Quantcast
Channel: منتدى فرسان الحق فرسان السُـنة خير الناس أنفعهم للناس
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

دور الدولة في إحياء الفروض الكفائية

$
0
0
دور الدولة في إحياء الفروض الكفائية


د. مصطفى عطية جمعة





تمثل هذا المقالة وما يليها المحصلة التطبيقية للتطواف الطويل الذي خاضه الباحث في هذا الأمر، وسعيه إلى تأصيل فروض الكفاية خاصة وعلم الأصول عامة، وما يرتبط بهما من قضايا وتقاطعات فكرية ومعرفية. لذا، اتجه الباحث إلى ثلاثة محاور، كلها ذات ارتباط عضوي، وأساس ارتباطها أدوارها المتوقعة لإحياء الفروض الكفائية، فجهود الفرد لا تكفي في إقامة هذه الفروض ولابد من مؤسسات وجمعيات تدعم هذه الجهود وتتبناها، وبالتالي يكون تناول الجهود الكبرى التي يتعين القيام بها من خلال المنظومات الاجتماعية المختلفة سواء التي ترعاها الدولة أو تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني، أو الأفراد أنفسهم. لذا، سيتم التطرق إلى تعريف الدولة، وما يجب أن تقوم به السلطة والحكومات في إحياء الفروض الكفائية، وهذه تمثل الحلقة الأولى والمظلة الكبرى، ثم يتم تناول مفهوم المجتمع المدني، ومؤسساته، وما يمكن أن يساهم به في الفروض الكفائية، ومن ثم ندرس أولويات الخطاب الإسلامي المبتغاة من أجل نشر الفهم الصحيح للفروض الكفائية، التي لا يمكن أن تنفصم عن أولويات الجماعة والفرد، ولا أولويات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

دور الدولة في إحياء الفروض الكفائية:
بدايةً، نشير أن هناك تعاريف كثيرة لمفهوم الدولة، لا مجال للتعرض لها، وإنما نكتفي بالإشارة إلى أبرز الحدود المتفق عليها في شكل الدولة الحديث، حيث يُنظَر إلى الدولة على أنها: تنظيم سياسي يكفل حماية القانون وتأمين النظام لجماعة من الناس تعيش على أرض معينة بصفة دائمة، وتجمع بين أفرادها روابط تاريخية وجغرافية وثقافية مشتركة. ولذلك لا يمكن الحديث عن الدولة في مجال جغرافي معين إلا إذا كانت السلطة فيها مؤسساتية وقانونية، وأيضا مستمرة ودائمة لا تحتمل الفراغ. كما يقترن اسم الدولة بمجموع الأجهزة المكلَّفَة بتدبير الشأن العام للمجتمع. هكذا تمارس الدولة سلطتها بالاستناد إلى مجموعة من القوانين والتشريعات السياسية التي تروم تحقيق الأمن والحرية والتعايش السلمي. وهناك علاقة مباشرة بين الدولة والمجتمع، فالدولة نابعة من الشعب، ومسؤولة من خلال أجهزتها عن حماية الشعب، والقيام بأعباء التنمية المختلفة[1].


فالدولة تتكون من حدود سياسية واضحة، تجمَّع على أرضها شعب ارتضى أن يخضع لسلطتها وقوانينها، ويعيش على أرضها، ويستمتع بخيراتها وحمايتها له. والأهم في هذا، أن الدولة لها ثقافتها الخاصة بها، والتي تسعى إلى الحفاظ عليها، وتنطلق في بنيتها التشريعية والفكرية والاجتماعية من خلالها.

والإسلام يحض على دعم مفهوم الدولة، ويوجب الفكر السياسي الإسلامي الحفاظ على مقومات الدولة وهيئاتها، فالدولة مهمتها حراسة الدين والرعية، وتحقيق مقاصد الشريعة. وشكل الدولة الحديثة، الذي هو تابع للنظام الدولي الحديث، لا يعادي في كل جوانبه القيم الإسلامية، وإن تم تقسيم الدول الإسلامية والعربية الآن بأشكال مفتعلة، وبحدود مصطنعة – فيها كثير من المشكلات - وضعتها قوى الاحتلال الغربية، ولكن بمرور السنوات، استطاعت هذه الحدود أن تفرض نفسها، وأن تتقبلها الشعوب، وتندمج في إطارها [2]، ولو إلى حين.

ولا بد على الدولة المسلمة الحديثة أن تعود إلى هويتها الحضارية، من خلال إحياء النظام العام الحاكم للأمة، وأن يكون نابعا من ثقافة الأمة وتراثها الحضاري، وهذا من شأنه تحقيق الوحدة الفكرية والنفسية للشعب، وبقدر تماسك الدولة بقدر ما تنتصر على ضعفها الداخلي، وتواجه عدوها الخارجي، وهو ما يسمى " القوة الحضارية " والمتمثلة في الوعي والإرادة والإدراك، والتي تشكل نوعا من الدافعية النفسية والاجتماعية التي تجعل الشعب يندفع إلى النهضة، ذلك أن تأسيس النهضة في حد ذاته، لا يحتاج إلى قدرات بالمعنى المادي، بل يبدأ من خلال إمكانيات إنسانية وطاقات وجدانية وبالأدق الطاقة الإنسانية الحضارية[3].

ومن هنا، فإن الإسلام حريص على دعم سيادة الدولة، ومنع تآكلها، لأن الدين ليس في القلوب فحسب، بل هو أيضا حركة في الواقع، وكل زحزحة له في ميادين الحياة الظاهرة، ليست إلا حركة مضادة، والمؤسسات في الإسلام تقوم أصلا على أوامر شرعية تحدد أسسها وغايتها [4]، هذا الكلام يتوجه إلى الدولة القطرية، مثلما يوجه إلى الدولة الإسلامية الجامعة لأقاليم الإسلام (دولة الخلافة).

ويجدر بالذكر أن مصطلح السلطة كان يطلق قديما على المنظومة السياسية الحاكمة وقتئذ مثل: الخلافة، الإمامة، الملك، السلطنة، أما مصطلح الدولة فقد كان مستعملا ولكن بمفهوم أضيق من دلالته في عصرنا الحاضر[5]، وقد كان مفهوم الحكم معبرًا عن كل ما يرتبط بالتحكم بمقدرات الأمة السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، والألفاظ الداخلة في دلالة الحكم هي أسماء الحاكم، أي الاسم الذي يطلق على من يحكم البلاد، وقد اختلفَ من عصر لآخر كما اختلف من مكان لآخر [6]. فلا ينبغي أن نُسقِط مفهوم الدولة الحديث على أشكال الحكم القديمة، علما بأن المفهوم والشكل الحديثينِ مرتبطان كثيرا بالطابع العلماني للدولة، بعكس المفاهيم القديمة للحكم، فقد كانت موصولة بالطابع الشرعي الذي يجعل الحاكم يبايعه الناس، وإن تولى الحكم بالوراثة أو بالغلبة، وكان يحتكم إلى القاضي، ويحكم بالشريعة.

أما في عصرنا الحديث، فإننا نعاني من تفرق العالم الإسلامي إلى دول متفاوتة في المساحة والسكان والحضارة، وهذا أمر واقع، بجانب أزمة شاملة في بنية الدولة والسلطة، بسبب انفصالها العميق عن الشعب وإرادته، فالدولة تعيش حالة من فقدان الاتزان (عبّرت عنها الثورات العربية الأخيرة) وتجلت أزمتها في فقدان الشرعية في الحكم، وسيادة التسلط والقمع الفكري، وتعمد السلطة – إن كانت موسرة أو فقيرة – على نشر ثقافة الاستهلاك والتبعية، مما أدى إلى تغييب الشعب، ونخبته العلمية والمبدعة، وتعثر المشروعات الكبرى، وتعقّد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية [7].

فالحاجة اليوم ماسة لبلورة صيغة حضارية، تضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع (الشعب ونخبته ومنظمات المجتمع المدني)، وتكون علاقة تفاعل وتكامل، باعتماد الشورى وسيادة القانون، ودعم الحريات السياسية والنقابية[8]، والأهم إعادة الاعتبار للتشريع الإسلامي فلا يكون مجرد بند دستوري دون تفعيل قانوني وواقعي، ولا استلهام لروحه في الثقافة والحكم.

كما يتعين أن تكون النهضة وفق أسس مشتركة بين الدول الإسلامية المعاصرة، تراعي العودة إلى جوهر الشريعة، واستلهام روحها ومبادئها، وفي نفس الوقت، تنسّق مع سائر الدول المسلمة القطرية، مستفيدة بخبراتها وكوادرها وسبقها الحضاري، أملا في إحياء ثقة مفقودة في الكفاءات المسلمة بدلا من " عقدة الخواجة "، ووضع الأجنبي (الأشقر ذي العيون الزرقاء) في مرتبة عالية.

أما عن علاقة الدولة بإحياء الفروض الكفائية، فهي علاقة وطيدة، فلا إحياء يتجاهل سلطة الدولة، لأنها سترعاه، وتوفر له الإمكانيات، وتتبنى خطة الإحياء ورؤيته، وتقدّم للخبراء أوجه النقص التي يعانيها المجتمع لكي يحثوا الشباب وعامة الناس على التوجه إليها. ولو أخذنا مثالا على ذلك، فهناك دول ثرية مسلمة، يغلب على شبابها التوجه نحو الدراسات الإسلامية الشرعية أما غير الجاد فهو يكتفي بالمرحلة الثانوية أو المتوسطة، ساعياً إلى الوظائف الحكومية أو إعانات الدولة الاجتماعية، ويندر من يتخصص في الطب والهندسة والعلوم وسائر المهن العصرية، فتضطر هذه الدولة إلى الاستعانة بكوادر أجنبية بعضها مسلمون وبعضها غير مسلمين، فيجب على ولي الأمر (سلطة الدولة)، بمعية الخبراء وعلماء الشريعة أن يحثوا الشباب على ذلك، ويفهموهم الأبعاد الشرعية لسد هذا النقص، وأنهم على ثغور لا تقل عن الجهاد أو الرباط.

ونفس الأمر، نجده في دولة كبيرة مثل السودان، بها من الأراضي الزراعية والمياه العذبة والغابات والحشائش مساحات هائلة، ومع ذلك يعاني الشعب من الفقر، ويغترب أبناؤه، وتوجد مجاعات في بعض أجزائه. فلا بد أن يتدخل الخبراء والعلماء لكي يحضوا الناس على العمل واستثمار الخيرات الكثيرة، ويضعوا أمام السلطة وصانع القرار خطة متكاملة تعالج النقص القانوني إن وجد، وفيها من المحفزات للشباب والناس الكثير، وتقوم السلطة بتبني الخطة، وتعممها عبر توعية إعلامية وثقافية وفكرية.

وبعبارة موجزة، فإن الدولة ممثلة في حكومتها ومسؤوليها عليها عبء كبير في التعرف على مشكلات المجتمع، ووضع حلول لها، واستنهاض الهمم والكوادر لتلافي النقص، والأهم إعادة بث روح الإسلام، وجوهر الشريعة.



[1] انظر تفصيلا: مفهوم الدولة وتطوره في: قاموس التنمية، م س، ص552- 555، وفيه نقاش ثري عن تطور مفهوم الدولة وعلاقتها بالقومية، دورها في قضايا التنمية.

[2] انظر: الإسلام والدولة الحديثة، د. عبد الوهاب أحمد الأفندي، دار الحكمة، لندن، ص150 – 152.

[3] حضارة الوسط، نحو أصولية جديدة، د. رفيق حبيب، دال الشروق، ط1، 1422هـ، 2001م، ص242.

[4] التكافل الاجتماعي في الشريعة الإسلامية والقوانين الأوروبية، د. محمد كمال الدين إمام، مجلة المسلم المعاصر، القاهرة، العدد 111، 1425هـ، 2004، ص17.

[5] المجتمع المدني بين النظرية والتطبيق، د. الحبيب الجنحاني، بحث منشور في مجلة عالم الفكر، الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، مارس 1999 م، ص38.

[6] المعطيات الدلالية لألفاظ الحكم والإدارة في كتاب صبح الأعشى، د. فاطمة العازمي، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ص14.


[7] العرب من دولة المشروع إلى مشروع الدولة، محمد محفوظ، مجلة الكلمة، بيروت، العدد 26، شتاء 2000م، ص51، 52.

[8] السابق، ص53، 54.







Viewing all articles
Browse latest Browse all 1343

Trending Articles