الصراع الفكري ومراحله يأتيك بالخبر اليقين [8].



وقد استوعب الشعراء هذا الجانب، وفصلوا فيه، وأعطوه حقه في الأشعار، وتراهم يذكرونه صراحه في قصائدهم، وتورية إذا دعت حاجة أو لغرض من أغراض الشعر اقتضى ذلك، ولكن كثرة الطعنات القاتلة التي غرست في خاصرة شعبنا وظهره ممن ينتسبون زوراً وبهتاناً إلى ترابه الطاهر وأمته العفيفة لا يحجر الأقلام، فالشاعر الفلسطيني معروف بأنه ثوري الطابع، والثائر العقائدي لا تكسر الزوابع شراعه، ولا تنثر النسائم غراسه.



وجه الظلم السافر هذا برغم لظى فعله، ووضاعة تخطيطه، وإتقان برامجه، قد أحال الناس إلى طلب العلم، وإلى التفتيش عن ضروب الحقيقة، وبذا خاب فألهم، فكانت الأحداث الخيانية التي أريد بها تمزيق أواصر الشعب ووشائجه، وكسر إرادته وعزيمته بمثابة هزة حركت العقل النائم، وارتعاشه فتحت العيون النائمة أو المغيبة عن الوعي، فكانت بذلك رافداً من روافد الفهم السليم لمجريات الأمور، وخدمت مرحلة التمحيص والاختبار والاختيار من حيث لا تدري ولا تحتسب، وقد أرادوا بها أمراً، والله أراد أمراً، ولا تقف أمام ارادة الحكيم الجبار قوة.



والشعراء الفلسطينيون أمام حالات كهذه لا يكتفون بالنقد أو الشتم أو تبيان ما جرى، ولكنهم في الوقت ذاته يختصون ببيان موطن الداء وأسّ البلاء، ويكشفونه للناس حتى يحذروه.



فتراهم يشنون حملات قوية موجه لتجفيف مواقع الفتن، أو الانغماس في الشهوات، أو الانجرار وراء مقدمات الإسقاط الأخلاقي أو الأمني، ويشرعون سيوفهم في وجه كل رذيلة، ويسلطون الأضواء على كل منبع للفضيلة، وهم بذلك يتبنون أن الثقافة أصل التغيير[9].



اشتملت القصائد الشعرية التي تناولت هذا الجانب على بيان رذائل حب الذات، وحملت الازدراء لكل نفعي، وأسقطت في نظر الناس كل وصولي ومتملق، بوصف هؤلاء وهؤلاء تربة خصبة أمام المستعمر وزبانيته، يجدون فيهم القابلية للتجاوب معهم في مرامهيم وغاياتهم، بعكس المعدن الصلب والصافي من الرجال، ممن تكحلوا بالنور، وخفقت قلوبهم بالذكر والترتيل، وتزينوا بالمعالي والمكارم، فأنى للعدو أن يستعمل من لا يُؤجِّر عقله، ولا يبيع ضميره؟



ولا مجال لاستغراب أن الدعوة الإسلامية المعاصرة قد قامت لتحرير العقل من قيوده التي صدئت، ولمحاربة الرذيلة أنى كان باعثها وفاعلها، فنحن بالقرآن نسير، وله نجهد وندأب، فأنى لأمة ترجو لقاء الله واليوم الآخر أن تزل قدمها بعد الثبوت؟



وبأي وجه حق ينساق بشر إلى متاهة موالاة العدو وهم تتلى بين ظهرانيهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [10]؟ وإن لب دعوتنا هو "عمل بمقتضيات لا إله إلا الله في الواقع المشهود" [11][12]. بكل معانيها ومدلولاتها، وهذا يعطينا قوة إلى قوتنا، وعزيمة إلى عزائمنا، ونوراً تستضيء به بصائرنا.



وهل من غاية أسمى من أن نصوغ جيل الارتباط بالله ومنهاجه، لا بالاستعمار ومؤسساته وأهدافه؟






[1] للتوسع والشواهد، انظر: الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، ص 40 – 42 – 85 – 86 – 90.




[2] ارجع إلى: بين الرشاد والتيه، ص 105 وما بعدها.




[3] انظر: الشباب المسلم في مواجهة التحديات، عبد الله ناصح علوان، دار القلم – دمشق، الطبعة الرابعة 2002م، ص 73 – 79، وفيه كمّ من مفيد من المعلومات الإرشادية.




[4] اقرأ في ذلك: المسار، ص 57.




[5] انظر: بين الرشاد والتيه / مالك بني نبي / دار الفكر – دمشق، الطبعة الثانية 1988م، ص 105 – 110.




[6] بين الرشاد والتيه، ص 114 و198 وفيها زيادة تفصيل وبيان.




[7] هذا ما حصل مع رسول الله، فانظر: المنهج الحركي للسيرة النبوية، منير محمد الغضبان، دار المنار – الإردن، الطبعة السادسة 1990 م، ص 231 – 233.




[8] الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، مالك بن نبي، دار الفكر- دمشق، الطبعة الثالثة 1998م، ص 9.




[9] انظر: نظريات التنمية السياسية المعاصرة، نصر محمد عارف، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 1 1992 م، ص 306 – 308.





[10]. سورة الممتحنة / الآية 13.




[11] هلم نخرج من ظلمات التيه، ص 88.




[12] الولاء والبراء في الإسلام، محمد بن سعيد القحطاني، الفتح للاعلام العربي – القاهرة، 45- 28، ص – 1417، الطبعة السابعة.









Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles